أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

أجندة الأولويات:

هل تنجح السودان في حشد الدعم المالي الدولي لها؟

02 سبتمبر، 2019


يُعوِّل رئيس الوزراء السوداني الجديد عبد الله حمدوك على المجتمع الدولي وبعض القوى الإقليمية في مساندة الاقتصاد السوداني الذي يحتاج، وفقًا لتقديراته، إلى تمويلات تقدر بنحو 10 مليار دولار، واللازمة لتوفير احتياجات البلاد من السلع الأساسية وإعادة بناء الاحتياطيات الأجنبية التي تآكلت في الأشهر الأخيرة. وفي الفترة الماضية، واجهت السودان أزمة واضحة من نقص الوقود والقمح بجانب ضعف السيولة لدى البنوك المحلية، فضلاً عن اضطراب سوق الصرف المحلي. ولكى تكون السودان قادرة على حشد الموارد المالية الدولية، سوف تحتاج إلى وضع وتطبيق برنامج اقتصادي عاجل يحظى بثقة الشعب والأطراف الداخلية المنخرطة في العملية السياسية، بالإضافة إلى احتواء المخاطر السياسية والأمنية القائمة، بالتوازي مع رفع الولايات المتحدة الأمريكية اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب. 

أهداف مترابطة:

تواجه السودان تحديات اقتصادية جمة منذ فترة طويلة تستلزم إجراء إصلاحات مالية واقتصادية جذرية تطال بنية الاقتصاد. وتراهن الأوساط السياسية والاقتصادية في السودان على عبدالله حمدوك، الذي تم اختياره بإجماع سياسي رئيسًا للوزراء عقب توقيع الوثيقة الدستورية وتشكيل المجلس السيادي، للتعامل مع المشكلات الاقتصادية الراهنة.

وفي أولى تصريحاته، أبدى حمدوك اهتمامًا واضحًا بمعالجة الأزمات الاقتصادية المتفاقمة منذ عدة أشهر ووضع مجموعة من الأولويات الخاصة بإدارة الاقتصاد في الفترة المقبلة، ينصرف أولها، إلى سد النقص الواضح في السلع الأساسية من الوقود والقمح والأدوية وغيرها في الأسواق، والتي كانت أحد العوامل التي سببت تصاعد حدة الاستياء الشعبي طيلة الفترة الماضية. ولم يغفل رئيس الوزراء الجديد ضرورة معالجة قضية إصلاح الدعم الحكومي المخصص لهذه السلع، بيد أنه رهن هذه المسألة بالتوافق الشعبي حولها، نظرًا للأهمية التي تكتسبها على الصعيد المجتمعي. 

ويتعلق ثانيها، بتوفير السيولة من النقد الأجنبي لسد الفجوة التمويلية في البلاد، وقد قدرها حمدوك بنحو 10 مليار دولار، على أن يتوجه منها 8 مليار خلال العامين المقبلين لتغطية الواردات والمساعدة في إعادة بناء الاقتصاد، ونحو 2 مليار لصالح إعادة بناء احتياطيات البنك المركزي، والتي بلغت أقل من 1.5 مليار دولار خلال الفترة الأخيرة. 

ويتمثل ثالثها، في معالجة تشوهات سوق الصرف، والتي تعاني من  وجود سوقين أحدهما رسمي يبلغ فيه سعر الصرف نحو 45 جنيهًا للدولار الواحد، والآخر غير رسمي يصل فيه إلى نحو 65 جنيهًا للدولار. ومن هنا، أكد حمدوك على ضرورة توحيد سعر صرف الجنيه والتحول نحو نظام سعر الصرف المرن المُدار من أجل القضاء على ازدواجية سوق الصرف.

ويتصل رابعها، بإدارة الالتزامات المالية المستحقة على الدولة للخارج، أى الديون الخارجية والبالغة نحو 58 مليار دولار بنهاية عام 2018. ولتخفيف الأعباء المالية على السودان، رجح حمدوك إمكانية إجراء محادثات مع هيئات التمويل الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لمناقشة إعادة هيكلة الديون خلال المرحلة القادمة.

ويتوازى ذلك كله مع استمرار إجراء مباحثات بين السودان والولايات المتحدة الأمريكية من أجل رفع اسم الأولى من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب. وكانت الإدارة الأمريكية قد رفعت بعض العقوبات التجارية التي كانت مفروضة على السودان، بيد أنها لم تسهم كثيرًا في إعادة دمجها في النظام الاقتصادي الدولي، الذي يحتاج إلى إجراءات وخطوات أخرى.

محددات رئيسية:

حصلت السودان، قبل توصل أطراف العملية السياسية مؤخرًا لاتفاق تقاسم السلطة، على مساعدات مالية ومعونات من السلع الأساسية، وهو ما سيكون له دور كبير في دعم الاقتصاد في الفترة المقبلة. بيد أن حشد مزيد من الموارد المالية للخرطوم في الفترة المقبلة سيتوقف على مجموعة من المحددات: أولها، وضع برنامج اقتصادي عاجل يعالج التشوهات الاقتصادية للسياسات المالية والنقدية ويحظى بثقة الشعب ومختلف الأطراف السياسية، وبما يدعم تنفيذه من جانب الأجهزة الحكومية.

وثانيها، تجاوب الولايات المتحدة الأمريكية مع مطالب الخرطوم وبعض القوى الإقليمية لرفع اسم الأخيرة من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وفي الآونة الأخيرة، أعطى المسئولون الأمريكيون بعض الإشارات الإيجابية حول إمكانية اتخاذ هذه الخطوة، لا سيما مع تسليم السلطة للمدنيين.

ومن شأن هذه الخطوة أن تعيد دمج الاقتصاد السوداني في النظام الاقتصادي العالمي مجددًا، وبما يمكن السودان من إجراء المعاملات التجارية والاستثمارية مع دول العالم بشكل طبيعي، فضلاً عن الحصول على ثقة مؤسسات الاقتراض الدولي، على غرار البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، ودعم فرصها في الاستفادة من القروض الدولية الميسرة.

وثالثها، احتواء المخاطر السياسية والأمنية التي تواجهها البلاد، والتي يفرضها استمرار بعض الصراعات المسلحة، باعتبار أن ذلك سوف يمثل متغيرًا مهمًا في تحقيق الاستقرار، على المستويات المختلفة، وتعزيز قدرة الحكومة على احتواء تداعيات المشكلات الاقتصادية المتعددة.  

عقبات محتملة:

ربما تستغرق الجهود التي تبذلها الحكومة الجديدة من أجل إعادة بناء الاقتصاد فترة ليست قصيرة، لأسباب عديدة، منها أن وضع وتطبيق برنامج اقتصادي عاجل ليس عملية فنية فقط وإنما عملية ذات طابع سياسي أيضًا، حيث يحتاج إلى توافق الشعب حوله، بما في ذلك تحمل تبعات أعباءه المالية والاجتماعية. فضلاً عن أنه لا يمكن استبعاد احتمال تأجيل الإدارة الأمريكية الموافقة على رفع الخرطوم من قائمة الدول الراعية للإرهاب لحين انتخاب رئيس جديد وتشكيل حكومة مستقرة للبلاد بعد عامين، إلى جانب صعوبة معالجة الأوضاع السياسية والأمنية المتفاقمة حاليًا في ظل الصراعات القبلية القائمة، والتي تدعمها الحركات المسلحة المنتشرة في أنحاء مختلفة من البلاد. 

وعلى ضوء ذلك، يمكن القول إن المجتمع الدولي قد يقوم بتقديم الدعم المالي للسودان، ولكن على نحو أبطأ مما هو متوقع، وذلك لحين إجراء مزيد من الإصلاحات السياسية والاقتصادية لتعزيز الاستقرار العام في البلاد.