جاءت العقوبات الأميركية والخليجية قبل أيام على شخصيات جديدة من «حزب الله» اللبناني (عسكرية وسياسية) لتعيد التذكير بأنّ السياسة الأميركية ماضيةٌ قُدُماً في مواجهة إيران وتنظيماتها في المنطقة. ومع أنّ هذه الإجراءات كانت متوقَّعةً بعد الانتخابات اللبنانية والعراقية، فإنّ اللبنانيين والعراقيين على حدٍ سواء، لا يزالون منهمكين بتقاسم الأنصبة والمراكز والسلطات على وقع نتائج الانتخابات التي زادت الأمر غموضاً!
وإذا شئنا الدقة، فإنّ التقديرات الإسرائيلية والإيرانية لنتائج الانتخابات اللبنانية كانت متطابقة. فحسن نصر الله والمسؤولون الإيرانيون والمتحدثون الإسرائيليون، كل هؤلاء قالوا إنّ طهران كانت من خلال حزب الله تسيطر عسكرياً على لبنان، وهي تسيطر الآن سياسياً للمكاسب الانتخابية التي حقّقها الحزب. نصرالله والإيرانيون يعتبرون «الانتصار الانتخابي» رداً على مزاعم القهر الذي يصيب السنة والمسيحيين تحت وطأة السلاح. إذ صوَّت للحزب هذه المرة سنّة ومسيحيون، وحصّل مرشح الحزب في بيروت أصواتاً تفضيلية أعلى من أصوات سعد الحريري! لذلك قال نصرالله إنّ بيروت هي بيروت المقاومة، وفوَّض لميليشياته الاحتفال بالسلاح في شوارعها طوال ثلاثة أيام. وعلى هذه الاستباحة علقت إسرائيل بأنّ الحزب هو من يحكم لبنان، لذا فإنّ مقاتلته الآن وليس غداً لا تحرِّر الحدود الإسرائيلية من التهديد فقط بل وتحرر اللبنانيين من سطوة الحزب!
لكنّ إسرائيل لا تزال تتوقع نشوب الحرب من سوريا أو في سوريا، على أساس أنّ قواعد إيران هناك جديدة، بينما هي قديمةٌ في لبنان، وسبق أن ضربتها إسرائيل أكثر من مرة دون أن تزول! وبينما يسلِّم خبراء عسكريون إسرائيليون بأنّ ضرب قواعد إيران في سوريا ضروري، فإنهم لا يزالون يعتبرون قواعد الحزب في لبنان أخطر عليهم.
الأميركيون والإسرائيليون يسعَون لحربٍ عاجلة، بغض النظر عن التوصيفات هل هي شاملة أم محدودة. وتصرفاتهم تدل على ذلك: بالإغارات الإسرائيلية على سوريا عبر الأجواء اللبنانية، وكانوا قد قالوا الأسبوع الماضي إنهم أنْهَوا قواعد إيران هناك، وعادوا يقولون الآن: بل هناك قواعد باقية. ثم إنّ الولايات المتحدة ما خرجت من الاتفاق النووي وحسْب، بل قالت إنها تريد مكافحة النفوذ الإيراني المزعزع للاستقرار في المنطقة، والمهدِّد لإسرائيل، والداعم للإرهاب. وجاءت أخيراً قضية العقوبات على «حزب الله». وهناك تنافُسٌ بين إيران وأميركا الآن على تشكيل حكومتي لبنان والعراق بعد الانتخابات. إيران تعتبر وجودها داخل الحكومات العربية درعاً لها ورهينة، والولايات المتحدة تعتبر الوجود الإيراني في الحكومات مزعزعاً للاستقرار، فمن الذي يعلّق الجرس؟ فقبل سوريا وبعد سوريا هناك 150 ألف صاروخ إيراني في لبنان وعلى مقربة نسبية من الحدود مع إسرائيل. وهذه الصواريخ لن تُزال لا بـ «الاستراتيجية الدفاعية» من جانب حكومة لبنان الضعيفة، ولا بـ «النوايا الحسنة» من جانب إيران! إنما هناك عاملٌ جديدٌ طرأ. هو أن إيران، وبسبب هجمات ترامب المتكررة، وإغارات إسرائيل المتتالية، ما عادت في مواقع الهجوم والقدرة على الابتزاز، كما في أيام أوباما.
لذلك فالذي أُقدّره أنّ إيران لن تردَّ الآن على التصعيد الأميركي والإسرائيلي بهجوم مضادّ، بل وإثباتاً للمسالمة، ستردّ بالشكوى والتظلم، وبالذهاب إلى الروس والصينيين والأوروبيين ليقفوا معها في النووي وغير النووي. وهي متحالفة مع الروس في سوريا وسيتوثق هذا التحالف كلما اتجه الرئيس ترامب لمخاصمة العالم أجمع صوناً وتدريعاً للولايات المتحدة ولازدهارها الاقتصادي.
والتقدير أيضاً أن لا تقاوم إيران قيام حكومات معتدلة في لبنان والعراق، إنما هل يُرضي ذلك كله الولايات المتحدة.. وإسرائيل؟ ستمضي الولايات المتحدة وإسرائيل قُدماً في المطالبة بخروج الإيرانيين من سوريا، وتفكيك صواريخ «حزب الله» في لبنان، وهذا الأمر لن يجد استجابة من إيران بالطبع. لذلك فقد تصبح الحرب لا مفرَّ منها لتحقيق مكاسب نوعية أو لدفع الأخطار القائمة. وروسيا وحدها هي من تستطيع إلى حدٍ بعيد منْع نشوب نزاعٍ واسع بالتأثير على كل من إسرائيل وإيران، فهل تفعل؟ هذا ما ستكشفه الأسابيع القادمة.
*نقلا عن صحيفة الاتحاد