شهد استخدام الطائرات بدون طيار في الصراعات الداخلية تصاعدًا ملحوظًا في الآونة الأخيرة، حيث كشف هجوم سرب من الدرونز على قاعدة حميميم الجوية الروسية في سوريا في يناير 2018 عن الطفرة التقنية التي مكَّنت الفاعلين المسلحين من غير الدول (مثل: الميليشيات المُسلحة، والجماعات الإرهابية، وعصابات التهريب، والجريمة المنظمة) من تنفيذ عمليات الاستطلاع والهجوم بالاعتماد على الدرونز نتيجة انخفاض تكلفتها، وسهولة الحصول عليها، وصعوبة تتبع مصدرها، ومحدودية الخسائر البشرية المترتبة على استخدامها.
تصاعد التهديدات:
لم يعد استخدام الدرونز يقتصر على عمليات القوات المسلحة النظامية، حيث تزايد اعتماد الجماعات المسلحة في مناطق الصراعات المسلحة على الدرونز لتنفيذ هجمات موجهة ضد أهداف عسكرية، حيث أكد البيان الصادر من وزارة الدفاع الروسية في يناير 2018 عن تعرض قاعدتيها البحريتين في حميميم وطرطوس السورية لهجوم من سرب مكون من 13 طائرة بدون طيار "درونز" محملة بصورايخ، واستطاعت وسائط الدفاع الجوي صد هذه الدرونز، وأكد البيان أن مصدر إطلاقها بلدة الموزرة الواقعة جنوب غرب إدلب. كما أشار أيضًا تقرير صادر في يونيو 2017 إلى أن القوات الأمريكية في الرقة تعرضت لهجمات من الدرونز التابعة لداعش، ليس هذا فحسب، بل إنّه خلال معركة تحرير الموصل قام مقاتلو داعش بإطلاق من 10 إلى 15 هجمة بالدرونز بشكل يومي على القوات العراقية.
بينما قامت بعض الجماعات المسلحة بإطلاق درونز محملة بالمتفجرات ضد قوات البيشمركة وعدد من الجنود الفرنسيين في كردستان العراق في أكتوبر 2016، واعتُبِرت هذه الحادثة بمثابة مؤشر خطير على امتلاك هذه الجماعات المسلحة لما يُسمَّى بالآليات الهوائية مجهولة "الدرونز".
ولا تكتفي الجماعات الإرهابية بإنتاج الدرونز، بل إنها تقوم بتصنيعها أيضًا، ففي ديسمبر 2015 بعد الإعلان عن تطهير مدينة الرمادي العراقية من تنظيم داعش، اكتشفت قوات التحالف الدولي ما وُصف بأنه خط إنتاج لتصنيع درونز تابعة لداعش، وتم العثور على العديد من الأدوات التي تُستخدم في هذا الغرض (مثل: مجسمات للدرونز، وكاميرات، وأجهزة تحكم عن بعد)، وهو ما يشير إلى محاولة التنظيم إنشاء خطوط لإنتاج الدرونز بحجم أكبر وبإمكانيات أعلى تتيح حمل كمية كبيرة من المتفجرات والأسلحة.
وقد قامت قوات التحالف الدولي بتخصيص موارد مالية لاستخدام آليات تكنولوجية حديثة في مواجهة تهديدات الدرونز المتصاعدة. فعلى سبيل المثال، قامت القوات الأمريكية خلال العامين الماضيين بتوظيف وحدات لمواجهة الدرونز بشكل متواصل في العراق وخاصة في مدينة الموصل، وهي إما عبارة عن وحدات تعتمد على أجهزة إلكترونية لإيقاف وتعطيل الدرونز وتوفير غطاء للصفوف الأمامية من القوات العراقية، أو آليات محمولة تستخدمها القوات لتعطيل الإشارة التي تستقبلها الدرونز لتنفيذ مهامها.
وفي هذا الإطار، صدرت العديد من التقارير الدولية التي تحذر من إمكانية تطوير الفاعلين من غير الدول للدرونز لاستخدامها ليس فقط كسلاح تقليدي بل كأحد أسلحة الدمار الشامل أيضًا، ففي نوفمبر 2017، حذر منسق شئون مكافحة الإرهاب في الاتحاد الأوروبي "جيل دي كيرشوف" من احتمالية تطوير تنظيم القاعدة وتنظيمات مسلحة أخرى فيروسات وأوبئة ونشرها في مناطق واسعة باستخدام الدرونز، حيث أكّد على قدرة هذه التنظيمات على إنتاج هذه الأسلحة البيولوجية في وقت قريب. وفي الوقت نفسه، حذّر خبراء حرب أمريكيون من تطوير الجماعات المسلحة أسلحة كيماوية ومواد مشعة واستخدامهم للدرونز أيضًا في نشرها، وهو ما يعتبر الخطوة التالية في التصعيد من قبل هذه التنظيمات ضد قوات التحالف الدولي بإجماع عدد من الخبراء.
وامتد استخدام الدرونز ليصل إلى تهريب الأسلحة والمخدرات والمواد غير المشروعة. ففي أغسطس 2017، قامت قوات حرس الحدود الأمريكية باعتقال شخص قام بالاشتراك في تهريب كمية كبيرة من المخدرات من المكسيك إلى داخل الولايات المتحدة باستحدام درونز عند النقاط الحدودية بالقرب من سان دييجو. كما أعلنت الشرطة الكولومبية أيضًا عن استخدام عصابات المخدرات للدرونز في تهريب الكوكايين بكميات كبيرة عبر الحدود الدولية، حيث قامت هذه العصابات بتهريب كوكايين إلى بنما باستخدام درونز قادرة على حمل 10 كلجم للدرون الواحدة كل مرة. وفي السياق نفسه، أعلنت وزارة العدل البريطانية في ديسمبر 2017 القبض على عصابة تقوم بتهريب مواد متعددة -منها مخدرات- داخل السجون البريطانية باستخدام الدرونز.
دوافع متعددة:
يرجع الاعتماد على الدرونز في الصراعات الداخلية ومن قبل عصابات الجريمة المنظمة لقدراتها العالية وقلة تكلفتها، وإمكانية تعديل الدرونز التجارية للاستخدام في أغراض عسكرية، بالإضافة إلى صعوبة التتبع، كما أن تعقُّد المواجهات في الصراعات الداخلية يتطلب حلولًا غير تقليدية، وهو ما يمكن توضيحه فيما يلي:
1- قلة التكلفة: حيث تتسم الدرونز بقدرتها على التحليق لمسافات بعيدة، وقدرتها على العمل لساعات طويلة تصل إلى ١٧ ساعة بشكل متواصل دون الحاجة لوجود أي عنصر بشري على متنها، وهو ما يُتيح للجماعات المسلحة وعصابات الجريمة المنظمة تنفيذ أهدافهم من خلالها بكفاءة عالية ودون تعريض عناصرهم البشرية للخطر.
2- سهولة التعديل: تقوم الجماعات المسلحة بشراء الدرونز التجارية وتوظيفها في أغراض عسكرية، وقد أشارت بعض التقارير مؤخرًا إلى استخدام مقاتلي داعش درونز تجارية تم تصنيعها في الصين بمبالغ زهيدة، لا سيما الدرونز الصينية من طراز (X-8)، والتي يتم بيعها على بعض مواقع البيع الإلكتروني، وبالرغم من أنها كانت مخصصة لأغراض المراقبة والتصوير، إلا أنه تم توظيفها في الاستطلاع وإسقاط القذائف من قبل داعش في سوريا، وقد أشارت بعض التقارير إلى أنّ المرة الأولى التي يُكتشف فيها استخدام الدرونز التجارية لأغراض عسكرية عندما قامت درونز (X-8) بقتل جنديين من البيشمركة وإصابة جنديين فرنسيين بالقرب من سد الموصل في العراق وذلك في أكتوبر 2016.
3- صعوبة التتبع: صرح عدد من الجهات التي تقوم بتصنيع الدرونز التجارية بأنها لا تستطيع إجبار المشترين على استخدامها في أغراض محددة، فهي لا تعتبر نفسها مسئولة عن تعديل التكنولوجيا لاستخدامها في أغراض حربية، وترى هذه الشركات أنّ استخدام الدرونز التجارية في الحروب يُماثل تمامًا استخدام السيارات المفخخة والشاحنات في العمليات الإرهابية، يضاف إلى هذا عدم وجود قيود على عمليات شراء الدرونز التجارية بأي كمية.
4- الدعاية الإرهابية: تستخدم الجماعات الإرهابية الدرونز كإحدى وسائل الدعاية الإعلامية التي تُمكِّن التنظيم من تسويق نفسه واستعراض قدراته التكنولوجية. فعلى سبيل المثال، قام تنظيم داعش ببث العديد من المقاطع المصورة التي تظهر فيها درونز تقوم بإسقاط قذائف على الجنود في سوريا أو العراق، وهو ما يؤدي إلى خلق صورة ذهنية عن قدرة التنظيم على تطوير نفسه وقدرته على مواجهة قوات التحالف الدولي.
5- صغر الحجم: تلجأ عصابات الجريمة المنظمة إلى استخدام الدرونز في أنشطتها التهريبية بسبب صغر حجمها وصعوبة اكتشافها، مقارنة بالطرق التقليدية للتهريب التي كانت تعتمد على السيارات والمناطق الحدودية الوعرة وكذلك الأنفاق الحدودية، فصغر حجم الدرونز في ظل الاتساع الشديد لبعض الحدود الدولية والتي تصل إلى آلاف الأميال -في بعض الأحيان- يؤدي إلى صعوبة بالغة في اكتشاف وضبط الأنشطة التهريبية باستخدام الدرونز من قبل القوات الحدودية، كما يؤدي الاعتماد على الدرونز إلى صعوبة ضبط العناصر البشرية المتورطة في عصابات التهريب مقارنة بطرق التهريب التقليدية.
آليات المواجهة:
تتزايد التخوفات من أن يتم استخدام الدرونز في العمليات الإرهابية خارج مناطق النزاعات في المستقبل القريب، وقد صدرت بالفعل دراسات وتحذيرات كثيرة في هذا الصدد، حيث أشار بعض الخبراء الأمنيين البريطانيين إلى أنّ استخدام الجماعات الإرهابية للدرونز في تنفيذ عمليات عنف بداخل المملكة المتحدة "لا يتعدى مسألة وقت"، وأفادت بعض التقارير الأمنية إلى أن بعض التنظيمات الإرهابية -وخصوصًا داعش- قد حاولت نقل بعض الدرونز والمواد المتفجرة المرتبطة بها إلى العناصر المتطرفة الموجودة في أوروبا، حيث قد يجري التخطيط لاستخدامها في الهجوم على التجمعات والحشود المدنية خلال فعاليات رياضية أو حفلات وما شابه ذلك.
كما يؤدي استخدام الدرونز في الصراعات الداخلية المسلحة إلى ارتفاع تكلفة الخسائر البشرية بين المدنيين بشكل كبير، نظرا لعدم تفرقة هذه الطائرات الالكترونية بين الأهداف والمدنيين، ولا يقتصر هذا الأمر على الجماعات المسلحة والعصابات التي تستخدم أنواعًا بدائية من الدرونز أحيانًا، بل يمتد أيضًا إلى الجيوش، حيث أشارت دراسة أجراها أحد الخبراء العسكريين الأمريكيين في يوليو 2013 إلى أنّ استخدام الدرونز في أفغانستان أدى إلى زيادة الخسائر البشرية بمقدار عشرة أضعاف مقارنة باستخدام الأسلحة الحربية التقليدية، كما صدرت تقارير مشابهة عن الخسائر البشرية والمدنية الكبيرة الناتجة عن استخدام الدرونز في باكستان وليبيا والصومال. وهو ما يتطلب مجموعة من الإجراءات التي يأتي على رأسها: ضرورة وضع آليات محددة من قبل الشركات والدول تتيح إمكانية تتبع مشتري الدرونز التجارية، وتوضيح هوياتهم، وتسجيلهم في قواعد بيانات تحوي معلومات كاملة عن المشتري وغرضه من الشراء.
وفي السياق نفسه، تتزايد الحاجة لوجود تشريعات دولية واضحة تقوم بتطبيق معايير محددة لإنتاج واستخدام الدرونز، بالإضافة لذلك وجود آليات تكنولوجية تسمح بتشفير أجهزة التحكم للدرونز، ويمكن استخدام هذه الشفرات لإيقاف طراز محدد من الدرونز في إقليم جغرافي ما عن العمل إذا ما ثبت استخدامه في أغراض حربية.
ختامًا، ينطوي تصاعد توظيف الدرونز في الصراعات الداخلية من جانب الفاعلين المسلحين من غير الدول على تهديدات متعددة لا تقتصر على الهجوم على القوات النظامية، وإنما تشمل تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف حشود المدنيين بصورة غير متوقعة، أو قيام بعض الجماعات بنشر فيروسات أو أوبئة أو مواد مشعة في المناطق السكنية بالمدن الكبرى، وهو ما يزيد من أهمية التحكم في تصنيع وتطوير وتداول الدرونز، وتطوير أنظمة إلكترونية لاكتشافها ومواجهتها.