أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

ملف ضاغط:

كيف ستتعامل الحكومة العراقية مع إعادة إعمار المناطق المحررة؟

04 يونيو، 2018


تواجه الحكومة العراقية المقرر تشكيلها في الفترة المقبلة بعد إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية الأخيرة، تحديات لا تبدو هينة، في ظل تعدد ملفات الإصلاح الاقتصادي والسياسي التي يجب اتخاذ إجراءات سريعة بشأنها من أجل تحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في نهاية المطاف. ومن بين أبرز هذه الملفات عمليات إعادة الإعمار التي لا تكتسب أهميتها من الناحية الإنسانية فقط وإنما من الناحية السياسية والأمنية أيضًا، لدورها المؤكد في قطع الطريق أمام عودة تنظيم "داعش" إلى المناطق المحررة أو ظهور جماعات مسلحة وميليشيات إرهابية جديدة بتلك المناطق.

ويترقب المجتمع الدولي التبعات المحتملة لنتائج الانتخابات البرلمانية، خاصة فيما يتعلق بمدى تأثيرها على اتجاه الحكومة نحو تبني آليات فعالة لتنفيذ عمليات إعادة الإعمار، وهو ما يتوازى مع تعهد القوى الدولية والإقليمية مؤخرًا بمليارات الدولارات لدعم تلك العمليات. وربما لا يتنظر الشركاء الدوليون من الحكومة الجديدة مجرد تبني الأطر التشريعية والتنفيذية اللازمة للبدء في برامج إعادة الإعمار، وإنما معالجة المخاوف الخاصة بانتشار الفساد والبيروقراطية، التي تهدد تنفيذ مشروعات إعادة الإعمار. 

أهمية خاصة

على مدار العقدين الماضيين، تراكمت العديد من المشكلات على كافة الأصعدة التي ينبغي على الحكومة الجديدة التعامل معها. وتتمثل أهم المشكلات الاقتصادية في تدني المستويات المعيشية وارتفاع معدل الفقر بين السكان إلى حوالي 22%، بجانب نقص الخدمات الأساسية على غرار الكهرباء والمياه وضعف البنى التحتية من الطرق والكباري والمنشآت الصحية والتعليمية وغيرها، فضلاً عن مشكلات تتعلق بتراجع كفاءة بيئة الاستثمار في العراق والناجمة عن ضعف النظام الإداري وانتشار الفساد. 

ولعل قضية إعمار المناطق المحررة من تنظيم "داعش" وإعادة تأهيلها تعد أحد الملفات الرئيسية الأخرى التي ينبغي على الحكومة الجديدة أن توليها اهتمامًا خاصًا، لا سيما مع ارتفاع حجم الخسائر المادية التي تكبدتها البلاد بعد الحرب التي امتدت ثلاث سنوات مع تنظيم "داعش"، والتي بلغت قيمتها 46 مليار دولار شملت تدمير 147 ألف وحدة سكنية وفق وزارة التخطيط العراقية، في الوقت الذي شهت فيه العراق أيضًا نزوح أكثر من مليون شخص.

وإلى جانب الخسائر المباشرة، أدت الحرب مع "داعش"، بجانب هبوط أسعار النفط منذ عام 2014، إلى تراجع كبير للأنشطة الاقتصادية حتى بلغ الانكماش في القطاع غير النفطي نسبة 21.6% خلال الفترة بين (2014-2016) قبل أن تعاود النمو مرة أخرى في عام 2017 وفق تقديرات البنك الدولي.

وتدرك الحكومة العراقية مدى أهمية الإسراع في إعادة إعمار المدن المحررة من "داعش". ومن هنا، بدأت في تنفيذ مشروعات إعادة إعمار بعض المنشآت بالمدن المحررة مثل الموصل ونينوى، لا سيما تلك المتعلقة بالخدمات الحيوية مثل الكهرباء والمياه، كما انتهت مؤخرًا من تأهيل مصفى "الكسك" في محافظة نينوى البالغ طاقتها 10 آلاف برميل يوميًا.

وإجمالاً، حددت الحكومة احتياجها إلى قرابة 88 مليار دولار لأغراض إعادة إعمار المدن المتضررة جراء الحرب ضد "داعش"، تشمل إعادة بناء منشآت مدمرة من بينها مطار الموصل، وتوفير استثمارات جديدة لتنويع موارد الاقتصاد المعتمد على النفط من خلال تطوير قطاعات النقل والزراعة وصناعات تعتمد على ثروة البلاد من الطاقة مثل البتروكيماويات وتكرير النفط.

وعلى المستوى الدولي، كشف مؤتمر إعادة إعمار العراق الذي عقد في الكويت، في فبراير الماضي، عن استعداد غير مسبوق من قبل الدول والجهات الدولية المختلفة لمساندة العراق في إعادة إعمار المناطق المتضررة من "داعش"، إذ تعهد المانحون خلال المؤتمر بتقديم مبالغ بقيمة 30 مليار دولار في هذا المجال. 

مخاوف عديدة  

مع إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية، ظهرت مخاوف عديدة لدى الأوساط الاقتصادية والسياسية العراقية بأنه لن يكون هناك توافق تام بين أعضاء الحكومة الممثلين من تيارات سياسية مختلفة حول أولويات ملفات الإصلاح السياسي والاقتصادي. ورغم ذلك، تدرك كافة الأطراف السياسية العراقية أن تأخر إحراز تقدم في هذا الملف لن يصب في مصلحتها، في الوقت الذي تدفع فيه القوى الدولية نحو الإسراع في هذا الملف لقطع الطريق أمام عودة تنظيم "داعش" إلى المناطق المحررة أو ظهور أى تنظيمات إرهابية أخرى فيها.

 ويعني ذلك أنه سيكون هناك، على أقل تقدير، توافق بين أعضاء الحكومة العراقية والمدعومة من تيارات سياسية مختلفة حول ضرورة الإسراع في وضع الأطر التشريعية والتنفيذية اللازمة للبدء في عمليات إعادة الإعمار. وفيما يبدو أيضًا أن تنوع التيارات السياسية داخل الحكومة العراقية- والتي لديها علاقات متبانية بالقوى الدولية- قد يضمن، وفقًا لاتجاهات عديدة، انفتاح العراق على كافة الشركاء على المستوى الدولي وبما يعزز من احتمال حصولها على الدعم والتمويل الدولي من جهات مختلفة. 

ومع ذلك، تظل هناك تحديات أخرى ينبغي على الحكومة العراقية التعامل معها في الفترة المقبلة لضمان استمرار الدعم الدولي لعمليات إعادة الإعمار، ينصرف أهمها إلى تحديد برنامج تفصيلي واضح لمشروعات إعادة تأهيل البنية التحتية كى يتسنى للجهات والشركات الدولية المشاركة بها. فيما يخشى كثير من المستثمرين، بحسب ترجيحات مختلفة، المشاركة في مشروعات إعادة الإعمار بالعراق دون وجود ضمانات مالية كافية أو عوائد استثمارية مجدية.  

فضلاً عن ذلك، تواجه الحكومة تحديات أخرى على غرار تعقيدات النظام الإداري والبيروقراطية، إلى جانب انتشار الفساد، حيث تُصنف العراق في مرتبة متأخرة في مؤشرات الفساد العالمية ومنها المرتبة 169 من أصل 180 في مؤشر مدركات الفساد لعام 2017 الذي تصدره منظمة الشفافية الدولية. وبالطبع، فإن الممارسات الفاسدة لا تقلل فقط من الدعم الدولي، وإنما قد تعرقل مشاريع إعادة الإعمار وتؤدي إلى إهدار الأموال في مشاريع غير مجدية وإثارة الاستياء العام.    

ومن هنا، ينبغي على الحكومة العراقية الجديدة الإسراع في تعزيز الاستقرار الأمني في المحافظات الشمالية كى يتسنى للشركات والجهات الدولية المشاركة في مشروعات إعادة الإعمار، وهو ما لن يتأتى دون مشاركة مختلف المكونات السياسية والاجتماعية بالمحافظات الشمالية في السلطة، وذلك بالتوازي مع تقديم الضمانات الأمنية والسياسية وتفعيل مبادئ الحوكمة والشفافية لضمان الحصول على الدعم المالي الذي تعهد بها الشركاء الدوليون لإعادة الإعمار في الأشهر الماضية.