إعداد: عبدالغفار الديواني
يمكن للولايات المتحدة انتهاج استراتيجية أكثر استدامة لأمن منطقة الخليج، بدلاً من تلك التي اتبعتها بشكل أُحادي على مدى العقود الماضية. وتقوم الاستراتيجية الجديدة المُقترحة على أساس تفعيل ما يُسمى مبدأ "تقاسم الأعباء أو المسؤوليات" بين الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين، مثل المملكة المتحدة وفرنسا، مع بدء حوار استراتيجي مع الخصوم مثل روسيا والصين.
ويُمثل ما سبق خُلاصة الدراسة المُعنونة بـ:"الهيمنة الأمريكية في نظام الأمن الخليجي الجديد"، والتي أعدها "بلال صعب" Bilal Y. Saab، زميل أول لأمن الشرق الأوسط بمركز "برنت سكوكروفت للأمن الدولي التابع للمجلس الأطلسي.
تراجع الدور الأمريكي
يشير الباحث إلى أنه بعد سحب بريطانيا معظم قواتها من منطقة الخليج في بداية سبعينيات القرن الماضي، أصبحت الولايات المتحدة الضامن الوحيد لأمن المنطقة. وبعد الحرب الباردة لم تستطع أية دولة منافسة الدور الأمريكي المهيمن على استقرار هذه المنطقة، خاصةً بعد نجاح عملية "عاصفة الصحراء" في حرب الخليج الثانية عام 1991، والتي جعلت الولايات المتحدة تحتكر أمن الخليج، ما مكَّنها من بناء علاقات استراتيجية مع الحكومات الخليجية.
ولكن تغيرت الأوضاع في الوقت الحالي، حيث يكاد عصر الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط يقترب من نهايته، نتيجة الفوضى الناتجة عن الربيع العربي، وانتشار تنظيم "داعش"، فضلاً عن صعود قوى دولية جديدة في المنطقة، مثل فرنسا وبريطانيا وروسيا والصين، بالإضافة إلى التغير في أولويات الاستراتيجية الأمريكية. وبالتالي يؤكد الكاتب أن الولايات المتحدة لا يمكنها ضمان أمن الخليج وحدها على نحو فعَّال كما فعلت في الماضي.
القوى الدولية الفاعلة في الخليج
ثمة قوى دولية كبرى تزايد دورها في منطقة الخليج خلال الفترة الأخيرة، بما يسمح للولايات المتحدة بالتنسيق معها لوضع استراتيجية جديدة لحماية أمن دول الخليج. ويوضح الكاتب أدوار هذه القوى كما يلي:
1- بريطانيا:
اتبعت بريطانيا سياسة تبرز جديتها في تحمل مسؤولية حماية أمن الخليج، حيث أكدت أهمية الوجود العسكري الخارجي في الخطة الاستراتيجية للأمن والدفاع عام 2015، ومن ثم كان إنشاء قاعدة عسكرية بحرية جديدة في ميناء سلمان بالمنامة، مما يعكس إدراك المملكة المتحدة ضرورة الوجود العسكري في الخليج.
ونظراً لأن الأحداث في منطقة الشرق لأوسط تؤثر على أسعار النفط، فإن ذلك يتطلب من بريطانيا التواصل مع دول المنطقة لضمان وارداتها النفطية. وهناك أيضاً خطط لاستثمارات بريطانية في البنية التحتية وحدها بمنطقة الخليج تُقدر بـحوالي 2 تريليون دولار خلال العقد المقبل.
2- فرنسا:
تسعى فرنسا إلى إحياء دورها كقوة عالمية فاعلة، خاصةً بعد الهجمات الإرهابية في العاصمة باريس، والفوضى التي تعانيها ليبيا، والتحدي الإيراني، وأزمة اللاجئين الناتجة عن الصراع السوري. وتظهر مؤشرات الدور الفرنسي في الخليج فيما يلي:
• الوجود العسكري الفرنسي في جيبوتي، حيث يمثل فائدة لدول الخليج، خاصةً دولة الإمارات العربية المتحدة.
• الدبلوماسية الدفاعية، من خلال زيادة حجم تجارة الأسلحة والتعاون الدفاعي مع دول مجلس التعاون الخليجي، حيث أبرمت فرنسا عقود سلاح ضخمة مع الإمارات وقطر والكويت والسعودية، فضلاً عن التدريبات العسكرية المشتركة.
• تتفق فرنسا مع دول الخليج في ضرورة الحد من التهديدات الإيرانية، واتضح ذلك من خلال كلمة الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمام القمة الخليجية في مايو 2015.
3- روسيا:
شهدت الخمسة عشر عاماً الماضية تحولاً كبيراً في العلاقات بين روسيا ودول مجلس التعاون الخليجي على الرغم من وجود خلاف بين الجانبين حول الأزمة السورية، فضلاً عن التقارب الروسي – الإيراني. ومن مؤشرات التقارب الروسي – الخليجي ما يلي:
• دفع تراجع أسعار النفط السعودية للتعاون مع روسيا بشكل براجماتي، من خلال صفقة تشير إلى تجميد إنتاج النفط ورفع أسعاره، وهو الأمر الذي يتوقف على إيران وفاعلين آخرين.
• التوقيع على اتفاق الطاقة النووية بين روسيا والسعودية خلال صيف عام 2015، وكذلك الاتفاق الروسي مع دولة الإمارات عام 2013 في مجال برامج الطاقة النووية السلمية.
• التوافق على قضية مكافحة الإرهاب في الشرق الأوسط، خاصةً في ظل الترابط بين هذه الجماعات الإرهابية وغيرها في منطقة القوقاز.
• تواجه دول الخليج التهاون أو الرفض الأمريكي لبعض صفقات السلاح، بالتوجه نحو روسيا والصين لتلبية متطلباتها الأمنية والدفاعية.
4- الصين:
مع إمكانية تأثر المصالح الصينية بعدم الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، فمن المتوقع زيادة الدور الصيني مع مرور الوقت من خلال ما يلي:
• اتباع سياسة متوازنة مع الدول المنتجة للنفط، وفي مقدمتها السعودية. وفي يناير 2016، التقى الرئيس الصيني القادة الخليجيين لمناقشة إنشاء منطقة تجارة حرة، ومن المتوقع أن يتم توقيع الاتفاقية خلال عام واحد.
• تقديم الخبرة الفنية في مجال الطاقة النووية لدول الخليج، فقد قامت السعودية بتوقيع اتفاق مع الشركة الهندسية النووية الصينية لبناء 16 مفاعلاً نووياً بحلول عام 2032.
• سعت بعض دول الخليج، في الآونة الأخيرة، إلى شراء طائرات من دون طيار من الصين. كما يعتمد التحالف العربي على معدات عسكرية صينية في الحرب ضد تنظيم "القاعدة" وميلشيا الحوثيين في اليمن.
خيارات السياسة الأمريكية في الخليج
في إطار تراجع النفوذ الأمريكي في الخليج، يرى الكاتب أنه يتعين على الولايات المتحدة الاعتراف بأن أمن الخليج لم يعد حكراً عليها، وبالتالي تكمن خياراتها في الآتي:
1- تدشين المنتدى الرباعي للأمن:
يُلقي الكاتب باللوم على الولايات المتحدة بسب عدم جديتها في اتباع مبدأ "تقاسم الأعباء"، وإهمال وضع آليات جديدة لزيادة التعاون مع الحلفاء الدوليين في منطقة الخليج. وفي ظل تراجع النفوذ الأمريكي في الخليج، تمتلك واشنطن فرصة تاريخية لاختبار هذا المبدأ من خلال العمل مع فرنسا وبريطانيا اللتين تُبديان اهتماماً والتزاماً تجاه الأمن الإقليمي، نتيجة التهديدات والفرص المتوقعة.
وفي سبيل نجاح هذا التحالف المأمول، تقترح الدراسة إقامة منتدى رباعي يناقش قضايا منطقة الخليج، حيث يتمثل في الآتي:
• إقامة نموذج مجموعة الدول الثلاثة الكبرى +1 (P3+1)، على غرار ما حدث في الاتفاق النووي الإيراني (P5+1)، بحيث يضم هذا النموذج المقترح كلاً من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا، بالإضافة إلى دولة مُمثلة للخليج أو من خلال مجلس التعاون الخليجي ككل (وهو السيناريو الأقرب).
• وجود مقر دائم للمنتدى في دول الخليج لمناقشة الشؤون السياسية والعسكرية والتنسيق المشترك، أو إقامة المنتدى بصفة دورية في الدول الأعضاء.
• فيما يتعلق بالجانب اللوجستي، لدى فرنسا وبريطانيا القدرة على المساعدة في ذلك، من خلال الحوار السياسي والثقافي، والتعاون العسكري، ومكافحة الإرهاب، وغيرها من الأنشطة الموجودة بالفعل، ولكن في شكل ثنائي بين البلدين ودول الخليج، ومن ثم يجب توجيه هذه الأنشطة للصالح الجماعي لدول المنتدى.
• يمكن للولايات المتحدة التنسيق مع حلفائها للتفكير معاً في طرق أكثر فعَّالية وكفاءة لمعالجة المسألة الإيرانية، والتهديدات التي تشكلها المنظمات الإرهابية.
2- الحوار الاستراتيجي مع الخصوم:
يؤكد التاريخ أن استثناء القوى الكبرى من الشؤون الإقليمية له تكلفة عالية، خاصةً إذا كانت قوى أساسية مثل الصين وروسيا اللتين وجهتا سياستهما تجاه الشرق الأوسط، خاصةً الخليج، خلال الفترة الماضية، مما يستدعي الحوار والتواصل مع هذه القوى بدلاً من استثنائها، وذلك من خلال ما يلي:
• أن توضح الدول الثلاث الحليفة (الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا) لكل من روسيا والصين أن قيادة واشنطن الإطار الجديد لأمن الخليج لن تكون في مواجهة المصالح الاستراتيجية لهذه الدول.
• بالنسبة للصين، تكمن الصعوبات في أن مشاركتها العسكرية تظل محل تساؤل، في ظل تغير اهتماماتها، وبصفة خاصة في منطقة الجوار المباشر لها وصراعها مع اليابان. كما أنها تستخدم علاقتها مع إيران كأداة في مواجهة النفوذ الأمريكي، وهذا قد يتعارض مع سياسة الحلفاء، على الرغم من الاتفاق النووي المُبرم مؤخراً.
• بالنسبة لروسيا، على الرغم من وجود أهداف مشتركة خاصةً في مكافحة الإرهاب، فإن موسكو بتدخلها في سوريا صعَّبت من إمكانية الوصول إلى سلام في سوريا، ومكافحة "داعش". كما أن الرؤية الروسية لمنطقة الشرق الأوسط متناقضة عن الدول الغربية.
ختاماً، يشير الكاتب إلى أن التحديات والتهديدات في منطقة الخليج تمثل فرصة وتحدياً في الوقت ذاته للولايات المتحدة، فهي فرصة جيدة لتفعيل مبدأ "تقاسم الأعباء والمسؤوليات" مع بقية القوى الكبرى، وتحدٍ لأنها سمحت لخصوم الولايات المتحدة باستغلال التراجع الأمريكي في المنطقة، كما أن تعددية أدوار القوى الدولية ستقلل من استقلالية القرار الأمريكي بشأن قضايا هذه المنطقة، ولكنها سياسة لابد منها، وستحمي المصالح الأمريكية على المدى البعيد.
* عرض مُوجز لدراسة بعنوان: "الهيمنة الأمريكية في نظام الأمن الخليجي الجديد"، والصادرة عن المجلس الأطلسي في شهر أبريل 2016.
المصدر:
Bilal Y. Saab, After Hub-And-Spoke: US Hegemony In a New Gulf Security Order, (Washington: Atlantic Council, April 2016).