إعداد: د. إسراء أحمد إسماعيل
لدى تنظيم "داعش" أهداف واضحة، ويستخدم طرقاً متنوعة لتحقيقها، بما في ذلك نشر الخوف للضغط على الحكومات والمواطنين، ولحشد أنصاره من خلال إظهار إمكانياته وقدراته، والأهم من ذلك إثارة ردود أفعال عنيفة وغاضبة ضد المسلمين في الغرب، بما يؤدي إلى ترسيخ فكرة "صراع الحضارات"، حيث يساعده ذلك في ضم أتباع جدد للتنظيم.
وقد تقع المجتمعات الغربية في "الفخ" الداعشي، من خلال اتباع سياسات تمييزية وعنصرية ضد المسلمين في هذه المجتمعات، مما يُسهل على التنظيم جذب عناصر جديدة له من المسلمين في الغرب.
ومن هذا المنطلق، أصدر "مركز التقدم الأمريكي" تقريراً في شهر نوفمبر 2015، بعنوان : "المشاعر المعادية للمسلمين تشكل تهديداً خطيراً للأمن الأمريكي"، أعده الزميل البارز في المركز "كين جود" Ken Gude، وتناول خلاله توضيح استراتيجية تنظيم "داعش" وأهدافه، ومخاطر استعداء المسلمين في الغرب، وكيفية توظيف تنظيم "داعش" لظاهرة "الإسلاموفوبيا".
استراتيجية تنظيم "داعش" (إرهاب، تعبئة، واستقطاب)
بعد أن كانت الهجمات الإرهابية مقصورة لبعض الوقت على المناطق التي يوجد بها تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، فإنها امتدت في الآونة الأخيرة لتستهدف أماكن مختلفة في تركيا ولبنان، فضلاً عن التفجيرات وإطلاق النار في العاصمة الفرنسية "باريس". وقد مثَّلت هذه الحوادث الإرهابية تحولاً في استراتيجية تنظيم "داعش"، لينتقل إلى المرحلة التالية في حربه، فهذه الهجمات ليست عبثية أو عشوائية، ولكنها مخططة لتحقيق ثلاثة أهداف للتنظيم، وهي:
الهدف الأول: إرهاب وترويع المدنيين، وإجبار الحكومات على اتخاذ قرارات متسرعة بسبب العنف المستخدم من قِبل الإرهابيين. ويوضح التقرير أن العقل الاستراتيجي المدبر لتنظيم "داعش" في هذا الشأن هو عقيد سابق في جهاز المخابرات العراقية إبان حكم "صدام حسين" والذي اتخذ اسماً مستعاراً وهو "الحاج بكر"، حيث دعا إلى القضاء على كل شخص قد يمثل خصومة محتملة، وثبت نجاح خطته في السيطرة على مدينة الرقة السورية، ثم بدأ تنظيم "داعش" تحت قيادة "أبي بكر البغدادي" في استخدام هذه الاستراتيجية للتوسع في مناطق خارج قاعدته الأصلية في سوريا والعراق.
الهدف الثاني: تعبئة وتحفيز مؤيدي تنظيم "داعش"، وتعزيز شرعيته في المناطق التي استولى عليها، ففي مقال كتبه شخصية غامضة ويدعى "أبو بكر ناجي" عام 2004 بعنوان "إدارة التوحش"، أوضح فيه العديد من عناصر استراتيجية تنظيم "داعش"، مؤكداً أهمية تحفيز الحشود، خاصةً من الشباب للسفر إلى المناطق التي يديرها التنظيم.
وتشير التقرير إلى أن نجاح هجمات باريس في تجنيد فرنسيين وأوروبيين آخرين يعزز شرعية تنظيم "داعش" في عيون أتباعه. وفي هذا الإطار، ذكر التنظيم أن الهجمات الأخيرة في العاصمة الفرنسية تركت باريس وسكانها في حالة من الصدمة والرعب، مما يعزز من موقفه أمام أنصاره.
الهدف الثالث: هو الاستقطاب من خلال توليد ردود أفعال رسمية من شأنها أن تنفر المسلمين من حكوماتهم في الغرب، وبالتالي زيادة جاذبية فكرة الخلافة الإسلامية لتنظيم "داعش" عبر القضاء على الأصوات المحايدة إما عن طريق استيعابها واستقطابها، أو التخلص منها، وذلك لترسيخ فكرة "صراع الحضارات"، تمهيداً لمعركة شاملة مع الغرب في نهاية المطاف.
ويشير الكاتب إلى أن التحضير لتلك المعركة يعتبر أمراً أساسياً لفهم كيف يرى تنظيم "داعش" العالم، ولذلك أطلق التنظيم على المجلة التي يصدرها باللغة الإنجليزية مسمى "دابق" Dabiq والتي يعود اسمها لبلدة في سوريا ذُكرت – وفقاً لهم – في حديث للنبي محمد (صلى الله عليه وسلم) تنبأ فيه أن معركة فاصلة بين المسلمين وأعدائهم ستحدث في الأعماق - أو بدابق - مع حلول آخر الزمان.
وفي مقال نُشر في هذه المجلة في فبراير 2015 وصف العالم بأنه سيتألف من معسكرين: (معسكر الإسلام، ومعسكر التحالف الصليبي)، وبين هذين المعسكرين هناك ما أطلق عليه التنظيم "المنطقة الرمادية"، التي تتكون إما من المنافقين أو الأطراف الإسلامية المستقلة والمحايدة التي ترفض الانضمام إلى الخلافة.
ويعد المسلمون في هذه المنطقة الرمادية هدف الجهود التي يبذلها تنظيم "داعش" لاستقطابهم، وبالتالي يستخدم التنظيم فكرة الخلافة في سوريا والعراق، وهجماته الإرهابية خارج منطقة عملياته لدفع ما أسماهم "الصليبيين" لتدمير "المنطقة الرمادية" بأنفسهم. وهذا سيحدث وفقاً لتنظيم "داعش"، نظراً لأن المسلمين في الغرب سيجدون أنفسهم بين أحد خيارين، إما أن يرتدوا عن الإسلام أو أن يهاجروا إلى دولة "داعش"، هرباً من اضطهاد الحكومات الغربية لهم.
استعداء المسلمين ونجاح استراتيجية "داعش"
يسعى تنظيم "داعش" إلى دفع الولايات المتحدة والمجتمعات الغربية الأخرى إلى استعداء وتهميش المواطنين المسلمين. وتعد المشاعر المعادية للمسلمين في الغرب هي العنصر الرئيسي الذي يستند إليه التنظيم لجذب مزيد من الأتباع، وذلك لأنه يعتبر ضعيفاً في مواجهة القوات المتحالفة ضده، فضلاً عن انخفاض شعبيته في الدول الإسلامية. والدليل على ذلك استطلاع رأي أجراه "مركز بيو للأبحاث" في بعض دول المنطقة، وكشف أن 99% من اللبنانيين غير مؤيدين لتنظيم "داعش"، كما بلغت نسبة رفض التنظيم في الأردن94%، وفي فلسطين 84%، وفي تركيا 73%.
ردود الفعل المعادية للمسلمين عقب هجمات باريس
على الرغم من أن الآراء المعادية للمسلمين تمثل مشكلة حقيقية في الحياة الاجتماعية والسياسية الأمريكية، فإن أحد أكثر الأمور المشجعة أن هذه الآراء كانت تقتصر إلى حد كبير على هامش الخطاب السياسي للتيار المحافظ، ولم يكن لها تأثير على السياسات الوطنية.
لكن بعد وقوع هجمات باريس الأخيرة، لم تعد ظاهرة "الإسلاموفوبيا" تقتصر على المحافظين فقط، بل أن أكثر من نصف حكام الولايات الأمريكية أعلنوا أنهم سيحاولون مقاومة توطين اللاجئين السوريين في ولاياتهم، وذلك على الرغم من أن هؤلاء اللاجئين يهربون من المذابح التي يرتكبها تنظيم "داعش". وأعقب ذلك إعلان مجلس النواب الأمريكي موافقته على مشروع قانون من شأنه إنهاء برنامج إعادة توطين اللاجئين السوريين، وقد حظى بدعم وتأييد غالبية الجمهوريين تقريباً وبعض الديمقراطيين.
واعتبر الكاتب هذا النوع من ردود أفعال المسؤولين في الغرب على الهجمات الإرهابية مُخيباً للآمال، ويساعد تنظيم "داعش" في تحقيق أهدافه، ويخدم مصالحه في نشر الرسالة السلبية التي يريد ترسيخها حول المواقف الغربية تجاه الإسلام والمسلمين.
وبذلك يتم إهداء أصحاب "المنطقة الرمادية" إلى تنظيم "داعش" من خلال اعتبار كل المسلمين إرهابيين. فبموجب هذا المنطق، لم يعد اليزيديون الذين يواجهون خطر الإبادة الجماعية والاسترقاق الجنسي على أيدي تنظيم "داعش"، والأكراد الذين يقاتلون إلى جانب القوات الأمريكية لاستعادة الأراضي من "داعش"، والمدنيين السوريين الفارين من جحيم الإرهاب - لم يعد هؤلاء ضحايا، وبدلاً من ذلك أصبحوا متهمين بالإرهاب!!
"داعش" توظف "الإسلاموفوبيا" في حملة تجنيد متطورة
يؤكد الكاتب على وجود عدد من الدوافع نحو التطرف والانضمام لتنظيم "داعش"، وتتضمن مزيجاً من التمرد من قِبل بعض الشباب، والإحساس بالتهميش، والكراهية المتصورة تجاه الإسلام والمسلمين من جانب الغرب.
وقد ساعد على ذلك انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي أحدثت تحولاً جذرياً في جذب مزيد من المقاتلين الجدد وانضمامهم لـ"داعش"، خاصةً أن عناصر التنظيم يستخدمون أدوات وتقنيات حديثة ومتطورة للغاية، منها قيامهم بإنتاج تطبيقات خاصة بهم، ووضع دليل تدريب عبر الإنترنت.
وقد أوضح مجلس الأمن في تقرير له صادر عام 2014 أن اعتماد تنظيم "داعش" على وسائل التواصل الاجتماعي يعد من أبرز أسباب تفوقه على "القاعدة" فيما يتعلق بتجنيد المقاتلين الأجانب في صفوفه.
وفي هذا الإطار، ذكر أحد المجندين السابقين في "طالبان" أن التقدم الذي أحرزه "داعش" يرجع إلى وجود مقاتلين غربيين تم تعليمهم وتدريبهم في الغرب. وقد قدَّرت الاستخبارات الأمريكية أن أكثر من 20 ألف مقاتل أجنبي سافر إلى سوريا والعراق منذ عام 2011 حتى أوائل عام 2015، ومن بين هؤلاء 3400 فرد على الأقل من الغرب.
ولذلك من الضروري ألا يشعر المسلمون في الغرب أبداً بالعزلة عن بقية مجتمعاتهم، لما لذلك من آثار اجتماعية واقتصادية وأمنية سلبية ليس فقط على هؤلاء المسلمين، ولكن على هذه المجتمعات الغربية ككل.
ختاماً، يؤكد التقرير أن الخطاب السياسي الذي يحاول استغلال مخاوف الأمريكيين لتحقيق مكاسب سياسية ودفع المواطنين لكراهية الإسلام والتحامل على المسلمين، وأيضاً السياسات التمييزية التي تستهدف المسلمين، كل ذلك يعزز ظاهرة "الإسلاموفوبيا".
فهذه السياسات غير مقبولة وتعد خطأً أخلاقياً، كونها تهدد سلامة وأمن المسلمين والغرب بشكلِ عام، ولا تخدم إلا تنظيم "داعش" وتحقق أهدافه، وهو أمر شديد الخطورة، ويجب أن يتوقف.
* عرض مُوجز لتقرير صادر بعنوان: "المشاعر المعادية للمسلمين تشكل تهديداً خطيراً للأمن الأمريكي"، والمنشور في شهر نوفمبر 2015 عن "مركز التقدم الأمريكي".
المصدر:
Ken Gude, Anti-Muslim Sentiment Is a Serious Threat to American Security (Washington: Center for American Progress, November 2015).