ثلاثة شهور مرت على الأزمة القطرية ولا تزال تفاعلاتها مستمرة، وأفق الحل غير واضحة رغم تعدد الجهود المبذولة على هذا المستوى وهو ما يدعو إلى التساؤل حول المسارات القادمة للأزمة وتداعياتها، ومواقف الأطراف المختلفة ذات الاهتمام بالأزمة محلية وإقليمية ودولية.
طرحت الدول الأربع السعودية والإمارات ومصر والبحرين مطالبها الثلاثة عشر والتى لخصتها فى ستة حزم من المطالب بعد ذلك، واتخذت إجراءات متعددة للضغط على قطر، لضبط سلوكها ودفعها للتجاوب مع تلك المطالب، إلا أن قطر لم تستجب لذلك حتى الآن، وذهبت بعيداً فى المراهنة على قوى إقليمية خاصة تركيا وكذلك إيران لموزانة ضغط الدول الأربعة عليها، ورفعت بذلك حدة التوتر فى الأزمة، وسعت إلى تدويلها، وحركت منظمات وجمعيات فى أوروبا والولايات المتحدة للدفاع عن مواقفها وتبريرها وهو ما نقل الأزمة إلى مستوى أكثر حدة وتوتر.
ويرى البعض أن المشهد الحالى للأزمة ارتبط بعدد من الإعتبارات التى حكمته ولا تزال، ومن أهمها: أن بعض القوى فى الإدارة الأمريكية خاصة وزير الدفاع الذى عاش عدة سنوات فى قطر وكذلك بعض قيادات المخابرات المركزية التى وظفت قطر لأدوار فيما يتعلق بصلات مع تنظيمات إرهابية فى سوريا بالتحديد، وكذلك وزارة الخارجية التى لا تزال تتبنى نظرية دعم قوى الإسلام السياسى أسهمت فى حدوث نوع من التناقض والإرتباك فى الموقف الأمريكي، فسرته قطر لصالحها، إلا أن الموقف المتشدد للدول الأربع خلال زيارة وزير الخارجية الأمريكى الأخيرة للسعودية أسهم فى حدوث نوع من المراجعة للموقف الأمريكى الذى حاول وزير الخارجية أن يختصر الأزمة فى توقيع بروتوكول ثنائى بين واشنطن والدوحة لمكافحة الإرهاب وأسفر ضغط الرئيس الأمريكى عليه فى إرسال مبعوثين للمنطقة لإجراء حوار مع المسئولين فيها ودعم الجهود الكويتية لإيجاد مخرج للأزمة يرتكز على مخرجات مؤتمر الرياض بهذا الخصوص عام 2014. جاء الموقف التركى المساند بقوة لموقف قطر مخيباً لآمال دول الخليج الثلاثة خاصة بعد مساندتها الواضحة لأردوغان فى أزمته مع حركة الخدمة التى اتهمها بمحاولة الإنقلاب العسكرى والتى أعلنت أن هذه الحركة التى يرأسها السيد/ فتح الله كولن حركة إرهابية، فضلاً عن الإستثمارات الواسعة لتلك الدول فى قطر ومشروعات التعاون خاصة العسكرى الذى كان متوقعاً البدء فيها خلال الفترة المقبلة، ورغم أن القاعدة التركية فى قطر لا تعد ذات شأن عسكرى كبير ولا تغير من موازين القوى العسكرية فى المنطقة وأن الخيار العسكرى ليس مطروحاً فى أية مراحل فى الأزمة مع قطر، إلا أن هذه الدول فهمت السلوك التركى على أنه معادى لها ويرجح الإنحياز لقطر. اقتربت قطر كثيراً من إيران ـ خلال هذه الأزمةـ فى تناقض واضح مع الموقف الأمريكى الحالى تجاه إيران، وتجاهله للتنافس بين تركيا وإيران على مستوى المنطقة، وهو أمر سوف يدفع إلى تبلور موقف أمريكى أكثر تفهماً لمطالب الدول الدول المقاطعة ولن يصب فى مصلحة قطر، خاصة فى ضوء ما يثار حول توجه بعض دول الخليج لتحسين العلاقات مع العراق، وحديث مسئولين عراقيين عن جهود لتخفيف حدة التوتر فى العلاقات السعودية الإيرانية. هذه الاعتبارات وغيرها تثير تساؤل حول المسار المحتمل لهذه الأزمة فى ظل التصعيد الإعلامى المتبادل والجهود الأمريكية والكويتية. ويرى بعض المراقبين أن الجهود الكويتية ترتكز على صيغة تكفل للدول الأربعة تحقيق مطالبها، وتتولى خلالها الكويت والولايات المتحدة ضمان تنفيذ قطر لهذه المطالب مع عدم الضغط على قطر لتوقيع وثائق إضافية بهذا الخصوص، واعتبار وثيقة مؤتمر الرياض 2014 هى الوثيقة الأساسية، ومراقبة تمويل قطر لمنظمات إرهابية وعدم إيواء عناصر معادية لهذه الدول فى أراضيها، والإكتفاء بمراقبة الأداء الإعلامى لوسائل الإعلام القطرية تجاه تلك الدول. الملاحظ حتى الآن أن الجهود الكويتية المسنودة أمريكياً لم تحقق أى اختراق فى الأزمة وأن المعيار الأساسى لحدوث مثل هذا الاختراق ليس فى توفير ضمانات لتنفيذ اتفاق الرياض أو المبادئ الستة التى أعلنتها هذه الدول ولكن فى اتخاذ قطر خطوات فعلية فى مجال وقف الدعم لتنظيمات الإرهاب بصورة كاملة، وهو وإن كان مطلباً أمريكياً، إلا أن الدعم القطرى لتنظيمات إرهابية فى سوريا ليست بالأهمية بالنسبة لواشنطن وهو ما يُبقى على التورط القطرى على هذا المستوى، بنوع من غض النظر الأمريكي، وتستمر قطر مطلوبة لتوظيفها لتنفيذ مصالح أمريكية، ويؤثر ذلك على مصداقية الموقف الأمريكى حتماً. الواضح إذن أن الأزمة القطرية لا تزال تشهد تفاعلات مستمرة وأن الجهود المبذولة لم تصل إلى مسار الحل حتى الآن وأن الجهود الكويتية التى تساندها واشنطن سوف تكون الفرصة الأخيرة لتفكيك هذه الأزمة التى بدأت تترك تداعياتها على بعض الأزمات فى المنطقة، وتشهد تغييراً فى مواقف دول خليجية من تطوراتها خاصة الأزمة السورية. ولا شك أن الوصول إلى مسار الحل يقتضى تغييراً فى منهج السياسة الخارجية القطرية، وإدراك أن دعم مجموعات سياسية ومذهبية ودينية تمثل خطراً واضحاً على الأمن القومى للدول الأربع لا يمكن التنازل عنه ويمثل أولوية تحكم أى جهود لحل الأزمة. الظاهر أن الوساطة الكويتية تلقى قبولاً أكثر من قبل وأنها أصبحت تمثل نوعاً من الضغط على قطر، وأن هذه الوساطة تحتاج إلى ضغوط أمريكية لتغيير الموقف القطرى وهو ما يحتاج إلى موقف أمريكى أكثر وضوحاً يستوعب تناقضات مواقف الأطراف المختلفة فى الإدارة الأمريكية. ولا شك أنه على مصر أن تنتبه إلى أن أطرافا متعددة سعت ولا تزال لاعتبار الأزمة خليجية ومحاولة تجاهل مصر فى أيه جهود للحل والتسوية للأزمة، وبالتالى فإن الحرص المصرى على تماسك إطار العمل الجماعى للدول الأربع، فضلاً عن أنه لا يسمح بتحقيق هذه المحاولات فإنه يسهم فى بلورة محور حركة إقليمى يسمح بنوع من الحضور المصرى على الساحة الإقليمية، ويوازن حركة قوى إقليمية منافسة ومعادية للسياسة المصرية مثل تركيا وإيران، ويخدم متطلبات الأمن القومى المصرى والعربى ويسمح بصياغة موقف جماعى تجاه تطورات الأزمات العربية القائمة، ويحاصر نشاط تنظيمات الإرهاب فى المنطقة.
*نقلا عن صحيفة الأهرام