أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

استياء صيني:

دلالات توقيع واشنطن اتفاقاً تجارياً مع تايبيه

09 يونيو، 2023


وقّعت الولايات المتحدة الأمريكية، في الأول من يونيو 2023، على اتفاقية تجارية مع تايوان، ضمن مبادرة الولايات المتحدة وتايوان للتجارة في القرن الحادي والعشرين، والتي تم إطلاقها في يونيو 2022، بهدف تعزيز التجارة والعلاقات الاقتصادية بين الجانبين. وقد وقّعت الاتفاق نائبة الممثل التجاري الأمريكي سارة بيانكي، إلى جانب وزير التجارة التايواني، جون دنغ، في أرلينغتون بولاية فيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية.

توتر مُتزايد: 

يأتي الإعلان عن توقيع الاتفاق بين واشنطن وتايبيه، في ظل احتدام وتيرة التوتر في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين، وتتمثل أبرز ملامحه في الآتي:

1- الحشد الصيني في محيط تايوان: تزامن توقيع الاتفاق مع إعلان وزارة الدفاع التايوانية، في بيان لها، رصد 4 طائرات عسكرية و3 سفن حربية صينية في محيط تايوان، دون أن تعبر أي من تلك الطائرات خط الوسط لمضيق تايوان، وهو الخط النظري الذي يفصل بين تايوان والصين. وأرسل الجيش التايواني طائرات دورية قتالية وسفناً للرد على التصعيد الصيني، بالإضافة إلى نشر أنظمة صواريخ لمراقبة تحركات الطائرات الصينية. وقبيل ذلك بأسبوع، رصدت وزارة الدفاع التايوانية مرور 3 سفن صينية من بينها حاملة الطائرات شاندونغ، كانت قد عبرت مضيق تايوان.

2- استمرار التحرشات الصينية الأمريكية: أعرب وزير الدفاع الأمريكي، لويد أوستن، خلال زيارته لطوكيو، مطلع يونيو 2023، عن تخوفه بسب قيام مقاتلة صينية من طراز "جيه – 16" بالتحليق أمام طائرة أمريكية من طراز "أر سي – 135 ريفت" (RC-135 Rivet) مما أجبر الطائرة الأمريكية على تغيير مسارها. وفي المقابل، اتهمت الصين، الولايات المتحدة بالقيام بما وصفته "مناورات استفزازية وخطرة"، مؤكّدة أنّ طائرة الاستطلاع الأمريكية "توغّلت عمداً في منطقة التدريب التابعة لها".

3- تعزيز تايبيه قدراتها التسليحية بالمُسيّرات: تحرص تايوان على تعزيز قدراتها العسكرية لمواجهة الصين، وذلك عبر التسلح بالمسيرات لتكون بمثابة نظام دفاعي متقدم في وجه أي هجمات صينية مُحتملة، وتتنوع قدرات تلك المسيرات التي باتت تايوان تمتلكها ما بين مسيرات للهجوم وأخرى للتجسس والمراقبة، وللإنذار المبكر، وكذا المضادة للغواصات، حيث تعول تايبيه على المسيرات لكسر أي حصار بحري صيني لها.

4- رفض الصين دعوة أمريكية: أعرب وزير الدفاع الأمريكي عن أسفه لرفض نظيره الصيني الاقتراح الأمريكي بعقد اجتماع بين وزيري دفاع البلدين في سنغافورة، وفق ما تضمنته أجندة فعاليات منتدى شانغريلا للأمن الإقليمي بسنغافورة الذي انعقد خلال الفترة من 2 إلى 4 يونيو. 

وبرر الجانب الصيني موقفه بأن هناك صعوبات تحول دون وجود حوار حقيقي بين الطرفين نتيجة لموقف الجانب الأمريكي الذي يتجاهل مخاوف بكين في المنطقة، مما يقوض الثقة المتبادلة بين الجانبين، مع الاكتفاء بالمصافحة وحديث عابر في العشاء الافتتاحي للقمة. ومن جهة أخرى، تؤكد بكين أن الاتصالات والتبادلات بين الجيشين لم تنقطع.

5- التواصل عبر القنوات الاستخبارية: على الرغم من انقطاع التواصل السياسي والدبلوماسي بين الولايات المتحدة والصين، فإن القنوات السرية لا تزال قائمة، فقد تم الكشف، في 2 يونيو 2023، عن زيارة أجراها مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية، ويليام بيرنز، للصين في مايو 2023، وذلك بهدف الإبقاء على قنوات الاتصال والتنسيق بين الطرفين، حيث إنها تُعد الزيارة الأولى لمسؤول أمريكي بهذا المستوى، منذ أن أسقطت واشنطن، في فبراير 2023، منطاداً صينياً، بتهمة التجسس. وهدفت الزيارة إلى تقليص التوتر بين الجانبين. 

أبعاد الاتفاق:

يتضمن الاتفاق المُشار إليه بين الولايات المتحدة وتايوان عدداً من الأبعاد، يمكن إلقاء الضوء عليها، على النحو التالي:

1- توطيد العلاقات الاقتصادية: تضمن الاتفاق بنوداً تتعلق بتعزيز التجارة من خلال تبسيط عمليات التدقيق الجمركية وتحسين الإجراءات التنظيمية ووضع تدابير لمكافحة الفساد بين الولايات المتحدة وتايوان، فضلاً عن مساعدة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة على الاندماج في أسواق كلا البلدين بشكل أفضل. وبموجب ذلك الاتفاق، سيسهل نفاذ الشركات والمنتجات الأمريكية للسوق التايوانية، كما ستسهم الإجراءات التنظيمية في تسهيل الاستثمارات المتبادلة.

وكان الجانب التايواني قد طرح إشكالية الازدواج الضريبي وآثارها السلبية على الاستثمارات التايوانية في مجال أشباه الموصلات، معولاً على الاتفاق التجاري أن يُسهم في حلحلة تلك الإشكالية.

2- تعزيز التعاون السيبراني: تزامن توقيع الاتفاق مع لقاء نادر جمع مسؤولي الأمن الأمريكيين والتايوانيين، في سان فرانسيسكو بكاليفورنيا، وناقش اللقاء القضايا المتعلقة بأمن المعلومات والدفاع واتصالات الجيل الخامس والأقمار الاصطناعية، في إطار استعداد تايبيه لهجوم مُحتمل من جانب الصين، قد يؤدي إلى تدمير خطوط الاتصالات والكهرباء.

وبالتوازي مع ذلك، تُشير التقديرات إلى أن الولايات المتحدة تساعد تايوان على ترقية نظام ربط البيانات الخاص بها إلى "لينك – 22" (Link-22) التابع لحلف "الناتو"، بفعل ميزته الأساسية المُتمثلة في التحديد التلقائي لمواقع العدو والقوات الصديقة، وهو ما من شأنه تحسين الفعالية القتالية لتايوان، فضلاً عن التصدي لتشويش أنظمة الاتصالات الصينية.

تداعيات الاتفاق:

أسفر توقيع الاتفاق بين الولايات المتحدة وتايوان عن عدد من التداعيات، يمكن إلقاء الضوء عليها على النحو التالي:

1- رفض الصين للاتفاق: عبرت الصين عن قلقها من مبادرة القرن الحادي والعشرين التجارية مع تايوان، كما طالبت الولايات المتحدة بوقف المبادلات الرسمية والامتناع عن إبرام اتفاقات مع الجانب التايواني من شأنها دعم استقلال تايوان تحت ستار التجارة. 

وترى بكين أن الاتفاقية تعكس إصرار الولايات المتحدة على جعل تايوان سلاحاً وطرفاً في معادلة سياستها لاحتواء بكين، كما أنها تصف تلك الصفقة بغير المتكافئة باعتبارها لا تصب في صالح الاقتصاد التايواني، بل الأمريكي، وستسهم تلك الصفقة في إفقاد الاقتصاد التايواني قوته المستمدة من توطين صناعة الرقائق وأشباه الموصلات عبر نقلها للولايات المتحدة في إطار سياسات أمريكا أولاً.

2- رسائل تهديد متبادلة: أكد وزير الدفاع الصيني، لي شانغ فو، في منتدى شانغريلا، أن جيش بلاده لن يتخلى عن استخدام القوة في تايوان، كما أكد أن بلاده لن تتسامح مع الحزب التقدمي الديمقراطي التايواني الذي يسعى للحصول على دعم الدول الأخرى لاستقلال تايوان، وهو تحذير يُنظر له بأنه لا يقتصر على تايوان فقط، ولكن كذلك واشنطن.

ويلاحظ أن الولايات المتحدة سوف تتجه هي الأخرى إلى التصعيد، وعدم التراجع عن دعم تايوان، خاصة وأن المقاتلات الحربية الأمريكية والكندية، وفي تحدٍ للصين، قد عبرت عبر مضيق تايوان خلال انعقاد المنتدى الأمني في رسالة ضمنية بأن واشنطن وحلفاءها الغربيين سوف يواصلون دعم تايوان. كما أكد أوستن أن واشنطن لن تتوانى عن مواجهة ممارسات الإكراه، في إشارة لمحاولة الصين ضم تايوان بالقوة، وإن أكد أن الحرب على تايوان ستكون مدمرة وستؤثر في الاقتصاد العالمي، وأنه من مصلحة الجميع الحفاظ على حالة السلم بمضيق تايوان، في رسالة للصين بأهمية التراجع عن محاولتها ضم تايوان عسكرياً. 

3- تعزيز التحالفات الإقليمية: تكثف الولايات المتحدة والصين، كل على حدة، من تحالفاتها وتعاونها العسكري مع حلفائها الإقليميين، إذ تعزز واشنطن تنسيقها مع اليابان وأستراليا بهدف تأمين تايوان في حال تعرضت لهجوم من جانب الصين. 

كما توجه لويد أوستن إلى الهند في أعقاب انتهاء زيارته لسنغافورة، للتباحث بشأن التنسيق الأمني والدفاعي بين البلدين، ولمناقشة التهديدات الصينية، على وجه الخصوص. وقبيل ذلك وقّعت واشنطن اتفاقاً أمنياً مع بابوا غينيا الجديدة، في 22 مايو 2023، وهو ما عارضته الصين على اعتبار أنه يُعد إقحاماً للدول الجزرية في المناورات الجيوسياسية والتنافس الصيني الأمريكي، بما ينعكس بالسلب على الأمن الإقليمي.

ومن جهة أخرى، تعتزم الصين إجراء تدريبات ومناورات عسكرية موسعة مع كل من كمبوديا ولاوس وماليزيا وتايلاند وفيتنام في إطار جهود تعزيز الدبلوماسية العسكرية الصينية بمنطقة جنوب شرق آسيا، لتعزيز السلم والأمن وبالتركيز على مختلف التهديدات التقليدية وغير التقليدية. كما تقوم بشكل دوري بطلعات جوية مع روسيا، كان آخرها تلك الدورية المشتركة التي قامت بها أربع مقاتلات لكل من الصين وروسيا فوق بحر اليابان وبحر الصين الشرقي، يوم 6 يونيو 2023.

4- كسر محاولات عزل بكين: تسعى بكين لكسر محاولات عزلها، سياسياً واقتصادياً، من جانب الولايات المتحدة، حيث استأنفت الصين التواصل العسكري مع اليابان، حليف الولايات المتحدة، وذلك بعد توقف لنحو 4 سنوات، إذ تُشير التقارير الإعلامية إلى زيارة مرتقبة لوفد من قوات الدفاع الذاتي اليابانية إلى الصين، خلال يوليو 2023، بينما سيسافر وفد من جيش التحرير الشعبي الصيني إلى اليابان خلال سبتمبر من نفس العام.

وفي التقدير، يمكن القول إن الاتفاق التجاري بين الولايات المتحدة وتايوان، هو أحد حلقات التوتر بين الأولى والصين، بشأن ملف تايوان، والذي يؤدي دوراً محورياً في الصراع بينهما، وهو ما يعني أن الاستفزاز الأمريكي للصين في هذا الملف، لم يقتصر على الأدوات والوسائل العسكرية والسياسية، وإنما يشمل أيضاً الأدوات الاقتصادية، بالإضافة إلى استمرار تشكيل كل طرف للتكتلات والتحالفات المناوئة للطرف الآخر، ومع ذلك، يُرجح أن يستمر الحفاظ على قنوات للتواصل بين الجانبين، بهدف تجنب سيناريو الحرب، لإدراك الطرفين كلفتها المرتفعة عليهما.