أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يصدر العدد الثاني من مجلة "اتجاهات آسيوية"
  • أ. د. نيفين مسعد تكتب: (عام على "طوفان الأقصى".. ما تغيّر وما لم يتغيّر)
  • د. إبراهيم فوزي يكتب: (بين موسكو والغرب: مستقبل جورجيا بعد فوز الحزب الحاكم في الانتخابات البرلمانية)
  • د. أيمن سمير يكتب: (هندسة الرد: عشر رسائل للهجوم الإسرائيلي على إيران)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (من المال إلى القوة الناعمة: الاتجاهات الجديدة للسياسة الصينية تجاه إفريقيا)

القضايا الخمس:

تطور أبعاد الخلافات المغربية الجزائرية الراهنة

04 يونيو، 2017


تشير الخلافات المغربية الجزائرية الراهنة بشأن عدد من الملفات الخلافية (الأزمة الليبية، قضية الصحراء، المشكلات الحدودية)، إلى تجدد الخلافات القديمة التي تُعد من أقدم النزاعات وأطولها بين الدول المتجاورة، كما تؤكد استمراريةَ الخلافات بين المغرب والجزائر في ظل غياب أي مؤشرات جدية لإنهائها.

وتسعى كلتا الدولتين للعب دور إقليمي تجاه الأزمات التي تشهدها منطقة شمال إفريقيا، وكذلك الدول الإفريقية جنوب الصحراء، خاصة بعد عودة المغرب إلى عضوية الاتحاد الإفريقي، في ظل اختلاف رؤى كلتا الدولتين حول تسوية هذه الأزمات، وأُضيف إليها التعامل مع أزمة اللاجئين السوريين، وتباين رؤى مكافحة الإرهاب العابر للحدود، وهو ما يرجح استمرار علاقات الشد والجذب بين الدولتين خلال الفترة المقبلة إلى أن يتم حسم القضايا الخلافية، أو التوصل إلى اتفاق لتهدئة التوترات السياسية بين الدولتين.

ويوجد عدد من الملفات الخلافية بين المغرب والجزائر، لا تزال تُلقي بتأثيراتها على العلاقات الثنائية، ومن أهمها ما يلي:

1- قضية الصحراء: لطالما كانت هذه القضية محل خلاف بين المغرب والجزائر على خلفية الدعم الجزائري العسكري واللوجيستي لجبهة البوليساريو التي تشكلت عام 1973، واستضافتها بمدينة "تندوف"، ومساندتها دوليًّا في طلبها حق تقرير المصير، وهو ما لم تتقبله المغرب، مما أدى إلى تصاعد الخلافات السياسية بين الدولتين، وترتب عليه انسحاب المغرب من منظمة الوحدة الإفريقية التي أيدت حق تقرير المصير لجبهة البوليساريو.

وما ساهم في استمرار تدخل الجزائر كطرف في قضية الصحراء، صدور قرار مجلس الأمن الدولي في إبريل الماضي، وكذلك تقرير الأمين العام للأمم المتحدة "أنطونيو جوتيريش" الذي يدعو الجزائر والبوليساريو إلى حل النزاع، بشكل جعل النزاع إقليميًّا وليس ثنائيًّا بين المغرب والبوليساريو فقط، وهو تحوُّل هام في مسار قضية الصحراء المغربية.

سياسة الحزم:

دفعت هذه الأمورُ مجتمعة الحكومةَ المغربية، بقيادة "العثماني"، إلى الإعلان عن عزمها التصدي لأي استفزاز يمكن أن تتعرّض له المغرب بخصوص قضية الصحراء، وبشكل أكثر تحديدًا لمواجهة السياسات الجزائرية الداعمة لجبهة البوليساريو بصفة مستمرة، وذلك في إطار انتهاج المغرب "سياسة الحزم" التي أعلن عنها العاهل المغربي "محمد السادس"، لا سيما فيما يتعلق بالقضايا الوطنية، خاصة قضية الصحراء المغربية؛ حيث تتخذ المغرب في هذه الحالة وضعًا هجوميًّا مبادرًا، إذ لا تزال المغرب تسعى من خلال علاقاتها المميزة مع الدول الإفريقية إلى سحب اعتراف الدول المعترفة بجبهة البوليساريو، وأعلنت الحكومة أن عدد الدول المعترفة بالبوليساريو أصبح 37 بعد أن كانت 80، منها 18 دولة إفريقية.

وتصر الرباط على أحقيتها في الصحراء المغربية، وترفض إجراء استفتاء على منح حق تقرير المصير، وتقترح الرباط حكمًا ذاتيًّا موسعًا تحت سيادتها، بينما تدعو جبهة البوليساريو إلى انفصال الصحراء المغربية، وهو طرح تدعمه الجزائر التي تُؤوي نازحين من الصحراء، كما حاولت المغرب في العديد من المواقف إقناع العديد من الدول بسحب اعترافها في فترات لاحقة، وتسبب الاعتراف من جانب الاتحاد الإفريقي عام 1984 بانسحاب الرباط من المنظمة الإفريقية، ووصل الأمر -مؤخرًا- إلى قيام السلطات المغربية بطرد قيادية من جبهة البوليساريو الانفصالية "سويلمة بيروك" كانت تعتزم المشاركة في مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ (كوب 22) ضمن وفد الاتحاد الإفريقي، حيث تشغل منصب نائب رئيس برلمان عموم إفريقيا التابع للاتحاد، وأرجعت ذلك إلى أنها دخلت المغرب وهي تحمل جنسية غير معترف بها أمميًّا.

رؤى متناقضة:

ويمكن تلخيص رؤية كل من المغرب والجزائر تجاه قضية الصحراء فيما يلي:

- تركز رؤية الجزائر على إشراك البوليساريو كمفاوض أصيل في النزاع، وتكون الجزائر بمثابة وسيط، وإقامة الجمهورية الصحراوية على أساس حدود معترف بها بعد الاتفاق عليها، وأن "المغرب العربي" هو الإطار الملائم لحل مشكلات المنطقة.

- تركز الرؤية المغربية على التأكيد على تبعية الصحراء للسيادة المغربية، والمفاوضات مع الجزائر الداعمة الرئيسية لجبهة البوليساريو، وإمكانية تطبيق قرارات منظمة الوحدة الإفريقية فيما يتعلق بوقف إطلاق النار فقط دون الموافقة على منح حق تقرير المصير للبوليساريو.

وبناء على ما تقدم فإن المغرب تُحمِّل كلاًّ من الجزائر وموريتانيا مسئولية عدم حسم النزاع القائم في هذا الخصوص، وتأخر التوصل إلى حل سياسي عبر المفاوضات.

الملف الليبي:

2- الأزمة الليبية: تمثل تطورات الأوضاع في ليبيا أحد الملفات الخلافية بين كلٍّ من المغرب والجزائر، فلكلٍّ منهما رؤية مختلفة لحلها.

وتحاول الجزائر إيجاد موطئ قدم لها في ليبيا؛ حيث تستخدم في ذلك سياسة زيارة المسئولين المتكررة للتقريب بين وجهات نظر الفرقاء الليبيين، وعلى رأسهم المشير "خليفة حفتر" و"فايز السراج" رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبية، الأمر الذي أثار حفيظة المغرب، ودفع رئيس مجلس النواب المغربي لمطالبة الملك "محمد السادس" بسرعة التدخل لحل الأزمة الليبية عبر مساعدة ليبيا في رفع حظر السلاح المفروض على الجيش الليبي بقيادة "حفتر"، حيث أصبحت ليبيا بمثابة الحديقة الخلفية للصراع المغربي الجزائري.

كما ترتكز الرؤية الجزائرية لتسوية الأزمة الليبية في تعديل اتفاق الصخيرات الذي تم برعاية مغربية، ودعم قدرات الحكومة الليبية الشرعية (حكومة الوفاق الوطني)، ومشاركة كافة الأطراف الليبية الفاعلة دون استثناء في عملية الحوار والمسار السياسي الجاري في البلاد لتشكيل حكومة وحدة وطنية. وتهدف الجزائر أيضًا إلى احتواء مصادر التهديد الليبية، والتي تؤثر على استقرارها الأمني والسياسي، وتقديم نفسها للقوى السياسية الليبية والقوى الإقليمية والدولية كوسيط سياسي محايد لتحقيق التسوية السياسية للأزمة الليبية.

تنافس ثنائي:

3- سباق النفوذ الإقليمي: وذلك في إطار التنافس الجزائري المغربي حول قيادة منطقة شمال وغرب إفريقيا. وفي هذا السياق سخَّرت كلٌّ منهما قدراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والدينية أيضًا، وشهدت المحافل والمؤسسات الدولية تنافسًا وصدامًا على نطاق واسع، فشلت معه كافة محاولات الصلح بين الدولتين، ودعم ذلك ما شهدته العلاقات المغربية الجزائرية من سباق للتسلح، إذ عملتا على تعظيم قدراتهما العسكرية لردع الأخرى.

ويأتي تجدد الخلافات المغربية الجزائرية في إطار التنافس الثنائي بين الدولتين للعب دور إقليمي بارز، ففي الوقت الذي تحاول فيه المغرب الانتشار إفريقيًّا، تلعب الجزائر دورًا إقليميًّا متصاعدًا؛ حيث تقوم بدور الوساطة في مالي، ولا تزال حليفًا في عملية التسوية السياسية بقيادة الأمم المتحدة في ليبيا، كما تُساعد في تدريب الجيش التونسي لمواجهة تهديد التنظيمات الإرهابية.

والحقيقة أن هذا النوع من الصراع المغربي الجزائري ليس جديدًا، إذ سبق وسارعت الجزائر إلى التدخل لحل عدد من الملفات التي يكون المغرب طرفًا فيها على المستوى الإقليمي والقاري، كما عمل كلٌّ منهما على محاولة إيجاد حلول لعدد من القضايا والملفات بعيدًا عن قضية الصحراء، وهذا لا يعني بالضرورة وجود سياسات واحدة لحلها، وهي السياسة التي تنتهجها الجزائر، والتي غالبًا ما تسلك مناهج بعيدة عن رُؤى المغرب.

جغرافيا متحركة:

4- اللاجئون السوريون: تجددت الخلافات المغربية الجزائرية بشأن انتقال اللاجئين السوريين عبر الحدود المشتركة بين الدولتين، وظهرت الخلافات في هذا الخصوص للمرة الأولى بين الدولتين في نوفمبر 2014، وفي شهر إبريل 2017 اتهمت المغرب (تستضيف حوالي 5 آلاف لاجئ سوري) الجزائر بتسهيل انتقال 54 مهاجرًا سوريًّا غير شرعي من الحدود الجزائرية إلى مدينة فجيج جنوب شرق المغرب، وهو ما دفع السلطات المغربية لاستدعاء السفير الجزائري لديها احتجاجًا على إثارة الجزائر للاضطرابات الأمنية على الحدود مع المغرب.

غير أن الجزائر (تستضيف حوالي ما بين 12 – 24 ألف لاجئ سوري) نفت مسئوليتها عن تسلل المهاجرين عبرها إلى المغرب، واتهمت الجزائرُ المغرب بتكرار توجيه الإساءات للجزائر في هذا الشأن، واستدعت السفير المغربي لدى الجزائر احتجاجًا على ذلك.

5- مكافحة الإرهاب: تختلف رؤية كل من الجزائر والمغرب بشأن جهود مكافحة الإرهاب؛ حيث تتبادل الدولتان الاتهامات بشأن عدم التعاون لمواجهة التنظيمات الإرهابية، والتي كان آخرها اتهام المسئولين في الحكومة المغربية للجزائر بعدم التنسيق الأمني مع الرباط، وإيواء الجزائر لعناصر إرهابية تنتمي لجبهة البوليساريو في مدينة تندوف جنوب غرب الجزائر، وانضمامهم لتنظيم داعش، وتأثير ذلك سلبًا على الاستقرار الأمني والسياسي على الحدود بين الدولتين.

سياسة "اليد الممدودة":

وفي هذا الإطار تتبنى المغرب سياسة اليد الممدودة التي تركز على أهمية تبادل المعلومات مع دول الجوار، خاصة الجزائر، لإغلاق حدودها بشكل محكم من أجل منع تسلل العناصر الإرهابية عبر الحدود الجزائرية الموريتانية، وكذلك مع تونس. وهنا يشير المراقبون إلى أن المغرب هي أول المتضررين من توقف التعاون الأمني مع الجزائر بشأن مكافحة الإرهاب، وذلك بعد اختلاف وجهات النظر بين الدولتين بسبب قضية الصحراء ودعم الجزائر لجبهة البوليساريو.

وخلاصة القول، إن حدوث تقارب في العلاقات بين المغرب والجزائر مرهون بالتوصل إلى تسويات في القضايا الخلافية العالقة، الأمر المتعذر حدوثه في كل الملفات، وهو ما يُلقي بتأثيراته على الملفات التي يمكن حدوث انفراجة فيها.