تسعى ميليشيات الحشد الشعبي إلى لعب دور رئيسي في المعارك الهامشية المتبقية ضد تنظيم "داعش" في العراق، خاصة معركة تلعفر المرتقبة، والتي ينصب التركيز عليها حالياً بعد إعلان تنظيم "داعش" في 12 يوليو الجاري أن مدينة تلعفر ولاية مستقلة وإلغاء التنظيم ما يُسمى بولاية نينوي بسبب هزيمته في الموصل.
المحفزات المحركة:
يمكن تفسير حرص ميليشيات الحشد الشعبي على أن يكون لها الفضل في تحرير مدينة تلعفر بالتحديد في ضوء عدة اعتبارات، تتضح من خلال ما يلي:
1- إن تلعفر تعتبر المحطة الأخيرة لذيول تنظيم "داعش" في غرب العراق بعد طرده من مدينة الموصل، وبالتالي فإن قيام الحشد الشعبي بتحرير تلك المدينة سيرسخ في الأذهان دوراً محورياً لتلك القوات في الحرب على "داعش" وسيتوج هذا الدور، بما يساهم في تثبيت المكاسب الأمنية والسياسية للحشد في عراق ما بعد "داعش".
2- إن المدينة تقطنها غالبية من التركمان الشيعة، كما تقع في منتصف الطريق الرابط بين الموصل وسوريا، والبالغ طوله أكثر من 160 كيلومتراً، وتبعد عن مركز مدينة الموصل حوالي 65 كيلومتراً فقط.
3- محاولة الحشد الشعبي ومن ورائه إيران تسويق قواته على الصعيد الدولي كقوة محاربة للإرهاب، خاصة مع إدراك قادة الحشد الشعبي أن معركة الموصل كانت المعركة الكبرى الأخيرة ضد "داعش" في العراق، وأن ظهور الحشد اقترن بصعود التنظيم في العراق، وبالتالي فإن القضاء عليه من دون مشاركة قوية للحشد سينهي من مبررات وجود الحشد مستقبلاً.
4- إن السيطرة على هذه المنطقة ستسهل من مخطط الحشد لدخول الأراضي السورية والقتال بجانب النظام السوري ضد قوات المعارضة (الهدف المعلن هو مطاردة عناصر "داعش")، وفي هذا الإطار يمكن رصد الحجج والمبررات التي تسوقها قوات الحشد لدخول سوريا، وذلك من خلال ما يلي:
أ- وجود تداخل بين الساحتين العراقية والسورية وحدود مشتركة واسعة، وهو ما يتطلب وفق رؤية تلك الميليشيات ضرورة التحرك لحماية الأمن القومي العراقي، على أن يكون ذلك بتنسيق مشترك بين الحكومتين العراقية والسورية. (يُشار إلى وجود تنسيق حالي بين وزارتي الدفاع العراقية والسورية حيال الحرب ضد "داعش" ومسألة ضبط الحدود، وهو ما كشفته الزيارة التي قام بها وفد من وزارة الدفاع السورية لبغداد في منتصف يونيو الماضي، كما يشترك الجانبان ضمن غرفة العمليات الرباعية مع كل من روسيا وإيران)
ب- قطع إمداد "داعش" بين العراق وسوريا من خلال تجفيف مصادره البشرية واللوجستية التي يستقدمها من الأراضي السورية، وكانت هذه النقطة هي مبرر "لواء أنصار المرجعية"، وهو أحد فصائل الحشد الشعبي، لمطالبة "العبادي" مؤخراً بالموافقة على دخول الأراضي السورية بعمق 30 كيلومتراً لملاحقة عناصر تنظيم "داعش". (تجدر الإشارة إلى أن تحرير تلعفر يعتبر أحد مظاهر الخلاف الحالية بين الحشد الشعبي و"حيدر العبادي" بسبب رفض "العبادي" قيام قوات الحشد بمفردها بتحرير تلك المنطقة)
أهداف إيرانية:
سيكفل مخطط الحشد الشعبي للسيطرة على تلعفر – في حال حدوثه - تحقيق عدة أهداف إيرانية، تتمثل فيما يلي:
أ. تأمين الإبقاء على الطريق مفتوحاً بين إيران وسوريا عبر العراق وضمان وجود ممر بري يصل إيران بحلفائها في المنطقة، حيث تعد مدينة تلعفر مركزاً لتمرير البضائع والأشخاص من إيران إلى سوريا وحزب الله في لبنان، خاصة أن منطقة تلعفر من أكثر المناطق المؤمنة لإيران كونها تتميز بتركيبة سكانية غالبيتها من الشيعة.
ب. إن ذلك سيسهل من المسعى الإيراني لامتلاك طريق يؤدي إلى البحر المتوسط عن طريق سواحل سوريا، وميزة هذا الأمر مستقبلاً أن ذلك سيكون معبراً مستقبلياً لأية مشاريع اقتصادية إيرانية، مثل تصدير الغاز لأوروبا، ويمكن الإشارة في هذا السياق إلى تصريح نائب قائد الحرس الثوري الإيراني "حسين سلامي" في يوليو الجاري والذي أكد خلاله أن "أذرع المقاومة اكتمل هيكلها في شرق البحر المتوسط اليوم بعد قوة جذورها في إيران".
ج. استغلال هذا الحضور للضغط على تركيا من خلال طرد التركمان السنة من المدينة وإبقاء التركمان الشيعة فيها أي محاولة إعادة تلعفر إلى الحاضنة الشيعية مع وجود نية مبيتة لإحداث تغيير ديمغرافي في المدينة، وتطويق نفوذ حليف أنقرة الرئيسي "مسعود بارزاني" في إقليم كردستان العراق، لاسيما من خلال تعطيل المشاريع الاقتصادية، خاصة النفطية بين تركيا والإقليم.
د. التخوف الإيراني من أن تؤدي سيطرة قوى غير موالية لها على هذه المنطقة، إلى تدخل هذه القوى مستقبلاً إلى الميدان السوري، بما يغير من موازين القوى في سوريا في غير صالح النظام السوري.
أشكال خمسة:
سيضيف المسعى الحالي لقوات الحشد الشعبي لتحرير تلعفر – في حال حدوثه - شكلاً خامساً لدور تلك القوات في المعارك ضد تنظيم "داعش" في العراق، ويتضح ذلك من خلال ما يلي:
الشكل الأول: (في عمليات تحرير بيجي وسنجار وتكريت)، والذي تم توظيف الميليشيات الشيعية فيها بصورة رئيسية في المعارك، وما تلاه من ممارسات انتقام وثأر طائفية واسعة النطاق ضد المكون السني.
الشكل الثاني: (في عملية تحرير الرمادي)، حيث لم تشارك ميليشيات الحشد الشعبي في عملية تحرير الرمادي، وذلك في ضوء التزام الحكومة العراقية بالشروط التي فرضتها الولايات المتحدة للمشاركة في العملية، والتي تمثلت في عدم مشاركة قوات الحشد، فضلاً عن عدم لعب المستشارين الإيرانيين دوراً في عمليات تحرير الرمادي. وكان الدور الأكبر في تلك المعارك للجيش العراقي والقوى العشائرية السنية، كما كان هناك دور بارز للتحالف الدولي ضد "داعش".
الشكل الثالث: (في عملية تحرير الفلوجة)، وتضمن هذا الشكل الاتفاق على اقتصار انتشار قوات الحشد الشعبي في ضواحي الفلوجة وترك المجال أمام الجيش ومقاتلي العشائر لاقتحام المدينة، وذلك ضمن التسوية التي تمت لحسم مشكلة إصرار الحشد الشعبي على المشاركة في معركة الفلوجة. لكن قوات الحشد لم تلتزم بالاتفاق وشارك جزء منها في المرحلة الثانية من خطة تحرير المدينة، والتي كانت تشمل تقدم قوات الجيش والشرطة الاتحادية لتطويق المدينة، والسيطرة على الطرق المحيطة بها.
الشكل الرابع: (في عملية تحرير الموصل)، والتي انحصر فيها دور قوات الحشد بصورة كبيرة على الانتشار في الخطوط الخلفية للمعركة، وإفساح المجال أمام قوات الجيش والشرطة حصراً لدخول المدينة. وجاء هذا الدور المحدود في ضوء التحفظات الدولية والإقليمية على إعطاء دور أكبر للحشد الشعبي في معركة الموصل.
الشكل الخامس: (في عملية تحرير تلعفر)، والتي ستسهل من مسعى الحشد للخروج من الأراضي العراقية لمطاردة "داعش" في الخارج (سوريا بالتحديد)، لتكون تلك هي المرة الأولى التي تقوم فيها تلك القوات مجتمعة بعمليات خارج الأراضي العراقية، وتجدر الإشارة إلى أن فصائل منفردة ضمن قوات الحشد الشعبي شاركت من قبل بجانب النظام السوري في عمليات ضد فصائل المعارضة.
ميليشيات جوالة:
تهدف إيران من خلال إصرارها على أن يكون لقوات الحشد الشعبي التابعة لها دور رئيسي في المعارك الهامشية الأخيرة ضد "داعش"، إلى ضمان دور سياسي وأمني بارز لحلفائها في مستقبل العراق.
ومن المتوقع أن تثير تحركات الحشد الشعبي الحالية الهادفة للعب دور رئيسي في معركة تلعفر امتعاضاً تركياً، خاصة أن أنقرة هددت تلك القوات من قبل باتخاذ رد مختلف إذا أشاعت الخوف في مدينة تلعفر ضد التركمان السنة، يُضاف لذلك تأكيدها السابق على أن تلعفر ضمن خطوطها الحمراء في العراق والتي لا يمكن تجاوزها.
وينحصر جوهر القلق التركي الحالي من مسألة مشاركة الحشد الشعبي في معركة تلعفر، في الخوف من أن يكون له دور مركزي في المستقبل الأمني والسياسي للمناطق الغربية والشمالية من العراق بعد تحريرها، بما يعظم من النفوذ الإيراني بجوار الحدود التركية.
وسيجعل انتقال ميليشيات الحشد الشعبي إلى الأراضي السورية - في حال تمكنها من لعب دور رئيسي في تحرير تلعفر- منها ميليشيات عابرة للحدود، وهو ما سيساهم في تصاعد الطائفية في المنطقة، كما سيغير بشكل كبير من موازين القوى على الأرض السورية لصالح النظام.