إعداد: وفاء ريحان، باحثة في العلوم السياسية
كشف مؤشر الإرهاب العالمي لعام 2016 عن أبرز التطورات التي شهدتها ظاهرة الإرهاب خلال عام 2015؛ حيث يُغطي المؤشر 163 دولة، أي حوالي 99,7% من سكان العالم، وقد صدر هذا المؤشر عن معهد الاقتصاد والسلام، وهي مؤسسة بحثية عالمية متخصصة في دراسات السلام والاقتصاد.
ويتم تصنيف الـ163 دولة على مقياس يبدأ من 10 فيما أقل، بحيث يمثل الرقم 10 الدول الأكثر تضررًا من الإرهاب، وتمثل القيمة ما بين 2 إلى 0,01 الدول الأقل تضررًا من الإرهاب، ويُعرِّف هذا المؤشرُ الإرهابَ بأنه "استخدام القوة والعنف، أو التهديد باستخدامهما من قبل فاعل من غير الدول لتحقيق أغراض سياسية ودينية واجتماعية". ويستند المؤشر في بياناته إلى قاعدة البيانات العالمية لرصد الإرهاب، وتقوم هذه القاعدة بتجميع ورصد البيانات تحت إشراف الاتحاد الوطني للدراسة والاستجابة للإرهاب (STRAT)، ويقع مقره في جامعة (ميريلاند) الأمريكية.
تصاعد العمليات الإرهابية:
على الرغم من تراجع عدد العمليات الإرهابية في عدد من دول العالم حسبما أشار المؤشر، فإن بعض الدول قد شهدت زيادة في عدد العمليات الإرهابية، ويتضح ذلك في تحسن أوضاع 76 دولة على المؤشر مقابل تدهور أوضاع 53 دولة، ومن أبرز الدول التي شهدت زيادة في عدد العمليات الإرهابية ما يلي: فرنسا، وتركيا، والسعودية، والكويت، وتونس، وبوروندي. وبحسب المؤشر فإن إجمالي العمليات الإرهابية اتجه للزيادة بنسبة 6%.
ويشير التقرير إلى أن تكتيكات تنظيم داعش العابرة للحدود، إلى جانب زيادة عدد عمليات الذئاب المنفردة، قد ساهمت في ازدياد معدلات الإرهاب في أوروبا إلى أعلى مستوياتها، حيث كانت هجمات داعش في باريس وبروكسل وأنقرة من بين الهجمات الأكثر تدميرًا في تاريخ هذه البلدان.
كما انخفضت نسبة الوفيات الناتجة عن العمليات الإرهابية في عام 2015 بما يقدر بحوالي 10%، وهذا هو أول انخفاض لها منذ عام 2010. ويُعزَى هذا الانخفاض بشكل أساسي إلى حالة الضعف التي أصابت كلا من تنظيمي بوكو حرام وداعش في نيجيريا والعراق على التوالي، وذلك بسبب العمليات العسكرية ضدهما.
أيضًا أسهمت التحالفات الدولية ضد الجماعات المتطرفة في التقليل من أعداد القتلى في جمهورية إفريقيا الوسطى، والسودان، والصومال، وانخفضت كذلك أعداد القتلى في باكستان بسبب الخلافات الداخلية التي تشهدها جماعة طالبان، فضلا عن عمليات الجيش الباكستاني في المناطق القبلية الخاضعة للإدارة الاتحادية. إلا أن هذا لا ينفي وجود تصاعد في عدد القتلى في دول أخرى مثل أفغانستان التي ارتفع فيها عدد الوفيات الناتجة عن الحوادث الإرهابية والمعارك بشكل كبير خلال عام 2015، فزادت وفيات الحوادث الإرهابية بنسبة 29%، كما تخطى الارتفاع في الوفيات بساحات المعارك نسبة 34%. وبصفة عامة أشار التقرير إلى أنه على الرغم من الانخفاض في عدد القتلى، فإن عام 2015 يُعد من أكثر الأعوام دمويةً على مستوى المؤشر.
التهديدات الإرهابية لأمن الخليج:
على الرغم من أن دول الخليج تمتعت باستقرار نسبي على مؤشر الإرهاب لسنوات طويلة، فإن هذا العام قد شهد تراجع كل من المملكة العربية السعودية والكويت على المؤشر، وفي هذا الإطار يجب ملاحظة أن حدوث حادثة إرهابية واحدة بعد فترة طويلة من الاستقرار سينعكس في المؤشر كزيادة ضخمة في نسب الإرهاب بسبب الاعتماد على أسلوب النسب المئوية، وهو ما لا يعكس التطور الواقعي للإرهاب في هذه الدولة.
فعلى سبيل المثال، لم تشهد الكويت أي عملية إرهابية منذ عام 2011 إلى عام 2014، إلا أنه مع حلول عام 2015 وقع بها تفجير مسجد شيعي راح ضحيته ما يُقدر بحوالي 28 شخصًا، ولهذا تدهور متوسط النسبة التي سجلتها الكويت في المؤشر العام بنسبة تزيد على 10% مقارنة بالعام الماضي، واحتلت المركز الـ37 عالميًّا، في حين كانت تحتل المركز 123 في مؤشر عام 2015، كما سجلت ما يُقدر بحوالي 4,449 نقاط هذا العام بعدما كانت تقارب الصفر.
وكذلك الحال بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي سجلت عام 2015 ارتفاعًا يُقدر بحوالي ستة أضعاف في الوفيات الناتجة عن عمليات إرهابية مقارنة بعام 2014، حيث شهدت 48 هجومًا إرهابيًّا أسفر عن مقتل 107 أشخاص، وكان ذلك من أعلى مستويات الإرهاب التي تشهدها المملكة منذ عام 2000.
فيما تمتعت باقي دول الخليج بقدر عالٍ من الاستقرار، حيث حصلت سلطنة عمان على صفر، وحصلت قطر على 0.23، كما حصلت دولة الإمارات العربية المتحدة على نسب مقاربة حيث حققت 0.422، وقد أشار المؤشر إلى أن داعش تعد الجماعة الإرهابية الأكثر خطورة في منطقة الخليج. فعلى سبيل المثال، نفذت ما يقدر بحوالي 88% من الهجمات الإرهابية على المملكة العربية السعودية، كما شهد عام 2015 تصاعد نشاط الجماعات المسلحة التابعة للحوثيين.
الشرق الأوسط على مؤشر الإرهاب:
تُعد منطقة الشرق الأوسط المنطقة الأكثر تأثرًا بالإرهاب، ووفقًا للمؤشر فقد شهدت عام 2015 ارتفاعًا في عدد الهجمات الإرهابية والوفيات الناتجة عنها، حيث تم تنفيذ ما يزيد عن 70% من إجمالي الحوادث الإرهابية العالمية في المنطقة، كما وصل عدد الوفيات بها الناتجة عن عمليات إرهابية إلى ما يزيد عن 44% من إجمالي الوفيات عالميًّا، وقد قام المؤشر بالتركيز على مجموعة من دول الشرق الأوسط تتمثل فيما يلي:
1- تونس: زاد عدد الوفيات جراء الإرهاب في تونس من 10 حالات عام 2014 إلى 81 حالة عام 2015، وهذا الارتفاع يرجع بشكل أساسي إلى أنشطة تنظيم داعش والجماعات التابعة له، فقد أعلن تنظيم يتبع داعش يُسمى "جند الخلافة" مسئوليته عن الهجوم على فندق سوسة في 26 يونيو 2015 والذي قُتل فيه 40 شخصًا.
2- العراق: جاءت في المركز الأول عالميًّا للعام الثالث على التوالي، فهي تُصنف على أنها الدولة الأكثر تأثرًا بالإرهاب منذ عام 2004، رغم أنها قد شهدت انخفاضًا في عدد الوفيات نتيجة الإرهاب بنسبة 30%، وذلك نتيجة ضعف تراجع تنظيم داعش في العراق.
3- سوريا: احتلت المركز الخامس للعام الثاني، وتُعتبر الحرب الأهلية الدائرة بالبلاد هي المُغذي الرئيسي للإرهاب بها، وقد ازداد عدد الوفيات الناتجة عن الحوادث الإرهابية في سوريا عام 2015 بنسبة 63% مقارنةً بعام 2014، وهذه أعلى نسبة للوفيات تُسجل فيها، ويوضح التقرير أن من المحتمل أن يكون هذا العدد أكبر بكثير من هذا نظرًا لصعوبة الحصول على المعلومات الكاملة بسبب ظروف الحرب الأهلية والسيطرة الإقليمية لداعش.
4- اليمن: سجلت المركز السادس على المؤشر مرتفعة بذلك عن العام السابق الذي حصلت فيه على المركز السابع، حيث شهدت في عام 2015 أعلى مستويات للإرهاب مقارنة بالأعوام السابقة، فقد ارتفع عدد وفيات الحوادث الإرهابية باليمن إلى 132% مقارنة بعام 2014.
5- الصومال: حصلت على المركز السابع عالميًّا، حيث انخفض عدد حالات الوفاة نتيجة الإرهاب بها بنسبة 18% عن العام السابق، ومع ذلك لا يزال عام 2015 في المرتبة الثانية من حيث الأعوام الأكثر دموية بالصومال.
6- ليبيا: صُنفت في المركز العاشر عالميًّا، حيث تشهد زيادة مطردة في مستويات الإرهاب منذ الإطاحة بنظام معمر القذافي في عام 2011، ففي عام 2015 ارتفع عدد قتلى الأنشطة الإرهابية بنسبة 4% مقارنة بعام 2014.
7- مصر: احتلت المركز التاسع من حيث البلدان الأكثر تأثرًا بالأنشطة الإرهابية، وذلك على المستوى العالمي، فقد وصل الإرهاب بها إلى أعلى مستوياته منذ عام 2000، حيث سجلت الوفيات جراء الإرهاب ارتفاعًا بنسبة 260% في عام 2015 مقارنةً بالعام السابق.
التداعيات الاقتصادية للإرهاب:
يوضح التقرير أن تأثير الإرهاب على مستوى الاقتصاد العالمي في عام 2015 كان واسع المدى مقارنةً بعام 2014، فقد تكبد الاقتصاد العالمي ما يقدر بحوالي 89,6 مليار دولار جراء الحوادث الإرهابية، وهو ما يعني أن الخسائر الاقتصادية قد قلت بنسبة 15% مقارنة بعام 2014، وإن كان هذا لا ينفي أن الخسائر الاقتصادية الناتجة عن الإرهاب في عام 2015 هي الأعلى تكلفةً منذ عام 2000.
كما نجد أن أكبر دول شهدت خسائر اقتصادية ناجمة عن الإرهاب هي تلك الدول التي تصنف كمناطق صراعات مسلحة، وهذه الدول تتمثل في: العراق، وأفغانستان، وسوريا، واليمن، وليبيا، وجنوب السودان، ونيجيريا، وباكستان، والنيجر، وجمهورية إفريقيا الوسطى. فعلى سبيل المثال تكبد الاقتصاد العراقي خسائر تقدر بحوالي 17% من الناتج المحلي الإجمالي لعام 2015.
وإجمالا.. ينتهي التقرير بمجموعة من الأوراق البحثية التي تُقدم بعض التوصيات لمواجهة خطر الإرهاب المتنامي في شتى أرجاء العالم، ومن أهم هذه التوصيات: عدم التركيز فقط على الأداة العسكرية لمكافحة الإرهاب، بل يجب أيضًا الاعتماد على الأداة السياسية، والتواصل مع قادة الدول لتعزيز التعاون بينهم في هذا الصدد، كما يجب مراجعة مناهج التعليم بحيث يتم التركيز فيها على قيم الانتماء وسبل تعزيزه بين أفراد الشعب الواحد، مما يؤدي إلى تقليل الشعور بالاغتراب والإقصاء الذي يُعد نواة للفكر المتطرف.