أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

التكتيك في سورية يبرز نيات موسكو الحقيقية

17 مارس، 2017


أُغلقت الجولة الأخيرة للمحادثات السورية المنعقدة بجنيف على ما أعتبره سفير الأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا تقدماً بالمقارنة بالجولات السابقة، لأن الحكومة السورية وكذلك المعارضة قد توصلتا إلى اتفاق في شأن البنود التي يجب أن تكون ضمن أجندة المفاوضات. من المفترض أن تنعقد المفاوضات التالية في وقتٍ لاحق من هذا الشهر وسوف تشمل مسألة الإرهاب كإحدى القضايا الرئيسية المطروحة للنقاش، إضافة إلى الحكم والدستور والنظام الانتخابي.

كان إدراج مكافحة الإرهاب على الأجندة بطلبٍ من الوفد الحكومي السوري الذي كان محل اعتراض شديد في الأصل من قبل الهيئة العليا للمفاوضات لقوى المعارضة، التي اعتبرت أن هذه الإضافة هي وسيلة للنظام السوري وحلفائه لتحويل الانتباه بعيداً من مناقشة عملية الانتقال السياسي. لكن بما أن الهيئة العليا للمفاوضات تفتقر إلى الركيزة السياسية الدولية أو العسكرية الموازية لتلك التي يتمتع بها النظام وروسيا، في النهاية لم يكن لدى الهيئة خيار سوى قبول الأمر.

هذا التطور الأخير في مسار الصراع السوري هو مثال آخر على الكيفية التي بدأ فيها ميزان القوى يميل على نحوٍ متزايد في مصلحة النظام السوري وحليفته روسيا. على رغم أن روسيا قد صرّحت في الآونة الأخيرة في شأن الحاجة إلى إجراء محادثات السلام، سواء من خلال عملية آستانة أو جنيف، لكنها ما زالت بعيدة عن الجدية في شأن تسوية النزاع في سورية، بل بالأحرى هي استطاعت أن تستفيد من فرص متعددة في مجرى الصراع وأن تستخدمها لإخفاء نواياها الحقيقية.

تقرير جديد ينشره معهد تشاتام هاوس بعنوان «السياسة الغربية تجاه سورية: تطبيق الدروس المستفادة»، يؤكد أن مكانة روسيا في القضية السورية هي إلى حدٍ ما نتيجة لتراجع نسبي لموقف الغرب حول سورية. فلم يكن الخطاب الأميركي عن تغيير النظام في سورية متناسباً مع المستوى الكافي من العمل لتنفيذه، سواء ديبلوماسياً أو عسكرياً. وأصحاب المصالح الغربيون، من الاتحاد الأوروبي إلى الدول الفردية، لم يقوموا بوضع استراتيجية شاملة لإنهاء الصراع، وفضلوا تضييق إطار الملف السوري لإعطاء الأولوية لمسألة العمل العسكري ضد الجماعات الإرهابية، مع إعطاء بعض الأهمية لتوفير المساعدات الإنسانية والدعم للحكم المحلي ولكن في شكل محدود.

التراجع الغربي مهّد الطريق لروسيا لكي ترى في سورية فرصة منخفضة التكلفة لمواجهة الغرب، لا سيما بعد «الخط الأحمر» الخاص بأوباما. لم يُقابل تصويت روسيا المستمر بالفيتو في مجلس الأمن للأمم المتحدة برد فعلٍ قوي في الغرب. اليوم، روسيا نفسها تقوم بمنح الوعود التي لا توفي بها لأنها تعتمد على أنها لن تواجه مساءلة نتيجة ما تقوم به. مثلاً، أثناء محادثات آستانة في كانون الثاني (يناير)، وافقت روسيا على السماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى مناطق المعارضة في سورية ولكنها في شباط (فبراير) هاجمت قوافل المساعدات.

تمكنت روسيا من تقديم سردها الخاص في شأن النزاع السوري من دون اعتراض أو الطعن من قبل الغرب الذي قام بتطبيع هذا السرد. فهي قدمت تدخلها في أيلول (سبتمبر) 2015 في سورية على أنه وسيلة لمكافحة الإرهاب، بينما في الحقيقة كانت معظم الضربات الجوية ضد الجيش السوري الحر. بررت روسيا هذا من خلال الزعم بأنه لم يوجد هناك فعلياً أي معتدلين بين المتمردين السوريين.

في الوقت نفسه، أثبت تنظيم «داعش» أنه أداة مفيدة لروسيا والنظام السوري، حيث أن غالبية هجمات داعش في سورية كانت ضد الجيش السوري الحر. كما أصبح داعش وسيلة لروسيا للتخلص من المتمردين الشيشان على أراضيها، إذ إن العديد منهم رحلوا إلى سورية للانضمام إلى داعش.

إن غالبية الجيش السوري الحر قد تم إضعافه نتيجة لهجمات روسيا والنظام السوري وداعش وبسبب انقطاع التمويل الأميركي، ما أدى إلى تدفق المقاتلين للانضمام إلى جماعات مثل جبهة فتح الشام، والتي أظهرت قدرة عسكرية أكبر وتمويلاً أفضل من الجيش السوري الحر. وجعلت هذه التداعيات من السردية الروسية نبوءةً تحقق ذاتها.

طالبت روسيا الغرب تصنيف الجماعات المتمردة بين «معتدلة» أو «متطرفة» وأصبحت القائمة الشغل الشاغل للغرب عام 2016، في حين أخذت روسيا حريتها في تطبيق تلك التسميات. فقررت أولاً أن أحرار الشام وجيش الإسلام هما من الجماعات الإرهابية. ثم دعت كلتا الجماعتين في عام 2017 إلى محادثات آستانة على أساس كونهما من الجماعات المعتدلة.

لقد كان التغير في التسميات تكتيكاً روسياً يهدف إلى إضعاف تلك الجماعات من الداخل. أحرار الشام، التي تعاني بالفعل من الخلافات الداخلية، انشقت نتيجة لدعوة آستانة من بعد قبول بعض قادتها الدعوة ورفض بعضهم الآخر لها. وفي الوقت نفسه، هددت روسيا بمحاصرة الغوطة الشرقية معقل جيش الإسلام، تزامناً مع توجيهها الدعوة إلى الجماعة للذهاب إلى آستانة. وأدت الانقسامات بين الفصائل لهجمات من قبل جبهة فتح الشام على الجيش السوري الحر، بالتالي إلى إضعاف الأخير.

التدخل الروسي في ذاته جاء سريعاً في أعقاب إعلان المملكة العربية السعودية في ربيع 2015 أنها كانت على وشك استضافة مؤتمر في الرياض لتنسيق مساعي المعارضة السورية. بحلول الوقت الذي انعقد فيه المؤتمر في كانون الأول (ديسمبر) من العام نفسه، والذي ضم جماعات المعارضة المختلفة التي حتى ذلك الوقت لم تكن قد تعاونت في شكل منهجي، كانت روسيا بدأت بالفعل حملتها العسكرية. ومنذ ذلك الحين، وهي تقوم باستخدام العمل العسكري في شكلٍ مستمر على الأرض باعتباره وسيلة لإضعاف المعارضة السورية سياسياً.

تم إبرام اتفاقيات متعددة لوقف النار بين النظام والجيش السوري الحر ولكنها فشلت نتيجة لاستئناف الجيش السوري التحركات العسكرية ضد الجيش الحر، ولكن روسيا اعتادت إلقاء اللوم على الجيش السوري الحر في مسألة فشل الاتفاقيات. في شباط (فبراير) 2016، كانت الهيئة العليا للمفاوضات في فيينا للمشاركة في المحادثات في حين كان يتم خرق اتفاق وقف الأعمال العدائية من قبل النظام. قاد هذا الجيش السوري الحر إلى الضغط على الهيئة العليا للمفاوضات للانسحاب من المحادثات خوفاً من فقدان الصدقية، خصوصاً أن المحادثات كانت تستند إلى نجاح هذا الاتفاق.

ومنذ ذلك الحين، تسعى روسيا في شكل منهجي لتشويه سمعة الهيئة العليا للمفاوضات، ليس فقط من خلال استخدام اتفاقيات وقف النار كوسيلة لإراحة الجيش السوري، بل أيضاً من خلال تهميش الهيئة العليا للمفاوضات. فقامت روسيا بإقصاء الهيئة في محادثات آستانة، وخلال محادثات جنيف التي تلتها، فرضت روسيا على الهيئة قبول مشاركة منصات «المعارضة الموالية» ووبخت الهيئة عندما عارضت هذا الإدراج. واتهمت روسيا في وقتٍ لاحق الهيئة العليا للمفاوضات بعرقلة المحادثات عندما اعترضت الأخيرة على إدراج مكافحة الإرهاب على أجندة جنيف.

في كل هذا، رسالة روسيا واضحة: موسكو الآن تمسك بزمام الملف السوري. حتى أنها تمكنت من الضغط على الأردن وتركيا للانحياز إليها، باستغلال هدف الأردن بتجنب أعمال القتال الفعلية على حدوده كما الاستراتيجية التركية الفاشلة تجاه الصراع السوري، والتي كانت تعتمد على الدعم السياسي والعسكري الغربي لإسقاط النظام، والذي لم يتحقق مطلقاً. وجاء الاندماج الأخير للفصائل التي كانت مدعومة من قبل الأردن وتركيا مع جبهة فتح الشام لتشكيل هيئة تحرير الشام في تحدٍ لأسيادها السابقين ليعزّز سردية روسيا حول التطرف.

على رغم أن دي ميستورا قد شدّد على أنه لا يمكن أن يكون هناك حل عسكري في سورية، وعلى رغم مباركة روسيا لعملية جنيف، فإن التطورات الموجودة على أرض الواقع تعمل لمصلحة روسيا والتي ليست بعجلة كبيرة للاتفاق على تسوية سياسية. من دون استراتيجية غربية للوقوف في وجه روسيا، فإنها ستستمر في متابعة تكتيكها لإخفاء نواياها الحقيقية في سورية.

*نقلا عن صحيفة الحياة