تشكل قضية التدخل الإيراني في شؤون دول المنطقة العربية أزمة دائمة وممتدة، حيث أثرت ولاتزال على العلاقات الإيرانية ـ العربية، فإيران لم تعد تتدخل فقط من أجل معادلة التوازنات الإقليمية، لكنها تتعمد أن تكون الطرف الأكثر فاعلية ونفوذاً وتأثيراً في أرجاء المنطقة كافة، إلى الحد الذي بلغ فعلياً احتلالها العراق وسوريا واليمن، وفقاً لحديث سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، منذ أيام قليلة.
في هذا السياق، تركز هذه السطور على أبعاد الوجود والتدخل الإيراني في دولة اليمن، وما يمثله ذلك من قلق على الصعيدين الإقليمي والدولي، وكذلك على الصعيد اليمني الداخلي، في ظل سيطرة الحوثيين مؤخراً على العاصمة صنعاء، بعد سيطرتهم على صعدة وعمران، وأخيراً مدينة الحديدة، ومحاولتهم الدؤوبة مد نفوذهم العسكري في منطقة البيضاء والجوف، وكذلك السعي للتقدم باتجاه محافظة مأرب في الشرق، آملين في التمكن (بمساعدة القبائل المتحالفة معهم) من السيطرة على حقول النفط والغاز ومحطة الكهرباء الرئيسية التي تغذي العاصمة صنعاء، وذلك على الرغم من مقاومة بعض قبائل مأرب المعادية للحوثيين مثل قبيلتي عبيدة ومراد، اللتين حشدتا رجالهما وانضمتا إلى قبائل الجوف "شمال مأرب" في المعارك ضد الحوثيين قبل ثلاثة أشهر.
الأهمية الاستراتيجية لمحافظة الحديدة
في خضم التحولات الكبرى التي يتمر بها اليمن، خصوصاً منذ عام 2011، سعت جماعة الحوثي إلى السيطرة - قدر المستطاع - على مفاصل الدولة كافة بمساعدة إيرانية، في ضوء استغلال ضعف الدولة، والسيولة الأمنية، والانهيار النسبي لمؤسسات الدولة، وعدم اكتمال بناء الجيش الوطني، من خلال تحركاتهم الأخيرة ووصولهم إلى العاصمة صنعاء، ثم تمكنهم من مد نفوذهم نحو مضيق باب المندب الاستراتيجي غرباً وحقول النفط شرقاً من خلال سيطرتهم على الحديدة على سواحل البلاد على البحر الأحمر. هذا علاوة على سعي الإيرانيين إلى السيطرة على مضيق باب المندب عبر استقطاب ودعم الحوثيين لشخصيات سياسية وقبلية مؤثرة في محافظة تعز من أجل إيجاد موطئ قدم لهم في هذه المنطقة المهمة تجارياً واقتصادياً، والتي يتبعها مضيق "باب المندب"، و"ميناء المخا" الذي يعد من محطات تهريب الأسلحة، إضافة إلى منطقة ذباب وغيرها من المناطق النائية على البحر الأحمر، وذلك على الرغم توقيع الأطراف السياسية اليمنية بمن فيهم الحوثيون على "اتفاق السلم والشراكة الوطنية" بناء على مخرجات مؤتمر الحوار الوطني في سبتمبر 2014.
وهنا تجدر الإشارة إلى الأهمية الاستراتيجية لمضيق باب المندب فيما يلي: ـ
أ- هو الممر الذي يتحكم في التجارة العالمية بين قارات آسيا وأفريقيا وأوروبا.
ب- يبلغ اتساع مضيق باب المندب 23.2 كم فيما بين رأس باب المندب شرقاً ورأس سيعان غرباً، حيث تطل 3 دول على باب المندب هي اليمن وإريتريا وجيبوتي، غير أن اليمن هي التي تتحكم في الممر الدولي من خلال جزيرة ميون التي لا تبعد عن اليابسة اليمنية سوى 4.8 كم، فيما تبعد عن الساحل الأفريقي 33 كم.
ج- يمر من خلال باب المندب 3 ملايين برميل نفط يومياً، إضافة إلى أنه يعد معبراً للتجارة الدولية التي تستخدمه لتوصيل الشحنات والبضائع لجميع الدول المطلة على البحر الأحمر.
د- تعتبر محافظة الحديدة ذات أهمية استراتيجية كبيرة، إذ تمتد سواحل المحافظة من اللحَّية في الشمال إلى الخوخة في الجنوب، بطول حوالي (300 كم) وعرض يتراوح بين (60 – 150 كم)، وتفصلها سواحل محافظة تعز عن مضيق باب المندب، علاوة على وجود 40 جزيرة في الحديدة في البحر الأحمر بعضها استراتيجي مثل جزر (أرخبيل حنيش) و(جزر تقفاش)، التي يصل ارتفاع جبالها إلى أكثر من 1300 قدم (القدم تساوي حوالي 30 سم)؛ وهو ما يجعلها قادرة على مراقبة ممر الملاحة العالمية، بالإضافة إلى اعتبار جزر البحر الأحمر ذات تأثير استراتيجي على خط الملاحة البحرية، حيث توجد فيها كثافة عسكرية مثل جزيرة (حُنيش)، كما أن جزيرة (كمران) تمتلك أعمق ميناء على البحر الأحمر هو (ميناء الصليف) والذي بإمكانه استقبال السفن الضخمة التي لا تستطيع الوصول إلى ميناء الحديدة.
محددات ودوافع التدخل الإيراني في اليمن
تتضافر عدد من العوامل والأسباب التي جعلت إيران تكثف وجودها الاستخباراتي والسياسي والعسكري في دولة اليمن، باعتبارها من أهم نقاط الارتكاز في الاستراتيجية الإيرانية ومن أهم مناطق النفوذ الإيراني في المنطقة العربية، والتي يمكن ذكرها على النحو التالي:
1 ـ اتخاذ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي العديد من الإجراءات والخطوات المدعومة من قبل دول مجلس التعاون الخليجي، كان من شأنها العمل على إنجاح الحوار الوطني بين كافة الأطراف اليمنية، من أجل النهوض بالبلاد ونشر أجواء الأمن والاستقرار فيها. ويتعارض هذا بطبيعة الحال مع الطموحات الإيرانية الرامية إلى الهيمنة والسيطرة على دول المنطقة بعد إحداث خلل داخلي فيها يمكن إيران من التغلغل وتحقيق أهدافها.
2 ـ الموقع الاستراتيجي المتميز الذي تتمتع به اليمن، حيث تمثل البوابة الجنوبية للوطن العربي عموماً والجزيرة العربية والخليج بشكل خاص. وتنبع أهمية اليمن من وجودها على أهم ممرات الطاقة والتجارة العالمية مثل مضيق باب المندب، الذي يمر خلاله ما يقارب من 3.2 مليون برميل نفط يومياً، أي تنبع الأهمية الاستراتيجية بحكم وجودها على المدخل الجنوبي للبحر الأحمر؛ مما يضفي بعداً مهماً على هذا الموقع، وبالتالي فإن وجود إيران في هذا المكان الاستراتيجي يعزز من حضورها الإقليمي، ويساعدها على السيطرة على المداخل والمخارج الرئيسية لتجارة النفط الدولية، في ضوء إدراك إيران أهمية تحديث قواتها البحرية والاستراتيجية.
3 ـ تعد اليمن من أهم البدائل المحتملة لمواجهة أي تطورات في المشهد السوري قد تؤدي لسقوط نظام الأسد وتداعيات ذلك السقوط على النفوذ الإيراني في سوريا ولبنان، وكذلك ما يشهده العراق من تدهور أمني واضح وتدخل أمريكي يقلص من النفوذ الإيراني هناك. وقد برز ذلك جلياً مع تشكيل التحالف الدولي لمحاربة "داعش" واستبعاد إيران رسمياً من هذا التحالف.
4 ـ محاولة إيران استغلال وجودها في اليمن في دائرة منافستها وصراعها المستتر مع دول الخليج العربية، وتحديداً المملكة العربية السعودية، في توليد مضايقات ومشكلات لهذه الدول، خاصة مع وجود التجمعات الحوثية والشيعية في شمال اليمن بالقرب من السعودية، وما يمثله ذلك من مشكلات أمنية عديدة للمملكة وعرقلة أي محاولات أو جهود خليجية من أجل إعادة الاستقرار في اليمن، علاوة على أن اليمن تمثل العمق الديموغرافي والجغرافي لدول ومجتمعات دول الخليج العربية.
5 ـ تتخذ إيران اليمن نقطة انطلاق إلى شرق أفريقيا، وذلك في إطار سياساتها لتوسيع دائرة علاقتها ونفوذها في القارة الأفريقية.
6 ـ تحاول إيران انتهاج سياسة تصدير مشاكلها الداخلية إلى الخارج في ظل ما تواجهه إيران من مشاكل داخلية وخارجية، على رأسها أزمة البرنامج النووي الإيراني، وما تبعها من فرض المزيد من العقوبات الاقتصادية، ثم ما يمكن أن تسفر عنه المفاوضات النووية الإيرانية مع المجتمع الدولي خلال الفترة القادمة ما بين إمكانيات التمديد أو التوقيع النهائي أو إمكانيات التصعيد والإعلان عن فشل عملية التفاوض.
7 ـ تسعى إيران من خلال وجودها في اليمن إلى استرجاع فكرة نشر المذهب الشيعي، خاصة في الدول التي توجد بها تجمعات طائفية تدين بالمذهب نفسه، وهي سياسة تتبعها إيران "الثورة" مع بعض دول الخليج العربية، وكذلك في العراق ولبنان وفي اليمن حيث الوجود الحوثي الشيعي.
وبالتالي، تستهدف إيران من خلال تدخلها في اليمن ودعمها للحوثيين وغيرهم إيجاد موضع قدم في المناطق المتاخمة لمضيق باب المندب ليعزز، إلى جانب سيطرتها على مضيق هرمز، من تحكمها في ممرات الملاحة الدولية في الخليج العربي والبحر الأحمر بصورة تزيد من مكانتها التفاوضية بشأن برنامجها النووي، ليصبح بذلك النفوذ الإيراني محاصراً للمنطقة بشكل عام شمالاً بنفوذها في لبنان وسوريا والعراق وجنوباً بنفوذها في اليمن؛ وهو ما يعني اكتساب المشروع الإيراني في المنطقة أرضاً جديدة، قد تعيد رسم خريطة التوازنات الإقليمية في المنطقة.
أبرز أشكال التدخل الإيراني في اليمن
على الرغم من نفي المصادر الرسمية الإيرانية أي وجود أو نفوذ إيراني في اليمن، واعتبار أن ما تمر به الدولة اليمنية من تصعيد وتعقد على مستوى القضايا السياسية والأمنية تعد شأناً داخلياً، فإن المؤشرات كافة تؤكد عكس هذه التصريحات تماماً، فالتدخل الإيراني واضح للعيان، ويمكن إبراز أهم ملامحه الأساسية فيما يلي:ـ
1 ـ دعم حركة الحوثيين:
يأتي الموقف الإيراني المساند للحوثيين الذي فضل اتباع سياسية خشنة لاقتناص الفرص، حيث اعتبرت إيران أن اتفاق الشراكة الذي يضمن مشاركة الحوثيين في السلطة نجاحاً بصورة أو بأخرى لسياستها بعيدة المدى في اليمن على مدار السنوات الماضية ومكسباً استراتيجياً إقليمياً مهماً، حيث ساعدت إيران في تحول جماعة الحوثي إلى قوة مؤثرة على الساحة اليمنية سياسياً وعسكرياً، في ضوء استغلال الفراغ الذي تركه نظام علي عبدالله صالح للسيطرة الكاملة على محافظة صعدة وأجزاء من محافظتي حجة والجوف، حتى احتلال العاصمة والسيطرة على الحديدة.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل امتد ليشمل اعتبار ما حدث من ثورة في اليمن كأنه امتداد طبيعي واستلهام للثورة "الإسلامية" في إيران، وهو ما وضح في تصريحات العديد من المسؤولين الإيرانيين من قبل، مثل قول المتحدثة باسم الخارجية الإيرانية "مرضية أفخم" إن "إيران دعمت وباستمرار وحدة اليمن واستقرارها، وكذلك دعمت المطالب المشروعة والسلمية للشعوب". كما وصف الأمين العام لحزب الحق الإيراني ما يقوم به الحوثيون في صنعاء بأنه "يمثل امتداداً للثورة الإيرانية التي قام بها الخميني".
وعلى الرغم من الترحيب الإيراني بتوقيع الاتفاق السلمي والشراكة الوطنية بين الرئاسة اليمنية والحوثيين في سبتمبر 2014، فإنها أيدت سيطرة الحوثيين على صنعاء، بل واعتبرت أن صنعاء العاصمة العربية الرابعة التي في طريقها للالتحاق بالثورة الإيرانية، واعتبرت طهران كذلك أن ثمة 14 محافظة يمنية سوف تصبح تحت سيطرة الحوثيين قريباً من أصل 20 محافظة؛ وهو ما يعني، من دون أي مواربة، تهديداً مباشراً للأمن القومي السعودي.
وظهر التدخل الإيراني جلياً في الشأن اليمني مؤخراً عندما رفض الحوثيون تعيين "أحمد بن مبارك" رئيساً للوزراء بإيعاز من إيران حيث ترفض إيران شخص "ابن مبارك" بسبب مؤهله العلمي الذي حصل عليه من إحدى الجامعات العراقية ببغداد، وأن هناك اعتقاد لدى إيران ومن ثم لدى الحوثيين بأن "ابن مبارك" ينتمي للبعثيين في العراق وهو في غير صالح إيران، وهي الخطوة التي تعبر عن اكتساب الحوثيين المزيد من أدوات القوة التي تؤهلهم للتأثير على عملية صنع القرار السياسي باليمن.
وتسعى إيران من ناحية أخرى، وفقاً لبعض التقارير الغربية، إلى وضع استراتيجية عسكرية تمتد إلى عام 2025 وتهدف إلى نشر قواتها البحرية من مضيق هرمز إلى البحر الأحمر إلى مضيق ملقا. ففي هذه الحالة تكون إيران قادرة على تهديد حركة نقل النفط البحرية من خلال سيطرتها على مضيق هرمز من ناحية، ووجود حلفائها من الحوثيين على مضيق باب المندب من ناحية أخرى؛ وهو ما يضيف لها أوراق ضغط في علاقاتها الإقليمية والدولية.
2 ـ تقديم السلاح وتكثيف النشاط الاستخباراتي:
تحرص إيران على تقديم وسائل عدة من الدعم للعديد من الجماعات الدينية في شمال اليمن بغرض التحكم والسيطرة على الجهة الشمالية. ظهر ذلك جلياً مع اتهام الرئيس اليمني منصور هادي في مارس 2012 بأن هناك باخرتين إيرانيتين ضبطتا وهما تحملان السلاح إلى اليمن، علاوة علي ضبط خلية تجسس إيرانية في اليمن، مع قيام خفر السواحل اليمنية في أواخر شهر ديسمبر من العام نفسه بمصادرة أسلحة متنوعة محملة على ظهر سفينة إيرانية بالقرب من ميناء "الصليف" اليمني على ساحل البحر الأحمر، وتم التأكيد من قبل مصادر مسؤولة في الحكومة اليمنية أن "وجهة الأسلحة كانت باتجاه محافظة صعدة في الشمال". هذا إضافة إلى قيام إيران بشراء الأراضي الواقعة بين المنفذ البحري ميدي ومحافظة صعدة لضمان الحصول على خط إمداد بحري لدعم هذه المحافظة ولقطع الطريق على أي دول إقليمية أخرى للحصول على هذا المنفذ البحري عالي الأهمية.
وتكثف إيران من نشاطها الاستخباري على الساحة اليمنية ذاتها، حيث أشارت مصادر أمنية يمنية إلى أن عشرات من النشطاء والإعلاميين والسياسيين اليمنيين تم استقطابهم عبر جماعة الحوثي وحزب الله للعمل ضمن شبكات تجسس إيرانية في مناطق عدة يمنية، وتم تدريبهم في طهران ولبنان، وتمت تغطية عملهم ضمن مؤسسات إعلامية وتعليمية وأنشطة خدمية وإنسانية.
وفي هذا الإطار، أوقفت السلطات اليمنية، في يناير 2014، سفر 30 طالباً أثناء مغادرتهم مطار صنعاء الدولي بمعية أحد الدعاة التابعين للحوثي.
والجدير بالذكر أن تلك التدخلات الإيرانية وتوسيع أنشطتها الاستخباراتية على الساحة اليمنية لم تكن بعيدة عن ما كشف عنه الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في أواخر عام 2012 بالإشارة إلى أن القوات اليمنية نجحت في الكشف عن ست خلايا تجسس تضم عناصر من إيران وسوريا، تعمل لصالح إيران، حيث تم القبض على عناصر هذه الشبكات في صنعاء وعدن وعدد من المحافظات الأخرى.
3 ـ اختراق المجتمع اليمني:
وعلاوة على ذلك، تتبع إيران أساليب القوى الناعمة في محاولة التأثير في مجريات الأمور في اليمن، بدعمها إطلاق عدد من القنوات الفضائية الموجهة، وتحديداً من الضاحية الجنوبية ببيروت، مثل قناة "المسيرة" التابعة لجماعة الحوثي، وقناة "الساحات" التابعة لمجموعة من الناشطين المحسوبين على اليسار، وكذلك قناة "عدن لايف" التابعة للحراك الانفصالي، علاوة على رعاية إصدار عدد من الصحف الأسبوعية المعارضة، كالمسار، والديمقراطي، و"الصمود"، مع عدد آخر من الصحف التي تصدر في مدينة عدن باسم الحراك الانفصالي.
4 ـ محاولات إفشال المبادرة الخليجية ومؤتمر الحوار الوطني:
ساعد دعم إيران للحركة الحوثية في الوقت الحالي على توتير الأجواء وتعطيل تنفيذ بنود مبادرة التسوية الخليجية، والتي تم من خلالها حلحلة الأزمة اليمنية، ولذلك فإن إيران تعتبر الورقة الحوثية أداة في يدها وتعتبرها جزءاً جوهرياً لحركتها وصراعها الإقليمي والدولي، على أساس أن اليمن هي امتداد لمشروع إيران الإقليمي. وظهرت ملامح التدخل الإيراني مبكراً في الشأن اليمني لإفشال المبادرة الخليجية في اليمن عن طريق إخراج تظاهرات ضد الحكومة ودعوتها سابقاً لتشكيل حكومة إنقاذ وطني، وغيرها من المحاولات الرامية لإفشال حكومة الوفاق الوطني وضرب التسوية السياسية وتخريب المبادرة الخليجية، وكذلك مؤتمر الحوار الوطني القادم الذي يمثل محطة مهمة من محطات المبادرة الخليجية.
تداعيات خطيرة داخلياً وإقليمياً
تشير التطورات الأخيرة إلى أن الحوثيين لا يسعون فقط إلى فرض شروطهم السياسية في تشكيل الحكومة اليمنية والتعيينات في المؤسسات الأمنية والعسكرية، فهم نقضوا كل اتفاق سابق يشير إلى التوافق الوطني الداخلي، فعلى الرغم من موافقتهم على تعيين "خالد بحاح" رئيساً للوزراء بعد أزمة السيطرة على صنعاء في الشهر الماضي، فإنهم استمروا في السيطرة والقتال في عدة مدن أخرى، ويعملون على إكمال توسيع مناطق نفوذهم العسكري على الأرض؛ وهو ما سوف يؤثر سلبياً على مجريات العملية السياسية، لأن هدفهم ليس التمكين السياسي فقط، بل تعطيل الدولة كلها والعمل على توغلهم داخل أجهزة ومؤسسات الدولة، حيث تفاوضوا في الأشهر الأخيرة على ضم نحو 20 ألفاً من مقاتليهم إلى الجيش وقوات الأمن وأجهزة المخابرات.
إن إحكام الحوثيين سيطرتهم على صنعاء ثم الحديدة، يتيح الفرصة بشكل أكبر أمام تنظيم القاعدة للعب دور أكبر، واتخاذ سيطرة الحوثيين على العديد من المدن مبرراً لزيادة عملياتهم الإرهابية باليمن، حيث تتخذ القاعدة من محافظات مأرب والجوف والبيضاء التي تشكل إقليم سبأ، مناطق يتمركز فيها عناصر التنظيم، وينطلقون منها لتنفيذ هجماتهم في المحافظات الأخرى، وستساعدهم على ذلك التركيبة السكانية لتلك المحافظات ذات الطابع القبلي، وضعف وجود الدولة نظراً لصعوبة التحكم في هذه المناطق القبلية.
وفيما يخص البعد الإقليمي، فإن إيران تسعى إلى إعادة رسم الخريطة السياسية في اليمن على اعتبار أن اليمن دولة استراتيجية من وجهة النظر الإيرانية؛ لتكون خريطة طائفية مثلما هي الحال في لبنان والعراق، علاوة على استنساخ نموذج حزب الله جديد في اليمن من خلال جماعة الحوثيين أو انصار الله، وهو ما تبدو أنها قد نجحت فيه، خاصة أن التطورات في اليمن أظهرت ميزان قوى جديد على المشهد الإقليمي، وهو ما يعني قيام طهران بإعادة تقديم دورها - بعد إنجازاتها على أرض الواقع وزيادة أوراق الضغط الإقليمية لديها - بأنها القادرة على معالجة الأوضاع في العراق وسوريا ولبنان.
أخيراً، يحمل التدخل الإيراني السافر والسلبي في اليمن في طياته مخاطر عدة يمكن أن تتجاوز حدود اليمن إلى غيرها من دول الجوار، لاسيما دول الخليج العربية، وبالأخص المملكة العربية السعودية، كما أن هناك مؤشرات خطيرة على تهديد يمس المجتمع الدولي إذا ما تم إحكام السيطرة على باب المندب والممرات البحرية على البحر الأحمر.