استضاف مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة يوم الأربعاء الموافق 11 ديسمبر 2014، الأستاذ/ ياسر رزق، رئيس مجلس إدارة مؤسسة أخبار اليوم المصرية، حيث ألقى الضوء على "مستقبل الحالة الأمنية في مصر"، من واقع خبرته بالتطورات الجارية في مصر حالياً.
بدأ المتحدث كلمته بالإشارة إلى أهمية أحداث ثورة 30 يونيو، وتأثيرها على الموقف الأمني في مصر، معتبراً إياها "إنجازاً كبيراً" وفر على الدولة المصرية الوقوع في عدة مخاطر كانت متوقعة في ظل حكم جماعة الإخوان المسلمين، وبالتالي فأي عقبات أو صعوبات حالية يمكن تجاوزها مع الوقت والإدارة الجيدة، مقارنة بما كان يمكن عليه الوضع لو استمر الإخوان في الحكم أكثر من ذلك.
أولاً: مواجهة خلايا الإرهاب في سيناء
أشار رزق إلى قضية الإرهاب التي تواجه الاستقرار الأمني في مصر، وتؤثر على المجتمع بوجه عام، حيث يرى أن مشكلة الإرهاب إجمالاً ليست وليدة نظام الإخوان، فهي سابقة عليه بسنوات طوال، مع إهمال نظام مبارك لمنطقة سيناء، وتراجع سلطة الدولة عليها، وإخفاق الدولة في توفير الخدمات الأساسية لسكانها، وتركها للجماعات المتطرفة التي توغلت في المنطقة. وعلى الرغم من ذلك، يمكن القول إن دعم نظام مرسي للتطرف بشكل أو بآخر في مصر قد فاقم، بل ودعم الإرهاب، وزاد من حدته، وبارك وجوده، وسمح بظهور العناصر المتشددة على الساحة السياسية، هذا فضلاً عن علامات الاستفهام التي تحيط ببعض القرارات والحوادث التي تمت في عهد الرئيس مرسي، ولعل أهمها حادثة رفح الأولى في أغسطس 2012.
أما في الوقت الراهن، فيشهد التعامل الأمني لقضية الإرهاب في شبه جزيرة سيناء مجموعة من التغيرات التكتيكية, حيث يتم إخلاء المنطقة بعمق 500 متر في مواجهة قطاع غزة، و14 كيلومتراً طولاً، تمهيداً لتنفيذ خطط المنظومة الأمنية بواسطة الأجهزة عالية التقنية الخاصة بأعمال المراقبة والرصد. ومن المتوقع استكمال عمليات إخلاء السكان لمساحات أكبر من ذلك، حتى تتمكن قوات الأمن من مواجهة العناصر الإرهابية بمرونة أكبر من دون التكبل بالحذر اللازم من أجل الحفاظ على حياة سكان قرى رفح.
وأشار المتحدث إلى أن هناك إمكانية لإنهاء الإرهاب في سيناء من خلال إطلاق النيران الكثيف، ولكن يقابل هذا الخيار وقوع بعض الضحايا، وهو ما يراعيه الجيش المصري تماماً، ومن ثم آثرت أجهزة الدولة انتهاج سياسة "النفس الطويل".
من ناحية أخرى، أشار المتحدث إلى ضرورة تطوير تكتيكات خاصة لمواجهة خلايا الإرهاب في سيناء، فما يحدث هو أن هناك جيشاً نظامياً يقابل حرب عصابات، ومن أجل التعامل الفعال لابد من استخدام ذات التكتيك، من خلال الاستعانة بالقوات الخاصة ذات الحركة الخفيفة والاستغناء عن المعدات الثقيلة. وفي مقابل صعوبة "حروب العصابات" في سيناء، تأتي سهولة مواجهة "داعش" في بلدان أخرى لأنها تستخدم تكتيكات الجيش النظامي، ولكن تكمن المشكلة في الحرب غير المتناظرة وعنصر المفاجأة وامتلاك الإرهابيين زمام المبادرة في بعض الأوقات بالنظر لطبيعة هذه الحرب.
ثانياً: كسر إرادة الإخوان
أما عن التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، فيرى أ. ياسر رزق أهمية القضاء على التنظيم، وعدم السماح له بإعادة إنتاج نفسه مرة أخرى، بمعنى عدم مشاركته السياسية، مع السماح لأعضائه من الشباب، إذا أرادوا ممارسة السياسة، والاندماج مع أية أحزاب أو حركات سياسية أخرى.
ومن وجهة نظره يتم القضاء على هذا التنظيم من خلال:
ـ كسر إرادة الإخوان، وليس الاكتفاء بهزيمتهم، فكسر الإرادة يعني قناعة داخلية بعدم جدوى محاولات إعادة التنظيم وعدم قدرتهم على ذلك.
ـ تحطيم قدرة التنظيم على إعادة هيكلة نفسه، وهدم أي أمل بالعودة مرة أخرى وملاحقة التنظيم الإخواني الموازي والذي يعمل في الظل أو السر.
ـ إطلاق أحكام قضائية سريعة وتنفيذها، بمعنى تحقيق العدالة الناجزة.
ـ التعامل مع تظاهرات الإخوان بأقصى ما يسمح به القانون.
ـ تطهير مؤسسات الدولة الحيوية من عناصر الإخوان، خاصة المؤسسات الحساسة والحيوية، مثل قطاع الكهرباء على سبيل المثال.
وعلاوة على ذلك، يضيف رزق إلى ذلك عدم السماح باستمرار وجود بعض الشباب داخل السجون، إذ يجب إعادة النظر في اعتقالات الشباب الذي لم يرتكب مخالفات كبيرة، وضرورة التصالح مع جيل الشباب بشكل عام وعدم إيجاد خصومة مع شباب الدولة.
ثالثاً: أولوية الأمن الاجتماعي
أشار المتحدث إلى أنه في مقابل التوجه السائد، والذي يؤكد أن التحدي الأمني هو التحدي الأصعب أو التهديد الأكبر أمام الدولة في مصر، فإن ثمة تحدياً لا يقل أهمية، بل إنه الجانب الذي يحتاج لجهود مضنية مقارنة بالتحدي الأمني، ألا وهو مواجهة "الضغوط الاجتماعية"، أو "الأمن الاجتماعي" باعتباره التهديد الحقيقي أمام استقرار الأوضاع في مصر في المدى المنظور، فهذا الجانب يمكن أن يقود في نهاية الأمر إلى "انتفاضات خبز"؛ ومن ثم لابد من وجود برامج اجتماعية للمواطن من أجل أمن النظام الجديد.
وبالتالي يرى المتحدث أن التحديات الاقتصادية والتدهور الاجتماعي أخطر من الإرهاب كونهما مهددين داخليين كامنين، خاصة في ظل رفع الدعم، وقرب تطبيق المرحلة الثانية من رفع الدعم عن الوقود والكهرباء بالتبعية من أجل توجيه ميزانية أكبر للصحة والتعليم والبحث العلمي وفقاً للدستور الجديد؛ وهو الأمر الذي سوف يلقي بظلال من الصعوبة والضغط على الطبقات الوسطى والفقيرة.
في ضوء ذلك، أكد رزق أن الرهان قائم على تقديم مساعدات استباقية قبل رفع الدعم كاملاً، وتنفيذ برامج متزامنة مع رفع الدعم للفئات المهمشة. ومن ناحية أخرى، التأكيد على عدم السماح باستنساخ نظام مبارك مجدداً، ومحاسبة الفساد والتربح غير المشروع. وبذلك، يضمن النظام القائم استمرار شرعيته وشعبيته. على أن يوازي ذلك المضي قدماً في إقامة مشروعات كبرى إضافية إلى جانب مشروع قناة السويس الجديد، بما يعطي للناس أملاً في غد أفضل.
على الزاوية الأخرى، هناك مجموعة من التحديات السياسية تكمن في اعتماد نظام الانتخابات البرلمانية 80% للفردي، 20% للقوائم، إذ يتوقع أن تأتي الانتخابات بالشخصيات العامة أو أسر معروفة وراسخة في الشأن العام، ولا يتوقع أن يحصل النواب السابقون على مقاعد في البرلمان القادم إلا بنسبة ضئيلة جداً.
وفي مقابل ذلك، هناك إغفال كبير للانتخابات المحلية على الرغم من أهميتها، لأن منها قد يتسلل الإخوان وبعض السلفيين ليعودوا مرة أخرى بعد خمس أو عشر سنوات قادمة.
أما عن قضية الحريات والديمقراطية، أكد المتحدث على تمتع المناخ الإعلامي بحرية كبيرة تكاد تكون مفرطة وغير مسؤولة، ولذا يحتاج الإعلام المصري إلى قدر من التنظيم، خصوصاً مع تراجع الذوق العام، من خلال إقرار قانون حرية الإعلام، بحيث يتضمن الحقوق والواجبات المنظمة لهذا القطاع.
وفيما يخص حرية التظاهر، فإنه يجب أن تؤجل حتى استقرار الوضع الأمني أكثر من ذلك، وأن يتم التعامل مع التظاهرات بذكاء شديد، بما لا يسمح بتحويلها لنافذة للإخوان المسلمين باستخدامها من ناحية، ولابد من احتواء الشباب الثائر وعدم التعامل معه بقسوة من ناحية أخرى، بمعنى أن ثمة ضرورة لوجود انتقائية وذكاء أمني في التعامل مع التظاهرات.
أخيراً أشار رزق إلى عدم توقعه وجود أحزاب سياسية قوية تلعب دوراً فاعلاً وقوياً في المستقبل القريب، لكنه أكد على حاجة المجتمع لخوض تجارب تداول للسلطة حتى يصل لحالة النضج السياسي، على أمل أن تعزز الأحزاب دورها لأن هذا سيكون إضافة كبيرة لتعزيز المناخ الديمقراطي في مصر.