أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية
  • مُتاح عدد جديد من سلسلة "ملفات المستقبل" بعنوان: (هاريس أم ترامب؟ الانتخابات الأمريكية 2024.. القضايا والمسارات المُحتملة)
  • د. أحمد سيد حسين يكتب: (ما بعد "قازان": ما الذي يحتاجه "بريكس" ليصبح قوة عالمية مؤثرة؟)
  • أ.د. ماجد عثمان يكتب: (العلاقة بين العمل الإحصائي والعمل السياسي)
  • أ. د. علي الدين هلال يكتب: (بين هاريس وترامب: القضايا الآسيوية الكبرى في انتخابات الرئاسة الأمريكية 2024)

تهديدات الفاعلين من غير الدول:

تأثيرات العملة الافتراضية على الأمن القومي

05 يونيو، 2016


إعداد: عزة هاشم

ظهرت العملة الافتراضية "بيتكوين" Bitcoin لأول مرة في عام 2009، ولم تكن خاضعة لتحكم شركة أو حكومة بعينها، وانتشر تداولها خلال السنوات الأخيرة بصورة سريعة للغاية. وتعد العملة الافتراضية البديل للعملة التقليدية، حيث يمكن نقلها وتداولها واستخدامها في المعاملات التجارية الإلكترونية، وهي لا يتم إصدارها من قِبل بنك مركزي أو سلطة عامة. وأصبح هذا الشكل من العملات مقبولاً من قِبل شريحة كبيرة من مُستخدمي الإنترنت كوسيلة للدفع، ويعتمد قيمة العملة الافتراضية بشكل عام على مقدار العرض والطلب عليها.

وفي ظل هذا الإطار، يأتي التقرير الصادر عن مؤسسة "راند" الأمريكية تحت عنون: "تأثيرات العملة الافتراضية على الأمن القومي"، حيث يتناول حدود استخدام الفاعلين من غير الدول للعملات الافتراضية في المعاملات الاقتصادية، ومدى تأثيرها في زيادة سلطتهم السياسية والاقتصادية في المناطق التي يسيطرون عليها.

الوضع الراهن للعملات الافتراضية

يقدم التقرير، في البداية، عرضاً للوضع الراهن للعملات الافتراضية، حيث يرصد عملية تطور العملات عبر التاريخ، بدءاً من الذهب والفضة، مروراً بالانتقال إلى العملات الورقية والتي تكمن قيمتها فيما يعادلها من مقابل سلعي (مثل الذهب) لدى السلطة المركزية، وبالتالي فإن قيمة العملة الورقية تتحدد في ثقة مستخدميها في أن السلطة التي تقوم بإصدارها لديها ما يقابل العملة من قيمة سلعية.

وعلى الرغم مما تتسم به العملات الورقية من سهولة استخدامها، إلا أنها تظل تواجه صعوبة نقلها عبر المناطق المختلفة، بالإضافة إلى أنها تمنح الحكومات المزيد من النفوذ للسيطرة على السياسة النقدية والمالية، وغالباً ما يتوقف مدى استقرار هذه العملات على السياسات الاقتصادية للحكومة، وهو ما يجعلها عُرضة للكثير من التقلبات التي قد تفقدها قيمتها.

وقد سمحت الابتكارات التكنولوجية الحديثة للمستخدمين الابتعاد عن أنظمة التعامل المالي الورقية، والاتجاه نحو الأنظمة الالكترونية مثل ماكينات الصرف الآلي، والهواتف الذكية، وصولاً إلى العملات الافتراضية مثل "بيتكوين"، والتي تم تقديمها لأول مرة في عام 2009. ووفقاً للتقرير، يتم تداول أكثر من 110 ألف "بيتكوين" يومياً. وفي يونيو 2015، كان هناك حوالي 14.2 مليون "بيتكوين" يتم تداولها بقيمة سوقية إجمالية قدرها نحو 3.5 مليار دولار (بسعر صرف حوالي 240 دولار لكل بيتكوين).

أسباب لجوء الفاعلين من غير الدول لاستخدام العملات البديلة

يتناول التقرير أسباب لجوء الفاعلين من غير الدول إلى طرح عملات بديلة للعملات الوطنية في المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، وذلك من خلال العديد من النماذج التاريخية لجماعات متمردة لجأت إلى إصدار عملات جديدة في محاولة لتأكيد سيطرتها السياسية والاقتصادية في المناطق المتنازع عليها. فعلى سبيل المثال، منطقة الحكم الذاتي في الصومال لديها عملة "شيلنج" shilling، ومنطقة الحكم الذاتي في ترانسنيستريا بأوروبا الشرقية لديها عملة "الروبل" ruble الخاصة بها، والمدينة ذات الأغلبية البيضاء الوحيدة في جنوب أفريقيا والتي تُسمى "أورانيا" تستخدم عملة تطلق عليها اسم أورا Ora.

وفي هذا الصدد، يؤكد التقرير أن الفاعلين من غير الدول غالباً ما يتبنون واحداً من ثلاث بدائل عند محاولة استخدام عملة جديدة، وهي:

- البديل الأول يتمثل في اعتماد عملة نقدية مصنوعة من النحاس والفضة، مثلما فعل تنظيم "داعش" في العراق في نوفمبر 2014، وقد يكون ذلك نتيجة للصعوبات والعوائق التي تنطوي على نشر العملات الافتراضية في الأراضي التي سيطر عليها.

- البديل الثاني هو تبني عملة دولة أخرى، حيث يتم استخدام عملة مُعدة سلفاً ومتداولة في الاقتصاد المحلي مثل الدولار وغيره، مثلما حدث عندما حاول قادة ما يُسمى "جمهورية دونيتسك الشعبية" استخدام عملة "الروبل" في شرق أوكرانيا.

- البديل الثالث يتحدد في تبني عملة الدولة التي تتواجد فيها التنظيمات والفاعلين من غير الدول، مثلما حدث عندما تداولت الجماعات الانفصالية في الصومال العملة الورقية "الشلن" دون أن تكون مرتبطة باحتياطي أو سلعة. ولعل ما يميز هذا البديل هو أن الجماعة المتمردة قد تتطلب احتياطات أصغر من السلع والعملات الأجنبية لطرح العملة الجديدة، ولكن أبرز عيوب هذا الخيار هو عدم وجود قيمة للعملات في بداية إصدارها.

وينوه التقرير إلى أن إصدار العملات البديلة لا يأتي في جميع الأحوال كوسيلة للتمرد أو الانفصال، وإنما قد تشكل أحد سُبل الاحتجاج ضد سياسات الحكومة، فقد تظهر العملات البديلة عندما لا تلبي العملات التابعة للدول احتياجات الجماعات نتيجة عجز السلطة المركزية عن توفير بيئة اقتصاد مستقر.

ويتطرق التقرير إلى استخدامات الفاعلين من غير الدول للعملات الافتراضية في الأغراض الإجرامية أو النشاطات السياسية. وتتمثل أحد الاستخدامات الإجرامية للعملات الافتراضية في طلب الفدية؛ حيث يقوم مجرمو الإنترنت بتشفير بيانات الضحية والإفراج عنها بعد الدفع باستخدام العملة الافتراضية، والتي غالباً ما تكون "بيتكوين". وثمة استخدام شائع آخر لهذه العملات في الاتجار في البضائع غير المشروعة عبر الانترنت مثل المخدرات، كما أن هناك أدلة كافية تشير إلى استخدام الإرهابيين للعملات الافتراضية في تمويل أنشطتهم.

تحديات استخدام الفاعلين من غير الدول للعملات الافتراضية

يرى معدو التقرير أن استخدام الفاعلين من غير الدول للعملات الافتراضية بشكل خاص كعملات بديلة بهدف تعزيز سلطاتهم السياسية والاقتصادية، يواجه العديد من التحديات في الوقت الراهن، ومن أهمها ما يلي:

1- نقص المهارات وضعف البنية التحتية، حيث إن العملات الافتراضية غالباً ما تجتذب الفاعلين من غير الدول في الدول النامية وتلك التي تعاني غالباً اضطرابات داخلية، وبنية تحتية مالية ضعيفة أو غير كافية، وانخفاض معدل انتشار منصات الاتصالات التكنولوجية مثل الهواتف الذكية، بالإضافة إلى افتقار معظم الجماعات المتمردة للمهارات اللازمة لنشر هذه العملات.

2- الهجمات السيبرانية، فقد تكون العملات الافتراضية، مثل "بيتكوين"، أكثر عُرضة للهجمات السيبرانية والتي تتم غالباً من خلال خصوم أكثر تطوراً. وبالتالي فإن إمكانية استخدام عملات افتراضية تتسم بالموثوقية ويمكن الاعتماد عليها من قِبل الفاعلين من غير الدول، قد تواجهها العديد من التهديدات بهجمات محتملة.

3- الافتقار للقواعد التنظيمية، حيث إن القواعد النقدية التي تقوم عليها العملات الافتراضية تحتاج إلى أن تكون محددة ومتفق عليها، وتتضمن هذه القواعد تحديد خصائص هذه العملات وكيفية تأمينها.

4- الافتقار للموثوقية، في البداية تميل ثقة المستخدمين في العملات الجديدة إلى أن تكون منخفضة، حيث يحتاج المستخدمون إلى وقت التأقلم مع العملة والتحقق من سهولة استخدامها.

ومن ناحية أخرى، يرى الباحثون أن تطور استخدام العملات الافتراضية يمكن أن ينعكس في التطورات التكنولوجية الخاصة بأمنها، وهو ما قد يصب في صالح الفاعلين من غير الدول. فالحاجة إلى تطوير آليات لتأمين العملات الافتراضية يمكن أن تشجع على تطوير تقنيات تشفير متقدمة.

ختاماً، ينوه التقرير إلى أن العملات الافتراضية قد لا تمثل حالياً البديل المُفضل لدى المتمردين المتورطين في الصراعات والحروب الأهلية، مشيراً إلى إخفاق تجارب بعض أنصار الحركات الانفصالية في دول مثل سكوتلندا، والتي حاولت تبني هذا البديل من خلال لجوئهم لاستخدام العملات الافتراضية مثل "سكوتكوين" Scotcoin ولكنها لم تجد تأييداً ودعماً شعبياً، وهي نفس النتيجة التي تم التوصل إليها عندما تم إطلاق عملة "أوروراكوين" Auroracoin في أيسلندا كوسيلة لمحاربة الفساد المالي في البلاد.

ومع ذلك، يتوقع التقرير أن تكون العملات الافتراضية هي الخيار المفضل للعديد من الجماعات الانفصالية والإرهابية في المستقبل القريب، وذلك على الرغم من وجود عدد من الصعوبات في الاعتماد عليها كبديل للعملات الورقية وغيرها.

ولكي يتم تفادي التأثيرات السلبية لاستخدام الفاعلين من غير الدول للعملات الافتراضية، يُوصي الباحثون أجهزة الأمن القومي الأمريكي بمحاولة فهم كيف يقوم هؤلاء الفاعلين باستغلال هذا النوع من العملات، وآليات توظيفهم لها، من خلال التركيز على دراسة القضية من جميع أبعادها.


* عرض مُوجز لتقرير بعنوان: "تأثيرات العملة الافتراضية على الأمن القومي"، والصادر عن مؤسسة راند الأمريكية في ديسمبر 2015.

المصدر:

Joshua Baron   and others, National Security Implications of Virtual Currency, (USA: The RAND Corporation, December 2015).