شهدت العاصمة الفرنسية "باريس"، يومي 9 و10 يوليو 2016، فعاليات مؤتمر المعارضة الإيرانية السنوي، بمشاركة ما يزيد على مائة ألف من المعارضين الإيرانيين في الخارج، وسط حضور عربي ودولي، وبرعاية "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية".
وأكدت رئيسة المجلس مريم رجوي "حيوية المطالبات بإسقاط نظام ولاية الفقيه في إيران، في ظل ما يرتكبه من جرائم في حق الشعب الإيراني بأطيافه العرقية والطائفية كافة، فضلاً عن سعي النظام الإيراني المستمر للتغطية على هذه الممارسات من خلال تسعير الأوضاع في عدد من دول الشرق الأوسط، لاسيما العراق وسوريا". وشددت على أن الاتفاق النووي الذي وُقَّع مع الغرب قد أدى إلى إطلاق يد النظام الإيراني لإفساد الموقف في المنطقة.
ومن جهة أخرى، كان الحضور العربي والدولي غير المسبوق ملمحاً مهماً في المؤتمر السنوي للمعارضة الإيرانية، على اعتبار أن هذه المشاركة تمثل تحركاً، ولو رمزياً، من جانب بعض الدول نحو التصدي لممارسات النظام الإيراني وتورطه في الصراعات الجارية بالمنطقة. وكان من هؤلاء المشاركين، الأمير تركي الفيصل، الرئيس الأسبق للاستخبارات السعودية، الذي اتهم "النظام الإيراني بدعم الجماعات الطائفية لزعزعة الاستقرار في عدد من دول الإقليم".
المعارضة الإيرانية ومدى تأثيرها
على الرغم من كثافة المشاركة والحضور والصخب الإعلامي المُصاحب لمؤتمر المعارضة الإيرانية هذا العام، بيد أن هذا المحفل لم يُسفر عن نتائج تُسهم في وضع سياق محدد للتحرك ضد النظام الإيراني، أو خريطة طريق ترتبط بجدول زمني واضح المعالم بشأن أسلوب الحركة وتوزيع الأدوار بين الأطياف المختلفة لفصائل المعارضة الإيرانية.
كما أن المحاولات المستمرة من جانب منظمة "مجاهدي خلق" ورئيستها "مريم رجوي" للانفراد بزعامة المعارضة الإيرانية أدى، منذ زمن بعيد، إلى إحجام فصائل مؤثرة للمعارضة الإيرانية عن الانضمام لـ "المجلس الوطني للمعارضة الإيرانية"، علاوة على حدوث انقسامات عدة أسهمت في تفتت هذه المنظمات وتوزعها في عدد من الدول الأوروبية، ووقوع خلافات عميقة حالت دون تنسيق الجهود لتحقيق أهداف المعارضة.
وقد ظلت منظمة "مجاهدي خلق" تعطي نفسها حيزاً واسعاً من الأحقية لقيادة المعارضة بأطيافها المختلفة، باعتبارها كانت شريكاً ذا ثقل قبل وأثناء الثورة الإيرانية في عام 1979، وقبل انقضاض تيار "الخميني" على الثورة واستبعاد الشركاء الثوريين الآخرين، فضلاً عن شخصنة المعارضة في "مريم رجوي" باعتبارها أرملة المعارض "مسعود رجوي" ووريثته الشرعية لقيادة المعارضة الإيرانية.
ومن ثم، انقسمت المعارضة للنظام الإيراني، ما أدى إلى تفتتها بدلاً من أن تصبح كتلة واحدة ذات قدرة على التحرك نحو تغيير الوضع القائم في طهران. ولعل هذا التفتت وضعف التأثير مرده عدة عوامل، ومنها ما يلي:
1- التفاوت الإثني والطائفي داخل المعارضة الإيرانية وتنوعها بين القوميات المختلفة، لاسيما المعارضة الأحوازية والكردية والبلوش، حيث تطالب كل منها بالانفصال عن كيان الدولة الإيرانية، في حين أن التنظيمات الأخرى تعارض مبدأ التقسيم.
2- الاختلاف حول النهج الأنسب لمعارضة النظام بين العمل السياسي البحت أو النشاط المسلح، حيث ترى المعارضة الكردية، على سبيل المثال، مُمثلة في حزب الحياة الحرة "بيجاك"، أن الخيار المسلح هو الأكثر ملاءمة وفعالية مع النظام الإيراني، وهو النهج ذاته الذي عملت عليه المعارضة البلوشية في إقليم "سيستان - بلوشستان" من قِبل جماعة "جند الله" قبل سنوات وقبل إجهاض هذه الحركة وإعدام زعيمها "عبدالملك ريجي".
3– افتقاد أغلب هذه التنظيمات القدرة التأثيرية الجادة على أرض الواقع وداخل إيران، في ظل محدودية قدراتها في مواجهة قدرة النظام على ضبط الأوضاع في الأقاليم المختلفة، بالإضافة إلى الاستراتيجية الفاعلة للنظام الإيراني في ملاحقة التنظيمات المعارضة واختراقها، كذلك نجاح الأجهزة الإيرانية المعنية في تصدير أزماتها الداخلية إلى الخارج.
4 – غل يد المعارضة الإيرانية عن الإتيان بتحركات فاعلة من جانب الدول التي تحتضن تنظيماتها ارتباطاً بمصالح متشابكة مع الدولة الإيرانية بنظامها القائم، فضلاً عن الحسابات المختلفة لكل دول حاضنة وفقاً لمصالحها. ومثال على ذلك، النمسا التي تؤوي عدداً من المنظمات الإيرانية المعارضة، غير أن مصالحها الاقتصادية، كما هي الحال بالنسبة لشركة “O.M.V.” العاملة في مجال النفط والغاز، تدفعها لأن تؤثر تغليب المصلحة عن السماح للمعارضة بالعمل الجدي انطلاقاً من الأراضي النمساوية.
5– توافق الرؤى بين النظام الإيراني وبعض الدول على ضرورة تحجيم المعارضة، مثلما هي الحال بالنسبة للمعارضة الكردية التي ترى تركيا أيضاً فيها تهديداً لاستقرار ووحدة أراضي الدولة التركية، حيث تحارب "أنقرة" حزب العمال الكردستاني منذ أمد بعيد، وتتعاون مع إيران لاجتثاث فرعه الإيراني "بيجاك" الذي ينشط في المناطق الحدودية بين إيران وتركيا.
ضغوط خارجية على النظام الإيراني
ربما تأتي المشاركة الرمزية للأمير تركي الفيصل وغيره من الحضور في مؤتمر المعارضة الإيرانية، في إطار الضغوطات التي تُمارس على النظام الإيراني، في محاولة، حتى ولو كانت نتائجها محدودة، لتحجيم الحركة الإيرانية النشطة والحد من تأجيجها النزعة الطائفية في منطقة الشرق الأوسط، وبصفة خاصة في العراق وسوريا واليمن.
وقد بدا واضحاً ما أثاره هذا الحضور العربي والدولي لمؤتمر المعارضة الإيرانية، من حساسية شديدة لدى النظام الإيراني الحاكم، وهو ما عكسته ردود الأفعال التي أطلقتها إيران.
حاصل القول، يمكن القول إن ثمة صعوبات تحيط بمسألة قدرة المعارضة الإيرانية الموجودة في الخارج على تغيير الأوضاع على الأرض داخل إيران، نظراً للانقسامات الموجودة بين المعارضة، فضلاً عن عدم رغبة الأطراف الغربية الفاعلة في استثارة النظام الإيراني بعد إبرام الاتفاق النووي بشكل قد يؤدي إلى تراجعه عن الالتزامات التي أقر بها، وبالتالي خشية إضعاف وضعية الإصلاحيين في مواجهة التيار المتشدد الإيراني الذي يتحين الظروف للتراجع عن النهج المهادن للغرب.
كما أن ثمة عقبات فيما يتعلق باستضافة تيارات المعارضة الإيرانية في دول أخرى، نظراً للتعقيدات التي قد تحيط بها في ظل قدرة النظام الإيراني على تسعير الموقف في الدول التي يتمتع فيها بنفوذ.
ولذلك، فإن فرص إحداث تغيير حقيقي يؤدى إلى إزالة حكم "الولي الفقيه" في إيران، تواجه صعوبات في هذه المرحلة، وإن كانت تحركات المعارضة الإيرانية القادرة فعلياً على إحداث الفارق ربما يدفع النظام الإيراني إلى محاولة تغيير سلوكه في عدد من الملفات بالمنطقة.