أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

خلافات مستمرة:

انعكاسات "لقاء بعبدا" على المشهد الداخلي اللبناني

01 يوليو، 2020


كشف اجتماع اللقاء الوطني اللبناني، الذي عقد في 25 يونيو الجاري، عن حالة الاستنفار المتزايدة بين مكونات الدولة والقوى السياسية المختلفة، وما يفرضه ذلك من انعكاسات مستقبلية على المشهد السياسي الداخلي، وذلك مع احتمال اتساع نطاق الخلافات الداخلية بين قوى "8 آذار"، وبروز تيار معارض من داخل قوى "14 و8 آذار" قد يتبنى توجهات متسقة.

وقد تضمن البيان الختامي العديد من البنود، التي تمثل أبرزها في أهمية الحفاظ على الاستقرار الأمني ووقف جميع أنواع الحملات التحريضية التي من شأنها إثارة الفتنة وتهديد السلم الأهلي وزعزعة الاستقرار، واعتبر أن "التصدي للفتنة، والشحن الطائفي والمذهبي، هو مسئولية جماعية تتشارك فيها جميع عناصر المجتمع ومكوناته السياسية".

ويُشار إلى أن اللقاء شهد حالة من التجاذب، لأسباب ثلاثة رئيسية: يتعلق أولها، بمقاطعة العديد من الكتل السياسية له، وهى قوى "14 آذار" الرئيسية (تيار المستقبل- حزب القوات اللبنانية- حزب الكتائب اللبنانية)، إلى جانب "تيار المردة" (قوى "8 آذار")، ورئيس كتلة الوسط نجيب ميقاتي. 

وينصرف ثانيها، إلى انتقاد رئيس الجمهورية السابق ميشال سليمان لحزب الله بشكل مباشر أثناء اللقاء، مرجعاً ذلك إلى أن ممارساته أدت إلى عزل لبنان إقليمياً ودولياً، مما ساهم في تدهور العملة الوطنية. 

ويتصل ثالثها، بتعرض حكومة حسان دياب لحملة قوية من جانب بعض الشخصيات مثل رئيس كتلة لبنان القوي (التيار الوطني الحر) جبران باسيل، ورئيس مجلس النواب زعيم حركة أمل نبيه بري.

ارتدادات محتملة:

تتمثل أهم الانعكاسات الناتجة عن عقد لقاء بعبدا على لبنان، في التالي:

1- تصاعد الانقسام داخل قوى "8 آذار": يكشف إصرار تيار المردة على عدم التماهي مع نظام العهد الحالي، عن وجود أزمة داخلية في قوى "8 آذار"، وهو ما سيكون له انعكاس على نفوذ حزب الله الداخلي لعدم قدرته على إدارة ذلك الخلاف، في الوقت الذي يتعرض فيه لضغوط إقليمية ودولية لا تبدو هينة.

وتتزايد أهمية ذلك في ضوء اتجاه المردة إلى تبني منحى مغاير لقوى "8 آذار"، تمثل آخر مؤشراته في عقد اجتماع مع رئيس تيار المستقبل سعد الحريري قبيل انعقاد اللقاء الوطني، فضلاً عن عقد لقاءات مستمرة بين رئيس التيار والسفيرة الأمريكية في بيروت (كان آخرها في إبريل ويونيو من العام الجاري).

ويشكل عدم حضور تيار المردة لقاء بعبدا الأخير، والسابق في 6 مايو السابق، نوعاً من أنواع المعارضة ضد نظام العهد الحالي، ويبرز رفض التيار لممارسات حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر.

2- اتساع نطاق التنسيق بين معارضي نظام العهد: ويشمل ذلك قوى "14 آذار" والشخصيات الرئيسية التي تنتمي للتيار (مثل رؤساء الوزراء السابقين)، ويُشار في هذا الصدد إلى تغير موقف حزب القوات اللبنانية الذي رفض حضور لقاء 25 يونيو، وذلك على عكس مشاركته في لقاء 6 مايو.

كما تضم المعارضة أيضاً جناحاً داخلياً في قوى "8 آذار" يتزعمه تيار المردة وحركة أمل، إضافة إلى طائفة الكاثوليك التي انتقدت عدم توجيه دعوة لبعض رموزها لحضور لقاء 25 يونيو. وتجدر الإشارة إلي أن ذلك التضامن لن يكون بشكل معلن، وسيكون مجرد التقاء في التوجهات، وتصعيد الانتقاد لأداء السلطة الحالية.

3- إعادة تموضع حركة أمل: رغم محاولات نبيه بري اتخاذ مواقف محايدة لضمان استمرار علاقاته مع جميع القوى السياسية، وذلك على خلفية توليه منصب رئيس مجلس النواب، إلا أن لقاء بعبدا الأخير كشف عن تراجع في مصداقية ودور الحركة.

ويدلل على ذلك فشل بري في إقناع الحريري بالمشاركة في اللقاء (اجتمع بري والحريري في 16 يونيو الفائت)، إضافة إلى تأخر حركة أمل في اتخاذ قرار المشاركة في لقاء بعبدا من عدمه، مما يعكس ترددها في مواصلة نهجها الحالي الداعم لنظام العهد.

ولا يستبعد أن تكون لحركة أمل مواقف مغايرة ضد نظام العهد خلال الفترة المقبلة، وذلك في محاولة للتنصل من كونها شريكاً رئيسياً في السلطة، تفادياً لاتهامها بالمشاركة في تفاقم الأزمة الاقتصادية في الفترة المقبلة.

4- تزايد الفجوة بين المعارضة والسلطة: عكس اللقاء إصراراً من جانب المعارضة على ممارسة ضغوط قوية ضد النظام الحالي، مما يؤدي إلى توسيع الهوة مع القوى الموالية له، وبما يتبعه ذلك من فرض قيود على المعارضة السياسية خاصة فما يتعلق بحرية التعبير ومحاولة تكميم الأفواه إعلامياً.

وقد يتضمن ذلك أيضاً ممارسة مزيد من الضغوط على محافظ البنك المركزي (المدعوم من تيار المستقبل) لدفعه للاستقالة، أو أى مسئولين في الوظائف العامة القريبين من قوى المعارضة، الأمر الذي قد تكون له ارتدادات على المشهدين السياسي والأمني في لبنان.

5- تفاقم التداعيات الاقتصادية: على نحو يبدو جلياً في ارتفاع سعر الدولار ليتجاوز الـ7500 ليرة في السوق السوداء، بشكل قد يؤشر إلى حدوث مزيد من التدهور وتراجع مستوى المعيشة. وتكشف المؤشرات الحالية بالسوق اللبنانية عن ارتفاع الأسعار بشكل كبير، فضلاً عن وجود شكاوى من عدم توفير الدولار لاستيراد الغذاء والمشتقات النفطية، مما أدى إلى نقصها، خاصة المازوت، في بعض المناطق.

ختاماً، لم يحقق "لقاء بعبدا" النتائج المرجوة منه، بل إنه ساهم في تصاعد حدة التباين بين النخبة السياسية حتى داخل البيت الواحد، على نحو ربما يفرض مزيداً من التداعيات السلبية على الأزمة الاقتصادية التي تواجهها لبنان خلال المرحلة القادمة.