تُظهر القراءة الأولية للبيان الختامي للقمة العربية في البحر الميت بالأردن أمرين أولهما أنه تضمن تشخيصاً سليماً للواقع العربي، والثاني أن القمة حافظت على المواقف السليمة من القضايا العربية الرئيسية لكن تبقى مشكلة الفاعلية، أي عدم اتخاذ إجراءات محددة أو اقتراح آليات فاعلة لتحقيق اختراق باتجاه إزالة الجمود الذي يكتنف تلك القضايا مع استثناءات طفيفة. أما عن تشخيص الأوضاع العربية فقد جاء واقعياً بإشارته إلى الظروف الصعبة التي تحيط بالوطن العربي، والتي تتمثل في الصراعات التي تجري على الأرض العربية والانتشار غير المسبوق للإرهاب، وإن لوحظ أن البيان قد أطلق على تلك الصراعات الدامية وصف «الأزمات»، وإن كان قد أعطى تداعياتها الخطيرة حقها، فهي وفقاً لكلمات البيان تقوض الدول وتقتل مئات الألوف وتشرد الملايين، كما لوحظ أن البيان قد اكتفى بالإشارة إلى تهديد الإرهاب للأمن والاستقرار في المنطقة والعالم ولم يأت على تهديده للدولة الوطنية ذاتها، كذلك لم يُشر البيان في مقدمته إلى تفاقم التدخل الخارجي في الشأن العربي، وجاء حديثه لاحقاً عن هذه التدخلات على نحو معين كما سنرى.
وفيما يخص الحفاظ على المواقف العربية من قضايا العرب الرئيسية، وإن بقيت مشكلة غياب الفاعلية، نأخذ القضية الفلسطينية مثالاً، حيث حافظ البيان على صدارتها وتمسك بحل الدولتين وبخطوط الرابع من يونيو 1967 كحدود بين هاتين الدولتين، وبالقدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية، وبالسلام كخيار استراتيجي أساسه المبادرة العربية. ورفض البيان كافة الخطوات الإسرائيلية، خاصة تلك المتعلقة بالاستيطان وتغيير الوضع القانوني والتاريخي للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس. وأكد البيان على دعم جهود تحقيق المصالحة الفلسطينية، وتشكيل حكومة وحدة وطنية في إطار الشرعية الفلسطينية، وكلها مواقف جيدة يُحسب لها عدم تعديل المبادرة العربية -كما كان البعض يتمنى- ورفض الاستيطان ونقل سفارات الدول إلى القدس، غير أنه يُلاحظ من ناحية أن بعض المواقف المهمة التي وردت في بيان قمة نواكشوط السابقة لم ترد في بيان القمة الأخير، كرفع الحصار عن غزة، وإطلاق سراح الأسرى، والنص على أن تكون سيادة الدولة الفلسطينية كاملة على مجالها الجوى ومياهها الإقليمية وحدودها الدولية، كما أن بعض المواقف لم يتناسب مع جدية التهديدات؛ وعلى سبيل المثال فقد كان من الممكن أن يتناسب النص الخاص بنقل السفارات إلى القدس مع احتمال إقدام الرئيس الأميركي على ذلك، وكان ممكناً في قرار كهذا أن يتم التبصير بعواقبه والطلب من الرئيس الأميركي عدم الإقدام على هذه الخطوة للاعتبارات المعروفة.
ومن ناحية أخرى غابت آليات العمل لترجمة هذه المواقف على أرض الواقع، كالحديث عن خطوات محددة ينبغي الالتزام بها لإنجاز المصالحة الفلسطينية أو التلويح بقرب نفاد صبر الشعب الفلسطيني والتحذير من مغبة ذلك أو الاتفاق على آليات لكسب المزيد من الدعم الدولي للحق الفلسطيني.. وإنما اقتصرت صياغة معظم المواقف على مطالبة الآخرين بتنفيذ القرارات الدولية ذات الصلة.
وما ينطبق على القضية الفلسطينية ينطبق على غيرها؛ ففي الصراعات العربية الدائرة كان ثمة تأكيد على ضرورة تسويتها سلمياً وعلى الحفاظ على الدولة الوطنية العربية، وهذا صحيح ومطلوب، لكن إجراءً واحداً لم يُتخذ لتبني خطوات عملية لضمان هذه الغاية باستثناء تكليف المجلس الوزاري للجامعة بوضع آلية لمساعدة الدول العربية المستضيفة للاجئين، وهذا جيد. وفي العلاقة مع دول الجوار تضمن البيان صيغة متوازنة تجمع بين الحرص على بناء علاقات حسن الجوار والتعاون معها من جانب، ورفض تدخلها في الشأن العربي من جانب آخر. وقد شملت الصيغة جميع دول الجوار، وهذا إيجابي، لكن يلاحظ من ناحية غياب أية مبادرات لتحقيق هذا الغرض باستثناء الموقف من احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، والذي أكد بيان القمة بشأنه على حق دولة الإمارات العربية وتأييد مقترحاتها لإدارة الأزمة. ومع ذلك يلاحظ أن الحديث عن التدخل الخارجي جاء في سياق العلاقة مع دول الجوار، وكأن البيان يتجاهل التدخل ذي الطابع العالمي.
وهكذا تُظهر القراءة الأولى لبيان القمة تمسكاً بالمواقف دون آليات واضحة لترجمة معظمها إلى واقع بما يزيح عن كاهل الأمة العربية بعض ما تعانيه.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد