أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

هل تنقذ موسكو عفرين وتعدّل «مسار سوتشي» ؟

22 يناير، 2018


بدأت تركيا «عملية عفرين». تحولان رئيسيان دفعاها هذه المرة إلى ترجمة تهديداتها ميدانياً: أولهما هجوم قوات النظام بمساندة حليفيه الإيراني والروسي على مناطق إدلب، وثانيهما عزم الولايات المتحدة على إنشاء جيش جله من الكرد شمال سورية وشرقها. ويعمق هذان العاملان الخلاف بين أنقرة وكل من موسكو وواشنطن. روسيا كانت أعلنت أن مهمات قواتها هذه السنة هي القضاء على «جبهة فتح الشام» (النصرة). وانتظرت طويلاً أن تتولى تركيا هذه المهمة باعتبارها معنية بمنطقة «خفض التوتر» في محافظة إدلب. لكنها تريثت ولا تزال بانتظار ضوء أخضر من شريكيها في آستانة من أجل إنهاء «الإدارة الكردية» في عفرين. كانت تتوقع اعتماد نموذج حلب عندما تخلت في 2016 عن هذه المدينة والفصائل المعارضة فيها، مقابل سيطرتها على الباب بعد جرابلس وأعزاز. كانت تتوقع ربما إطلاق يدها لمواجهة «حزب الاتحاد الديموقراطي» مقابل تقدم قوات النظام نحو إدلب واستعادة السيطرة على طريق حمص- حلب. ما أثار الخلاف والشكوك بين موسكو وأنقرة ليس العلاقة الجيدة بين الأولى والكرد فحسب، بل انتشار عناصر روسية في عفرين وقراها عندما حاولت قوات موالية لتركيا التقدم نحو المدينة. وهنا العقبة الأساس، وليست في موقف أميركا التي لا وجود عسكرياً لها في هذه المنطقة، وصرحت بأن عملياتها لا تشمل هذا الجزء من سورية. لكنها عارضت وتعارض العملية العسكرية.

العقبة أمام تركيا في موقف روسيا التي عليها أن تجد الوسيلة للحفاظ على علاقات جيدة مع أنقرة ومع الكرد في آن. فهي حريصة على إنقاذ مؤتمر سوتشي وكذلك على... عفرين التي تهدد بإشعال حرب مدمرة قد تفتح الباب على مواجهات أوسع. فلا أحد يضمن عدم امتدادها على طول الحدود الشمالية لسورية (نحو 400 كيلومتر)، إذا اختار «حزب الاتحاد الديموقراطي» تخفيف الضغط عن مناطقه غرب الفرات. لذلك تبقى العملية التركية التي بدأت ضمن حدود ترسمها موسكو التي يبدو أنها أشعلت «الضوء الأصفر» فقط. أي أنها قد تسمح بتطويق عفرين والسيطرة على بعض القرى والنواحي المجاورة لها التي يسكنها العرب. وتسعى بعدها إلى إقناع الحزب الكردي بإخراج مقاتليه من المدينة وإقامة «إدارة ذاتية جديدة» فيها فلا يشكلون شوكة دائمة في خاصرة تركيا. وهي بذلك تطمئن الأخيرة التي تبالغ في الحديث عن خطة أميركية للربط بين المناطق الكردية شرق النهر وغربه، ثم العمل مستقبلاً على فتح ممر إلى البحر المتوسط يمر شمال غربي إدلب و... جنوب أنطاكيا (هاتاي) أيضاً. وهو ما يهدد وحدة الأراضي التركية! وتدرك القيادة الروسية مدى حاجتها إلى أنقرة لتعميق ابتعادها عن الولايات المتحدة وأوروبا والأطلسي عموماً، ولمساعدتها في توفير غطاء لـ «مؤتمر الحوار» بالضغط على فصائل معارضة ودفعها إلى سوتشي. مثلما تدرك هذه القيادة حاجتها أيضاً إلى الحفاظ على علاقات جيدة مع «حزب الاتحاد» الذي ساعدها في كثير من المــــواقع، وبينها حلب. وسهل لقوات النظام التقدم على حساب الفصائل المعارضة. فهي تراهن على ورقـــة الحزب لتقرير مصير شرق سورية وشمالها مستقبلاً، وتقاسم النفوذ فيها مع النفوذ الأميركي. وتزداد حاجتها إليه اليوم أكثر بعدما أكدت واشنطن أنها باقية في بلاد الشام، وتعزز «قوات سورية الديموقراطية»، وتعارض «الحل الروسي المنفرد» للأزمة. وتسعى إلى إعادة إحياء دور الأمم المتحدة.

كانت تركيا، قبل «عملية عفرين» تسعى إلى المساومة مع شريكيها في آستانة. دانت هجوم قوات النظام وحليفيه نحو مناطق تعدها جزءاً من فضائها الأمني. وهددت بإعاقة مؤتمر سوتشي ما لم يتوقف هذا الهجوم. وذهب وزير خارجيتها مولود جاويش أوغلو أبعد من ذلك. لوح بخلق مسار سياسي بديل، بترتيب اجتماع لوزراء خارجية الدول «ذات الرؤى المشتركة» حيال أزمة سورية. أي أن بلاده لن تعود معنية بتفاهمات العاصمة الكازاخية، ولن تسهل «مؤتمر الحوار». في حين تبدي موسكو حرصاً على دور أنقرة في إقناع فصائل معارضة بحضور المؤتمر الذي كلما اقترب موعد انعقاده ارتفعت الأصوات المعارضة له. لكن ما أقلق القيادة التركية ودفعها إلى تحريك قواتها هو توجه الأميركيين إلى المساعدة في إنشاء جيش جله من الكرد. ولم تفلح واشنطن في تهدئتها وطمأنتها إلى أن هذا الجيش لن يطاول دوره حماية الحدود. المهم أن «عملية عفرين» تضيف صورة إلى المشهد الاستراتيجي الجديد في سورية. وهو مشهد يكاد يكتمل بعدما كشفت إدارة الرئيس دونالد ترامب استراتيجيتها في بلاد الشام، وبدأت خطوات على طريق التنفيذ. وزير الخارجية ريكس تيلرسون كشف أن لوجود بلاده في سورية خمسة أهداف على رأسها إنهاء نفوذ إيران والتوصل إلى حل سياسي برعاية الأمم المتحدة (على أساس القرار 2254) يؤدي إلى رحيل الرئيس بشار الأسد. وأكد أن التغيير قادم، وحض موسكو على الوفاء بالتزاماتها وبالضغط على النظام في دمشق للانخراط في مفاوضات جنيف. وترجمة لهذه الاستراتيجية التي باتت واضحة تماماً عقد اجتماع خماسي قبل أيام ضم ممثلين عن بلاده وفرنسا وبريطانيا والسعودية والأردن لدرس مسودة إصلاحات دستورية وإعادة هيكلة المؤسسات السورية. وسيكون هذا بديلاً من «سلام زائف» تعد له موسكو!

هذا التحول الجذري في موقف واشنطن يطوي صفحة السياسة التي اعتمدتها إدارة الرئيس السابق باراك أوباما ومنحها روسيا الفرصة تلو الأخرى لحل الأزمة. ويخفض سقف توقعات الكرملين من مؤتمر سوتشي. ويؤسس لحضور أميركي في سورية سيكون بالتأكيد على حساب اللاعبين الآخرين، خصوصاً إيران وتركيا، ما دام أن موسكو أقرت في أكثر من مناسبة بأن لا تسوية في هذا البلد من دون تفاهم مع واشنطن. ويؤسس هذا التحول لمسار ثانٍ داعم لمسار جنيف. ويفرض توازناً لا يمكن موسكو تجاهله. فهل يعقل مثلاً أن تقرر الأخيرة دعوة ممثلي الدول الكبرى الأخرى في مجلس الأمن كمراقبين إلى مؤتمر يرسم مستقبل سورية وموقعها في خريطة النفوذ الإقليمي! لا تتجاهل الولايات المتحدة حقيقة أن الحل «شراكة» بينها وبين روسيا وأوروبا وقوى إقليمية أخرى. لذا لا يمكنها أن ترضى بأن يستأثر الكرملين بتوزيع «الحصص» في بلاد الشام، سياسةً وإعادة إعمار. أو أن يرسم لها وللمتصارعين الآخرين على بلاد الشام حدود أدوارهم ومصالحهم، وأن يسعى في الوقت عينه إلى مباركة أو «شرعية» دولية لسياسته!

روسيا أمام امتحان كبير في «عملية عفرين» لإنقاذ علاقاتها المتجددة مع تركيا. وهو امتحان يترافق مع امتحان آخر. فهل تأخذ في الاعتبار جديدَ الموقف الأميركي فتعدل خطتها إلى سوتشي، وتقدم إلى وفد «الهيئة العليا للمفاوضات» الذي سيزورها قريباً ما يشجع المعارضة على المشاركة في «مؤتمر الحوار»؟ ومثلها أنقرة تواجه تحدياً لدورها في سورية شبيهاً بالتحدي الذي سيواجه إيران التي بدت الرابح الأكبر حتى الآن. لكنها مثل النظام ترتاب من مقررات «مؤتمر الحوار»، بقدر ما ترتاب من إمكان قيام تفاهم أميركي- روسي ينتهي بتحجيم دورها وحضورها، خصوصاً أن الاستراتيجية الأميركية الجديدة التي كشفها تيلرسون أخيراً هدفها الرئيس مواجهة هذا الحضور مقدمة لتقليص هيمنتها على الإقليم كله وقطع الجسر الذي يصلها بالبحر الأبيض المتوسط. وما يزيد من ارتيابها إحجام القيادة السورية عن التزام الاتفاقات الاقتصادية التي كانت توافقت مبدئياً عليها مع دمشق بعدما استجابت هذه ضغوط موسكو في التريث. لذلك، ستجد نفسها، مثل تركيا اليوم، ملزمة مراعاة شريكها الروسي لحاجتها إلى قوة كبرى في مجلس الأمن أعلنت أخيراً أنها ستعمل على حماية الاتفاق النووي. مع إدراكها أن قيام مسار أميركي جديد للتسوية قد يدفع الكرملين إلى التمسك أكثر بدورها الميداني على الأرض وإن... موقتاً.

*نقلا عن صحيفة الحياة