بفوز إيمانويل ماكرون بالرئاسة في فرنسا، تنفس العالم الصعداء، لأن احتمال فوز ماري لوبان كان يمثل تهديداً أو قلقاً للكثير من القيم ومجالات التعاون الفرنسية مع بقية دول العالم، ومنها دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية التي باتت اليوم، كما يبدو، عنصراً حاضراً في الانتخابات الغربية عموماً بعدما كانت طريقة إدارتها للملفات والأزمات الدولية ضمن البرامج الانتخابية للمرشحين في الولايات المتحدة وأوروبا، وربما يصبح الأمر، لاحقاً، تقليداً سياسياً متبعاً لدى أغلب المرشحين، وقد لا نستغرب في المستقبل إنْ وجدنا الأمر في مناطق أخرى من العالم.
وإذا كانت ماري لوبان، مرشحة «الجبهة الوطنية» التي طرحت العديد من المواقف، تبدو متحاملة على المواقف الخليجية، خاصة في ملف الاستثمارات الأجنبية، وكذلك في الملف السوري واليمني، ومحاربة التطرف.. قد فشلت في الوصول إلى قصر الإليزيه، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي يتوقع أن يزور السعودية في نهاية الشهر الحالي، كان قد فاز بمساعدة أسلوب التعامل الذي وعد به فيما يخص ملفات الشرق الأوسط، ومنها الملفات التي لها علاقة بدول الخليج، وبالتالي فإن الأمر ينبغي الانتباه له (أقصد طريقة إسهام الدول الخليجية في إدارة الأزمات الدولية) حتى لا يفتح شهية المرشحين في الانتخابات القادمة، وهي كثيرة، وبالتالي تصبح «ظاهرة» انتخابية في العالم.
ونظرياً، فإن حضور الدول الخليجية في الانتخابات الغربية دليل على تفاعل هذه الدول مع السياسة الدولية، وأنها ضمن أولويات السياسة الخارجية لحكوماتها، وأن رؤية الخليجيين باتت محل اهتمام جانب الآخرين، وهذا جيد، خاصة من الذين كنا نقول عنهم إنهم صانعو القرار الدولي.
لكن القلق يكمن في أن تصاعد الظاهرة الشعبوية في أوروبا، وهي الظاهرة التي يغذيها الإعلام المتحامل على العرب عموماً والخليجيين خصوصاً، قد تسهم في الإساءة للدور الخليجي الحقيقي الذي يدركه المسؤولون الأوروبيون على حقيقته كدور إيجابي وبناء ولا غنى عنه إقليمياً ودولياً، إلا أنهم أثناء فترة الحملات الانتخابية يبدو أنهم لا يريدون الاعتراف بهذه الحقيقة.
مؤشرات عدة بانت في عهد إدارة ترامب، وخلال المئة يوم الأولى من فترتها، وهي مؤشرات ستتكرر مع قادم الأيام مع الرئيس الفرنسي الجديد إمانويل ماكرون، وكلها تصب في التقرب من المقاربة الخليجية فيما يخص معالجة الملفات المفتوحة في المنطقة والعالم. حدث ذلك أيضاً مع مع المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الأسبوع الماضي. وهذه المؤشرات هي دليل على إدراك تلك القيادات الأوروبية لأهمية الانفتاح على الدول الخليجية ليس كممثلة للعرب فقط، ولكن أيضاً لمنطقة الشرق الأوسط ككل، بل إن زيارة الرئيس ترامب المرتقبة للمملكة العربية السعودية هي اعتراف بأن ما حدث خلال الانتخابات ليس إلا عبارة عن «وعود انتخابية»، وأن الحقيقة هي أن من يغذي المشاكل والأزمات ويدعم التطرف هو دولة أخرى يتجاهلها بعض المرشحين بإصرار غريب ولافت للنظر، لكن بمجرد وصولهم للسلطة، يغيرون مواقفهم بهذا الخصوص.
والشيء المهم هنا هو أنه إذا كان المرشحون في الانتخابات الغربية يبحثون عن حل لأغلب المشكلات التي لها علاقة بزعزعة الاستقرار في المنطقة وفي العالم، فإن الأمر يحتاج إلى تحديد الدولة التي تؤدي سياستها إلى الفوضى قبل أن يحولوا برامجهم لتكون «وعوداً» انتخابية قط، فالسياسات الإيرانية هي السبب فيما يحدث، وربما هذا ما تشير إليه زيارة ترامب للسعودية واقترابه من طريقة الخليجيين في معالجة قضايا المنطقة.
وهكذا فالحقيقة -خلافاً لما يحلو للبعض أن يكرر- هي أن تغيير السياسيين لمواقفهم بعد الانتخابات جاء بعد مراجعة سياسات بلادهم تجاه المتسبب في حدوث الفوضى واستمرارها في المنطقة!
وعند الحديث عن مشاكل المنطقة أو التفكير في وضع تصور لحل أزماتها، فإن الأمر يقتضي من الساسة الغربين طرح التساؤل التالي: متى بدأت هذه الأزمات في الظهور؟ وما السبب وراء ما تواجهه بعض دول المنطقة من قلاقل وعنف وتشظٍ وتمزق؟
أعتقد أن الإجابة ستكون مرتبطة بالإشارة إلى قيام الثورة الخمينية في إيران وطريقة إدارتها لأزمات المنطقة.
متابعة التفاعلات الخليجية مع الحملات الانتخابية الغربية، توضح أن هذه الدول، رغم حداثتها في هذه المجالات، تستند إلى رصيد قوي من العلاقات الدولية المستقرة، يدركه صناع القرار السياسي في تلك الدول، لذلك نجد أن مواقف الرؤساء المنتخبين حديثاً، وبمجرد تسلمهم السلطة، تبدأ في التقارب مع دول الخليج، لأنها دول تمثل الطرف المعتدل في منطقة الشرق الأوسط ومركز قوة في الإقليم، وليس من السهولة تجاهلها أو حتى إبداء الرغبة في العداء معها، خاصة بعد الوصول إلى الرئاسة، حيث ينتظر الشعب نتائج عملية وليس مجرد وعود انتخابية!
*نقلا عن صحيفة الاتحاد