أخبار المركز
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)
  • إيمان الشعراوي تكتب: (الفجوة الرقمية: حدود استفادة إفريقيا من قمة فرنسا للذكاء الاصطناعي 2025)
  • حسين معلوم يكتب: (تفاؤل حذر: هل تشكل الانتخابات المحلية فرصة لحلحلة المسار الليبي؟)
  • أحمد عليبة يكتب: (هاجس الموصل: لماذا يخشى العراق من التصعيد الحالي في سوريا؟)

احتواء مبكر:

لماذا تستعيد بغداد علاقاتها الاقتصادية مع كردستان؟

08 فبراير، 2018


يبدو أن العلاقات الاقتصادية بين الحكومة العراقية وإقليم كردستان تعود تدريجيًا إلى مسارها الطبيعي، وهو ما سوف يمثل تحولاً إيجابيًا في مسار المبادلات الاقتصادية بين الطرفين، والتي تأثرت سلبيًا عقب إجراء الاستفتاء على الانفصال في سبتمبر 2017.

وفيما يبدو، فإن التطورات السابقة سوف تصب في مصلحة كلا الطرفين. إذ تمثل بالنسبة لحكومة بغداد خطوة مهمة في احتواء تطلعات كردستان للاستقلال، كما قد تعزز من التنسيق العسكري بينهما لمواجهة بقايا خلايا تنظيم "داعش" في شرق كركوك. فضلاً عن أنها تكتسب أهمية خاصة لإقليم كردستان في الوقت الراهن تتمثل في دعم قطاع النفط وتقليص حدة الضغوط المالية التي يتعرض لها حاليًا.

ورغم ذلك، تظل هناك العديد من الملفات العالقة بين الطرفين، خاصة فيما يرتبط بأحقية إدارة حقول نفط كركوك، بالإضافة إلى الوصول لتفاهمات حول تسليم نفط كردستان لحكومة بغداد مقابل تحويل المستحقات المالية للإقليم. 

خطوات متعددة:

في تحول مفاجئ، وافق البرلمان العراقي، في 29 يناير 2018، على عودة التعاملات المصرفية مع المؤسسات المالية في إقليم كردستان، بعدما أوقف البنك المركزي العراقي تداول الدولار مع مصارف الإقليم الأربعة الرئيسية في أكتوبر الماضي كإجراء عقابي ضد الإقليم عقب تنظيمه الاستفتاء.

وامتدت حزمة الإجراءات العقابية التي فرضت على إقليم كردستان لتشمل حظر عبور طائرات من وإلى الإقليم تستخدم المجال الجوي العراقي، بجانب غلق المنافذ البرية بين الطرفين، فضلاً عن السيطرة على معظم حقول النفط بكركوك والموصل والتي كانت تهيمن عليها ميليشيا "البشمركة" الكردية منذ عام 2014.

وفي محاولة لتجاوز ضعف الثقة مع إقليم كردستان، كثّفت الحكومة العراقية من مباحثاتها مؤخرًا مع مسئولي الإقليم للتوصل إلى تفاهمات حول بعض القضايا الخلافية الرئيسية التي تتمثل في تحويل المستحقات المالية لحكومة الإقليم والبالغة 17% من قيمة الموازنة العراقية بموجب الدستور، إلى جانب فتح المنافذ الحدودية والجوية بينهما.

وفي تطور إيجابي، أبدى رئيس الوزراء حيدر العبادي التزامه بدفع رواتب موظفي إقليم كردستان عبر تأكيده، في 2 يناير الماضي، على أن الحكومة بدأت في تدقيق أعداد الموظفين في الإقليم تمهيدًا لدفع رواتبهم، مشيرًا إلى أن "البداية ستكون بموظفي التربية والصحة". كما التقى العبادي، في أول فبراير الجاري، بمجموعة من نواب الكتل الكردية في البرلمان العراقي لمناقشة مقترحاتهم حول الموازنة المالية الاتحادية لعام 2018 وتسريع الخطوات التدقيقية المطلوبة لدفع رواتب موظفي الإقليم.

وبالتزامن مع هذه التطورات، تعتزم أيضًا وزارة النفط العراقية زيادة تدفق النفط الخام من كركوك إلى مصافي إقليم كردستان رغم معارضة البرلمان هذه الخطوة، من أجل تلبية احتياجات الإقليم من المشتقات النفطية من البنزين والديزل، وهو مؤشر آخر على تطور التعاون بين الطرفين.

أسباب مختلفة:

تدرك كل من حكومة بغداد وإقليم كردستان أن توتر العلاقات فيما بينهما سوف يفرض تداعيات سلبية، ولذا كان من الضروري، وفقًا لرؤية اتجاهات عديدة، استعادة الحد الأدنى من العلاقات فيما بينهما. وفيما يتعلق بحكومة إقليم كردستان، فإنها تحتاج، من دون شك، للدعم المالي المخصص لها في الموازنة الاتحادية لسداد أجور موظفي القطاع العام.

وفي فبراير الجاري، تظاهر نحو ألفى مدرس من السليمانية احتجاجًا على عدم صرف رواتبهم منذ نحو 4 أشهر، لتمثل امتدادًا لاحتجاجات شهدتها المدينة نفسها في ديسمبر الماضي، للمطالبة بصرف الرواتب المتأخرة. وقد تراجعت القدرة التصديرية للإقليم من النفط بأكثر من النصف في ظل التوترات مع حكومة بغداد عقب إجراء الاستفتاء، بما عرّضها لمزيد من الضغوط المالية.

فضلاً عن ذلك، تحتاج حكومة الإقليم لدعم من قبل حكومة بغداد لتعزيز احتمالات استمرار أعمال الشركات الأجنبية في أراضي كردستان بعد توقف عدد منها عقب إجراء الاستفتاء، حيث لن يكون بمقدورها، فيما يبدو، العمل مجددًا بالإقليم دون الحصول على موافقة حكومة بغداد، وهو ما يفسر اتجاه شركات أجنبية عديدة لتأجيل استئنافها عمليات التنقيب عن الغاز والنفط.

أما بالنسبة للحكومة العراقية، فإنها تسعى، في الغالب، إلى احتواء تطلعات قيادات إقليم كردستان للاستقلال، خاصة بعد تنظيم الاستفتاء. وقد كان لافتًا في هذا السياق أن ثمة مؤشرات تكشف عن جهود تبذلها الولايات المتحدة الأمريكية لتعزيز فرص توصل الطرفين إلى حلول للقضايا الخلافية فيما بينهما، وهو ما انعكس في تأكيد نائب وزير الخارجية الأمريكي جون سوليفان، خلال زيارته لبغداد وأربيل في يناير الماضي، على ضرورة توافق الطرفين حول القضايا الخلافية مثل دفع الرواتب وإعادة فتح المطارات في كردستان العراق للرحلات الدولية.

وفي الوقت نفسه، تدرك الحكومة العراقية أن التعاون مع ميليشيا "البشمركة" لمواجهة بعض خلايا تنظيم "داعش" المتمركزة، طبقًا لتقارير عديدة، في بعض نواحي كركوك بات يكتسب أهمية خاصة، وهو ما عبر عنه رئيس أركان الجيش العراقي للعمليات الفريق الركن عبد الأمير يارالله بإشارته، في فبراير الجاري، إلى استعداد القوات المسلحة للقيام بعمليات مشتركة مع ميليشيا "البشمركة" لتعقب تنظيمى "الرايات البيضاء" و"داعش" في مناطق شرق محافظة كركوك.

قضايا عالقة:

لكن رغم التطورات الإيجابية السابقة، يبدو أن استعادة الثقة بين الطرفين تحتاج إلى مزيد من الوقت وخاصة في ظل استمرار عدم توصل الجانبين لتفاهمات حول القضايا المحورية الناجمة عن ضعف الثقة بينهما، ويتعلق أبرزها بإدارة حقول نفط كركوك، والتي تسيطر عليها القوات العراقية بالتزامن مع حظر البرلمان العراقي عمل الشركات الكردية مثل "مجموعة كار الهندسية" في تشغيل حقول النفط في كركوك وتسليمها لـ"شركة نفط الشمال" العراقية.

وفيما يبدو، فإن الحكومة العراقية تسعى إلى تقويض سلطة إقليم كردستان في التعاقد مباشرة مع الشركاء الأجانب في مجال النفط، وهو ما أكدت عليه في أكثر من مناسبة بتحذير الشركات الدولية من العمل في الإقليم دون موافقتها، كما أن مشروعات الشركات الروسية في الإقليم ودور الحكومة المركزية فيها سوف تكون محورًا رئيسيًا في المباحثات التي سوف يجريها وزير النفط العراقي جبار اللعيبي في روسيا خلال زيارته المتوقعة قريبًا إلى موسكو.

إلى جانب ذلك، فإن الطرفين لم يتوصلا إلى اتفاق حتى الآن حول تسليم النفط المنتج بالإقليم لحكومة بغداد من أجل تسويقه، وهو ما يشير إليه تصريح لرئيس حكومة إقليم كردستان العراق نيجيرفان بارزاني، في 28 يناير الماضي، ينفي فيه التوصل إلى اتفاق مع رئيس الوزراء حيدر العبادي حول هذه القضية.

وفي الوقت نفسه، تتجه السلطات العراقية نحو تعزيز سيطرتها على موارد الإقليم من النفط، إذ طالب البرلمان بتشكيل لجنة للتدقيق في النفط المنتج والمُصدَّر من قبل إقليم كردستان منذ عام 2014 وحتى عام 2018 الحالي، كما ستشارك اللجنة، عبر البنك المركزي، في تعقب الأموال العائدة من صادرات النفط الكردي والمودعة في بنوك خارج العراق.

وبالتوازي مع ذلك، لم تلتزم حكومة بغداد، وفقًا لرؤية بعض الاتجاهات، بتحويل أية مبالغ مالية لدفع رواتب الموظفين بإقليم كردستان حتى الآن، بالرغم من أن ثمة تقارير أشارت إلى تحويلها 250 مليون دولار كتمويل مؤقت لسلطات إقليم كردستان لتسديد رواتب موظفي وزارتى الصحة والتربية لمدة شهر واحد. ومن المتوقع أيضًا أن تتقلص حصة كردستان بالموازنة الاتحادية إلى 12%، بدلاً من 17%، وهى النسبة المقررة بموجب الدستور العراقي، حسبما أشارت الكتلة الكردية بالبرلمان العراقي مؤخرًا.

ومن هنا، يمكن القول إنه رغم اتجاه العلاقات الاقتصادية بين حكومة بغداد وإقليم كردستان إلى التحسن تدريجيًا، بشكل قد يفرض تداعيات إيجابية على الطرفين، إلا أن ذلك لا ينفي أن الخلافات العالقة قد تمثل عقبة أمام استمرار ذلك، خاصة أن بعض الأطراف باتت ترى أن الجانب العراقي نجح، حتى الآن، في تحقيق مكاسب أكبر يتمثل أهمها في الحد من سيطرة حكومة الإقليم على موارده المالية والنفطية.