أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تراجع ملموس:

كيف انعكس الإغلاق العام في الهند على واردات الطاقة من الشرق الأوسط؟

20 أبريل، 2020


تأثرت الواردات الهندية من النفط والغاز المسال القادمة من الشرق الأوسط بشكل ملموس نتيجة الإغلاق العام المفروض في الهند منذ أواخر مارس الماضي مع تفشي فيروس "كورونا"، حيث فرضت الحكومة الهندية قيوداً مشددة على التنقل الداخلي بجانب تعليق السفر وإغلاق المنشآت الاقتصادية، مما تسبب بدوره في انخفاض حاد في استهلاك النفط الخام وكذلك الغاز الطبيعي بالسوق. وعلى ضوء ذلك، اضطرت مصافي تكرير لتقليص طاقتها الإنتاجية بأكثر من الثُلث، وإعلان القوة القاهرة في استيراد شحنات خامى النفط والغاز المسال من دول الشرق الأوسط وغيرها من المنتجين. غير أن تخفيف الحكومة لقيود الإغلاق العام، مؤخراً، ربما يزيد من احتمال ارتفاع الطلب الهندي على منتجات الطاقة من الشرق الأوسط تدريجياً. 

تخفيف القيود:

على غرار كثير من دول العالم، فرضت الحكومة الهندية حالة الطوارئ الصحية في 25 مارس الماضي لمدة 21 يومياً، في محاولة لاحتواء انتشار فيروس "كورونا"، قبل أن يتم تمديدها إلى 3 مايو المقبل بعد ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في البلاد. 

وبمقتضى الإغلاق الحكومي، تم تقييد حركة التنقل الداخلية وتعليق السفر الخارجي، بالإضافة إلى غلق المنشآت الاقتصادية، وكذلك لم يسمح للسكان بمغادرة منازلهم إلا في حالات الضرورة فقط، وهو ما كان له تأثير واضح على قطاع الطاقة في البلاد، حيث أدى إلى انخفاض حاد في الطلب على الوقود، مما اضطر مصافي النفط العاملة في البلاد للعمل بأقل من ثُلث طاقتها الأساسية، وتبع ذلك قيامها بتقليص وارداتها الخارجية من النفط الخام والغاز الطبيعي في محاولة للتأقلم مع الوضع الجديد. 

غير أنه لتلافي الخسائر الاقتصادية الواسعة الناجمة عن الإجراءات السابقة، قامت الحكومة بتخفيف بعض القيود المفروضة على الأنشطة التجارية والاقتصادية اعتباراً من 20 إبريل الجاري. وعلى هذا النحو، سمحت الحكومة لبعض المنشآت في قطاع الفحم والمعادن والنفط وتصنيع أجهزة تكنولوجيا المعلومات والسلع الأساسية باستئناف عملها، كما أتاحت ممارسة الأنشطة الزراعية والصناعية لاسيما في المناطق الريفية، التي يتركز فيها الجانب الأكبر من السكان بهدف تخفيف معاناة سكان هذه المناطق. 

مسارات مختلفة:

تعتبر منطقة الشرق الأوسط أكبر مُورِّد للنفط الخام للسوق الهندية، وقد حافظت على هذه المكانة لسنوات طويلة. وفي عام 2019، بلغت واردات الهند من النفط الخام من الشرق الأوسط نحو 2.6 مليون برميل يومياً أى ما يوازي 60% من إجمالي الواردات، ولكن أقل من حصة المنطقة البالغة 65% في عام 2018، ويعود هذا التراجع إلى اتجاه الحكومة الهندية لتنويع واردات النفط من مصادر أخرى مثل الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا.

وفي الظروف العادية، يمثل انخفاض أسعار النفط العالمية، بلا شك، فرصة كبيرة للهند للحصول على الطاقة بتكلفة رخيصة، غير أنه مع تفشي فيروس "كورونا"، اضطرت المصافي الهندية، الحكومية والخاصة على حد سواء، لإعلان حالة القوة القاهرة في استيراد النفط الخام نتيجة الانخفاض الحاد في الطلب على الوقود اللازم لقطاعات النقل والصناعة وتوليد الكهرباء في البلاد، وبما أضر تباعاً بصادرات الشرق الأوسط من الخام إلى السوق الهندية.

وعلى هذا النحو، قامت مؤسسة النفط الهندية، البالغ طاقتها حوالي 1.6 مليون برميل يومياً، بتقليص طاقة التكرير لديها بحوالي الثُلث، وأعلنت حالة القوة القاهرة لمورديها من النفط الخام من الشرق الأوسط، وأرجأت استلام بعض شحنات النفط في إبريل 2020 نظراً للظروف الراهنة. 

وبالمثل أيضاً، أصدرت شركات أخرى، وفي مقدمتها "هندوستان بتروليوم"، إشعاراً بالقوة القاهرة لبعض منتجي النفط بالشرق الأوسط، وألغت، على سبيل المثال، استلام شحنتين بواقع مليون برميل من الخام العراقي كان من المتوقع تسليم كل منهما في النصف الأول من شهر إبريل الحالي. أما "مانجلور للتكرير والبتروكيماويات" فقد قلصت أيضاً طاقتها التكريرية البالغة 300 ألف برميل يومياً بنحو الثُلث، ويتوقع أن تؤجل استلام شحنات من منتجي الشرق الأوسط.

ولا يبدو أن الوضع سيتحسن كثيراً في شهر مايو المقبل، حيث تسعى شركة "بهارات بتروليوم" إلى خفض وارداتها من النفط الخام من بعض منتجي الشرق الأوسط بمقدار النصف في هذا الشهر، وذلك لمواكبة تخفيض قدرتها لتكرير الخام. وعلى ضوء المعطيات السابقة، ربما يشهد شهر إبريل الجاري انخفاضاً ملموساً في واردات الهند من النفط من الشرق الأوسط، وقد يمتد هذا التراجع إلى شهر مايو المقبل.

ولا يختلف الوضع كثيراً عند الحديث عن الغاز المسال، فقد أصدرت شركات الطاقة الهندية أيضاً إشعارات قوة قاهرة للموردين مع تضرر الطلب المحلي على الغاز وإغلاق الموانئ للحد من انتشار فيروس "كورونا". وبدورها، قامت شركة "بترونت"، أكبر مستورد للغاز في الهند، بإصدار إشعارات قوة قاهرة لتسليم الغاز المسال من بعض منتجي الغاز المسال بالشرق الأوسط.

ورغم إرجاء الشحنات التجارية، ترى الحكومة الهندية، على ما يبدو، أن الانخفاض الكبير في أسعار النفط العالمية يوفر فرصة لن تتكرر لزيادة المخزونات الاستراتيجية من النفط الخام بتكلفة رخيصة. وبالفعل، تشير العديد من الاتجاهات إلى أن الحكومة بصدد شراء نحو 15 مليون برميل من النفط الخام من منتجي الشرق الأوسط لملء منشآت احتياطيات الخام في مانجالور وبادور وفيسا كاباتنام.

وعلى ما يبدو، سوف تصب الخطوة السابقة في صالح الهند أكثر من منتجي الشرق الأوسط، حيث أن هذه الكميات تعادل ورادات النفط الهندية المعتادة من الشرق الأوسط لمدة 5.7 يوماً، ومن ثم لا ينتظر أن تسهم في تحسين الطلب على الخام كثيراً. وعليه، يمكن القول إن استئناف النشاط الاقتصادي تدريجياً في الهند ربما يساهم بشكل أكثر فعالية في تحسين الطلب الهندي على النفط والغاز الطبيعي من الشرق الأوسط في الأشهر المقبلة.