إعداد: أحمد عاطف
شهدت العلاقات القطرية مع عدد من الدول العربية تدهوراً ملحوظاً خلال سنوات ما بعد "الثورات" العربية، ففي يونيو من العام الجاري، أصدر القضاء المصري حكماً بالحبس على ثلاثة مراسلين لقناة الجزيرة، ليمثل ذلك منعطفاً جديداً في تدهور علاقات الدوحة – القاهرة.
وفي الاتجاه ذاته شهدت فترة ولاية الأمير تميم بن حمد آل ثاني، الذي أصبح أمير قطر في صيف عام 2013، مرحلة من الجفاء في علاقة بلاده حتى مع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي تربطها بقطر الكثير من القواسم المشتركة، ووصل هذا التوتر في العلاقات مداه في مارس 2014 عندما قررت كل من السعودية والإمارات والبحرين بشكل جماعي سحب سفرائها من الدوحة.
ويمكن إرجاع هذه العلاقات المتوترة بين قطر وجيرانها، إلى النهج الذي اتبعته الدوحة خلال وعقب موجة "الثورات العربية"، وتقديمها الدعم المادي والدبلوماسي للتيارات الإسلامية في المنطقة، وتحديداً لجماعة الإخوان المسلمين.
وفي ظل ارتفاع تكلفة وتبعات هذه الاستراتيجية القطرية، فإن ثمة تساؤلاً رئيسياً مفاده: لماذا اختارت قطر هذا التوجه في دعم جماعة الإخوان؟!، وهو ما يحاول الكاتب ديفيد روبرتس David B. Roberts، مدير مكتب المعهد الملكي للخدمات المتحدة في الدوحة، الإجابة عنه في دراسته التي حملت عنوان "قطر وجماعة الإخوان"، المنشورة في دورية Survival، والتي تصدر عن المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS) في لندن.
جذور العلاقات القطرية – الإخوانية
في إطار دراسته لمدى تأثر قطر بفكر علماء ومفكري جماعة الإخوان، يشير "روبرتس" إلى بدايات ظهور قادة الإخوان في الدوحة، والتي بدأت في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، حيث سافر يوسف القرضاوي إلى هناك في بداية الستينيات، وتقلد عدة مناصب، منها مدير المعهد الديني الثانوي، وعميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة قطر، ثم أصبح يقدم منذ عام 1996 برنامج "الشريعة والحياة" على قناة الجزيرة.
أيضاً كان "عبدالبادي صقر" من أوائل قادة الإخوان الذي ذهبوا إلى قطر في عام 1954 ليصبح مديراً تعليمياً، ثم بعد ذلك مديراً للمكتبة الوطنية القطرية، وخلال إدارته تدفق الكثير من المدرسين من جماعة الإخوان للدوحة، وتمكنوا من فرض أيديولوجيتهم "الإسلامية" على نظام التعليم القطري.
ويؤكد "روبرتس" أنه حينما تولى الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني (الذي أصبح أميراً بعد ذلك لدولة قطر خلال الفترة من عام 1972 إلى عام 1995) وزارة التعليم في عام 1956 كانت لديه مخاوف من سيطرة الإخوان على نظام التعليم في بلاده، لذلك قام بإبعاد "عبد البادي صقر"، وأحل مكانه السوري ذا النزعة "القومية العربية"، عبدالله عبدالدايم.
وعلى الرغم من انتشار مفكري الإخوان في المؤسسات القطرية، فإنه ليس من المرجح أن تكون السياسة القطرية الحالية نتيجة ضغوط من المواطنين القطريين الذين تأثروا بأيديولوجية الجماعة، فثمة عوامل عدة تعزز عدم اختراق الإخوان الشؤون الداخلية القطرية من وجهة نظر الكاتب، ومنها أن السلطات القطرية لم تتح الفرصة لعلماء الدين لممارسة كامل نفوذهم في المؤسسات الداخلية، فضلاً عن عدم قدرة الإخوان على إدارة الوظائف الاجتماعية المعتادة مثل تشغيل الأندية الرياضية، حيث اقتصر نشاط الإخوان على وضعهم من قبل النظام القطري في أماكن تضفي شرعية على الأسرة الحاكمة هناك، كما يرى الكاتب.
دوافع التقارب القطري - الإخواني
تشير الدراسة إلى أنه منذ خمسينيات القرن الماضي، تسيطر على بعض قيادات الدولة القطرية أجندة دينية، وهو ما يعد أحد أسباب تدفق العلماء المسلمين إلى الدوحة، بالطبع إلى جانب حاجة المؤسسات القطرية الناشئة إلى موظفين متعلمين. ويرى روبرتس أن "الإخوان يشكلون جزءاً مهماً من "الواجهة" للأسرة الحاكمة في قطر، فالعلاقة بين الطرفين قائمة على "علاقات نفعية متبادلة".
ويعدد "روبرتس" المزايا من وراء دعم قطر علاقاتها مع جماعة الإخوان المسلمين، ومنها أن مثل هذا التوجه سمح للدوحة بتطوير أنظمتها البيروقراطية، مع ملاحظة أن القادة القطريين كانوا هم "الطرف الأقوى" في علاقتهم مع الإخوان، وأتاح لهم هذا الوضع فرض القيود على أنشطة الجماعة إلى أكبر درجة ممكنة، خاصةً في ظل قناعة الحكومة القطرية بأن تنظيم الإخوان لا يشكل خطراً على الدوحة.
من جانب آخر كان من فوائد استضافة قطر قادة الإخوان من وجهة نظر "روبرتس"، تعزيز المكانة القطرية ومد نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، حيث إن قطر دولة صغيرة الحجم جغرافياً وبشرياً؛ ومن ثم فهي تسعى إلى استثمار الإخوان كورقة لصالحها في الأدوار الإقليمية واحتواء نفوذ الدول المنافسة لها. وهكذا أصبحت الدوحة بمنزلة "المتحدث الرئيسي" باسم جماعة الإخوان التي جذبتها "سياسة الباب المفتوح open-door policy" التي اتبعتها قطر، وهو ما ظهر خلال "الثورات العربية".
توابع العلاقات.. مشكلات مع الجوار الخليجي
تتطرق الدراسة إلى المشاحنات التي تسبب فيها يوسف القرضاوي مع الدول المجاورة لقطر، إذ تم نعته بـ"الشخصية المثيرة للجدل بشكل متزايد"، لما أثاره من انتقادات لعدد من دول الجوار في خطب الجمعة، ومع الضجة التي تلت ذلك في شبكات التواصل الاجتماعي، تغيب القرضاوي عن إلقاء خطبة الجمعة على مدار أسبوعين؛ مما دفع إلى ظهور تكهنات بأنه قد خضع للرقابة من قبل الحكومة القطرية أو حتى تجريده من جنسيته القطرية، بيد أنه اتضح فيما بعد أن غيابه كان بسبب المرض، حيث عاد مرة أخرى ليوجه الانتقادات لدول الجوار؛ مما أثار استياءها من عدم قدرة السلطات القطرية على إسكات رجل الدين.
وعلى المنوال ذاته، فقد أغضب القرضاوي المسؤولين السعوديين في نهاية يناير الماضي مع الدعم القطري للمتمردين الحوثيين في اليمن الذين من جانبهم يهددون المصالح السعودية، وهو ما كان بمنزلة "القشة الأخيرة" في سلسلة الغضب السعودي المتزايد من قطر، ولتتدهور بالفعل العلاقات بين الرياض والدوحة.
وتشير الدراسة إلى مواقف أخرى تم توبيخ قطر فيها علانية، ومنها عقد دول مجلس التعاون الخليجي اجتماعاً في فبراير 2012 حول سوريا وإيران، من دون حضور قطر، لأنها تعتبر "عضواً غير موثوق فيه" عندما يتعلق الأمر بإيران. وفي ظل التهديدات المستمرة باستبعاد الدوحة من المنظمات الإقليمية، إلا أن ذلك وفقاً لما أورده "روبرتس" أمر غير مرجح، ولكنه غير مستبعد تماماً.
ما المطلوب من قطر؟
يرى الكاتب أن الأمير تميم بن حمد آل ثاني لا يمكنه أن يستسلم بسهولة للضغوط الإقليمية عليه ويتراجع عن سياسات والده، لأن ذلك سيُفسر على أنه ضعف، فضلاً عن إرسال إشارات على أن الدوحة تواجه تحديات في ظل حكمه.
ومع ذلك، يؤكد الكاتب ضرورة أن يلجأ الأمير تميم إلى تسوية الخلافات وإظهار رغبته في إزالة قلق دول الخليج وطمأنتها، وهو ما يمكن أن يتحقق بدايةً من خلال "إعادة التوازن" لسياسة قناة الجزيرة الفضائية التي تنحاز حالياً للإخوان بشكل واضح، ومن ثم فهذه الخطوة ستكون بمنزلة تأكيد على حسن النوايا القطرية، كما أنها ستعيد بعض الشيء المصداقية لقناة الجزيرة باعتبارها أحد العناصر الأساسية للقوة القطرية الناعمة.
* عرض موجز لدراسة بعنوان: "قطر وجماعة الإخوان"، المنشورة في أغسطس 2014 عن دورية Survival: Global Politics and Strategy، الصادرة عن معهد الدولي للدراسات الاستراتيجية (IISS).
المصدر:
David B. Roberts, Qatar and the Brotherhood, Survival: Global Politics and Strategy, Volume 56, Number 4 (London: The International Institute for Strategic Studies, august – September 2014) PP 23-32.