أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الأمن الشامل:

كيف يمكن لواشنطن المساعدة لحل أزمة اليمن؟

05 نوفمبر، 2014


إعداد: شروق عادل

أصبح اليمن على شفا الانزلاق مرة أخرى إلى الفوضى، في ظل تدني الأوضاع في المجالات كافة، فاقتصاد اليمن في حالة يُرثى لها، والدولة ليس لديها ما يكفي من الغذاء لإطعام مواطنيها، والخدمات الصحية متدنية، والتحول السياسي في خطر، وثمة مخاوف من حدوث "انقلاب" ضد الحكومة الانتقالية، فضلاً عن أن الصراعات العنيفة تحتدم في جميع أنحاء البلاد.

ومن ثم يجب معالجة التحديات التي تواجه اليمنيين وحكوماتهم الانتقالية، وذلك من خلال استراتيجية واضحة الأهداف. لذا فثمة حاجة ملحة لإعادة ترتيب أولويات السياسة الخارجية الأمريكية لمعالجة الطبيعة المعقدة للأزمة اليمنية، حيث اعتمدت واشنطن استراتيجية فاشلة في اليمن قائمة على عنصر وحيد هو الحرب على الإرهاب، مستندة في ذلك إلى تجاربها السابقة في الصومال وباكستان. ويعني هذا أن الولايات المتحدة بحاجة إلى سياسة خارجية أكثر فعالية؛ لتُعالج الأسباب الجذرية للصراع والتمرد وتُحقق التنمية المستدامة في جميع أنحاء اليمن الذي أصبح ملاذاً للجماعات المتطرفة.

ما سبق يُمثل خلاصة تقرير نشرته "لجنة أصدقاء التشريع الوطني" في واشنطن تحت عنوان: "الأمن في اليمن"، وأعده كل من كاسي هاريتي Casey Harrity، وهو مستشار مستقل له خبرة طويلة في مجال حل الأزمات والعلاقات الدولية، ومايكل شانك  Michael Shank، وهو المدير المساعد للشؤون القانونية في "لجنة أصدقاء التشريع الوطني".

المشكلات الأمنية التي تواجه اليمن

بدايةً يؤكد الكاتبان أن مفهوم "الأمن" في اليمن يمتد ليشمل سلسلة من التهديدات التي تؤثر على حياة المواطنين هناك، فهذا المفهوم في الظروف اليمنية يمكن أن يُصنف إلى خمسة مجالات كالتالي:

1- الأمن الاقتصادي:

تعتبر اليمن أفقر الدول العربية على الإطلاق، فثمة 54% من تعداد سكانها على الأقل يقع تحت خط الفقر، ويعتمد الاقتصاد اليمني بشكل أساسي على النفط كمصدر رئيسي للدخل، ولكن نتيجة لتدهور الحالة الأمنية وعدم استقرار الأسواق العالمية؛ تدهورت صادرات اليمن من النفط، مما كان له أثر سلبي على الجانبين الاقتصادي والاجتماعي في البلاد.

وقد تأثر الاقتصاد اليمني بشكل كبير، ووصل الأمر إلى عدم قدرة الدولة على توفير احتياجات المواطنين من الطاقة، والمستلزمات الأساسية للمعيشة. بالإضافة إلى ذلك، فإن عدم استقرار الأسواق العالمية مع تغير العمالة في دول مجلس التعاون الخليجي أدى إلى رحيل الآلاف من اليمنيين من الدول الخليجية إلى بلادهم، مما ترتب عليه تفاقم الأزمة هناك.

2- الأمن الغذائي والصحي:

يشير التقرير إلى أن التدهور الاقتصادي والأمني أدى إلى تدهور الوضع الاجتماعي باليمن، فتراجعت الحالة الصحية في البلاد، وفي الوقت ذاته تراجعت قدرة المواطن على استيفاء حاجته من المنتجات الغذائية.

ونظراً لاعتماد سوق المواد الغذائية في اليمن على الواردات، فإنه تأثر بشكل كبير بتغير أسعار العملات وحالة السوق الأجنبية. ومع غلاء الأسعار وقلة الإمكانيات المادية للمواطن اليمني، لا يستطيع الفرد تحمل أعباء شراء الغذاء بالكميات التي يحتاجها أو بالجودة المطلوبة على الرغم من توفره في الأسواق.

أما بالنسبة للوضع الصحي، فيذكر التقرير أن اليمن تحتل المركز الثاني عالمياً في ترتيب الدول التي تعاني المواليد المشوهة خلقياً، ناهيك عن إصابة 15% تقريباً من الأطفال اليمنيين بالأمراض المتعلقة بسوء التغذية، ويواجه هؤلاء الأطفال خطر الموت بسبب عدم توافر العناية الطبية السريعة والمناسبة لهم. ويعاني نظام الرعاية الصحية في اليمن من العديد من المعوقات، منها ضعف الإمكانيات المادية والتقنية والموارد البشرية. وجدير بالذكر أن 43% فقط من المواطنين اليمنيين يخضعون للرعاية الصحية الشاملة.

ويضيف التقرير إلى هذه المعوقات وجود 200 ألف لاجئ من منطقة القرن الأفريقي والعراق وسوريا في اليمن، فهؤلاء اللاجئون لهم تأثير كبير على البنية التحتية والمستشفيات اليمنية المتهالكة.

3- الأمن البيئي:

وفقاً لما ذكره الكاتبان في التقرير، فإنه لتحليل الوضع البيئي في اليمن، يتعين النظر إلى متغيرين أساسين، وهما: (السكان، والموارد الطبيعة). فعلى الرغم من الزيادة المستمرة في عدد سكان اليمن من خلال زيادة المواليد وكذلك عدد اللاجئين، فإن الموارد الطبيعية في البلاد محدودة جداً. وعلى سبيل المثال، تعاني اليمن من ندرة موارد المياه العذبة، فلا توجد أنهار أو بحيرات طبيعية عذبة، ويعتمد السكان بالأساس على الأمطار والمياه الجوفية لسد احتياجاتهم. كما أن سوء الإدارة جعل الوضع أسوأ، حيث يتم إهدار ما يتراوح بين 20% و30% من المياه العذبة بسبب انعدام الرؤية وعدم وجود خطة واضحة لاستغلال المياه المتاحة.

وهكذا يرى التقرير أن الأمن المائي أضحى ذات صلة بالأمن القومي اليمني، محذراً من أن أزمة المياه في اليمن قد تصل ذروتها في وقت أقرب مما هو متوقع، خاصةً مع تأثير التغيرات المناخية على سقوط الأمطار الموسمية.

4- الأمن السياسي في اليمن:

شهدت اليمن – مثل العديد من الدول العربية - حراكاً شعبياً ضمن ما اتفق على تسميته "انتفاضات الربيع العربي". وانتهت التجربة اليمنية بعقد انتخابات رئاسية فاز بها عبد ربه منصور هادي نائب الرئيس السابق علي عبدالله صالح.

ويشكل ضعف الاقتصاد ومؤشرات التنمية الفقيرة، "الأساس الهش" لبناء حكومة ودستور جديدين. كما أن زيادة التوتر في أنحاء البلاد يهدد نتائج مؤتمر الحوار الوطني الذي اختتم أعماله في يناير 2014، واتفق خلاله الحضور على تبني النظام الفيدرالي للدولة، وعلى جدول زمني لصياغة دستور جديد. لكن الفاعلين غير الحكوميين رفضوا قبول المناطق المذكورة في النظام الفيدرالي الجديد. وتتعرض الحكومة الانتقالية لانتقادات شديدة بسبب عدم قدرتها على إدارة هذه المرحلة الانتقالية، فضلاً عن وجود مزاعم بتفشي الفساد والمحسوبية في أجهزة ومؤسسات الدولة. ومازالت الجماعات غير الممثلة في هذه الحكومة غير راضية عن استمرار تهميشها، وتعد الاحتجاجات الجارية في العاصمة اليمنية هي نتيجة لهذا التهميش والإقصاء من الحياة السياسية، كما أن شباب الثورة انتابه اليأس وفقدان الأمل في تحقيق مبادئ الثورة التي قام بها في عام 2011.

5- الأمن المرتبط بالصراع والعنف:

أدت كل العوامل، السابق ذكرها من تدهور الوضع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، إلى تأجج الصراع داخل اليمن. وثمة ثلاثة فاعلين أساسيين في هذا الصراع، وهم كما ذكرهم التقرير:

أ- الحوثيون، وهم متورطون في أعمال عنف مذهبية ضد ميليشيات السنة وحزب الإصلاح الإسلامي. وجدير بالذكر أن جذور هذا الصراع ترجع لأوائل الألفية، عندما حارب الحوثيون الحكومة اليمنية في حرب استمرت 6 جولات. وفي عام 2011 اشترك الحوثيون في الاحتجاجات ضد الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، وقد ازداد نفوذهم بشكل ملحوظ بعد الإطاحة به.

ب- المحافظات الجنوبية، وتتمثل في حركة "الحراك الجنوبي" التي قامت بالعديد من الاحتجاجات ضد ما أسمته الهيمنة الشمالية على البلاد.

ج- الحكومة اليمنية وحلفاؤها، والذين يحاربون تنظيم "القاعدة" في شبه الجزيرة العربية، وهي من أقوى فروع "القاعدة" في المنطقة.

السياسة الأمريكية تجاه الأزمة اليمنية

مع تدهور الوضع الأمني والإنساني في اليمن خلال السنوات الأخيرة، اعتمدت الولايات المتحدة في استراتيجيتها في التعامل مع هذه الأزمة على المساعدات الإنسانية وترسيخ مبادئ "الحكم الرشيد"، واستندت في ذلك إلى خمسة أركان أساسية، وهي: (دعم المرحلة الانتقالية والحوار الوطني، وترسيخ مبادئ الحوكمة ومأسسة الدولة، وتقديم المساعدات الإنسانية، والإصلاح الاقتصادي وخطط التنمية الاقتصادية طويلة المدى وخطط لتحسين الخدمات، وأخيراً تحسين الوضع الأمني لمواجهة التهديدات المحتملة).

وبناءً على ما تقدم، ينصح الكاتبان بضرورة أن تكون الولايات المتحدة واقعية حول ما يمكن أن تنجزه في اليمن، في ظل تزايد أعباء السياسة الخارجية، ويؤكدان أهمية أن تركز واشنطن على العمل جنباً إلى جنب مع الشركاء والحلفاء في المنطقة والعالم، وأن تبدأ الولايات المتحدة بالاستفادة من الدول التي تمتلك النفوذ الإقليمي، بصفة خاصة دول مجلس التعاون الخليجي وفي مقدمتها المملكة العربية السعودية.

ويؤكد التقرير أن اليمن لن تنعم بالأمن حتى يحصل المواطن اليمني على حقوقه كاملة، وعلى الولايات المتحدة أن تعي ذلك جيداً، لذا يتطرق التقرير إلى حزمة من الإجراءات التي يقترح على الإدارة الأمريكية أن تقوم بها للمساعدة في حل الأزمة اليمنية، وهي:

1- اقتصادياً: من خلال زيادة نسبة المساعدات الأمريكية المخصصة لمشاريع التنمية الاقتصادية، وتشجيع السعودية على تطوير البنية التحتية اليمنية، فضلاً عن دعم الحكومة اليمنية في تنفيذ مشروعات كثيفة العمالة.

2- بيئياً: يتطلب الأمر دعم استراتيجية المياه لدى الحكومة اليمينة من خلال تنسيق الجهود مع البنك الدولي والحكومتين الألمانية والهولندية، بالإضافة إلى التنسيق مع الشركاء الدوليين والحكومة اليمنية للحد من إنتاج "القات"، وبالتالي زيادة توافر المياه لأغراض الاستخدامات الزراعية أو المنزلية.

3- غذائياً وصحياً: عن طريق العمل مع الأصدقاء في اليمن لضمان تسلم جميع التعهدات الإنسانية، مع تقديم الدعم التقني الكافي للوزارات الحكومية لضمان امتلاك السلطات اليمنية القدرة على توفير الخدمات للمواطنين.

4- سياسياً: يُقترح تفعيل علاقة الإدارة الأمريكية مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لضمان أن تلبي حكومته نتائج مؤتمر الحوار الوطني، فضلاً عن الاستمرار في دعم مشاركة الجميع في الحياة السياسية، وليس فقط النخب الحزبية، بل يجب تشجيع مشاركة الجنوبيين واليمنيين في المناطق الريفية.

5- في مجال الصراع والعنف: يُوصى بإنهاء الاعتماد على الغارات الجوية، والاستعاضة عنها بالتوصيات المذكورة أعلاه، لمعالجة جذور الصراع، والوفاء بالاحتياجات الأساسية لمواطني اليمن، بالإضافة إلى انتهاج استراتيجية دبلوماسية شاملة تُظهر بوضوح مصلحة الولايات المتحدة في دعم التنمية والحكم الرشيد باليمن، مع دعم الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي ومبعوث الأمم المتحدة الخاص جمال بنعمر في جهودهما الرامية إلى الحفاظ على اتفاق السلام مع الحوثيين.

* عرض مُوجز لتقرير تحت عنوان: "الأمن في اليمن"، المنشور في سبتمبر 2014 عن "لجنة أصدقاء التشريع الوطني" في واشنطن، وهي جماعة ضغط تدافع عن قضايا السلام.

المصدر:

Casey Harrity and Michael Shank, Security in Yemen, (Washington Friends Committee on National Legislation, September 2014).