أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

المصري اليوم:

السياسة الخارجية والانتخابات الأمريكية 2024.. هل تنكسر القاعدة؟

18 يناير، 2024


تتحدد نتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية لعام 2024 من عدة عوامل أساسية. وفى العادة، لا تكون السياسة الخارجية جزءًا منها، ولكن فى ظل الظروف الراهنة، قد تنكسر هذه القاعدة، وخاصة فيما يتعلق بتحديد نتائج أصوات المجمع الانتخابى.

ديناميكيات المجمع الانتخابى:

يتنافس المرشحون على التصويت الشعبى عبر الولايات الخمسين، ولكن يتم تحديد النتيجة فعليًا من قبل المجمع الانتخابى الذى يضم 538 عضوًا موزعين على الولايات، وعلى الفائز الحصول على دعم 270 عضوًا على الأقل.

غالبًا ما يكون استيفاء متطلبات المجمع الانتخابى أمرًا معقدًا بسبب اختلاف أنماط التصويت عبر الولايات لاعتبارات التركيبة السكانية والعرقية والخصائص الاقتصادية وما إلى ذلك. وقد يساعد الموقف السياسى للمرشح على حصوله على دعم شعبى فى إحدى الولايات، وإنما يضر به فى ولاية أخرى. والجدير بالذكر أنه فى ستة انتخابات رئاسية ماضية، خسر الفائزون بالتصويت الشعبى، ولكنهم فازوا بالأصوات فى المجمع الانتخابى وأصبحوا رؤساء للولايات المتحدة. وقد كان آخر مثالين لذلك ما حدث فى انتخابات الرئاسة الأمريكية عام 2016 (حين فاز دونالد ترامب على هيلارى كلينتون) وعام 2000 (حين فاز جورج دبليو بوش على آل جور).

عوامل انتخابية مؤثرة:

فى حال كان السباق الرئاسى بالولايات المتحدة لعام 2024 بين جو بايدن ودونالد ترامب، فإن الوضع السياسى مهيأ لمشاهدة حملات ساخنة، واستقطاب الرأى العام بشكل متزايد.. وخروجا عن القاعدة قد تحسم النتيجة هذه المرة على قضايا خارجية ومنطقة الشرق الأوسط، فضلًا عن القضايا والأوضاع الاقتصادية ذات الأهمية التقليدية.

1. السخط العام: كانت هناك مؤشرات فى الانتخابات السابقة على أن الناخبين يميلون إلى التصويت ضد الوضع الراهن والنخب السياسية. فقد كان الاستياء من سياسات جورج دبليو بوش من الأسباب الرئيسية لخسارة الجمهورى جون ماكين أمام الديمقراطى باراك أوباما. وكذلك فاز دونالد ترامب على هيلارى كلينتون حيث اعتبرها الناخبون عامة ممثلة للنخب والسياسيين التقليديين، قبل انتخاب بايدن بعد أربع سنوات مرهقة للأعصاب فى عهد ترامب.

وفيما يتعلق بالانتخابات المقبلة، فمن الواضح أن السخط العام على كل من ترامب وبايدن فى تصاعد مستمر. ويقدم المرشحون الجمهوريون أنفسهم كبدائل لترامب، ولكن دون أن ينأوا بأنفسهم بوضوح عن مواقفه حتى لا يفقدوا قاعدته الشعبية، فى حين يعبر الديمقراطيون عن تفضيلهم بديلا لبايدن رغم عدم وجود مرشحين آخرين من الحزب.

وعلى الرغم من الشعور العام بالاستياء من كلا المرشحين الحاليين من الحزبين سواء الديمقراطى أو الجمهورى، فإن ترامب (الذى أمامه العديد من المعارك القانونية)، لا يزال يحتفظ بدعم شعبى كبير فى مواجهة منافسيه من الجمهوريين، فضلا عن تقدمه فى استطلاعات الرأى الأخيرة على المرشح الديمقراطى بايدن.

إذا كان ترامب وبايدن هما المرشحان فى نهاية المطاف، فإن فوز أحدهما وتقدمه على الآخر قد يتوقف على عدم شعبية الآخر، وليس على جاذبية أو سياسة الفائز، فكلاهما لديه الكثير من المنتقدين.

2. العامل الاقتصادى: الوضع الاقتصادى من أكثر العوامل تأثيرًا فى انتخابات الرئاسة. ومن المرجح أن يكون له دور محورى فى تشكيل اتجاهات الناخبين، وبالتالى من يفوز بتأييد أكبر عدد من الناخبين.. لذا يسلط ترامب طوال الحملة الانتخابية الأضواء على سياساته الاقتصادية والتخفيضات الضريبية وإلغاء القيود التنظيمية، ورفع معدلات التوظيف، ويسلط بايدن الضوء على تركيز إدارته على التعافى الاقتصادى، وتطوير البنية التحتية، والاهتمام ببرامج الرعاية الاجتماعية لمواجهة تداعيات الوباء.

ومن المتوقع أن يكون للنهجين الاقتصاديين المتناقضين للمرشحين دور محورى فى حسم خيارات الناخبين إزاء المخاوف الشعبية المتعلقة بالسياسات المالية، ومعدلات البطالة، والرفاهية الاقتصادية الشاملة.

3. السياسة الخارجية: إن العاملين الأهم فى تحديد اختيارات الناخبين هما: التصورات المتعلقة بالاقتصاد، وعدم جاذبية مرشح معين.. والسياسة الخارجية ليست لها قاعدة جماهيرية قوية تكفى عادة للتأثير فى أصوات الناخبين واتجاهاتهم بشكل مستقل وجوهرى،. ولكن ليس معنى ذلك تجاهل الآثار المترتبة على قضايا السياسة الخارجية، ومن الأهمية تحليل كيف يمكن لهذه القضايا أن تؤثر على أصوات المجمع الانتخابى تحديدا، وهى الجهة الحاسمة فى تحديد من سيكون الرئيس الأمريكى القادم.

يقدم المرشحون الجمهوريون أنفسهم على أنهم ميّالون إلى يمين الوسط، ويصفون أنفسهم بـ ترامب دون «حدته الشخصية»، وباستثناء نيكى هيلى، سفيرة الولايات المتحدة السابقة لدى الأمم المتحدة، يفتقر جميع المرشحين للخبرة الحقيقية فى العلاقات الدولية، لذا يبدو حكيما وكافيا حاليا تقدير مواقف السياسة الخارجية المستقبلية للحزبين بناءً على السياسات المتوقعة من ترامب وبايدن.

أ. التحالف عبر الأطلسى وأوكرانيا: إن موقف ترامب وجميع المرشحين الجمهوريين يتمثل فى نهج «أمريكا أولًا»، وهو ما يرادف الموقف الانعزالى. ويرجع ذلك بشكل إلى القلق بشأن الميزانية والمخاوف المتعلقة بمالية الدولة، وبالتالى قد يؤثر فى الدعم الذى تقدمه الولايات المتحدة لأوكرانيا، خاصةً مع ارتفاع تكاليف العمليات العسكرية. والجدير بالإشارة إلى أن فترة رئاسة ترامب السابقة شهدت فتورا وتوترا بينه وبين معظم قادة دول «الناتو».

فى المقابل، يتبنى بايدن والديمقراطيون سياسة خارجية حول حلف شمال الأطلنطى، خاصة حول الأزمة الأوكرانية، ولكن من المتوقع أن يخفف بايدن من لهجة خطابه حول «الديمقراطيات مقابل الأنظمة الاستبدادية»، والذى لم يلق صدى جيدًا أو يقدم مكاسب ملموسة فى السياسة الخارجية.

وتواجه الولايات المتحدة «الإجهاد بسبب أوكرانيا» فى عام 2024، ومن المرجح أن تطرح المبادرات الدبلوماسية حولها وكذلك وروسيا فى النصف الثانى من العام، أو على أقصى تقدير فى أوائل عام 2025، خاصةً إذا ما تم انتخاب ترامب، ولاسيما أنه يرجح إعادة انتخاب بوتين فى عام 2024.

ب. العلاقات مع الصين: تنظر المؤسسة السياسية الأمريكية، سواء الجمهوريون أم الديمقراطيون، إلى الصين باعتبارها تحديًا استراتيجيًا رئيسيًا للأمن القومى الأمريكى، وخاصةً فى مجالات الأسلحة النووية والفضاء والذكاء الاصطناعى.. ومن المتوقع أن يتبع ترامب أو غيره من المرشحين الجمهوريين سياسة مماثلة تجاه الصين، تتميز بالمنافسة القوية، وارتفاع حدة الخطاب السياسى، مع تجنب الصدامات الفعلية كلما أمكن ذلك.

ج. الشرق الأوسط: وسط الاتجاهات المتضاربة للحوار والمواجهة، فإن الشرق الأوسط يأتى على رأس جدول أعمال الرئيس الأمريكى المقبل. وسيتعامل أى من المرشحين مع العلاقات بالعالم العربى بطريقة براجماتية عالية، سعيًا لتحقيق فوائد قصيرة الأجل، للحد من النفوذ الصينى الواسع فى المنطقة، والتركيز على ردع التوسع الروسى بشمال إفريقيا، والإيرانى بسوريا.

بالنسبة لإيران، فقد قام ترامب فى السابق بالانسحاب من جانب واحد من الاتفاق النووى الإيرانى، فى حين انتهت محاولة بايدن إلى استئناف هذا الاتفاق بالفشل. ولم تستخدم كلتا الإدارتين القوة إلا عندما وقع فيها ضحايا أمريكيون. ومن المتوقع أن تعكس السياسات المستقبلية الأنماط السابقة دونما التركيز على الاتفاق النووى.

أما فيما يتعلق بإسرائيل، فسيظل الدعم قويًا، بغض النظر عمن سيُنتخب رئيسًا للولايات المتحدة. ومع ذلك، فإن الحرب القاسية بغزة ستمثل تعقيدًا متوقعًا، فـ«بايدن» و«ترامب» لا يريدان تصعيدا يفرض عليهما المزيد من المشاركة العسكرية الأمريكية، ويفضلان تجنب صراع إقليمى أوسع، مع قيام إسرائيل بجذب حزب الله للحرب، أو إذا ما انخرط الحوثيون بصورة أكبر فى الصراع.

ووضعت الأزمة فى غزة، الصراع الفلسطينى الإسرائيلى، فى مقدمة اهتمامات الولايات المتحدة مرة أخرى. وكان قد دعا ترامب إلى اتباع نهج جديد فى التعامل مع هذا الصراع يركز على العلاقات العربية الإسرائيلية، واقترح خطة سلام فلسطينية إسرائيلية مؤيدة لدولة الاحتلال وتتمحور حول الاقتصاد، مدعيًا–دون قدر كبير من المصداقية- أنه يقدم حل الدولتين. فى المقابل، أكد بايدن مرارًا وتكرارًا أهمية حل الدولتين، فضلًا عن التطبيع، ولكنه قام فى الوقت ذاته بدعم إسرائيل دعمًا مستمرًا،على الرغم مما تقوم به من انتهاكات صارخة للقانون الدولى والإنسانى عبر عملياتها فى غزة.

وسيواصل كلا المرشحين تقديم الدعم غير المشروط لإسرائيل على حساب القضية الفلسطينية.. فعلى الرغم من أن بايدن أكد فى كثيرٍ من الأحيان أن حل الدولتين هو الحل الأمثل للقضية الفلسطينية، فإنه لن يبذل هو أو ترامب الجهد، أو يستثمر رأس المال السياسى لدعم إنشاء دولة فلسطينية. فكلا المرشحين يسعى إلى تعزيز العلاقات العربية الإسرائيلية فقط كهدف سياسى لاعتبارات داخلية أمريكية.

تأثير القضايا الخارجية:

يتمتع ترامب بقاعدة متينة من المؤيدين والمنتقدين على حدٍ سواء، دونما أن تكون لأيٍ من القاعدتين صلة بفظاظته أو سياساته، ولا تتأثر آراء الناخبين حوله كثيرًا باعتبارات السياسة الخارجية.

ويواجه بايدن تراجعًا كبيرًا فى دعم الفصيل التقدمى فى الحزب الديمقراطى، وقد يكون هذا التحول محوريًا، ويؤدى إلى خسارة كبيرة للناخبين بولايات محددة وحساسة، تفقده أصوات ممثليها فى المجمع الانتخابى، خاصة إزاء معارضة بايدن وقف إطلاق النار فى غزة، على الرغم من القصف الإسرائيلى العشوائى اللاإنسانى، والذى نتج عنه عشرات الآلاف من القتلى والجرحى.

وفى حين أن عدد الأمريكيين العرب ما يزال أصغر حجمًا، وهم أقل تأثيرًا من نظرائهم من الأمريكيين اليهود والإنجيليين، إلا أن هناك ما يدعو إلى تحليل أوثق لتحديد العواقب السلبية المحتملة على مواقف الولايات المتأرجحة، وخاصة ولاية ميتشجان التى لها ١٥ عضوا فى المجمع الانتخابى، فكونها مؤيدة تقليديًا للديمقراطيين تضم جالية كبيرة من العرب الأمريكيين، ومع هذا فاز ترامب بأصواتها فى عام 2016، وقد تكون العامل الحاسم فى تحديد نتائج السباق التنافسى فى المجمع الانتخابى، خاصةً إذا كان بايدن وترامب هما المتنافسان.

وبعد أجيال لم يكن لها تأثير يذكر فى نتائج الانتخابات، قد نكون الآن أمام لحظة تحول سياسية مهمة، نرى فيها الأمريكيين العرب يغيرون قواعد اللعبة فى الانتخابات، ويتحدون الأعراف التاريخية، وتتحول تداعيات إهمال القضية الفلسطينية المنسية ودعم المرشحين المطلق لإسرائيل إلى عبء ثقيل سلبى وقضايا حاسمة فى تحديد الرئيس الأمريكى القادم.

فلننتظر ونتابع..

* نبيل فهمي

* وزير الخارجية السابق

*لينك المقال في المصري اليوم*