إعداد: أحمد عاطف
أصدر معهد الاقتصادات والسلام (IEP)، وهو مؤسسة بحثية عالمية مستقلة متخصصة في دراسات وبحوث السلام والاقتصاد والأعمال، ولها أفرع في الولايات المتحدة وأوروبا، "مؤشر الإرهاب العالمي عام 2014"، والذي يغطي أحداث العام السابق (2013) في 162 دولة من دول العالم، وبما يمثل 99.6% من سكان العالم.
ويعطي المؤشر تصنيفاً عن الدول المتأثرة بالإرهاب، إذ يُصنفها على أساس عدد الحوادث الإرهابية التي وقعت بها، وعدد الضحايا من القتلى والمصابين والخسائر في الممتلكات، ويقوم بتحليل الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن ذلك.
ويستند المؤشر في بياناته إلى قاعدة البيانات العالمية لرصد الإرهاب، وهي قاعدة قائمة على تجميع ورصد هذه البيانات تحت إشراف الاتحاد الوطني المعني بدراسة تأثير الإرهاب ومردود الإرهاب (START)، ويقع مقره في جامعة مريلاند الأمريكية.
وعلى الرغم من أنه لا يوجد تعريف عالمي متفق عليه للإرهاب، فإن المؤشر يُعرفه على أنه "الاستعمال غير المشروع للقوة والعنف، بشكل مباشر أو غير مباشر، عن طريق جهة غير حكومية من أجل تحقيق هدف اقتصادي أو سياسي أو اجتماعي أو ديني، من خلال التخويف والإكراه والترهيب". ويعد ذلك التعريف من المآخذ على التقرير، مما جعل البعض يشكك في صحة نتائجه بسبب هذه الشمولية التي قد تدخل بعض حوادث العنف ضمن قائمة الإرهاب.
ويذكر "ستيف كيليلا"، الرئيس التنفيذي لمعهد الاقتصادات والسلام، أن "الإرهاب يعد واحداً من الظواهر الأشد تأثيراً في عصرنا الحالي؛ فمما لاشك فيه أن تأثير الإرهاب ازداد خطورة في السنوات الأخيرة، ولاتزال هجماته تُسجل ارتفاعاً كبيراً. ولهذا يأتي الهدف من تصنيف مؤشر الإرهاب العالمي في التحليل والقياس الكمي المبني على منهجية لرصد هذه الظاهرة، مركزاً على فحص اتجاهات ظاهرة الإرهاب، في مساعدة من المعهد لطرح أوجه الحوارات والنقاشات البناءة والعملية حول مستقبل الإرهاب والمردود السياسي المناسب لحل هذه الظاهرة الخطيرة.
المستويات العالمية من الإرهاب
يكشف مؤشر الإرهاب لعام 2014 عن عدد من الحقائق والأرقام، لعل من أهمها أن مستوى الإرهاب في العالم يأخذ مساراً تصاعدياً، حيث تجاوز التطرف الديني منذ مطلع الألفية الجديدة حدود النزعة الانفصالية القومية ليحتل مكان الصدارة من حيث المحرك الرئيسي للهجمات الإرهابية على مستوى العالم.
ويشير التقرير إلى أن هناك أكثر من 48 ألف حادثة إرهابية على مدار السنوات الـ 14 الماضية أودت بحياة أكثر من 107 آلاف شخص على مستوى العالم. وبوجه عام، فإن ثمة زيادة تُقدر بخمسة أضعاف في حالات الوفيات الناجمة عن العمليات الإرهابية منذ عام 2000.
وفي عام 2013 وحده، شهد العالم حوالي 10 آلاف حادثة إرهابية، أدت إلى وفاة ما يقرب من 18 ألف شخص، وغالبية هذه الحوادث (أكثر من 60% منها) كانت في خمس دول فقط (العراق، وأفغانستان، وباكستان، ونيجيريا، وسوريا). ويعزي التقرير هذه الزيادة في عدد العمليات الإرهابية خلال العام الماضي بشكل رئيسي إلى النشاط الإرهابي داخل هذه الدول.
ونتيجة لذلك، شهدت هذه الدول زيادة كبيرة في الخسائر في الأرواح في عام 2013 تصل إلى 14722 حالة وفاة. وباستثناء هذه البلدان الخمسة، كان هناك ما يقرب من 4 آلاف هجمة إرهابية في بقية دول العالم؛ مما أسفر عن مقتل 3236 شخصاً.
وعلاوة على ذلك، يكشف المؤشر عن نجاح الإرهابيين ـ إلى حد كبير ـ في تنفيذ أهدافهم التكتيكية، حيث كان معدل النجاح في تنفيذ العمليات الإرهابية في عام 2013 أكثر من 85%. وبلغ عدد البلدان التي فقدت أكثر من 50 شخصاً نتيجة الحوادث الإرهابية العام الماضي 24 دولة بزيادة مقدارها 9 دول مقارنةً مع عام 2012، وهي دول (الجزائر، وجمهورية أفريقيا الوسطى، والصين، ومصر، ولبنان، وليبيا، ومالي، والسودان، وجنوب السودان).
وعلى مستوى ضحايا العمليات الإرهابية، يشير التقرير إلى أن أكثر من 80% من حالات الوفيات الناجمة عن الإرهاب في عام 2013 وقعت في 5 دول تحديداً، وهي: (العراق، وأفغانستان، وباكستان، ونيجيريا، وسوريا). وقد وقع في العراق وحدها نحو 35% من الوفيات الناجمة عن الإرهاب العام الماضي.
اتجاهات التغير في العمليات الإرهابية عالمياً
تكشف نتائج المؤشر عن تعرض نحو 87 دولة لحوادث إرهابية عام 2013 (وذلك بزيادة قدرها 6 دول مقارنة بعام 2012). كما شهدت 40 دولة ارتفاعاً في عدد الوفيات جراء الأعمال الإرهابية عند المقارنة بين عامي 2013 و2012.
وطبقاً لما تضمنه التقرير، فإن الدول الخمس صاحبة أكبر الزيادات في الوفيات الناجمة عن الإرهاب في عامي 2012 و2013 هي أيضاً أكثر البلدان تأثراً بالإرهاب، حيث بلغت نسبة الوفيات في هذه الدول الخمس 52% خلال هذه الفترة. وكانت أبرز زيادات الوفيات في هذا الصدد بالعراق، التي شهدت زيادة تقدر بأكثر من 4 آلاف حالة وفاة بسبب الإرهاب عام 2013 مقارنةً بالعام السابق له.
وفي المقابل، فإن الدول الخمس التي سجلت أكبر انخفاض في الوفيات الناجمة عن الإرهاب عام 2012-2013 لاتزال تحافظ على مستويات عالية من النشاط الإرهابي، وفي مقدمتها اليمن التي سجلت هبوطاً في الوفيات بنسبة نحو 15%. ومع ذلك، فإن هذا لا يعني أن الإرهاب لم يعد تهديداً كبيراً لليمن، والدليل على ذلك أنه كان هناك ما يقرب من 100 حادث إرهابي عام 2013 أكثر من عام 2012.
الهجمات الانتحارية.. الأشد خطراً
يسلط التقرير الضوء في جزء منه على الهجمات الانتحارية باعتبارها الأكثر فتكاً مقارنةً بغيرها من أشكال الإرهاب، حيث يقتصر هذا النوع من الهجمات بشكل عام على عدد قليل فقط من الدول. ومنذ بداية الألفية الجديدة شهد العالم نحو 2500 هجوم انتحاري، أكثر من 90% منها وقع في منطقة الشرق الأوسط وجنوب آسيا، إذ بلغ متوسط حالات الوفاة الناتجة عن هذه الهجمات في هاتين المنطقتين ما بين 11 و13 حالة وفاة في الحادث.
وإحصائياً، تعد التفجيرات الانتحارية أقل نجاحاً من أشكال إرهابية أخرى، حيث إن 56% من محاولات الاغتيال باستخدام التفجيرات الانتحارية تنتهي بالفشل.
ويتطرق المؤشر إلى بعض الجماعات التي يُصنفها على أنها إرهابية ومتورطة في تنفيذ تفجيرات انتحارية، وفي مقدمتها "القاعدة" والتنظيمات ذات الصلة بها، والتي نفذت أكثر من ألفي حادث إرهابي منذ عام 2000، منها ما بين 12 إلى 18% هجمات انتحارية.
التنظيمات الإرهابية الكبرى ودوافع الإرهاب
أشار التقرير إلى أن نحو ثلثي العمليات الإرهابية في عام 2013 تسببت فيها الجماعات المسلحة الأربعة الكبرى، وهي: (داعش، وبوكو حرام، والقاعدة، وحركة طالبان). وتعد الأشكال المختلفة من الأيديولوجيات الدينية القائمة على أساس تفسيرات إسلامية متطرفة، بمنزلة القواسم المشتركة لهذه التنظيمات الأربعة؛ ولكن أهدافها الاستراتيجية ليست بالضرورة واحدة. وفي سبيل مواجهة صعود هذا "التطرف الديني"، ينصح معدو التقرير بدعم الإسلام السني المعتدل.
ويلفت التقرير الانتباه إلى أن "الأيديولوجية الدينية" كأحد مسببات الإرهاب ليست ظاهرة عالمية، لكنها سائدة في دول أفريقيا جنوب الصحراء والشرق الأوسط وجنوب آسيا، أما باقي دول العالم فمن المرجح أن يكون الإرهاب فيها مدفوعاً من قِبل الحركات القومية والانفصالية.
وفي حين أن دوافع النشاط الإرهابي غالباً ما تكون معقدة ومتعددة الأبعاد، بيد أن الدول التي تعاني من مستويات عالية من الإرهاب يكون لديها ثلاثة عوامل، هي:
1 ـ الأعمال العدائية الاجتماعية الضخمة بين مختلف الأعراق والجماعات الدينية.
2 ـ وجود دولة ترعى العنف، مثل حالات الإعدام خارج القضاء، والإرهاب السياسي، وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
3 ـ مستويات عالية من أشكال أخرى للعنف، والتي تشمل حالات القتل الناجمة من الصراع المنظم، والتظاهرات العنيفة.
وهكذا، يرى التقرير أن نسبة الفقر والمستوى التعليمي المتدني والأوضاع الاقتصادية المتراجعة، لديها تأثير محدود على ظهور الإرهاب، مما يعني أن الأنظمة السياسية الضعيفة التي تفتقر إلى الشرعية السياسية، ووجود العنف الذي ترعاه الدولة، هي من العوامل الأكثر تأثيراً لتفسير صعود المنظمات الإرهابية، وليس فقط البيئة الاقتصادية.
وضع دول الشرق الأوسط على مؤشر الإرهاب
يقوم "مؤشر الإرهاب الدولي" بوضع ترتيب لدول العالم على المؤشر، ومن بينها دول الشرق الأوسط، من حيث حجم انخراطها في العمليات الإرهابية ومدى تعرضها لمثل هذه الهجمات، حيث يعطي المؤشر درجة لكل دولة بناءً على مقدار الضرر الذي نالها من الإرهاب.
ويوضح الجدول التالي ترتيب دول الشرق الأوسط على هذا المؤشر:
الترتيب
من حيث أكثر المتضررين |
الدولة |
الدرجة
(من 10) |
1 |
العراق |
10 |
2 |
سوريا |
8.12 |
3 |
الصومال |
7.41 |
4 |
اليمن |
7.31 |
5 |
مصر |
6.5 |
6 |
لبنان |
6.4 |
7 |
ليبيا |
6.25 |
8 |
السودان |
5.77 |
9 |
جنوب السودان |
5.6 |
10 |
الجزائر |
5.52 |
11 |
إسرائيل |
4.66 |
12 |
البحرين |
4.41 |
13 |
تونس |
3.29 |
14 |
السعودية |
2.71 |
15 |
المغرب |
2.11 |
16 |
الأردن |
1.76 |
17 |
الإمارات |
0.29 |
18 |
الكويت |
0.4 |
19 |
عُمان |
0 |
20 |
قطر |
0 |
وكما هو واضح في الجدول، تعد دول الخليج، وتحديداً (قطر، وسلطنة عُمَان، والكويت، والإمارات) على الترتيب هي أكثر دول المنطقة استقراراً وعدم التعرض للحوادث الإرهابية، ويليها على المؤشر من حيث الأقل تضرراً من الإرهاب: (الأردن، والمغرب، والسعودية، وتونس، والبحرين).
في المقابل، صنف التقرير دول المنطقة الأكثر تضرراً من الهجمات الإرهابية، على الترتيب كالتالي: (العراق، وسوريا، والصومال، واليمن)، حيث تعاني الدول الأربع تصاعد عدد الحوادث الإرهابية، وزيادة عدد القتلى والمصابين جراء هذه الحوادث، كما هو واضح في الجدول التالي:
الدولة |
عدد الحوادث الإرهابية |
عدد القتلى جراء الإرهاب |
عدد المصابين جراء الإرهاب |
العراق |
2492 |
6362 |
14947 |
سوريا |
217 |
1078 |
1776 |
الصومال |
197 |
405 |
492 |
اليمن |
295 |
291 |
583 |
استراتيجيات المواجهة
قد تكون نتائج هذا التقرير مفيدة في تقييم خطر الهجمات الإرهابية المستقبلية بالدول التي توجد فيها حالياً مستويات منخفضة من النشاط الإرهابي. فمن خلال قياس ومقارنة مختلف العوامل السياسية والاجتماعية ومؤشرات العنف، يُمكن تحديد البلدان المعرضة لخطر زيادة كبيرة في الإرهاب. وقد أشار التقرير في هذا الصدد إلى 13 دولة على حافة الخطر الإرهابي، وهي: (أنجولا، بنجلاديش، بوروندي، جمهورية أفريقيا الوسطى، كوت ديفوار، إثيوبيا، إيران، إسرائيل، مالي، المكسيك، ميانمار، سريلانكا، وأوغندا).
وكما جاء بالتقرير، فإن الاستراتيجيتين الأكثر نجاحاً للحد من الجماعات الإرهابية منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، إما الجهود الاستخباراتية أو العمليات السياسية؛ فقد كانت هاتان الاستراتيجيتان السبب الرئيسي للقضاء على أكثر من 80% من المنظمات الإرهابية، فيما ساهمت العمليات العسكرية في القضاء على 7% فقط من الجماعات الإرهابية، بينما نجح 10% فقط من تلك الجماعات في تحقيق أهدافها.
ويخلص التقرير إلى أن استراتيجيات مكافحة الإرهاب وحفظ الأمن على المدى القصير، تكون مهمة في كثير من الأحيان لمنع أعمال كبيرة وغير متوقعة من العنف الشامل. ومع ذلك فإن السياسات على المدى الطويل ضرورية أيضاً، وتشتمل الأولويات على المدى الطويل الحاجة إلى الآتي: (إنهاء الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من قِبل الدولة، وتحسين الوصول إلى العدالة وسيادة القانون، والتصدي للحركات الإسلامية المتطرفة التي تشجع على استخدام الإرهاب وتكون المواجهة من خلال دعم التوجهات الإسلامية المعتدلة التي تدعو إلى تبني الطرق السلمية للدفاع عن الحقوق السياسية المشروعة).
* عرض موجز للتقرير السنوي الصادر عن معهد الاقتصادات والسلام (Institute for Economics and Peace)، في نوفمبر 2014، تحت عنوان: "مؤشر الإرهاب العالمي 2014".