أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

"الرقمنة أولاً":

فرص وتحديات الصحافة في العصر الرقمي

08 أكتوبر، 2015


إعداد: وفاء ريحان


مما لا شك فيه أن الصعود الكبير لوسائل الإعلام الجديدة قد أثَّر كثيراً على النماذج التقليدية للإعلام، خاصةً الصحف الورقية التي لم تعد المصدر الرئيسي للحصول على الأخبار. وعلى الرغم من أن الصحف أدركت مبكراً تأثير الإعلام الجديد واتبعت عدداً من المناهج في سبيل التكيف معها؛ فإنها لم تستطع التعامل بفعالية مع التحديات التي فرضتها الأنماط الجديدة.

من ناحية أخرى، ثمة عدد من المخاوف بِشأن مدى مصداقية نماذج الإعلام الجديد, حيث قد تؤدي الأخبار التي تنشرها - في ظل صعوبة الرقابة عليها - إلى زعزعة استقرار المجتمع.

وفي هذا الصدد, نشر المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس" دراسة أعدها "جاريث بريث" Gareth Price الباحث في المعهد, تحت عنوان: "فرص وتحديات الصحافة في العصر الرقمي.. وجهات نظر آسيوية وأوروبية", والتي يسعى فيها إلى استكشاف التحديات التي تواجه صناعة الصحف خلال "عصر الرقمنة", وكيف انعكس ذلك على تغير الأنماط الاستهلاكية للمواد الإخبارية, وإلى أي مدى حاولت الصحف التأقلم مع هذه التحديات، مستخدمة التكنولوجيا والمناهج الحديثة في الإعلام، ثم ينتهي الباحث إلى صعوبة الجزم باختفاء الصحف المطبوعة, والإشارة إلى إمكانية زيادة التعاون بين الصحفيين في آسيا وأوروبا.

التحديات التي تواجه الصحف

يذكر الباحث أن صناعة الأخبار في الوقت الراهن أصبحت في حالة من عدم اليقين والاضطراب التي لم يسبق لها مثيل. وفي حين أن توزيع الصحف في بعض البلدان الأوروبية في انخفاض منذ عام 1950, حيث يعتمد المستهلكون بشكل متزايد على التليفزيون، إلا أن ارتفاع عائدات الإعلانات في هذه الفترة سمح لوسائل الإعلام المطبوعة بمواصلة ازدهارها. ولكن مع صعود الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي في السنوات الخمسة عشر الماضية تغيرت الصورة, فمنذ عام 2000 تراجعت عائدات الإعلانات الصحفية في أوروبا، وتحول المُعلنون إلى وسائل الإعلام الجديدة.

من ناحية أخرى, لاتزال عائدات الإعلانات مهمة في آسيا, على الرغم أنه من المرجح أن يتجه المعلنون إلى محاكاة الاتجاهات في أوروبا والولايات المتحدة مع زيادة استخدام الإنترنت.

وتشير الدراسة إلى أن التحدي الذي يواجه وسائل الإعلام ليس فقط المتعلق بالعائدات, ولكن أيضاً ذات الصلة بتهديد دور وكالات الأنباء المتحكمة في الوصول إلى المعلومات. فبينما تقرر وسائل الإعلام التقليدية ما يستحق النشر, فإن وسائل الإعلام الاجتماعية تُمكن المستهلكين الآن من تحديد الأخبار, ومن ثم فهي بسماحها للمستهلكين بتصنيف رغباتهم على هذا النحو قد تؤدي إلى الاضطرابات في صناعة الأخبار.

هل تغيرت أنماط استهلاك الأخبار؟

تذكر الدراسة أن المستهلكين في الماضي كانوا يحجمون عن الدفع للحصول على الأخبار وحدها, وقد تعاملت الصحف تقليدياً مع هذا التحدي من خلال استكمال الأخبار بالتغطية الرياضية وغيرها. ويقارن الباحث بين استهلاك الأخبار الرقمية الآن وأنماط الاستهلاك السابقة؛  ففي الجريدة كان المستهلكون المهتمون بالرياضة يتحولون إلى الصفحات الخلفية من جريدتهم حيث صفحات الرياضة, أما الآن فهم يصلون إلى أقسامهم المفضلة على شبكة الإنترنت, وربما يُعد الفارق بينهما - وفقاً لهذا المثال - هو أن مشجعي الرياضة الذين لديهم اهتمام أقل بالشؤون الجارية يتجاوزون الأخبار بسهولة على الإنترنت.

ويذكر الباحث فروقاً أخرى في هذا الصدد، يتمثل إحداها في أن قارئ الصحيفة الورقية كان يعرف كم من الوقت سيستغرق في قراءتها لأن لها بداية ونهاية, أما الإنترنت فلا نهاية له, ويمكن للقارئ أن يبقى عليه لدقائق أو ساعات, فكمية المعلومات المتاحة على شبكة الإنترنت غير محدودة.

وثمة فارق آخر يكمن في أن الصحف المطبوعة مازالت تجمع محتواها من مختلف التوجهات السياسية, على عكس الإنترنت الذي لديه القدرة على استهداف أخبار تتبنى وجهات نظر محددة، أي بشكل أكثر تحيزاً. وبالنظر إلى العديد من مصادر التوتر السياسي وعدم الاستقرار في آسيا مثلاً, فإن هذه التطورات من الممكن أن تفاقم الصراعات وتعيق حل القضايا الشائكة.

تعزيز الاستفادة من التكنولوجيا الرقمية

يتوقع الباحث استمرار الانخفاض في توزيع الصحف الورقية, حيث يربط هذا التوجه بانخفاض إيرادات الإعلانات الذي يحدث بالفعل في أوروبا؛ فقد انخفضت عائدات الإعلانات في الصحف الفرنسية بنحو 35% بين عامي 2008 و2014, كما انخفضت عائدات الإعلانات في المملكة المتحدة إلى النصف تقريباً خلال نفس الفترة. أما في الأسواق الآسيوية الناشئة - مثل الهند والصين - تنمو عائدات الصحف, ومع ذلك يتوقع أن تنخفض إيرادات الإعلانات خلال العقد المقبل في آسيا.

وإذا كانت الصحف من القطاعات الأولى التي أدركت إمكانات الإعلام الرقمي, وأصبح لكثير منها الآن وجود على شبكة الإنترنت, فإنها بحاجة إلى الاستفادة من الأفكار والنماذج التجارية التي تطرحها شركات التكنولوجيا, فهذه الشركات أفضل كثيراً في مجالات التوزيع الرقمي.

لذلك، يؤكد الباحث على حاجة الصحف إلى أن تكون أكثر ابتكاراً، وأن تُجرب عدداً من المناهج الجديدة. وبالفعل فقد تبنى عدد من الصحف ما يسمى باستراتيجيات "الرقمنة أولاً"digital first  والتي تنطوي على التركيز على ما هو رقمي بدلاً من المطبوع, وهدفها الرئيسي من وراء ذلك هو البقاء على رأس الأخبار العاجلة على شبكات التواصل الاجتماعي، وتعظيم إقبال المُشاهد عليها.

ويذكر الباحث أن المستهلكين يصلون للأخبار بطرق متنوعة في البلدان المختلفة, فعلى سبيل المثال في بريطانيا وإسبانيا يكون ذلك عن طريق العلامات التجارية المعروفة, أما في ألمانيا وإيطاليا فيتم الوصول للأخبار من خلال محركات البحث التي تُعتبر المصدر الرئيسي للأخبار بهذه البلدان. وتعكس هذه الاتجاهات المتباينة وجود اختلافات ثقافية, وبالتالي فالحلول ستكون خاصة بكل بلد على حدة.

وتؤكد الدراسة على أن المستقبل سيكون للتكنولوجيا للرقمية، وبالتالى يتعين على الصحف التكيف مع المنتجات الرقمية؛ ففكرة المحتوى الإعلامي آخذة في التغير، حيث كان المحتوى في الماضي يتعلق بالأخبار فقط, ولكنه يشمل الآن (الإعلانات, والمواد التسويقية, والألعاب أو أي شيء يُنظر إليه على أنه جذاب للمستهلك). لذلك، وفي سبيل تحقيق الاستفادة الكاملة من "الرقمنة"، يجب على وكالات الأنباء أن تستخدم التكنولوجيا على نحو أكثر فعالية.

مناهج جديدة للصحافة

يتساءل الباحث عن مصادر تمويل الصحف في حالة تآكل مصادر دخلها التقليدية, خصوصاً أن إيرادات كل من الإعلام الرقمي والمطبوع تبدو الآن أقل من الإيرادات المتحققة في عصر ما قبل الإنترنت. كما أن النماذج الجديدة التي بدأت تظهر مثل "صحافة المواطن" والصحافة التي تمولها المؤسسات, بعضها يعمل، والآخر عُرضة للفشل.

وتشير الدراسة إلى أن المحتوى الذي يعتمد على "إسهامات المواطن" ليس بالأمر الجديد على الصحافة التي تستعين في بعض تقاريرها بشهود العيان للتأكد من تفاصيل الأحداث, إلا أن عصر الإنترنت يتطلب ممارسات جديدة، لاسيما عندما تكون هذه المصادر غير أولية. وقد لعبت "صحافة المواطن" دوراً هاماً في ثورات الربيع العربى على سبيل المثال, ولكن مصداقية الأخبار بها تكون غير مؤكدة في كثير من الأحيان، حيث تفتقر إلى المهنية، وربما تخدم أجندات حزبية أو شخصية.

وثمة مسألة أخرى ذات صلة بتبادل الأخبار في العالم الرقمي, وتتمثل في تحدي أنظمة حقوق النشر المعمول بها؛ فقد يقوم الناشرون على شبكة الإنترنت بالاستخدام الكلي أو الجزئي لمحتوى من مواقع إخبارية أخرى, في حين أن قوانين حقوق النشر الوطنية قد لا تكون فعَّالة فيما يتعلق بالإنترنت.

كما يتطرق الكاتب إلى انتشار الصحافة التي تمولها المؤسسات، لاسيما في قضايا بعينها مثل الرعاية الصحية أو البيئة. ومع ذلك، فإنها تواجه بعض التحديات التي تتمثل في أن مؤسسات التمويل ليست دائماً محايدة, وربما تسعى إلى التأثير على محتوى الأخبار التي تمولها.

إمكانية التعاون بين المؤسسات الإعلامية في آسيا وأوروبا

يذكر الباحث أن الثورة الرقمية أجبرت بعض المؤسسات الإعلامية على إعادة تقييم علاقاتها مع المنافسين, حيث ظهر بعض التعاون في تبادل المحتوى. وفي هذا الصدد، يطرح الكاتب فكرة إمكانية تعزيز التعاون بين المؤسسات الإعلامية الآسيوية والأوروبية؛ فالمنظمات الأوروبية لديها التكنولوجيا ولكنها تحتاج للنمو. ويوجد في آسيا أسواق كبيرة، فالصين على سبيل المثال بها 800 مليون مستخدم للإنترنت، ولكن هذه الأسواق تفتقر إلى التكنولوجيا.

علاوة على ذلك, وبينما يفتقر الرأي العام الأوروبي إلي الوعي بالقضايا الآسيوية, فإن القوة الاقتصادية المتنامية للبلدان الآسيوية تشير إلى أن الطلب الأوروبي على تغطية الأخبار الآسيوية من الممكن أن يتزايد. وتتوقع الدراسة حدوث تعاون مستقبلي في مجال تبادل الأخبار على المستوى الرسمي أو غير الرسمي، خصوصاً فيما يتعلق بالأخبار العالمية.

ويختتم الباحث دراسته بالتأكيد على أن التوقعات المتشائمة حول مستقبل الصحف الورقية لاتزال بعيدة عن الحدوث، وذلك مع الأخذ في الاعتبار التحديات التي يفرضها العصر الرقمي.


* عرض مُوجز لدراسة: "فرص وتحديات الصحافة في العصر الرقمي.. وجهات نظر آسيوية وأوروبية", والمنشورة في أغسطس 2015 عن المعهد الملكي للشؤون الدولية "تشاتام هاوس".

المصدر:

Gareth Price, Opportunities and Challenges for Journalism in the Digital Age: Asian and European Perspectives, (London, The Royal Institute of International Affairs, August 2015).