تضع الحكومة العراقية ضمن أولوياتها حاليًا إعادة تأهيل قطاع النفط بالمحافظات الشمالية، لا سيما بعد أن تمكنت مؤخرًا من استعادة السيطرة على حقول كركوك عقب انسحاب ميليشيا البيشمركة الكردية منها في منتصف أكتوبر 2017، بالإضافة إلى عدة حقول أخرى في محافظة الموصل. وحسب ما تشير إليه توجهات الحكومة العراقية، فإنها تعتزم التعاقد مع شركة نفط أجنبية لمضاعفة القدرة الإنتاجية لحقول نفط شمال كركوك، كما تسعى إلى إعادة تأهيل خط أنابيب كركوك لميناء جيهان التركي، والذي تعرض لأعمال تخريبية واسعة في العامين الماضيين، إلا أن ذلك لا ينفي أن ثمة تحديات عديدة قد تواجهها في هذا السياق.
تدابير سريعة:
فرضت القوات العراقية، في 17 أكتوبر الفائت، سيطرتها على حقلى باى حسن وآفانا في شمال غربي كركوك وذلك بعد انسحاب ميليشيا البيشمركة من تأمينها، بجانب حقول بابا كركر وجامبور وخاباز، وحقل عين الزالة في الموصل.
وفي هذه الأثناء، اضطربت مستويات الإنتاج والصادرات في المناطق الشمالية بالعراق، وعلى الأخص صادرات إقليم كردستان التي تقلصت من 600 ألف برميل يوميًا في المعتاد إلى 225 ألف برميل يوميًا حاليًا، وذلك في إشارة إلى الصعوبات التي تواجهها عمليات الإنتاج بعدة حقول في منطقة كركوك وكذلك في كرستان نفسها.
وعلى ضوء ذلك، سعت الحكومة مؤخرًا إلى اتخاذ تدابير عاجلة من أجل رفع مستويات الإنتاج والتصدير بالمناطق الشمالية بما فيها كركوك، على غرار إبرام اتفاقات نفطية مع شركة نفطية أجنبية من أجل تطوير الحقول النفطية، حيث أجرت وزارة النفط محادثات مع شركة "بي بي" البريطانية لمساعدة شركة نفط الشمال على مضاعفة القدرة الإنتاجية لحقول نفط شمال كركوك لتصل إلى أكثر من مليون برميل يوميًا.
كما تبذل الحكومة جهودًا من أجل إعادة تأهيل خط الأنابيب الذي يمتد من حقول كركوك إلى ميناء جيهان في تركيا، والذي توقف تشغيله في عام 2014 نتيجة تعرضه لأعمال تخريبية مستمرة من قبل تنظيم "داعش"، وبما دفع الحكومة إلى استخدام خط أنابيب كردستان الواصل أيضًا للأراضي التركية. ومن المقرر أن تشارك ثلاث شركات حكومية عراقية، وهى شركة نفط الشمال وشركة المشاريع النفطية وشركة خطوط الأنابيب، في عملية إصلاح وتأهيل الخط خلال الفترة المقبلة.
اعتبارات مختلفة:
يمكن تفسير مسارعة الحكومة العراقية إلى وضع خطط لإعادة تأهيل قطاع النفط بالمناطق الشمالية، في ضوء اعتبارات عديدة هى:
1- تأكيد السيادة: لم تكتف الحكومة بتحذيراتها المتكررة لجميع الدول والشركات النفطية العالمية من التعاقد أو الاتفاق مع إقليم كردستان دون الرجوع إليها، وإنما سارعت مؤخرًا إلى دعوة شركات النفط الأجنبية لضخ استثماراتها لتطوير حقول كركوك، وهو ما تسعى من خلاله إلى تأكيد فرض سيطرتها على الأراضي في المناطق الشمالية وتكريس سيادتها على مواردها النفطية، وبما يمهد، في رؤيتها، لاستقرار الأوضاع السياسية والأمنية خلال الفترة المقبلة، خاصة بعد نجاحها في طرد تنظيم "داعش" منها.
2- زيادة الصادرات: من المتوقع أن تساهم استعادة حقول كركوك في تنفيذ خطة وزارة النفط لرفع مستويات الإنتاج والصادرات خلال الفترة المقبلة، حيث تأمل، كما أعلنت في شهر أكتوبر الفائت، عودة الصادرات من منطقة كركوك لمستواها السابق الذي كان يتراوح بين 250 و400 ألف برميل يوميًا مقابل 150 ألف حاليًا، وهو ما سيؤدي إلى زيادة عائدات صادرات النفط، في الوقت الذي تعاني فيه العراق من ضغوط مالية قوية بسبب هبوط أسعار النفط منذ عام 2014، فضلاً عن ارتفاع فاتورة استيراد المشتقات النفطية- بسبب أضرار مصفاة بيجي- لتبلغ حوالي 2 مليار دولار سنويًا.
3- إعادة الإعمار: تسببت الحرب المستمرة ضد تنظيم "داعش" في شمال العراق منذ عام 2014 في أضرار واسعة للبنية التحتية والاقتصاد العراقي بشكل عام. وقد تعرض قطاع النفط تحديدًا لخسائر كبيرة تقدر بنحو 15 مليار دولار منها 10 مليار دولار لمصفاة بيجي التي تعد أكبر مصافي تكرير النفط بالعراق، وبما تسبب في نقص كبير في المشتقات النفطية اللازمة لتشغيل محطات المياه والكهرباء بشمال العراق، وهو ما اضطر الحكومة للاعتماد على الاستيراد من أجل تلبية الاحتياجات المحلية.
ومن الواضح في ضوء ذلك أن إعادة تأهيل البنية التحتية لقطاع النفط، بما فيها المصافي النفطية، يمثل عاملاً مهمًا في تنفيذ خطة إعادة إعمار المناطق الشمالية، وإنعاش القطاعات الاقتصادية المختلفة. فيما من المرجح أيضًا أن تمثل إعادة تأهيل خط أنابيب كركوك- جيهان خطوة ضرورية لضمان سيولة تدفقات صادرات النفط من كركوك للعالم الخارجي.
تحديات قائمة:
لكن رغم ذلك، فإن الجهود التي تبذلها الحكومة العراقية قد تواجه العديد من الصعوبات: يتمثل أولها، في غموض الموقفين الأمني والسياسي في كركوك حتى الآن، فمن غير الواضح- بالرغم من سيطرة القوات العراقية على كامل الحقول بها- ما إذا كانت إدارة الموارد النفطية ستخضع بالكامل للسلطات العراقية أم ستؤول إلى إدارة مشتركة بين حكومة بغداد المركزية وإقليم كردستان كما اقترح رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي في شهر سبتمبر الماضي عقب إجراء استفتاء استقلال إقليم كردستان.
ويتعلق ثانيها، بتراجع قدرة الحكومة على إقناع الشركات الأجنبية بالاستثمار في منطقة كركوك وغيرها في المناطق الشمالية، في ظل تصاعد حدة التوترات الأمنية في المنطقة، فضلاً عن غموض اتجاهات العلاقة بين حكومة بغداد المركزية وإقليم كردستان، وهو ما دفع شركة النفط الأمريكية شيفرون، على سبيل المثال، إلى تعليق عملياتها مؤقتًا في إقليم كردستان العراق في 20 أكتوبر الفائت.
وينصرف ثالثها، إلى احتمال عدم توافر الأموال اللازمة لإعادة تأهيل البنى التحتية لقطاع النفط وخطـة إعـادة الإعمـار بشكل عام، فـي ظـل تـراجع عـائدات الصـادرات إضافة إلى التكاليف الباهظة للحرب ضد تنظيم "داعش". ورغم الترحيب الدولي بمساندة العراق في تمويل إعادة الإعمار، إلا أن تفاقم الأوضاع الأمنية حاليًا قد يؤجل إقبال كثير من الشركاء الدوليين من القوى الكبرى أو المنظمات الدولية على تمويل وتنفيذ مشروعات إعادة الإعمار بالتعاون مع الحكومة العراقية.
وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن احتمال نجاح الحكومة العراقية في تحقيق أهدافها من إعادة تأهيل القطاع النفطي في المناطق الشمالية قريبًا غير مؤكد، بشكل لن يتسبب فقط في تباطؤ الإنتاج، وإنما سيؤثر أيضًا على عمليات إعادة الإعمار.