كثّفت حركة حماس خلال الفترة الأخيرة من مساعيها الهادفة إلى تطوير العلاقات مع إيران، خاصة مع إعادة انتخاب الرئيس "حسن روحاني" لولاية رئاسية ثانية، واستثمارًا لوجود توجهات إيجابية رسمية داخل إيران تعبر عنها معظم التيارات السياسية الداخلية بضرورة دعم بعض التنظيمات في الإقليم بأكمله، خاصة في الساحة الفلسطينية، واستئناف العلاقات بصورة كاملة مع حركة حماس.
مؤشرات التقارب:
يمكن رصد عدد من المؤشرات التي تؤكد مسعى حركة حماس لتعزيز علاقاتها مع إيران، والمساعي الإيرانية المقابلة للتجاوب مع تحركات حماس، وذلك على النحو التالي:
بالنسبة لحركة حماس:
1- قيام وفد رفيع المستوي من قيادات حركة حماس مؤخرًا بزيارة إلى إيران للمشاركة في حفل تنصيب الرئيس "حسن روحاني" لولاية ثانية، وهو ما يؤكد حرص حماس على استثمار الحدث بهدف دفع علاقات الحركة بإيران قُدمًا.
2- وجود توجه سياسي فاعل داخل حركة حماس يقوده عدد من قيادات الحركة، وفي مقدمتهم "إسماعيل هنية" و"محمود الزهار"، يتبنى فكرة ضرورة إقامة علاقات أكثر واقعية ومصلحية مع القوى المركزية في الإقليم، ومن ضمنها إيران، وتنويع أدوات الحركة إقليميًّا، وعدم الرهان على حليف واحد في الوقت الراهن في ظل المناخ المعقد الحالي في الإقليم.
3- أن وثيقة حركة حماس التي أصدرتها في مطلع مايو الماضي، والتي طرحت فيها الحركة سياساتها الإقليمية الواقعية، أكدت حرص حماس على إقامة علاقات قوية مع الدول الإقليمية الرئيسية في المنطقة، وفي مقدمتها إيران.
بالنسبة للجانب الإيراني:
4- تجاوب طهران مع التحركات الأخيرة لحماس تجاهها، وهو ما برز في سلسلة التصريحات الأخيرة لكبار المسئولين الإيرانيين، والتي دعوا خلالها لإعادة ترتيب المصالح الإيرانية في الساحة الفلسطينية، وإحداث تنمية في الدور الإيراني في الداخل، ومن خلال حركة حماس تحديدًا، بالإضافة إلى الاستمرار في تطوير العلاقات مع حركة "الجهاد" الفلسطيني و"صابرون" في قطاع غزة، والتي ترتبط إيران بعلاقات قوية معهما.
دوافع مشتركة:
يمكن تفسير مسعى كل من حركة حماس وطهران لتطوير علاقاتهما في ضوء عدد من الدوافع المشتركة، التي يتمثل أبرزها فيما يلي:
بالنسبة لحركة حماس:
1- إدراك حركة حماس أن تحديات المرحلة الراهنة تتطلب منها اتباع سياسات واقعية، وتنويع تحالفاتها الإقليمية، وعدم قصرها على حليف واحد. ويُشار -في هذا السياق- إلى أن حركة حماس تطبق هذا المنطق فعليًّا في الوقت الحالي، ويتضح ذلك من توافقاتها الحالية، ومن ثم فإن الانفتاح على إيران يتسق ومجمل التحرك الحمساوي الإقليمي في الوقت الحالي.
2- لفت انتباه الحكومة الإسرائيلية إلى أن العلاقات الجديدة لحماس في الإقليم، سواء تجاه تركيا أو إيران، دليل على قدرة الحركة على التعامل مع التحديات، والحصار الذي تفرضه السلطات الإسرائيلية على الحركة، وأن الحركة بإمكانها تنويع تحالفاتها الدولية بما يُشكل قيدًا على الجانب الإسرائيلي، ويدفعه لإعادة النظر في سياساته الحالية ضد حماس وقطاع غزة، والتفكير بجدية في خطورة التداعيات السلبية التي سيجلبها أي اعتداء إسرائيلي محتمل على قطاع غزة.
بالنسبة للجانب الإيراني:
3- يسعى الجانب الإيراني للتركيز من جديد على الملف الفلسطيني من مدخل العلاقة مع حركة حماس، وذلك بهدف استعادة الدور الإيراني في هذا الملف، خاصة مع تصاعد أدوار فاعلين إقليميين به، وكذلك الإمساك بورقة يمكن توظيفها عند الضرورة لخدمة المصالح الإيرانية الإقليمية.
4- رغبة إيران في تطوير علاقاتها الراهنة والمستقبلية مع حركة سنية في المنطقة بحجم حركة حماس، على اعتبار أن ذلك سيساهم في تحسين علاقات إيران العربية، وبما يُلطف من حدة الرفض العربي والسني للتدخلات الإيرانية السلبية في عدد من الدول العربية، خاصة في سوريا والعراق واليمن.
5- رغبة إيران في إعادة الإمساك بورقة القوى الفلسطينية في مواجهة كلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة، خاصة مع تصاعد الترويج الإسرائيلي الخارجي مؤخرًا لأهمية إعادة النظر في ملف الاتفاق النووي بعد عامين من إبرامه، وقيام الإدارة الأمريكية بإعادة فرض العقوبات على إيران، ومن ثمّ ترى طهران أهمية الإمساك بورقة فعالة يمكن توظيفها ضد إسرائيل لردعها عن تحركاتها الحالية المناهضة لإيران.
6- رغبة إيران في تنويع شبكة علاقاتها في الداخل الفلسطيني، فبجانب علاقاتها التاريخية مع حركة الجهاد الفلسطيني، تسعى طهران إلى تعزيز علاقاتها مع حماس. وتحرص إيران في هذا الإطار إلى استئناف ضخ المساعدات الاقتصادية لحركة حماس مثلما تفعل مع حركة الجهاد.
7- رغبة الحكومة الإيرانية في ترجيح خيار التيار الداعم في حركة حماس، وهو تيار نافذ يضم قيادات ميدانية وسياسية داعمة لفكرة الاتجاه المباشر لبناء علاقات متميزة مع إيران، وذلك خشية انفراد التيار الآخر الذي يتجه إلى تبني خيارات عربية على حساب تطوير العلاقات مع إيران.
عراقيل محتملة:
يعترض مسعى حركة حماس الحالي لتطوير علاقاتها مع الجانب الإيراني تحديات عدة، أهمها ما يلي:
1- احتمالية عجز حركة حماس عن إدارة علاقاتها المتعددة في الإقليم، فتقوية العلاقة مع طرف قد تؤدى تلقائيًّا إلى خسارة الحركة لدعم طرف آخر، ويدعم هذه الفرضية وجود تيار مقابل في حركة حماس يدعو إلى ضرورة حسم الخيارات والتحالفات بصورة واضحة، وعدم ترك الأمور مفتوحة بهذا الشكل، على اعتبار أن ذلك قد يكلف الحركة الكثير خلال الفترة المقبلة.
2- التنافس الإقليمي بين تركيا وإيران في الإقليم، والذي يعد الملف الفلسطيني والعلاقة مع حماس أحد مظاهره؛ قد يدفع الطرفين لمعاقبة حركة حماس مع اقترابها من معسكر أحدهما على حساب الآخر.
دعم مرتقب:
يمكن القول -إذن- إن العلاقات الراهنة بين حركة حماس وإيران مرشحة بقوة لمزيدٍ من التحسن خلال الفترة المقبلة، وسيركز الجانب الإيراني على دعم الحركة ماليًّا، وتطوير قدرات كتائب "عز الدين القسام" (الجناح العسكري للحركة)، وهو الأمر الذي سيُقلق الجانب الإسرائيلي.
كما يُتوقع أن تكثف إيران خلال الفترة المقبلة من دعمها لحركة حماس بهدف اجتذاب الحركة بصورة أكبر للصف الإيراني، وقد تستثمر طهران هذه الأجواء لتوجيه الدعوة لوفد المكتب السياسي ورئيسه "إسماعيل هنية" لزيارة طهران في القريب العاجل.