أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الزيت الصخري الأمريكي:

التداعيات الجيواقتصادية لتغيير أسواق الطاقة

19 نوفمبر، 2014


إعداد: محمد أحمد عبدالمعطي

أصدر "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية" دراسة تحت عنوان: "ثورة الزيت الصخري الأمريكية ودول الخليج العربي: الآثار الاقتصادية والسياسية لتغيير أسواق الطاقة"، حيث تتطرق إلى عدد من المحاور منها: أثر هذه الثورة على تفاعلات أسواق الطاقة العالمية، وارتباط ذلك بالمصالح الاستراتيجية الأمريكية وآثارها الاقتصادية على دول الخليج، وكذلك التبعات السياسية.

وأعد هذه الدراسة ثلاثة من الخبراء بالمعهد الألماني، وهم: Kirsten Westphal, Marco Overhaus and Guido Steinberg.

وتنبع أهمية الدراسة والنتائج المرتبطة بها من أهمية المعهد ذاته، فهو يقدم لأكثر من 50 عاماً العديد من تحليلات السياسة الخارجية للبوندستاج "البرلمان الألماني" والحكومة الاتحادية الألمانية، والمشورة في مجال السياسات العامة.

الولايات المتحدة وتغيير أسواق الطاقة

تشير الدراسة إلى أن الولايات المتحدة ستلعب دوراً محورياً في التنمية المستقبلية لأسواق الطاقة، وفي التأثير على العلاقات الدولية في منطقة الخليج، نتيجة لما تحدثه ثورة "الزيت الصخري" من تأثير على انخراط واشنطن في المنطقة؛ وهو ما يكتسب أهمية استراتيجية وفقاً للدراسة، حيث إن الانسحاب الأمريكي يمكن أن يقيد من فرص تحقيق الأمن في المنطقة، ولذلك فإن السؤال المحوري الذي تسعى الدراسة للإجابة عنه ودراسة أبعاده هو ما إذا كانت ثورة الزيت الصخري تؤثر كلياً على حجم وتسعير صادرات الطاقة العربية أم لا؟

وتُقدر الدراسة أن ثورة الزيت الصخري ساهمت في الحفاظ على التوازن بين العرض والطلب في أسواق النفط العالمية، وتسببت في تغيير اتجاه أسواق الغاز العالمية أيضاً، ليتحول تدفق الغاز الطبيعي المسال إلى آسيا وأوروبا خاصةً أن الولايات المتحدة على الطريق نحو الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة؛ وبالتالي ستتجه دول الخليج في المستقبل إلى التركيز بقوة أكبر على الأسواق الصاعدة في آسيا.

ويرى الباحثون أن ثورة الزيت الصخري تعد أحد عوامل التغير السريع في أسواق الطاقة، إذ تشمل هذه العوامل أيضاً الطلب القوي في آسيا وكذلك في الشرق الأوسط ذاته، كونهما على نفس القدر من الأهمية، فضلاً عن أن حالة عدم اليقين والشكوك في أسواق الطاقة العالمية لاتزال كبيرة، إضافة إلى الأزمة الأوكرانية – الروسية، والتطورات في إيران والعراق.

إذن تتداخل هذه العوامل مجتمعة بشكل كبير، وتؤدي إلى دفع التغيير في أسواق الطاقة عالمياً، ومن الصعب التنبؤ بكيفية تفاعل هذه العوامل والاتجاهات على المدى الطويل. ولذلك فإنه في الوقت الذي ستشكل فيه ثورة الزيت الصخري إلى حد ما العقد المقبل، فإن منطقة الخليج ستظل العمود الفقري لإمدادات النفط العالمية.

الآثار الاقتصادية وسبل التعامل معها

بناءً على ما تقدم، فإن أي انخفاض دائم في أسعار النفط سيكون مشكلة لدول الخليج العربي، ولكن من غير المتوقع أن يظل الأمر على هذا النحو ما دام الطلب في آسيا لايزال قوياً. وبينما تستمر ثورة الزيت الصخري الأمريكي كعنصر فاعل في سوق الطاقة العالمية، فإنه لا يوجد أي مؤشر على حدوث ثورة مماثلة في الولايات المتحدة في قطاع الغاز الطبيعي المسال على المدى المتوسط، وهو ما يعزز وضعية قطر في هذا القطاع ويقوي دفاعها عن موقعها في سوق الطاقة العالمي.

1- الآثار على المدى القصير والمتوسط:

فيما يتصل بدول الخليج العربي، سوف يتعين عليها على المدى القصير والمتوسط أن تضمن إمدادات الطاقة الخاصة بها محلياً وأن تؤمن في ذات الوقت الحصة الكافية من النفط المتاح للتصدير، وهو تحد تواجهه في وقت صعب نتيجة لتقلص حصص السوق العالمية وضغط الأسعار باتجاه الهبوط، وهو ما لا يمكن معه استقراء النموذج الاجتماعي والاقتصادي الحالي في المستقبل ببساطة.

إن هذا الأمرين، تغير أسواق الطاقة عالمياً ومقابلة تنامي الطلب المحلي على الطاقة، يثيران التساؤل حول مدى تغير وضع دول الخليج كمصدرة للطاقة، وبالتالي تجتمع كل هذه المحددات لتخلق وضعاً صعباً بسبب الحاجة المتزايدة للاستثمار في البنية التحتية للطاقة والتنقيب لتلبية زيادة الاستهلاك المحلي، وهو ما تظهر معه حاجة ملحة لإجراء مزيد من إصلاح سياسات الطاقة، خصوصاً أن دول الخليج تدرك أن عليها التغلب على الاعتماد على النفط والغاز لضمان الاستقرار والتنمية على المدى الطويل، ولتحقيق هذه الغاية فإن عليها اتباع سياسات التنويع اللازمة لخلق فرص عمل لمواطنيها.

2- الآثار على المدى الطويل:

على المدى الطويل، ربما تقيد هذه المشكلات من تعزيز التنمية الاجتماعية والاقتصادية في دول الخليج، فالموازنات العامة ستتعرض لضغط متزايد نتيجة الحاجة إلى استثمارات كبيرة في قطاع الطاقة، وهو ما يتقاطع مع الضغط من أجل الحفاظ على أسعار الطاقة المحلية المنخفضة، ولذلك ربما تقوم دول الخليج بالسحب من "صناديق التحوط" المعدة لذلك، بحيث تغطي هذه المتطلبات الاستراتيجية لعدة سنوات قادمة، لكن الثمن المقابل هو تباطؤ خطط الإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية.

تأثرات سياسية محدودة

من الناحية السياسية، يصعب تقييم تداعيات ثورة الزيت الصخري على السياسة الخارجية والأمنية لدول الخليج، فبينما يقلل البعض من آثارها بسبب بقاء الاعتماد على دول الخليج كمصدر رئيسي للطاقة لأعوام مقبلة، وبسبب الالتزامات والمصالح الأمريكية الأخرى بالشرق الأوسط، إلا أن ثمة آخرين يرون أن الأوضاع قد تكون غير مستقرة بسبب مخاوف الانسحاب الأمريكي من المنطقة، حيث عززت ثورة الزيت الصخري من تزايد الشكوك القائمة بالفعل بشأن مدى الثقة بالتزام واشنطن بوعودها والتزاماتها الأمنية في الخليج.

وفي هذا الصدد، يشير واضعو الدراسة، إلى أنهم مع الرأي الأول بشكل كبير، لأن ثورة الزيت الصخري ستؤمن للولايات المتحدة الاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة لبعض الوقت وستوسع من خيارات واشنطن السياسية في الخليج، لكنه من غير الواضح حتى الآن كيف ستستغل هذه الفرص الجديدة، إذ من المؤكد أنه ليس هناك أي مؤشر على قيام واشنطن بتقليص انخراطها الدبلوماسي والعسكري في الخليج، فلاتزال ثروة الطاقة في المنطقة هي السبب الأساسي للوجود الأمريكي، ولذلك ستبقى دول الخليج في وضع بالغ الأهمية عالمياً – وكذلك بالنسبة لأوروبا- باعتبارها العمود الفقري لإمدادات النفط والمحدد الرئيسي لاتجاهات الأسعار عالمياً على المدى الطويل ما لم تتغير الظروف أو تحدث ثورة جديدة في مجال الطاقة المتجددة.

وتشير الدراسة إلى ضرورة أن تعد أوروبا نفسها لتقاسم عبء تأمين إمداداتها من الطاقة بما في ذلك القادمة من الشرق الأوسط بالتعاون مع الولايات المتحدة، لذا يُتوقع أن تطلب واشنطن من حلفائها الأوروبيين إما تقديم مساهمة عسكرية أو دفع حصة من تكلفة الحفاظ على وجودها في منطقة الخليج. وفي المقابل ستكون واشنطن حذرة في أي خطوة تقوم بها الصين في هذا الصدد، سواء كانت بالمشاركة السياسية أو الأمنية في المنطقة.

تحديات السياسة الخارجية والأمنية

تذكر الدراسة أن التغيرات في أسواق الطاقة ستخلق أيضاً عدداً من التحديات على مستوى السياسة الخارجية والارتباطات الأمنية لدول الخليج، وذلك على الرغم من قلة الأدلة التي تشير إلى انسحاب الولايات المتحدة من المنطقة بسبب ثورة زيتها الصخري المحلية، فثمة توقعات بأن تتغير خصائص انخراط ومشاركة الولايات المتحدة على المدى الطويل، كما يلي:

1- تزايد أهمية الإجراءات والوسائل الاقتصادية لواشنطن نسبياً مقارنة بالوسائل العسكرية، إذ يمكن أن ينمو اتجاه فرض عقوبات اقتصادية على إيران اعتماداً على قطاع الطاقة، كما أنها ستطلب أيضاً من دول الخليج المزيد من تقاسم العبء الأمني؛ وهو ما من شأنه أن يعزز الشكوك الموجودة بالفعل لدى دول الخليج حول الوثوق التام بواشنطن كضامن للأمن في المنطقة.

2- إن التحول في الطلب على الطاقة نحو أسواق آسيا/المحيط الهادئ سيعزز من إمكانية نشوء الصراع في العلاقات الصينية - الأمريكية خاصةً إذا ما سعت بكين لدعم مصالحها الاقتصادية في الخليج من خلال التزام وتواجد أمني بالمنطقة، وهو السيناريو المرفوض أمريكياً بشكل مطلق. ولهذا السبب تتجه واشنطن في المقام الأول إلى شركائها الأوروبيين التقليديين لتقاسم الأعباء الأمنية، بيد أن هذا التطور لم يتبلور بشكل كاف لدى دول الاتحاد الأوروبي.

توصيات مقترحة

في ضوء ما سبق، يقدم معدو الدراسة التوصيات التالية لصياغة سياسة ألمانية وأوروبية تجاه دول الخليج، تقوم على الآتي:

1 ـ إعطاء بُعد سياسي للعلاقات "الألمانية- الأوروبية- الخليجية": لا تمتلك ألمانيا تأثير كبير على سياسة دول المنطقة، ومنها دول الخليج، لكنها تتمتع بعلاقات تجارية جيدة، ولذلك فإذا رغبت في لعب دور في الخليج، فينبغي أن تعطي هذه العلاقات بُعداً سياسياً.

2 ـ التأكيد على أهمية الغاز القطري لألمانيا وأوروبا: يتمتع الغاز الطبيعي القطري المُسال بوضع مختلف للغاية، نظراً لأهميته الاستراتيجية للمستوردين الأوروبيين كونه عامل تنويع كبير. وتُوصي الدراسة الاتحاد الأوروبي بأن يرسل إشارات واضحة إلى الدوحة إذا ما كان يسعى لاستيراد المزيد من الغاز.

3 ـ الدعوة لتعاون ألماني- أوروبي في مجال الطاقة مع دول الخليج: يدعو التقرير إلى تدشين التعاون في مجال الطاقة بين ألمانيا ومجموعة من دول الخليج على نطاق واسع، وفي إطار "شراكة الطاقة" يتم خلق إطار سياسي لتعاون أوثق في إنتاج الغاز والنفط (الجديد)، وفي صناعة المواد الأولية، وأيضاً في مصادر الطاقة المتجددة.

4 ـ توثيق التعاون مع الولايات المتحدة ودول الخليج في مجال الأمن البحري: يُوصي التقرير ألمانيا بالعمل على محوري السياسة الخارجية والأمن داخل حلف الناتو والاتحاد الأوروبي من أجل توثيق التعاون مع الولايات المتحدة ودول الخليج في مجال الأمن البحري، على أن تكون نقطة البداية هي استراتيجية الأمن البحري الأوروبية التي اعُتمدت في يونيو 2014 والتي تولي أهمية كبيرة لإمدادات الطاقة في إطار الأمن البحري، حيث تقترح هذه الوثيقة تعبئة جميع الأدوات المدنية والعسكرية للاتحاد لتحقيق هذه الغاية، ولكنها تواجه بإشكاليتين، أولهما: أن التنفيذ يحتاج إلى التركيز على وضع خطة عمل تحدد الإجراءات والجداول الزمنية المحددة بنهاية عام 2014، وثانيهما: أن الاتحاد الأوروبي، وإن كان يصنف نفسه كفاعل دولي في إطار الأمن العالمي، فإن استراتيجية الأمن البحري لاتزال تركز على الجوار الأوروبي فقط، إذ تشير الوثيقة إلى بحر الشمال وبحر البلطيق والبحر الأسود والبحر المتوسط ومنطقة القطب الشمالي دون أن تقدم أي ذكر صريح لمنطقة الخليج.

وبناء على ما تقدم، تبرز العديد من الفرص للاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه إلى الاضطلاع بدور أكبر في الخليج، خاصةً في تطوير القدرات البحرية وتدريب خفر السواحل في الدول العربية، ليتطور هذا التعاون مستقبلاً في المدى البعيد ليصل إلى قيام الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي باجراء تدريبات عسكرية مشتركة.

* عرض موجز لدراسة نشرت تحت عنوان: "ثورة الزيت الصخري الأمريكية ودول الخليج العربي: الآثار الاقتصادية والسياسية لتغيير أسواق الطاقة"، الصادرة في نوفمبر 2014 عن "المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية".

المصدر:

Kirsten Westphal, Marco Overhaus and Guido Steinberg, The US Shale Revolution and the Arab Gulf States: The Economic and Political Impact of Changing Energy Markets (Berlin, German Institute for International and Security Affairs, November 2014).