أخبار المركز
  • مصطفى ربيع يكتب: (إخفاقات متكررة: هل تنجح استطلاعات الرأي في التنبؤ بالفائز بالرئاسة الأمريكية 2024؟)
  • د. رامز إبراهيم يكتب: (الحل الثالث: إشكاليات إعادة توطين اللاجئين بين التسييس وإزاحة الأعباء)
  • د. إيهاب خليفة يكتب: (التكنولوجيا العمياء: كيف وظفت إسرائيل الذكاء الاصطناعي في حرب غزة ولبنان؟)
  • د. أيمن سمير يكتب: (خمسة سيناريوهات للتصعيد العسكري بين إسرائيل وإيران)
  • مهاب عادل يكتب: (رسائل الإصلاح: كيف انعكست أزمات الشرق الأوسط في الدورة الـ79 للأمم المتحدة؟)

القمة العالمية للحكومات 2023.. حلول ابتكارية لمواجهة التحديات

21 فبراير، 2023


شكلت القمة العالمية للحكومات التي اختتمت دورتها العاشرة في دبي قبل أيام قليلة، حدثاً مفصلياً مهماً ليس فقط في مسيرة عمل هذه القمة التي انطلقت قبل عشرة أعوام وتحديداً في عام 2013، وإنما أيضاً في تعزيز التعاون الحكومي والحوار البنّاء بين الحكومات حول التحديات الراهنة التي تكتنف العمل الحكومي ومستقبله، وذلك في ضوء ما شهدته هذه الدورة من مشاركات نوعية وأجندة استثنائية ومبادرات متفردة وحوارات عالمية جامعة غطت الكثير من المجالات التي تهم مستقبل الحكومات.

ويتطرق هذا المقال لأهمية القمة العالمية للحكومات كحدث سنوي عالمي، وأبرز الإنجازات التي حققتها خلال الدورات السابقة، قبل أن يقدم قراءة تحليلية لأهم فعاليات دورة هذا العام وإنجازاتها.

إسهامات إيجابية:

بعد مرور عشرة أعوام من انطلاق دورتها الأولى، أصبحت القمة العالمية للحكومات في دبي تشكل التجمع الحكومي السنوي الأكبر في العالم، والمنصة الأهم لتبادل المعرفة والخبرات والأفكار الخلاقة التي تستهدف تطوير العمل الحكومي وتعزيز قدرات الحكومات على مواجهة التحديات التي تواجهها والارتقاء بمستوى الخدمات التي تقدمها، والأهم من ذلك استشراف مستقبل هذه الحكومات ومعرفة توجهاتها المستقبلية بما يرسم أمام صانع القرار الحكومي صورة واضحة عما سيشهده العمل الحكومي في المستقبل، ولاسيما في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة التي يشهدها العالم، والتي تفرض تغييراً متسارعاً في كل مناحي الحياة.

ومنذ انطلاقها أول مرة في عام 2013، أحدثت القمة العالمية للحكومات تغييراً إيجابياً في دولة الإمارات والعالم كله، من خلال ما يلي:

1- توفير منصة عالمية لتعزيز التعاون بين الحكومات، وتشجيع تبادل الأفكار وأفضل الممارسات في مجال العمل والخدمات الحكومية لخدمة الشعوب. إذ إن فكرة القمة ذاتها والموضوعات والمحاور التي تغطيها هي فكرة عبقرية بامتياز، فالعالم كان بالفعل في أمس الحاجة لوجود منصة عالمية للحوار وتبادل الأفكار والتجارب من أجل بلورة رؤى وسياسات حكومية تستطيع التعامل مع الأزمات العالمية المشتركة التي تواجه أغلب الحكومات، وصياغة آليات وسياسات تعاونية مشتركة لمواجهتها، والعمل معاً من أجل بناء مستقبل أفضل للبشرية. ومن هنا جاءت المبادرة الإماراتية لتنظيم هذه القمة كحدث سنوي، يؤكد الدور الإيجابي والفاعل لدولة الإمارات في توفير منصة للحوار العالمي بين الحكومات بما يخدم مستقبل البشر جميعاً.

2- تشكيل منصة لإطلاق المبادرات والمشروعات التي تهدف إلى مواجهة التحديات العالمية الرئيسية، مثل الاستدامة والصحة والتعليم والتكنولوجيا. فعلى سبيل المثال، أدت القمة دوراً رئيساً في الترويج لممارسات الحوكمة واعتماد التقنيات الجديدة والحلول المبتكرة، كالذكاء الاصطناعي، و"بلوك تشين"، وإنترنت الأشياء، كما أنها وفرت مساحة لمناقشة الموضوعات المهمة مثل مستقبل العمل، وتأثير التقنيات الناشئة في المجتمع، ودور الحكومات في تعزيز التنمية المستدامة. 

ومن المبادرات المهمة التي نتجت عن القمة العالمية للحكومات وكان لها تأثيرها الإيجابي المباشر، مبادرة "دبي الذكية" التي تم إطلاقها في عام 2014، بهدف جعل دبي المدينة الأكثر ذكاءً واستدامة في العالم بالاستفادة من التكنولوجيا لتحسين نوعية حياة مواطنيها. ونتج عن المبادرة تنفيذ عدد من حلول المدن الذكية، ومن ذلك مبادرة دبي للبيانات، واستراتيجية دبي لبلوك تشين، ووضع مبادئ للذكاء الاصطناعي، وغيرها الكثير. وكذلك مبادرة "التحدي العالمي للأمن السيبراني"، التي تم إطلاقها في القمة العالمية للحكومات في عام 2017، والتي كان نتيجتها إقامة شراكات بين الدول والمنظمات لتعزيز قدرات الأمن السيبراني العالمية والاستجابة للتهديدات السيبرانية. ومبادرة "التحالف العالمي للذكاء الاصطناعي" التي تم إطلاقها خلال القمة الحكومية في عام 2018 ونتج عنها تكوين شراكات وتعاون بين الدول والمنظمات لدفع تطوير ونشر تقنيات الذكاء الاصطناعي من أجل تحسين المجتمع. كما تم في القمة نفسها إطلاق "المبادرة العالمية للسعادة والرفاهية" والتي كانت نتيجتها تبني السعادة والرفاهية مقياساً رئيساً للنجاح من قبل الحكومات.

3- منصة عالمية للحوار الفكري الذي يستشرف مستقبل العمل الحكومي، حيث إن فعاليات القمة الحكومية خلال السنوات العشر الماضية، تميزت بانعقاد عشرات وربما مئات الجلسات العلمية التي ناقش فيها الخبراء والمتخصصون العالميون القضايا المختلفة التي تهم عمل الحكومات ودورها ومستقبلها. وتميزت هذه الجلسات بمشاركة الخبراء الأكاديميين والمسؤولين الحكوميين ورواد الأعمال ومؤسسات المجتمع المدني، مما جعلها منصات ثرية بالأفكار التي تدمج الممارسات الواقعية بالأفكار المستقبلية التي ترسم مستقبلاً أفضل في جميع المجالات، ولاسيما تلك التي تستهدف تعزيز الحوكمة وتحسين نوعية الحياة للمواطنين، بالإضافة إلى زيادة الوعي بالقضايا التي تشمل الاستدامة والصحة والتعليم والتكنولوجيا.

4- منصة لمواجهة التحديات والأزمات العالمية، فمن أهم نتائج القمة العالمية للحكومات في دوراتها السابقة هو تحولها إلى منصة مهمة للحوار بشأن الأزمات والتحديات التي تواجه العالم وكيفية تنسيق الجهود الحكومية في مواجهتها. فمن خلال لقاءات المسؤولين والجلسات النقاشية، كانت الأزمات العالمية مثل الأزمات الاقتصادية وتداعيات "كوفيد19" وغيرها، حاضرة في فعاليات القمة، مما ساعد على بلورة رؤى وتصورات مشتركة بشأن كيفية التعامل معها. وتأكيداً لذلك، يمكن إلقاء نظرة سريعة على فعاليات القمة العالمية للحكومات في عام 2022، حيث يتضح على الفور كيف شغلت القضايا والأزمات التي تهم العالم حيزاً من اهتمامات ومناقشات القمة وكلمات المسؤولين الدوليين فيها، بما في ذلك قضايا التغير المناخي والاستدامة وجائحة "كوفيد19" وتحولات النظام الدولي وغيرها من القضايا التي تمت مناقشتها وتقديم أفكار وتوصيات لمواجهتها.

إنجازات دورة 2023:

استمراراً لهذه المسيرة الرائدة من النجاحات والإنجازات التي حققتها القمة العالمية للحكومات، جاءت الدورة الحالية للقمة لعام 2023 التي انعقدت في دبي خلال الفترة من 13 إلى 15 فبراير الجاري تحت شعار "استشراف حكومات المستقبل"، لتشكل محطة مهمة للغاية في هذا الحدث العالمي الاستثنائي، ولاسيما بالنظر لحجم المشاركة العالمية الواسعة في فعالياتها، حيث انعقدت القمة بمشاركة 150 دولة، وشارك في فعالياتها 20 رئيس دولة وحكومة وأكثر من 250 وزيراً و10 آلاف من المسؤولين الحكوميين وقادة الفكر والخبراء العالميين. كما جمعت القمة هذا العام أكثر من 80 منظمة عالمية وإقليمية بما يجعلها أكبر تجمع عالمي من نوعه للحكومات والمنظمات، الأمر الذي رسخ مكانة هذا الحدث العالمي باعتباره أكبر وأهم منصة عالمية للحوار البنّاء حول مستقبل البشرية.

ومن ناحية الموضوعات والقضايا التي ناقشتها القمة، فقد تم عقد أكثر من 220 جلسة تحدثت فيها 300 شخصية عالمية من الرؤساء والوزراء والخبراء والمفكرين وصُناع المستقبل. وناقشت هذه الجلسات العديد من القضايا المهمة التي جاءت ضمن ستة محاور رئيسية، هي: مستقبل المجتمعات والرعاية الصحية، وحوكمة المرونة الاقتصادية والتواصل، والتعليم والوظائف كأولويات الحكومات، وتسريع التنمية والحوكمة، واستكشاف آفاق جديدة، وتصميم واستدامة المدن العالمية.

ويُلاحظ من قائمة الموضوعات التي ناقشتها جلسات القمة أنها ركّزت في أغلبها على قضايا مستقبلية بما في ذلك الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي المتسارع وكيفية توظيفهما في خدمة العمل الحكومي، ومستقبل الحكومات ودورها في عالم "الميتافيرس" ومدى القدرة على تحويل المجتمع بشكل تدريجي ليتوافق مع متطلبات هذا العالم الجديد، إلى جانب كيفية تحقيق طموحات الشعوب في الرخاء والتنمية في ظل الأزمات الاقتصادية العالمية المتنامية، وغير ذلك الكثير من القضايا التي شهدت تقديم الكثير من الأفكار والآراء والتوصيات التي تخدم عمل الحكومات ودورها المستقبلي.

إلى جانب ذلك، استضافت القمة 22 منتدى عالمياً متخصصاً ركزت على وضع سياسات واستراتيجيات وخطط مستقبلية تعزز جاهزية الحكومات ومرونتها في مجالات مختلفة. ومن بين أبرز هذه المنتديات: منتدى أهداف التنمية المستدامة، الذي أصبح منذ انطلاقه في عام 2016، منصة لتعزيز الابتكار نحو تحقيق الأهداف العالمية، حيث تركزت مناقشاته هذا العام على وضع حلول ومشاريع ومبادرات مبتكرة لتسريع تطبيق مبادرة "عقد العمل" لإيجاد حلول مستدامة لجميع التحديات الكبرى في العالم.

وهناك أيضاً منتدى الخدمات الحكومية الذي جمع كبار القادة من القطاعين العام والخاص من جميع أنحاء العالم للمشاركة في حوار حول مستقبل الخدمات الحكومية. ومنتدى "مستقبل الإعلام الحكومي" الذي ناقش آفاق هذا القطاع الحيوي وتحدياته في واقع إعلامي يتطور بسرعة وعالم يمر بمتغيرات سياسية واقتصادية هائلة. ومنتدى المرأة في الحكومة الذي وفر منصة عالمية للحكومات لدعم الجهود في استكشاف إمكانات المرأة وتمكينها في صنع القرار. والمنتدى العالمي لتصميم المستقبل الذي بحث الأنظمة والتحولات المستقبلية لمعالجة تحديات التكنولوجيا وتوجهات المستقبل. إضافة إلى منتدى الصحة العالمي الذي عُقد بالتعاون مع منظمة الصحة العالمية، فضلاً عن منتدى مستقبل العمل، ومنتدى الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة الذي عُقد بالشراكة مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية "اليونيدو"، ومنتدى مستقبل التعليم، ومنتدى تبادل الخبرات الحكومية، ومنتدى المرونة الحكومية، وغير ذلك من منتديات متخصصة وفرت فرصة ومنصة مهمة لحوار عالمي بنّاء حول مختلف القضايا والتطورات الدولية التي تهم الشعوب كافة.

ولا تقتصر النجاحات التي حققتها القمة الحكومية لعام 2023 على ذلك، فهناك تأثيرات أخرى تأتي من خلال ما تقدمه من جوائز تستهدف تحفيز العمل والحكومي والارتقاء به عالمياً، مثل جائزة أفضل وزير في العالم التي تسلط الضوء على الجهود الاستثنائية لوزراء الحكومات حول العالم من أجل تعزيز التميز في القطاع الحكومي، وتطبيق مبادرات ناجحة وقابلة للتطوير ومستدامة تسهم في النهوض الاجتماعي والاقتصادي لمواطنيها، لكونهم مثالاً يُحتذى للمسؤولين الحكوميين. وجائزة تكنولوجيا الحكومات، وهي جائزة صُممت لتحفيز رواد تكنولوجيا الحكومات وتشجيعهم على تقديم حلول مبتكرة للتحديات العالمية، وجائزة ابتكارات الحكومة الخلّاقة، التي تهدف إلى التعريف بالابتكارات الخلاّقة في العمل الحكومي وتكريمها وتسليط الضوء عليها.

خلاصة القول، لقد حققت القمة العالمية للحكومات 2023 نجاحاً استثنائياً، وكتبت دولة الإمارات من خلالها قصة نجاح أخرى ملهمة تُضاف إلى سجلها الحافل بالإنجازات، وكانت بمثابة التتويج الحقيقي لعشر سنوات من الإنجازات والنجاحات والمبادرات المبتكرة التي أنتجتها القمة في دوراتها السابقة من أجل بناء مستقبل أفضل للبشرية، وترسيخ مكانتها باعتبارها المنصة الأهم والحدث العالمي الأبرز في مجال تنسيق وتطوير العمل الحكومي.