أعلن الرئيس الأميركي عن نهاية تنظيم «داعش»، وأعلن قبل ذلك وبعده عن قراره بضمّ الجولان المحتل إلى إسرائيل. ونتيجة ذلك أعلن نتنياهو عن سروره الشديد بهذه المناسبة «التاريخية». وبذلك يكون ترامب أكثر الرؤساء الأميركيين محاباةً لإسرائيل واحتضاناً لها، فقد اعترف بالقدس عاصمةً لها، ونقل السفارة الأميركية إليها. وقطع عن الفلسطينيين كلَّ مساعدة. وعندما كان ترامب يضمّ الجولان ونتنياهو يصفِّق له، كانت زخّة من الصواريخ تُطلق من غزة على تل أبيب، فتجيب الطائرات والمدفعية الإسرائيلية على التحدي، في حين يحاول المصريون التوسط لاستعادة الهدوء من جديد.
ترامب ونتنياهو يقولان إنّ أكبر تحدٍ للاستقرار في المنطقة هو الانتشار الإيراني. فالإيرانيون موجودون مع صواريخهم في لبنان وسوريا، ومراكزهم تمتد من الناقورة إلى القنيطرة بالجولان. وعاد الإسرائيليون للقول بأنّ إطلاق الصواريخ من غزة هو بوحْي إيراني، لإشعال الموقع عشية ضم الجولان. بيد أنّ هناك من المعلقين الإسرائيليين مَنْ يذهب إلى أنّ إجراءات ترامب ونتنياهو المثيرة هي المسؤولة عن جانبٍ مهمٍ من التوتر. فالقرارات التي يتخذها ترامب لا تحظى بترحيب أحد أو موافقته باستثناء إسرائيل. والقراران المتعلقان بالقدس والجولان لا يفيدان حتى إسرائيل، ويزيدان من التوتر، ويجعلان العودة للتفاوض بعيدةً جداً، والحل السلمي أبعد. وإذا كان الأمر كذلك، فما الداعي لهذه القرارات التي يبدو أن ترامب ونتنياهو يتفقان عليها سلفاً. كل المراقبين يذهبون إلى أنّ الرجلين يريدان الاستفادة من ذلك في الانتخابات البرلمانية ولاحقاً الرئاسية. فترامب في الانتخابات النصفية الأخيرة صمد في مجلس الشيوخ بصعوبة، وفقد الجمهوريون الأكثرية في مجلس النواب. ونتنياهو، في السنوات العشر الأخيرة، ظلَّ يعتمد على هذه الصدمات في تركيب التحالفات، وفي إنشاء الأحزاب والتحالفات وفرطها. وهو يواجه الآن حزباً اسمه: حزب الجنرالات، الذين يريدون إفقاده الأكثرية. ووجهة نظرهم أنّ الأخطار تزداد على إسرائيل بسبب سياساته. وقد دُفع الفلسطينيون إلى الزاوية، لذلك ليس من المستغرب أن يحدث انفجار. وإذا كان هناك ضمان في قوة إسرائيل العسكرية؛ فإنّ القدرة على التفاوض والأمل بالسلام فيهما قوةٌ أيضاً، وهو ما لا يملكه نتنياهو الذي يعرّض إسرائيل دائماً لأخطار الحرب ليبقى في منصبه!
كلا الرجلين ترامب ونتنياهو لا يريدان الحرب ويخشيان دفع ثمنٍ باهظٍ إذا نشبت رغم إمكانية الانتصار في النهاية. لكن تصرفاتهما المثيرة تدفع باتجاه الحرب، وهما يعتمدان على حكمة الخصوم أو ترددهم. وهؤلاء من جهتهم يتوعدون ويهددون، مثلما فعل نصر الله عشية الثلاثاء 3/26 عندما هدد بالحرب إذا استمر القصف على غزة، كما هدد بالحرب لاستعادة الجولان! وإذا كان نتنياهو متردداً بالنظر للعامل المجهول تماماً، وهو الصواريخ الإيرانية الجديدة وفعالياتها؛ فإنّ الجبهة الإيرانية شديدة التردد أيضاً لمعرفتها بالخسائر الكبيرة جداً والتي ستتكبدها في حالة نشوب الحرب. الحزب وإيران صارا يعتمدان على «الهيبة» نتيجة الاشتباكات السابقة، بيد أنّ الصدام وخرق الهيبة يجعل الأمور تمضي باتجاهٍ آخر، وليس على عسكريي الحزب فقط؛ بل وعلى المدنيين في مناطق الاشتباك.
هناك إذن حالة من اللاسلم واللاحرب، وهي تعكس حالةً من التشنج لا يساعد الخلاف الأميركي الروسي على الخروج منها. وإذا قيل إنّ الأميركيين هم الذين يدفعون باتجاه الاضطراب، فإنّ الحلفاء يجيبون بأنّ أهداف الولايات المتحدة التحرش الدائم حتى لا يزداد الاستيلاء؛ لكن سوريا من حصة روسيا، ولا ينبغي أن تكون من حصة إيران وهدفٌ آخر هو إبرار وعد ترامب في الحملة الانتخابية، أن يواصل حملاته على الإرهاب. لقد خمد القتال مؤقتاً ضد «داعش»، لكنّ بومبيو تحدث في الجامعة الأميركية بالقاهرة عن «الإرهاب الشيعي» للمرة الأولى. ومنطق هذه التسمية أنه إذا لم تجر مكافحة الإرهاب الشيعي، فالمنتظر أن يعود الإرهاب (السني) بصيغٍ أفظع، رغم إدارة التوحش الداعشي.
ماذا يفعل النظام السوري؟ وماذا يفعل الجانب الإيراني؟ الإيرانيون يريدون الانتظار في مواقعهم لنهاية عهد ترامب. أما النظام السوري فواقفٌ مكانه لا يتقدم ولا يتأخر. فهو من جهة ينتظر -مثل الإيرانيين- وهو من جهةٍ أُخرى ينتظر ماذا يفعل الروس مع الأميركيين.
كل الأطراف تخشى الحرب، لكنّ السلام ليس بمتناول اليد. لذا فعنوان هذا المقال: ما وراء الحرب والسلام.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد