أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

أزمة "مشهد":

لماذا اندلعت الاحتجاجات في إيران؟

31 ديسمبر، 2017


بدأت الاحتجاجات التي تشهدها إيران حاليًا في مشهد وليس طهران وهذا فارق شاسع يطرح دلالات عديدة ترتبط بطبيعة تلك الاحتجاجات وأسبابها الأولية فضلاً عن مساراتها المحتملة خلال المرحلة القادمة. فالتقليدي في إيران أن الاحتجاجات تبدأ من العاصمة وتقودها الطبقة الوسطى العليا التي تعتبر بمثابة المحرك الأساسي لأية تحولات سياسية تشهدها إيران منذ عقود عديدة، بما فيها الثورة التي أطاحت بنظام الشاه محمد رضا بهلوي في عام 1979، والتي بدأت وطنية قبل أن تكون إسلامية، حيث شاركت فيها معظم القوى السياسية الموجودة على الساحة، إلا أن رجال الدين استطاعوا في النهاية فرض هيمنتهم عليها، لاعتبارات عديدة خاصة بسماتهم التنظيمية وبوجود الخميني، الذي استطاع، على الأقل في المرحلة الأولى من الثورة، احتواء الخلافات القائمة بين تلك القوى والتي لم تكن هينة ولا يمكن تسويتها بسهولة.

صعود الأطراف:

 ربما يمكن القول إن تلك الاحتجاجات بدأت عفوية من جانب قطاعات من المواطنين الذين استاءوا من السياسات الحكومية التي فرضت ضغوطًا معيشية غير مسبوقة، بدت جلية في ارتفاع مستوى البطالة إلى 12%، وربما تتعدى ذلك بشكل كبير في بعض المحافظات الطرفية التي لا تحظى باهتمام كبير من جانب الحكومة حيث تصل، وفقًا لبعض التقديرات الرسمية، إلى نحو 60%، ووصول معدل التضخم إلى أكثر من 8%.

 وتوازى ذلك مع تزايد سيطرة المؤسسة العسكرية، بأفرعها المختلفة، على نسبة تتراوح ما بين 25 إلى 40% من الاقتصاد الإيراني وتصاعد ضغوطها على الرئيس حسن روحاني من أجل رفع مخصصاتها المالية في الميزانية الجديدة، وهو ما حدث بالفعل، حيث بلغت موازنة الحرس الثوري نحو 7.5 مليار دولار في الميزانية الجديدة، وذلك بخلاف المخصصات المالية الأخرى للجيش النظامي وقوات الباسيج.

لكن تدريجيًا بدأت هذه الاحتجاجات في الانتشار أفقيًا ورأسيًا. فعلى المستوى الأفقي، انتقلت من مشهد إلى بعض المدن والمحافظات الأخرى على غرار كرمنشاه والأحواز وبندر عباس وكردستان وخرم آباد ونجف آباد وهمدان وأصفهان وتبريز، قبل أن تصل إلى العاصمة طهران.

أما على المستوى الرأسي، فقد تحولت من مجرد احتجاجات منددة بأوضاع معيشية متردية إلى مظاهرات ذات طابع سياسي، بعد أن اتسع نطاق مطالبها ليشمل ممارسة ضغوط على النظام من أجل التوقف عن دعم حلفائه في الخارج، سواء كانوا أنظمة سياسية على غرار النظام السوري أو فواعل من غير الدول مثل الميليشيات الإرهابية والمسلحة وفي مقدمتها حزب الله وحركة الحوثيين وميليشيا الحشد الشعبي والميليشيات الطائفية التي كونتها ودربتها من عناصر شيعية باكستانية وأفغانية.

ملاحظات عديدة:

لكن ثمة ملاحظات عديدة يجب وضعها في الاعتبار عند قراءة موجة الاحتجاجات الحالية، يمكن تناولها على النحو التالي:

1- غياب القيادة: اتسمت الاحتجاجات الحالية بأنها احتجاجات بلا قيادة أو زعامة، وربما يكون ذلك هو سر قوتها، باعتبار أن ذلك يفرض صعوبات على أجهزة الأمن والسلطات في محاولات احتواءها أو منع انتشارها في مدن ومحافظات أخرى. وهنا، ربما يمكن القول إن غياب القيادة يمثل السمة الرئيسية التي تفرد لتلك الاحتجاجات الحالية نوعًا من الخصوصية عند مقارنتها بالموجات الاحتجاجية السابقة التي شهدتها إيران، وآخرها في يونيو عام 2009، وهى الاحتجاجات التي قادتها ما يسمى بـ"الحركة الخضراء" التي اعترضت على نتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في هذا التوقيت وأسفرت عن فوز الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد بفترة رئاسية ثانية.

إذ أن احتجاجات 2009 سرعان ما تراجع زخمها وتأثيرها مع القيود الشديدة التي فرضتها السلطات على قادتها، لاسيما مير حسين موسوي آخر رئيس وزراء إيران قبل إلغاء المنصب في عام 1989 ومهدي كروبي رئيس مجلس الشورى الأسبق، وهى القيود التي بلغت ذروتها مع فرض الإقامة الجبرية عليهما بجانب زهرا راهنافارد زوجة موسوي منذ فبراير 2011 بعد أن طالبا بتنظيم مظاهرات مؤيدة للثورتين المصرية والتونسية.

ورغم أن بعض قوى المعارضة الخارجية، وفي مقدمتها منظمة "مجاهدين خلق"، سارعت إلى التدخل ودعم الاحتجاجات، إلا أنه لا توجد مؤشرات حتى الآن تكشف عن دور بارز لتلك القوى في تحريك الشارع الإيراني ضد النظام.

2- عزوف الإصلاحيين عن دعمها: على غرار ما فعلوا في عام 2009، وهو ما يعود إلى خشيتهم من تعرضهم للتنكيل بهم من قبل النظام في حالة ما إذا انتهت الأزمة لصالحه، خاصة في ظل التجربة التي مروا بها بعد تراجع حدة احتجاجات عام 2009، حيث ما زال الرئيس الأسبق محمد خاتمي يتعرض لقيود شديدة أقرب إلى مستوى الإقامة الجبرية، كما تعرض الرئيس الأسبق هاشمي رفسنجاني، الذي توفى في 8 يناير 2017، لقيود مماثلة وإن كانت طالت أبناءه بشكل أكبر. لذا كان لافتًا أن خاتمي أو أى من الشخصيات الإصلاحية البارزة لم يبد أى رد فعل تجاه ما يحدث في المرحلة الحالية حتى الآن. وربما يحدث ذلك في حالة ما إذا ظهرت مؤشرات تكشف عن إمكانية تصاعد حدة الاحتجاجات واتساع نطاقها خلال المرحلة القادمة.

3- سياسة جديدة للنظام: يبدو أن النظام يحاول استيعاب دروس مستفادة سواء من أزمته الداخلية التي اندلعت في يونيو 2009 أو الأزمة السورية التي نشبت في مارس 2011، ومن هنا، لم يقتصر في تعامله مع الاحتجاجات على الآلة العسكرية فقط، خاصة من جانب الحرس الثوري، وإنما اتجه إلى تبني آليات أخرى موازية تتمثل في:

أ- تكوين حشود مضادة: وذلك لمواجهة الاحتجاجات المنتشرة في أكثر من محافظة ومدينة، وتوجيه رسالة بأن النظام ما زال يحظى بقاعدة شعبية لا تبدو هينة. وقد استغل النظام في هذا السياق حلول ذكرى ما يسمى بـ"يوم 9 دي 1388 هجري شمسي" الموافق 30 ديسمبر 2009، التي تشير إلى المظاهرات التي حشدها هذا اليوم للتنديد بالاحتجاجات التي نظمتها "الحركة الخضراء". وبالفعل تحركت حشود في العاصمة طهران وبعض المدن الأخرى، في 30 ديسمبر الحالي، منددة بما يسمى "تيار الفتنة" في إشارة إلى مناصري "الحركة الخضراء".

ب- تركيز الضغط على الحكومة بدلاً من النظام: بمعنى الإيحاء بأن ما يحدث هو احتجاجات ضد الحكومة وليس ضد النظام، وذلك بهدف تقليص الضغوط التي تفرضها الاحتجاجات على الأخير، وفي الوقت نفسه تحميل الحكومة المسئولية عن تردي الأوضاع المعيشية في المناطق التي تصاعدت فيها الاحتجاجات، وتوجيه الانتباه بعيدًا عن الأسباب أو الدوافع الحقيقية لتلك الاحتجاجات، والتي تتمثل في إنفاق النظام أموالاً طائلة على دعم حلفائه من الأنظمة والميليشيات الإرهابية والمسلحة الموجودة في المنطقة. ولذا، كان لافتًا أن كثيرًا من رجال الدين البارزين وبعض المسئولين تعمدوا التلميح بأن على الحكومة الاستجابة لمطالب المحتجين، وذلك لتوجيه رسالة بأن النظام لا يرفض هذه المطالب، ويتعاطي بإيجابية مع بعضها، وربما يسعى إلى فرض ضغوط على الرئيس روحاني من أجل إجراء تعديلات في تشكيلته الحكومية من أجل ترسيخ هذا الانطباع.

جـ- احتجاجات أصولية: لا يمكن استبعاد أن يكون قسمًا من الاحتجاجات التي شهدتها إيران في الأيام الأربعة الأخيرة من تنظيم تيار المحافظين الأصوليين، وذلك بهدف إحراج روحاني ووضعه أمام خيارات ضيقة خلال فترته الرئاسية الثانية، وتقليص النفوذ السياسي لتيار المعتدلين قبل الاستحقاقات الانتخابية القادمة.

ولذلك، أشار بعض مسئولي الحكومة مثل النائب الأول لرئيس الجمهورية اسحق جهانجيري إلى أن بعض معارضي الحكومة مسئولون عن إشعال تلك الاحتجاجات ودعم انتقالها إلى مدن ومحافظات أخرى، وهو ما يمثل مبالغة من جانبه، باعتبار أن الاحتجاجات التي تصاعدت كانت بسبب تردي الأوضاع المعيشية للمواطنين في الوقت الذي يتزايد فيه نفوذ المؤسستين العسكرية والدينية ويتصاعد فيها دعم النظام لحلفائه في الخارج.

هذه التحركات المتداخلة سوف يكون لها تأثير كبير على المسارات المحتملة للاحتجاجات الحالية التي تشهدها إيران، والتي ستساهم في ضبط اتجاهاتها متغيرات وسيطة عديدة تفرضها توازنات القوى الداخلية وأنماط العلاقة بين المؤسسات والقوى السياسية المختلفة.