أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)

اتجاهان متباينان:

أغراض استخدام القوة ومستقبل الهيمنة

24 ديسمبر، 2015


إعداد: مروة صبحي


ثمة جدل حول الاستراتيجية التي يتعين أن تتبناها الولايات المتحدة لتحقيق أهدافها الطموحة في العالم, وكيفية توظيف القوة الأمريكية؛ فمنذ انتهاء الحرب الباردة, تواجه الولايات المتحدة عالماً غير مستقر بشكل متلاحق وتشوبه العديد من التحديات الجديدة التي تهدد هيمنتها وسيطرتها الأحادية في السنوات الماضية.

في هذا الصدد، وبمناسبة الذكرى الثلاثين لمجلة The national interest، أعدت المجلة في عددها الصادر في شهري سبتمبر وأكتوبر 2015 ملفاً حول الغرض من استخدام القوة الأمريكية، حيث استعرضت من خلاله آراء نحو 25 خبيراً في هذا الشأن. وبينما اتفق معظم هؤلاء الخبراء على ضرورة توظيف القوة الأمريكية في اتجاه حفظ الأمن الأمريكي، وبما يضمن استمرار الانتعاش الاقتصادي وهيمنتها العالمية، فإنهم اختلفوا حول الطريقة التي تستطيع بها واشنطن الحفاظ على تلك المصالح.

الهيمنة الأمريكية.. تراجع أم صعود؟

رداً على سؤال المجلة حول ما إذا كانت القوة الأمريكية تعاني حالة تدهور وتراجع، أما أنها في صعود دائم؟ تباينت آراء الخبراء، وذلك كالتالي:

يرى جون ميرشايمر John J. Mearsheimer - أستاذ العلوم السياسية بجامعة شيكاغو - أنه منذ انتهاء الحرب الباردة اعتقدت النخبة الحاكمة في واشنطن أن أفضل الطرق للحفاظ على المصالح الأمريكية هو سيطرتها على العالم، وإعادة تشكيله بالصبغة الأمريكية، معتمدةً في هذا الشأن على القوة العسكرية وعلى أشكال أخرى من دبلوماسية "العصا الغليظة"، لإسقاط الحكومات غير الصديقة.

وعند النظر إلى منطقة الشرق الأوسط على سبيل المثال، يُلاحظ أن إدارة "جورج دبليو بوش" قد بدأت سلسلة من الحروب الفاشلة في أفغانستان والعراق أودت بحياة الآلاف, ودمرت التوازن الإقليمي, وساعدت في ظهور تنظيم "داعش" لاحقاً. كما ساعدت واشنطن أيضاً في الإطاحة بنظام "معمر القذافي" في ليبيا، مما أدى إلى وجود دولة فاشلة هناك، ناهيك عن دورها في إطالة أمد الصراع والحرب الأهلية القائمة في سوريا.

ومن ثم، لم تفلح محاولات الهيمنة على العالم، ونشر الديمقراطية في البلاد الأخرى، وهو ما أثبتته الولايات المتحدة على مدار 25 عاماً مضت. ويعتقد Mearsheimer أن الولايات المتحدة – بسبب جغرافيتها، وقوتها الهائلة، وترسانتها النووية، تعد دولة آمنة على نحو ملحوظ، وبالتالي فليس ثمة حاجة إلى الاستمرار في الهيمنة على العالم أو التدخل في السياسات الداخلية للدول الأخرى.

من جانبه يرى السيناتور الأمريكي توم كوتون  Tom Cotton أن الهيمنة الأمريكية تشهد انحداراً ملحوظاً، وثمة ثقة مفقودة في القوة الاقتصادية والعسكرية الأمريكية. وقد قاد ذلك اعتقاداً مفاده أن واشنطن لا تستطيع الانفراد بوضعها كقوة عظمى، وبدلاً من ذلك ينبغي أن تتوافق مع "القوى الصاعدة الأخرى".

وعلى العكس من ذلك, يعتبر جوزيف ناي Joseph Nye – الأستاذ البارز في جامعة هارفارد - أن القوة الأمريكية ليست في حالة انحدار، بل في صعود مستمر. وقد حدد Nye عدداً من مؤشرات الصعود الأمريكي، منها أن الولايات المتحدة تعد البلد المتقدم الوحيد الذي لم يعاني من التدهور الديموغرافي، وذلك بسبب سياسات الهجرة. كما تأتي الولايات المتحدة في طليعة الدول فيما يتعلق بحيازة وتوظيف التكنولوجيا الحديثة. وأيضاً تحتل الجامعات الأمريكية مراكز متقدمة عالمياً، علاوة على امتلاك واشنطن حلفاء إقليميين أكثر من أي بلد آخر.

ويرى Nye أن القوة العسكرية ستظل مكوناً حاسماً في القوة الأمريكية, ولكنها غير كافية لوحدها. ويشكل التوازن العسكري في أوروبا وشرق آسيا، بالإضافة إلى الحفاظ على الحلفاء هناك مكوناً حاسماً في الاستراتيجية الأمريكية.

ويؤكد الكاتب أن محاولة السيطرة على السياسات الداخلية للشعوب في الشرق الأوسط هي عديمة الجدوى، غير أنه في الوقت نفسه لا يمكن أن تدير واشنطن ظهرها لتلك المنطقة بسبب مصالحها مع إسرائيل, ومنع الانتشار النووى, وحقوق الإنسان.

ومن جهته، يرى جيديون روزGideon Rose  - المحرر في دورية Foreign Affairs وخبير العلاقات الدولية البارز- أن الغرض من القوة الأمريكية حالياً هو نفسه كما كان لأجيال مضت، ويتعلق بحماية وتعزيز النظام الليبرالي الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية.

وعلى عكس بعض الخبراء, يرى Rose أن واشنطن حتى بعد الأزمة المالية العالمية والتحديات الجيوسياسية الأخيرة مع روسيا والصين، قد تكون أقوى من أي وقت مضى, فهي تمتلك شبكة استخبارات واسعة, وهي الأولى في القدرات العسكرية عالمياً, ولديها أكبر احتياطي نقدي في العالم, وأعلى معدل نمو من بين الدول المتقدمة.

القوة.. العسكرية أم الناعمة؟

اختلف الخبراء حول كل من الحالة الراهنة للقوة الأمريكية وشكل القوة الذي ينبغي أن تكون عليه القوة الأمريكية، ويتضح ذلك في النقاط التالية:

يعتقد جروفير نوركويست Grover Norquist - رئيس منظمة الأمريكيين من أجل الإصلاح الضريبي- أن الغرض من القوة الأمريكية هو حماية الشعب الأمريكي من التهديدات القادمة من الدول والحركات المعادية، وليس التوسع عبر الحدود أو التدخل في شؤون الآخرين أو نهب أراضيهم وحقوقهم، ومن ثم، يرى Grover أنه يمكن تغيير العالم وجعله أقل تهديداً للمصالح الأمريكية، بطريقتين هما:

1- القوة الاقتصادية والعسكرية المتبقية لردع أي تهديدات, والمعاقبة السريعة والنافدة لمن يهاجمون الولايات المتحدة.

2- القوة الناعمة، فعندما يُنظر إلى الولايات المتحدة بأنها قوة ناجحة وحرة وغنية, ستعتبرها بقية الأمم قوة يُقتدى بها، وبالتالي سيكون من الصعب على هذه الدول مهاجمة الولايات المتحدة.

وقد اختلفت آراء الخبراء حول الأولوية التي يجب أن تُوجه إليها القوة الأمريكية، حيث اعتبر ويليام بيرنز William Burns - رئيس مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي- أنه ينبغي على صانعي القرار الأمريكي توجيه الاهتمام للقضايا والمشاكل الداخلية، مؤكداً أنه طالما فشلت الولايات المتحدة في حماية الحقوق المدنية لمواطنيها, فسوف يستمر النموذج الأمريكي في مواجهة الكثير من المعاناة, ولن يصبح نموذجاً يُحتذى به عالمياً.

ويتفق ليزيل جيلب Lesile Gelb - الرئيس الشرفي لمجلس العلاقات الخارجية والمسؤول السابق في البنتاجون- مع الرأي السابق، إذ يعطي الأولوية فيما ينبغي أن تكون عليه القوة الأمريكية، للقوة الناعمة، بما في ذلك سيادة القيم والمعايير الأمريكية، وقوتها الاقتصادية عالمياً.

ويختلف مع الرأيين السابقين باولا دوبرانسكي Paula J. Dobriansky - الزميل البارز في مشروع مستقبل الدبلوماسية بكلية كلية هارفارد كينيدي في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية، ويرى أنه على الرغم من أن واشنطن تواجه العديد من التحديات الداخلية, فإنها لا يمكن أن تركز عليها وحدها. ويؤكد أنه لا يمكن أن يتمتع الأمريكيون بالأمن والرخاء من دون نظام دولي مستقر، لافتاً إلى احتمالية أن يهدد كل من: الإرهاب, وتدفقات اللاجئين, والأمراض الوبائية, والانتشار النووى, والعدوان العسكري, والتدهور الاقتصادي, والهجمات الإلكترونية، بشكل مباشر أو غير مباشر الأمن والرخاء في الولايات المتحدة، حتى مع ظهورها في الخارج.

ويفترض جاري هارت Gary Hart – النائب السابق في الكونجرس الأمريكي- أن ثمة قوة رابعة أطلق عليها "قوة المبادئ" تُضاف إلى الأنواع الثلاثة الأساسية للقوة الخارجية، وهي القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية، معتبراً أن المبادئ هي محور مركزي في السياسة الخارجية الأمريكية، ومؤكداً على وجود فجوة بين قناعات وأداء السياسة الخارجية الأمريكية، حيث تُضحي واشنطن بقوة المبادئ والنفوذ الأخلاقي في مقابل إنفاذ القوة والهيمنة والنفعية والمصلحة الذاتية, خاصةً أن الأمة الأمريكية تدَّعي أنها تحمل معايير عُليا لباقي دول العالم.

ويشدد باول بيلار Pual Pillar – محرر في مجلة The national interest – على أهمية أن يُعول صانعو القرار الأمريكي على القوة الناعمة، وذلك من خلال عدة آليات: أولها, أن تحترم الولايات المتحدة القواعد التي تنطوي على الطرق المشروعة للتنافس على النفوذ، بما في ذلك قاعدة "عدم الاعتداء". وثانيها, الحفاظ على وتعزيز النظام الليبرالي. وثالثها, ينبغي على واشنطن أن تعمل كجزء من توازنات القوة, ويمكن أن يشمل ذلك استخدام أقسى أشكال القوة الصلبة, ولكن في كثير من الأحيان يجب أن تهدف إلى الإقناع والردع، وليس إلى الإكراه والتدمير.

توصيات لاستعادة القوة الأمريكية

يرى إيان بريمير Ian Bremmer  - سياسي أمريكي بارز ورئيس مجموعة أوراسيا- أنه ربما قد حان الوقت بالنسبة للأمريكيين لإعلان توقفهم عن التدخل في مشاكل الآخرين. وبدلاً من إنفاق تريليونات الدولارات من أجل احتلال وإعادة بناء البلدان المضطربة أو الفاشلة, فإنه يتعين على الولايات المتحدة استثمار هذه الأموال داخلياً في إعادة بناء البنية التحتية الأمريكية، والاستثمار في التعليم، ورعاية قدامى المحاربين، واستثمار أموال دافعي الضرائب لتغذية الانتعاش الاقتصادي.

ولا يعد ذلك انعزالية, فعلى واشنطن أيضاً بناء علاقات تجارية مع الأصدقاء والمنافسين، والترحيب بالمهاجرين لبناء أقوى قوى عاملة في العالم، والحفاظ على سياسة خارجية نشطة وطموحة ترتكز أساساً على إدارة العلاقات مع الصين، مع تجنب المزيد من التورط في الشرق الأوسط, بما فى ذلك السماح للآخرين بأخذ زمام المبادرة في محاربة تنظيم "داعش"، وبناء سياسة خارجية ذكية قائمة على تعظيم عوائد استثمارات دافعي الضرائب، مع وضع مسألة الدفاع عن حقوق الإنسان والديمقراطية جانباً.

كما يعتقد كيشور ماهبوناني Kishore Mahbubani - عميد كلية لي كوان يو للسياسة العامة في جامعة سنغافورة الوطنية - أنه مع عودة ظهور عالم متعدد الأقطاب, ما يزال لدى واشنطن حالياً فرصة ثمينة للعودة مرة أخرى إلى الاستخدام الحكيم للقوة، ويطرح في هذا الصدد ثلاثة تغييرات بسيطة يمكن أن تجعل القوة الأمريكية فعَّالة مرة أخرى، وهي:

1- ضرورة التمتع بالتواضع بدلاً من الغطرسة، إذ يجب على القادة الأمريكيين في الحكومة ووسائل الإعلام الاستماع بدلاً من الوعظ إلى بقية العالم.

2- ينبغي أن يحل التعليم محل الجهل، لأن القرن الحادى والعشرين سيكون متعدد الأقطاب والثقافات. ويتعين على صانعي القرار الأمريكي أن يكونوا متعددي اللغات, مع ضرورة الفهم العميق للحضارات التاريخية الأخرى (الصين، والهند، وروسيا، وإيران).

3- وجود المؤسسات متعددة الأطراف سيعزز من القوة الأمريكية، حيث تعد العودة البسيطة للتعددية القطبية بمثابة إثبات على أن واشنطن قد تعلمت مرة أخرى كيف تستخدم قوتها بحكمة.


* عرض مُوجز لتقرير: "ما الغرض من القوة الأمريكية؟"، والذي نشرته مجلة The national interest، في عدد سبتمبر وأكتوبر 2015.

المصدر:

http://nationalinterest.org/feature/tni-symposium-what-should-be-the-purpose-american-power-13613