أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الجاهزية المفقودة:

تقييم الاستجابة للكوارث بالإقليم بعد زلزال تركيا وسوريا

23 فبراير، 2023


تتعرض منطقة الشرق الأوسط، مثل مختلف أنحاء العالم، لمجموعة متنوعة من الكوارث التي تسببها الأخطار الطبيعية، بما في ذلك الزلازل والجفاف والفيضانات والعواصف الرملية والترابية ونوبات الطقس الجامحة. وعادة ما يكون لتلك الكوارث، آثار مدمرة على المجتمعات وسُبل العيش والممتلكات، وتتسبب في تعطُّل المرافق والخدمات وإلحاق أضرار جسيمة بالبُنى التحتية، وغالباً ما تكون الاستجابة لها معقدة وصعبة.

واتخذت الحكومات في الشرق الأوسط خطوات لتحسين استعدادها واستجابتها للكوارث الطبيعية. فعلى سبيل المثال، أنشأت العديد من البلدان أنظمة للإنذار المبكر، وقامت بتحسين قوانين البناء، ووضعت خطط الإخلاء والتعامل مع حالات الطوارئ، وسعت إلى تحسين عمليات التنسيق خاصة مع المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية التي باتت تؤدي دوراً مهماً في الاستجابة للكوارث الطبيعية في مختلف مناطق العالم.

ومع ذلك، فإن الاستجابة للكوارث الطبيعية في الإقليم غالباً ما تُعيقها مشكلات حادة ومزمنة من أبرزها، نقص الموارد، وضعف البنية التحتية التي عادة ما تتسم بأنها غير ملائمة وتفتقر إلى القدرة على الصمود في مواجهة الأخطار. ويزيد من حدة ذلك التأثير وجود العديد من الصراعات والأزمات المتشابكة في المنطقة، مما يُفاقم من حالة عدم الاستقرار ويخلق أزمات إنسانية مُركَّبة وحرجة، وهو ما أظهرته بشدة تأثيرات كارثة الزلزال الأخير الذي ضرب كلاً من تركيا وسوريا وأبرز العديد من مكامن الضعف في إدارة مخاطر الكوارث بالمنطقة.

أنماط الكوارث:

تنقسم الكوارث عادة إلى أحداث سريعة الحدوث مثل الأعاصير والزلازل والفيضانات المفاجئة، أو الأحداث بطيئة الحدوث (كوارث ممتدة) مثل الجفاف والتصحر وتملُّح الأراضي؛ حيث تظهر التأثيرات على مدى شهور أو سنوات. ويمكن وصف الكوارث بأنها إما محدودة أو متوسطة (أحداث صغيرة ومتوسطة كثيرة التكرار تظهر في مناطق متفرقة وينتج عنها تأثيرات محدودة أو متوسطة النطاق مثل الفيضانات والسيول الصغيرة والمتوسطة)، أو كوارث شديدة (ترتبط بالأحداث واسعة النطاق التي تؤثر عادة في المدن الكبرى أو المناطق المكتظة بالسكان، وتنتج عن أخطار شديدة الحدة مثل الزلازل الكبرى أو الفيضانات العارمة). وفي جميع الأحوال، فإن الخسائر الناجمة عن تلك الكوارث، تمثل تحدياً كبيراً لجهود التنمية، حيث إنها قد تُقوِّض– في ساعات محدودة – جهود سنوات طويلة من التنمية.

وزادت أعداد الكوارث بشكل ملحوظ في العقدين الماضيين، حيث بلغ متوسط تقارير الكوارث المتوسطة والكبيرة النطاق ما يتراوح بين 90 إلى 100 كارثة سنوياً تقريباً على مستوى العالم خلال الفترة (1970 – 2000)، ثم تراوح بين 350 إلى 500 كارثة سنوياً خلال الفترة (2001 – 2020). وتشير إحصائيات خسائر الكوارث إلى أن قيم الخسائر الناجمة عن الكوارث الطبيعية قد تضاعفت – عالمياً – منذ بداية الثمانينيات وحتى الآن، في حين بلغت ثلاثة أضعاف بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط خلال نفس الفترة.

وبرزت أسباب عديدة لزيادة خسائر الكوارث في تلك الرقعة من العالم مقارنة بالمتوسط العالمي؛ مثل زيادة معدلات النمو الحضري السريع غير المخطط، وندرة المياه، وزيادة تأثير تغير المناخ كتحد خطر لرسم السياسات والتخطيط بالمنطقة، وزيادة وتيرة النزاعات المسلحة وحدتها، بالإضافة إلى عدم الاستقرار السياسي والأمني الذي أضعف من قدرات الدول والمجتمعات للاستعداد للحد من مخاطر الكوارث أو الاستجابة لها.

وقد أدى ذلك إلى إعادة تشكيل خريطة مخاطر الكوارث في الإقليم، حيث زادت درجة هشاشتها وجعلها عُرضة لمجموعة متنوعة من العوامل الداخلية والخارجية. وتأتي الفيضانات والسيول على رأس تلك المخاطر، فبينما انخفضت خسائر الوفيات الناجمة عن الفيضانات في العالم منذ عام 2000، فإنها لا تزال تتزايد في الشرق الأوسط وبعض المناطق الأخرى. كما تعتبر الزلازل ثاني أكثر الكوارث تكراراً في المنطقة، ولها آثار خطرة على الحياة وسُبل العيش خاصة مع زيادة معدلات النمو الحضري السريع غير المخطط، مما يزيد من تأثير تلك الكوارث القاتلة ويُعرِّض مجموعة أكبر من البشر والأصول الاقتصادية لنتائج مدمرة بسبب الزلازل التي تُعد متوسطة القوة.

وقد جدَّد الزلزال الذي تعرضت له تركيا وسوريا في 6 فبراير 2023، المخاوف من الخسائر الفادحة التي تشهدها المنطقة بين الحين والآخر بسبب مثل تلك الأخطار الطبيعية. فقد أدى الزلزال الذي بلغت شدته نحو 7.8 درجة على مقياس ريختر إلى خسائر بشرية تجاوزت 47 ألف قتيل في الدولتين حتى يوم 20 فبراير 2023.

إدارة المخاطر:

فجَّرت جائحة "كورونا" أزمة صحية واقتصادية دولية كبيرة ما زال العالم يعاني آثارها ويحاول التعافي منها، وقد أظهرت الاستجابة للجائحة طرفي النقيض الإيجابي والسلبي في كيفية اتخاذ القرارات بشأن المخاطر. وتجدر الإشارة هنا إلى تقرير التقييم العالمي بشأن الحد من مخاطر الكوارث في 2022 والصادر عن مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، والذي يوضح أنه في حالة استمرار الاتجاهات الحالية لأعداد الكوارث عالمياً، فإن تلك الأعداد قد تزداد سنوياً من حوالي 400 كارثة في عام 2015 إلى نحو 560 كارثة سنوياً بحلول 2030، إلا أن تصورات المخاطر لدى العديد من الحكومات والأفراد ما زالت قاصرة وتتسم بسوء التقدير حول التهديدات المحتملة وتداعياتها وما يمكن أن تؤول إليه من تحول تلك المخاطر إلى كوارث مدمرة.


وتُزيد مخاطر المناخ من وتيرة حدوث الكوارث الطبيعية وشدة تأثيرها خاصة في الدول النامية والأقل نمواً، حيث تهدد مخاطر التغيرات المناخية الأرواح وسُبل العيش والأمن البشري والتنمية المستدامة، ويتأثر بها السكان الأكثر ضعفاً وهشاشة والذين تعتمد سُبُل عيشهم على عدد أقل من الأصول ولديهم قدرة أقل على التكيف ويحتاجون إلى وقت أطول لإعادة البناء والتعافي.

حالة الإقليم:

تتداخل مجموعة من العوامل في الشرق الأوسط تجعل قابلية التضرر جراء الأخطار الطبيعية حرجة ومؤثرة في المنطقة؛ فالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والتمييز وعدم المساواة وحالة الهجرة والظروف الصحية وسوء التخطيط وتصميم المباني وغيرها، تمثل تحدياً خطراً للسياسات والتخطيط لإدارة الكوارث في دول الإقليم. كما أن الافتقار للتقييم المنهجي المستمر لبيانات خسائر الكوارث في تلك الدول، لا يوضح المعاناة وتكاليف التعافي الحقيقية التي تعقب الخسائر في الأرواح وسُبل العيش.

وتتسم منطقة الشرق الأوسط بوجود تركيز مرتفع لكل من السكان والأصول الاقتصادية في المناطق الحضرية، وهو ما يجعل الكوارث أكثر تدميراً، لاسيما في المناطق الساحلية. فنظراً للتضاريس الجبلية القاحلة في المنطقة، تتركز غالبية السكان على الشرائط الساحلية والوديان الجبلية وطول الأنهار. ونتيجة لذلك، فإن نحو 92% من سكان الإقليم يعيشون على نحو 3% فقط من مساحته، مع وجود نمو سكاني كبير يجعل الشرق الأوسط واحداً من أسرع مناطق العالم في التوسع السكاني. ففي تركيا على سبيل المثال، يعيش نحو 75% من السكان في المناطق الحضرية والتي ما زالت تعاني ضعف تصميم المباني وعدم قدرتها على مقاومة مخاطر الزلازل وهو ما ظهر جلياً في خسائر الزلزال الأخير، وذلك على الرغم من الذكريات السيئة التي شهدتها تركيا في وقت ليس ببعيد عندما تسبب زلزال عام 1999 الذي بلغت قوته 7.6 درجة على مقياس ريختر في مقتل ما يقرب من 18 ألف شخص، وخسائر اقتصادية قُدِّرت بنحو 30 مليار دولار.

وعلى الرغم من أن وتيرة حدوث الكوارث الطبيعية المفاجئة والسريعة في الشرق الأوسط، تعتبر أقل مقارنة بمناطق أخرى حول العالم، فإن شدة التأثير تكون أكبر وقيمة الخسائر تكون أعلى. فعلى سبيل المثال، تعد حالة الطوارئ الإنسانية المعقدة الحالية في سوريا من بين أكبر الأزمات الإنسانية في العالم، وأدى الزلزال الأخير إلى تفاقم الوضع هناك. ففي شمال غرب سوريا، أكثر المناطق المتضررة من الزلزال، يعتمد أكثر من 4 ملايين شخص على المساعدات الإنسانية، غالبيتهم من النساء والأطفال. وبالنظر إلى أن سوريا لا تخضع لسيطرة سلطة واحدة، فإن إحدى العقبات التي تحول دون تقديم المساعدة بسرعة في هذا البلد هي أن الحكومة لا تسيطر على كامل الشمال الغربي.


تعزيز الاستجابة:

يُعرِّف دليل مصطلحات مخاطر الكوارث، الصادر عن مكتب الأمم المتحدة للحد من مخاطر الكوارث، "القدرة على الصمود" بأنها القدرة على المواجهة والارتداد من الصدمة، وقدرة المجتمع على المقاومة والامتصاص والاستيعاب والتعافي من آثار الأخطار في الوقت المناسب وبالأسلوب الفعال. وهو ما يتطلب تعزيز الممارسات اللازمة للحد من تأثيرات الكوارث من خلال الجهود المنهجية لتحليل وإدارة العوامل المُسبِّبة لها، والحد من التعرض للأخطار، وتخفيف قابلية التضرر، والإدارة الحكيمة والرشيدة للأرض والبيئة، وتحسين مستوى الاستعداد.

وتكمن الخطورة الحقيقية للزلازل في عدم وجود تخطيط مُسبق للتعامل معها، واتخاذ الإجراءات الوقائية اللازمة للحدّ من الخسائر البشرية والمادية التي قد تنجم عنها. فالالتزام بأسس ومعايير البناء السليمة وفقاً لأكواد الزلازل، ووجود خطط للإنذار والإخلاء، علاوة على رفع الوعي المجتمعي بمخاطرها؛ كل هذا يمكن أن يحقق نجاحات قوية في مواجهة مخاطر الزلازل والحدّ من آثارها السلبية على الدول والمجتمعات المختلفة، كما هو الحال في بعض البلدان المتقدمة في هذا الصدد.

وأوضحت كارثة الزلزال الأخير في كل من تركيا وسوريا، مجموعة كبيرة من الدروس المستفادة، ولعل أبرزها أن التأخير والتهاون في تطبيق معايير صارمة للبناء تكون عواقبه وخيمة، ففي تركيا تؤكد الخسائر الفادحة للزلزال وجود تراخ في إنفاذ قوانين البناء رغم ما وعدت به الحكومة عقب الزلزال المدمر في عام 1999 بتطبيق أنظمة بناء أكثر صرامة، وتقوم وزارة العدل التركية حالياً بإنشاء وحدات تحقيق جنائي لجمع عينات من المباني للكشف عن المواد المستخدمة في البناء. كذلك فإن عدم وجود هياكل واضحة وفعالة لإدارة الكوارث لدعم الاستجابة، يزيد من تفاقم الأزمة وحدة الخسائر، وهو الوضع الذي تعاني منه سوريا في الوقت الحالي.     

ولتحسين الاستجابة للكوارث الطبيعية في دول الشرق الأوسط، من المهم مواصلة الاستثمار في تدابير الحد من مخاطر الكوارث والتأهب لها، فضلاً عن تعزيز قدرة المجتمعات والمنظمات المحلية على الاستجابة للكوارث، ومن الأهمية بمكان أيضاً معالجة الأسباب الجذرية لمكامن الضعف وتعزيز التنمية المستدامة التي تراعي اعتبارات مخاطر الكوارث، وذلك من خلال ما يلي:

تعزيز قدرات التنبؤ لتحسين تقييم المخاطر وتخطيط إدارتها، وكذلك تحديد نقاط الضعف في القطاعات الحرجة والتهديدات.

الالتزام بقوانين وقواعد بناء صارمة وتطبيق أكواد البناء المقاومة للمخاطر المختلفة مثل الزلازل والحرائق وغيرها. 

بناء قدرات الاستعداد من خلال زيادة الوعي بالمخاطر بين السكان، حيث يساعد ذلك على الحد من تأثير الكوارث.

الاستثمار في أنظمة الإنذار المبكر، لتدعيم قدرات التحذير والتنبيه والإبلاغ عبر المستويات المحلية والوطنية والإقليمية.

تعزيز قدرات الاستجابة والبحث والإنقاذ وسد الفجوات في هذا المجال، لضمان وجود أنظمة قوية للحماية المدنية، والتنسيق مع منظمات المجتمع المدني في هذا الشأن.

الاستثمار في جعل البُنى التحتية قادرة على الصمود في مواجهة مخاطر الكوارث من خلال أسس سليمة لإنشائها وحوكمة إدارة المخاطر.

ختاماً، تواجه منطقة الشرق الأوسط مخاطر عديدة نتيجة ما تشهده من كوارث طبيعية في ظل ما تعانيه غالبية دولها من مشكلات قد تُعيق استجابتها لهذه الكوارث، وهو ربما ما حدث في زلزال تركيا وسوريا في فبراير 2023. ومن هنا يجب التركيز على إدارة المخاطر بدلاً من التركيز على إدارة الكوارث، أي التركيز على تعزيز قدرات الاستعداد والجاهزية والقدرة على الصمود بدلاً من العمل بمنهج رد الفعل والاستجابة بعد وقوع الكوارث.