أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

نمط متجدد:

دلالات انتشار ظاهرة "الأغاني السياسية" في المنطقة

15 مايو، 2018


بدأت بعض القوى السياسية داخل عدد من دول المنطقة في تبني آلية جديدة سواء للدعاية الانتخابية أو للتعبير عن مواقفها إزاء بعض القضايا الداخلية والإقليمية، تمثلت في الاعتماد على الأغاني والقصائد الشعرية السياسية التي تحث الجمهور على المشاركة في العملية السياسية سواء من خلال الترشح أو الانتخاب أو تبني موقف محدد من إحدى القضايا المطروحة. ورغم أن الأغاني السياسية في حد ذاتها تعد أحد أشكال التعبير الفني عن الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط منذ عشرات السنوات، إلا أن الأنماط الجديدة التي ظهرت عليها، وطريقة توظيفها الحديثة هى التي جعلت من انتشارها في الوقت الحالي ظاهرة قيد الملاحظة.

وبعبارة أخرى، يمكن القول إن هذه الآلية في الترويج للانتخابات والأحداث والمواقف السياسية المهمة لم تكن جديدة، حيث سبق أن انتشرت خلال فترة الستينيات من القرن الماضي، إلا أن تحولها من النمط الكلاسيكي الهادئ إلي الشكل الحالي الشعبي الصاخب الاحتفالي الذي يهدف إلي إشعال حماسة المتلقي وجذب انتباهه، يعتبر المتغير الأبرز والأهم الذي ساهم في توجيه الانتباه إليها وربما انتشارها عبر بعض دول المنطقة، نظرًا لقربها من الشارع الذي تزايد دوره وتأثيره بعد اندلاع الثورات والاحتجاجات العربية منذ نهاية عام 2010، وهو الدور الذي يعد في الوقت نفسه سببًا في اتجاه القائمين على هذا النوع من الترويج الإعلامي إلى مخاطبة الفئات البسيطة والمهمشة في أعمالها الفنية الصاخبة المختلفة شكلاً ومضمونًا مع النماذج التقليدية الكلاسيكية من الأغاني التي انتشرت قبل حقبة الثورات.

وفي هذا السياق، لجأت الأطراف التي تبنت هذا النمط من الترويج إما إلى تحوير كلمات أغاني ناجحة وموجودة بالفعل لصالح أحد ‏المرشحين أو إحدى الكتل الانتخابية أو لدعم مواقفها السياسية، أو إلى تأليف أغاني جديدة، تركز على ما تسميه بـ"إنجازات" المرشح أو الكتلة في محاولة لإقناع الجمهور وكسب تعاطفه ودفعه إلى التصويت لصالحها، أو على مخاطر التغاضي عن التعامل مع قضية اجتماعية أو سياسية معينة، على  نحو ما بدا جليًا في دول مثل لبنان والعراق وتركيا.

ويمكن القول إن شعبية شاشات التليفزيون قد وفرت مساحة تأثير أكبر لهذه الأغاني. إذ يعتبر التليفزيون من أهم وسائل وآليات الحملات الانتخابية والتواصل مع الناخبين، والترويج للمواقف من القضايا السياسية والاجتماعية المختلفة. وانعكس ذلك بشكل واضح، على سبيل المثال، في الجدل الذي أثارته إحدى القنوات اللبنانية، في 24 إبريل 2018، عندما قامت ببث أغنية اعتبرت اتجاهات عديدة أنها تتسم بأبعاد "عنصرية" ضد اللاجئين السوريين، حيث سخرت من استئجارهم بيوتًا غير صالحة للسكن في لبنان وإنجابهم عددًا كبيرًا من الأطفال لدرجة حولتهم إلى الأكثرية في حين بات اللبنانيون مغتربين في بلدهم حسب رؤية الفائمين عليها.

دوافع مختلفة: 

يمكن تفسير تزايد انتشار هذا النمط من الترويج الإعلامي للاستحقاقات الانتخابية والمواقف السياسية داخل بعض دول المنطقة في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في:

1- المساعدة على تجاوز ضعف البرامج الانتخابية: وهو ما برز، علي سبيل المثال، في الحملات التي سبقت الانتخابات البرلمانية العراقية التي أجريت في 12 مايو الحالي، حيث أذاعت بعض وسائل الإعلام، والتي يغلب عليها التبعية الحزبية والسياسية للكيانات السياسية والدينية الكبري في العراق، الأغاني التي أعدت لكل كتلة سياسية على حدة، وتلك التي تدعو إلي انتخاب أشخاص بعينهم، وذلك بدلاً من التركيز على البرامج الانتخابية لهذه القوائم، والاكتفاء بسرد ما حققته هذه القوائم خلال الفترة الماضية في الأشعار والأغاني التي أعدت لها، على نحو دفع اتجاهات عديدة إلى اعتبار ذلك مؤشرًا على ضعف تلك البرامج وفشلها في استيعاب المطالب الأساسية للناخبين.

2- ضمان الوصول إلى جمهور أوسع: يضمن هذا النمط من الترويج الإعلامي الوصول إلى أوسع نطاق من الجماهير المستهدفة، فضلاً عن التركيز على فئة غير المهتمين بسير العملية الانتخابية والمشاركة فيها أو بالقضايا السياسية العامة، عبر وسائل الإعلام التي تكثف من إذاعة هذه الأعمال الغنائية والشعرية قبيل الاستحقاق الانتخابي.

وبدا ذلك جليًا قبيل إجراء الاستفتاء على التعديلات الدستورية في تركيا، في 16 إبريل 2017، حيث انتشرت الأغاني السياسية التي أعدتها الكتل الداعمة لحزب العدالة والتنمية والمؤيدة للتصويت بـ"نعم" أو "ايفيت" في الاستفتاء، مقابل الأغاني التي بثتها الأطراف المناوئة للتعديلات الدستورية والمؤيدة للتصويت بـ"لا" أو "هلير"، وفي مقدمتها حزب الشعب الجمهوري.

كما تضمن الأغاني الاستمرار في التداول حتي خلال فترة الصمت الانتخابي رغم امتناع القنوات الفضائية والتليفزيونية الملتزمة بالقانون الانتخابي عن إذاعتها، وهو ما يوفر للمرشح، نظريًا، مجال تأثير أكبر على الناخب، وحثه على التصويت، لا سيما من خلال مواقع التواصل الاجتماعي وصفحات الناشطين إلى جانب المؤيدين في الشارع.

3- التعبير عن الاهتمام بالتطورات والأحداث السياسية المختلفة: وهو ما بدا جليًا قبيل الاستفتاء على انفصال إقليم كردستان عن العراق الذي أجرى في 25 سبتمبر 2017. إذ أبدت قوى كردية عديدة خلال الفترة التي سبقت الاستفتاء اهتمامًا خاصًا بإعداد أغاني تدعو إلى الاستقلال عن العراق.

واللافت أنها استثمرت أيضًا أجواء الانتخابات النيابية الأخيرة للغرض ذاته. فعلى سبيل المثال، عملت قناة "تيريت" الفضائية التابعة للجبهة التركمانية الناشطة في مدينة كركوك على تسجيل مقاطع غنائية كثيرة تؤكد على ما تسميه بـ"تركمانية" كركوك، فيما بثت قناة "كركوك" التابعة للاتحاد الوطني الكردستاني، أغانٍ تدعو إلى ضم مدينة كركوك إلى إقليم كردستان، فضلاً عن التصويت لصالح التحالف الكردستاني.

وفي النهاية، يمكن القول إن تغير شكل دور وسائل الإعلام في الترويج للاستحقاقات الانتخابية والمواقف السياسية، واعتماد جزء ما من هذا الدور على آلية الأغاني الداعية لانتخاب مرشح أو كيان سياسي بعينه أو لدعم مواقف سياسية محددة، إنما يأتي انعكاسًا للتحول الذي شهده دور الشارع عقب حقبة الثورات والاحتجاجات العربية، والتي فرضت اهتمامًا خاصًا بما أطلقت عليه اتجاهات عديدة "لغة الشارع" ومفرداته بعيدًا عن الشعارات السياسية وآراء النخب، وهو ما يشير ضمنيًا إلي ترجيح مواصلة استثمار هذه الآلية مستقبلاً، كوسيلة لضمان الوصول للناخبين والجمهور بشكل عام لحثهم على المشاركة في العملية الانتخابية أو دعم قوى سياسة معينة.