أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تفاوتات مناطقية:

تحديات القدرة التنافسية الصينية على تنمية المواهب الوطنية

07 أكتوبر، 2024


عرض: منى أسامة

تعتمد جهود الصين من أجل الحفاظ على النمو الاقتصادي وتعزيز سلاسل التوريد، وتطوير قطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة وتأمين التفوق العسكري، على قدرة الدولة على تنمية رأس المال البشري والاستفادة منه قدر المستطاع أو كما تطلق عليه بكين بشكل أكثر شيوعاً المواهب الوطنية، ولاسيما أن ذلك يدعم قدرتها التنافسية في مواجهة الولايات المتحدة كقوة عالمية، كما يؤثر في مستقبل الابتكار والمواهب على الساحة العالمية.

وتتركز استثمارات بكين في رأس المال البشري في مجالات رئيسية، كالتعليم العالي وقطاعات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والمجالات العسكرية وغيرها. مع ذلك؛ فإنها تواجه تحديات كبيرة من قبيل: الضغوط الديمغرافية الكبيرة، التفاوت الاجتماعي والاقتصادي بين المواطنين، مدى القدرة على جذب أفضل المواهب محلياً ودولياً، والحفاظ على بقائها في الداخل.

وفي ظل الاهتمام الغربي خاصة الولايات المتحدة بتزايد القوة الصينية عالمياً، أصدر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية دراسة حول تأثير رأس المال البشري في القدرة الصينية التنافسية في يونيو 2024؛ وتناقش الدراسة سياسات بكين لتنمية رأس المال البشري، ولاسيما وأن العدد الهائل لسكانها يوفر ميزة المواهب الوطنية، علاوة على أن النمو الاقتصادي الصيني السريع في العقود الأخيرة يمكن ربطه بتعبئة رأس المال البشري؛ إذ تمكنت من تحويل اقتصادها من قاعدته الزراعية إلى الصناعات والخدمات الأكثر إنتاجية من خلال زيادة المستويات التعليمية للسكان وحفزهم على دخول سوق العمل.

تحديات أساسية:

رأس المال البشري هو مزيج من المعرفة والمهارات والصحة التي يستثمر فيها الناس، بما يمكنهم من تحقيق إمكاناتهم كأفراد منتجين في مجتمعاتهم. وعملت الصين على الاستثمار في رأس المال البشري ليكون محركاً رئيسياً للنمو الاقتصادي وأساساً للقدرة الوطنية على دعم الصناعات التكنولوجية الرئيسية وإطلاق العنان للاكتشافات العلمية الجديدة. إلا أن هناك عدداً من التحديات التنظيمية والديمغرافية والمعيارية، والتي تحد من قدرة الدولة الصينية على تطوير رأس المال البشري والاستفادة منه، وأهمها:

- عدم المساواة بين الحضر والريف: تواجه الصين مشكلة تتعلق بالبطالة الهيكلية بين العمال ذوي المهارات المنخفضة المتمركزين في المناطق الريفية؛ إذ تؤدي معدلات التخرج المنخفضة من المدارس الثانوية، والانقسامات وعدم المساواة بين المناطق الحضرية والريفية على مستوى التعليم والتنقل إلى الحد من انتقال الدولة إلى قوة عمل عالية المهارات.

- مشكلات تنمية الطفولة المبكرة: منذ المؤتمر الثامن عشر للحزب الشيوعي الصيني في عام 2012، اعتبر الحزب الأطفال مكوناً استراتيجياً لإنشاء "مؤسسة المواهب الوطنية"؛ وعليه تعهد بالتخطيط الوطني لمعالجة قضايا تنمية الطفولة المبكرة والتعليم الابتدائي؛ خاصة أن أكثر من ثلثي أطفال الصين يأتون من المناطق الريفية. مع ذلك، لا تزال تنمية الطفولة المبكرة تشكل تحدياً للصين ومستقبلها الاقتصادي، في ظل التفاوت بين مناطق الحضر والريف. على سبيل المثال، هناك 60% من أطفال المدارس الابتدائية في المناطق الريفية في الصين يعانون فقر الدم، أو مشكلات في الرؤية أو الديدان المعوية؛ مما يؤثر سلباً في قدرتهم على التعلم، فضلاً عن تأخر النمو بين الرضع والأطفال الصغار في المناطق الريفية. ولمعالجة جذور هذا التفاوت، تدخلت الدولة لدعم التغذية لدى الأطفال والتنمية المعرفية في المناطق الريفية.

- طبيعة نظام الامتحانات: يتسم نظام الامتحانات لطلاب الثانوية في الصين بالتشدد؛ مما يقلل فرص تطوير المهارات. على سبيل المثال، يُعد "Gaokao"، أو اختبار القبول الجامعي الموحد في الصين أقوى وأكثر صرامة مقارنة بالاختبارات المماثلة في دول أخرى مثل "SAT" بالولايات المتحدة. من ناحية أخرى، تحد صعوبة امتحان القبول الجامعي من التنمية الوطنية للمدارس المهنية، والتي تنفصل عن نظام الامتحانات؛ مما يقلل جودة وكمية الموارد المالية والبنية الأساسية والموظفين التعليميين الذين تتلقاهم هذه المدارس؛ ومن ثم يقلل من المسارات المتاحة للشباب للحصول على مهن ملائمة.

- عراقيل نظام تسجيل الأسرة "هوكو": يعكس هذا النظام الانقسامات بين المناطق الحضرية والريفية؛ إذ يحد من تنقل عمال المناطق الريفية إلى مناطق أخرى ستستفيد من مهاراتهم بشكل أكثر إنتاجية. كما يقيد أيضاً من الوصول إلى التعليم العام الحضري أو خدمات الرعاية الصحية في المدن، ناهيك عن حصول الشباب الريفي الصيني -بسبب هذا النظام- على وظائف ذات رواتب ومزايا واستقرار أقل. لمواجهة هذه التحديات؛ أعلنت اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح في عام 2021 عن خطط لتخفيف قيود "هوكو" في معظم المدن؛ إذ أعلنت هاينان وشانغهاي وهانغتشو تخفيف القيود المفروضة على المعيشة أو شراء المساكن. لكن، لا تزال الجهود المبذولة لتحسين نظام "هوكو" جزئية؛ مما يؤثر سلباً في الإنتاجية وتنمية رأس المال البشري في الصين إلى أن تتحقق حرية تنقل العمالة في الداخل.

- سياسات تقييد الأقليات العرقية: تتكون الصين من أكثر من خمسين قومية منها: هان ومان ومنغوليا والتبت وهوي وغيرها، وتُعد قومية هان الأكثر انتشاراً؛ إذ تتخطى نسبتها 91% من إجمالي سكان الصين؛ ومن ثم يمكن اعتبار باقي القوميات المكونة لسكان الصين أقليات عرقية، علماً بأن هناك تفاوتات اجتماعية واقتصادية بين هذه الأقليات من ناحية، وقومية هان من ناحية أخرى؛ من حيث الأجور والتحصيل التعليمي؛ مما يؤثر سلباً في مساهمة المواطنين في الإنتاجية الاقتصادية الوطنية الإجمالية؛ ومن ثم على قدرة الدولة على الاستفادة الكاملة من رأس مالها البشري.

في هذا السياق، ترتبط سياسة القيادة الصينية تجاه الأقليات العرقية بسياسات مكافحة الإرهاب ومطالبات الانفصال، والتي تُعد أولوية سياسية قصوى لدى هذه القيادة؛ ومن ثم قد تتعرض بعض الأقليات للتضييق في إطار هذه السياسات بحسب الدراسة، التي تضيف أيضاً أن السياسة العرقية الصينية تختلف بحسب العرق والمنطقة. وفي حين يؤكد الخطاب الرسمي الفوائد المكتسبة من استيعاب الأقليات العرقية، إلا أنه غالباً ما يغض الطرف عن انتهاك حقوقها وعدم الحفاظ على الاختلافات الثقافية للعرقيات المختلفة.

- الحدود المفروضة على بيئة الابتكار: نشأت تلك القيود نتيجة للتركيبة الفريدة للاقتصاد الصيني، والتي تؤكد الدور المركزي للحكومة؛ ومن ثم يفضل العديد من الخريجين الصينيين الشباب المتميزين العمل في القطاع الحكومي باعتباره الوظيفة المثالية؛ مما يحد من الابتكار لدى رواد الأعمال، علاوة على اتساع الفجوة بين الجنسين في معدلات مشاركة القوى العاملة في الصين.

خطوط تطوير المواهب:

عملت الاستراتيجية الصينية على عدة خطوط للاستثمار في رأس المال البشري وبناء المواهب الوطنية لتعزيز القدرة التنافسية الوطنية، ومن أبرزها:

- التعليم الجامعي: أدى الاستثمار المتزايد في نظام التعليم العالي إلى دفع إنتاجية البحث في أفضل الجامعات الصينية وتعزيز تصنيفاتها العالمية، فالإنفاق على التعليم العالي زاد بين عامي 2012 و2021، من 24 إلى 47 مليار دولار؛ مما خلق مسارات لتعزيز مجموعات المهارات المطلوبة المحددة، خاصة في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات. كما يقوم أيضاً صناع السياسات في الصين بإنشاء برامج مستهدفة لإنشاء مسارات تنمية المواهب الجامعية في مجالات محددة كالأمن السيبراني والموصلات البديلة والذكاء الاصطناعي. مع ذلك، يشهد طلاب الجامعات في الصين انخفاضاً في مستويات التفكير النقدي ومهارات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات؛ نتيجة ضعف المؤسسات في المناهج وتصميم البرامج الجامعية.

- مبادرات العلوم والتكنولوجيا: وجهت بكين موارد ودعماً كبيرين للمبادرات المصممة لجذب وضمان تنمية المواهب الوطنية في مجالات العلوم والتكنولوجيا، لكن ترى الدراسة أن هذا الدعم ارتبط بسوء تخصيص الأموال، علاوة على أن الجامعات والشركات الصينية لا تزال غير جاذبة لأفضل المواهب في الداخل؛ ولاسيما أن مؤسسات التعليم العالي في الصين ليست معروفة كنظيراتها العالمية الأخرى في إنتاج المعرفة.

- تعزيز المواهب العسكرية: اهتمت الصين بتعزيز خبرة رأس المال البشري في المؤسسة العسكرية لضمان مستويات أعلى من الكفاءة والاستعداد. لكن في المقابل، هناك نقاط ضعف رئيسية في رأس المال البشري لجيش التحرير الشعبي الصيني مثل: عدم القدرة على جذب المجندين المتعلمين بسبب الأجور؛ مما جعل الاقتصاد المدني أكثر جاذبية للشباب الصيني من الخدمة في الجيش، ودفع ذلك الجيش إلى عرض زيادة في الأجور بدءاً من عام 2017 للضباط المؤهلين.

- الاحتفاظ بالخبرات المحلية: تشير الدراسة إلى البرامج المصممة برعاية الحكومة الصينية من أجل الاحتفاظ بالخبرات المحلية وتحفيز الطلاب والباحثين والخبراء الصينيين في الخارج على العودة. مع ذلك تواجه العديد من المواهب العائدة القادمة إلى الصين عقبات تتعلق بالبيئة الرقمية المحدودة في الدولة، مما أثر سلباً في قدرة الباحثين والأكاديميين في الصين على الوصول إلى الموارد الرئيسية عبر الإنترنت للحصول على المعلومات، مثل: "Google Scholar" و"Springer Nature".

- اجتذاب الخبرات الدولية: أصبح من الأهمية بمكان للدول استقطاب أفضل الخبراء الدوليين وسد الفجوة في نقص المهارات في السكان المحليين؛ وهو ما يمثل عنصراً رئيسياً في القدرة التنافسية الشاملة لرأس المال البشري. في هذا السياق، تعاني الصين من نظام هجرة مقيد لا يساعد على جذب المواهب العالمية. وتسببت جائحة "كورونا"، في تركيز الدولة على منع تفشي فيروس "كورونا"، بدلاً من استقطاب الخبراء من الخارج، وعلى الرغم من استئناف السفر إلى الصين منذ نهاية سياسات الجائحة؛ فإن عدد السكان الأجانب في الصين انخفض بشدة عن مستويات عام 2019.

ختاماً، فإن الاستثمار الصيني في رأس المال البشري يرتبط بطموح الدولة لتصبح رائدة في فئات متعددة من القدرة التنافسية الوطنية؛ إذ تدرك الحكومة أن تقدم موارد رأس المال البشري سيكون محورياً لتأمين الإمكانات الاقتصادية والجيوسياسية المستقبلية؛ ومن ثم تعمل على جذب الخبرات ورعاية المواهب الوطنية لديها، وكلما حققت الصين المزيد من النجاح في تحسين جودة وكفاءة قوتها العاملة؛ استطاعت الإسراع في الابتكار وباتت أكثر تنافسية على المستويين الوطني والعالمي.

المصدر:

Boland, B., Dong, K., Blanchette, J., Hass, R., & Ye, E. (2024, June). How China’s human capital impacts its national competitiveness. Center for Strategic and International Studies. https://www.csis.org/analysis/how-chinas-human-capital-impacts-its-national-competitiveness