أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

أنماط مختلفة:

لماذا تزايد جدل "المجاهرة بالإفطار" في رمضان بالمنطقة العربية؟

19 يونيو، 2017


شهدت الدول العربية تصاعدًا في الجدل حول أدوار ما يطلق عليه "الشرطة الدينية"، أو "الحسبة"، وخاصة خلال شهر رمضان، عبر قيام مجموعة من الأفراد – الذين ينتمون لأحزاب سياسية أو أجهزة أمنية ويرتدون أزياءً موحدة أو مدنية- بحملات ممنهجة أو جولات ميدانية لتعقب المفطرين على المقاهي أو المطاعم أو الساحات الرئيسية والميادين العامة، وقد يكونون كوادر في تنظيمات إرهابية مثلما هو الحال بالنسبة للإداريين الجوالين ضمن "ديوان الحسبة" التابع لتنظيم "داعش" في العراق.

وقد تتدرج العقوبات المفروضة من قبل هؤلاء المتعقبين على المفطرين، حيث تبدأ من مجرد التأنيب والتقاط الصور لهؤلاء ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، ثم تصل إلى إغلاق المقاهي والمحلات وطرد الجالسين فيها أو فرض غرامة مالية أو تطبيق عقوبة الحبس، وتنتهي بالاعتداءات الجسدية على المفطرين بالضرب والصلب في الشوارع مثلما جرى في سوريا. وقد يحدث العكس وهو الاعتداء من قبل المواطنين على منظمي تلك الحملات على نحو ما حدث في تونس. بل قد يتم التعامل مع مفطري رمضان على أنهم "قردة" كما فعل تنظيم "داعش" في العراق.

وقد تعددت أبعاد الجدل حول دور الشرطة الدينية في المنطقة العربية، لعدد من الأسباب، التي يمكن تناولها على النحو التالي:

"سلفنة" حزبية:

1- تبلور أدوار لأحزاب سياسية ذات توجهات إسلامية متشددة داعمة لمعاقبة الأشخاص المفطرين خلال نهار شهر رمضان: وهو ما تعبر عنه الحالة التونسية، حيث أطلق رئيس حزب "الزيتونة تونس" ورئيس "الجمعية الوسطية للتنمية والإصلاح" عادل العلمي دعوة للتصدي للمجاهرين بالإفطار في رمضان، والتي على أثرها تشن حملات على المقاهي المفتوحة نهارًا والتي يرتادها المفطرون ويتم تصويرهم والتشهير بهم ومقاضاتهم.

 وقد أثار ذلك جدلا حادًا داخل المجتمع التونسي ما بين رأيين: الأول، داعم للفكرة باعتبارها تؤدي إلى وعظ وإرشاد التونسيين وإقناع المفطرين بالتوبة إلى الله والعدول عن مثل هذا السلوك في الشهر الفضيل لأنه يعد مخالفة شرعية وانتهاكًا لحرمة شهر رمضان، فضلا عن ترسيخ أركان الدين الإسلامي بين الأجيال الجديدة في التفاعلات اليومية داخل المجتمع من أجل الحفاظ على هويته الإسلامية ومحاربة مظاهر العلمنة.

والثاني، مناهض للفكرة ومستنكر لمحاولة البعض أداء دور "شرطة الأخلاق الدينية" من خلال التضييق على حرية الأفراد التي يصونها الدستور والتدخل في شئونهم الخاصة، إذ ينص الدستور على حرية المعتقد والضمير، كما تتولى الدولة بمقتضاه رعاية الدين بشكل لا يمنع الأقليات من ممارسة عقائدها، في الوقت الذي يحاول أحد الأحزاب "الزيتونة" مراقبة الإجراءات التي تتبعها الحكومة للتصدي لكل مظاهر الإخلال بالفرائض الإسلامية.

 وهنا تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد نصوص قانونية في الدستور التونسي تعاقب المفطرين في نهار رمضان، بل إن الجهات المختصة تمنح تراخيص لعدد من المقاهي والمطاعم المتواجدة بشكل خاص في المدن الكبرى والأماكن السياحية لممارسة عملها في شهر رمضان، لكنها تفرض عليها بعض الشروط كتغطية واجهاتها ووضع ساتر على أبوابها بطريقة تمنع المارة من رؤية الزبائن أثناء تناول المشروبات والمأكولات. غير أن الفصل "226 مكرر" من القانون الجنائي يجرم "كل من يعتدي علنًُا على الأخلاق الحميدة أو الآداب العامة بالإشارة أو القول أو يعمد علنًا إلى مضايقة الغير بوجه يخل بالحياء".

 ويساعد على تطبيق هذا القانون قوة التيارات السلفية المتشددة، والتي تحاول تعقب المفطرين في نهار رمضان في محافظات تونس الكبرى مثل تونس، وأريانة، وبن عروس، ومنوية. ولم يقتصر التدخل السلفي في حياة التونسيين عند هذا الحد بل طالب عادل العلمي في تصريحات مختلفة لوسائل الإعلام التونسية خلال عام 2016 بـ"تنظيم محاكم شرعية لأن القانون الوضعي المعمول به حاليًا في تونس هو مسخ لقوانين غربية إذ لا يحرم الزنا حتى أصبحت الفتيات يجاهرن بالمساكنة مع ذكور".

شرطة دينية:

2- مطالبة تيارات سياسية بتشكيل شرطة دينية ومنحها الضبطية القضائية: حيث طالب الداعية السلفي سامح عبدالحميد حمودة، في تصريحات لصحيفة "صوت الأمة" المصرية، في 24 مايو 2017، بتأسيس شرطة دينية، هى عبارة عن مجموعات للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تراقب تصرفات الناس خلال شهر رمضان، ودعا الأزهر إلى تخصيص مجموعة من خريجي الكليات الشرعية للحسبة، مع منحهم الضبطية القضائية التي تسمح لهم بإغلاق الكافتيريات والمقاهي في نهار رمضان، علاوة على توجيه النصح للشباب وتوعيتهم.

سيف القانون:

3- إصدار أحكام قضائية بسجن المفطرين: إذ قضت محكمة الاستئناف بمحافظة بنزرت التونسية، في 1 يونيو 2017، بسجن أربعة أشخاص شهرًا واحدًا، لإفطارهم علنًا في نهار رمضان في حديقة عامة، بعد شكوى تقدم بها مواطنون يقيمون قرب الحديقة، وتم إمهالهم عشرة أيام لاستئناف الحكم وإلا أصبح نافذًا. وقد أرجع المتحدث باسم الادعاء العام في المحكمة، شكري لحمر، الحكم إلى أن "المفطرين الأربعة اعتدوا على الآداب العامة بعدما أكلوا ودخنوا في حديقة عامة في نهار رمضان وهو عمل مستفز"، وأضاف: "إن تدخل الشرطة وإحالتهم على المحكمة جاء بناءً على شكوى تقدم بها سكان المنطقة".

   وقد أثار ذلك التوجه الرسمي احتجاج بعض الجمعيات الحقوقية في تونس مثل "الائتلاف المدني من أجل الحريات الفردية" الذي أصدر بيانًا أكد فيها أنه "على السلطات العمومية احترام التزاماتها الدستورية وضمان حرية المعتقد والضمير خلال شهر رمضان. إذ أن هذه الأفعال تشكل إنكارًا لقيم العيش المشترك وتهدد بشكل جدي النموذج المجتمعي ومكاسب الشعب التونسي، خصوصًا حرياته المضمونة دستوريًا".

 كما خرجت تظاهرة احتجاجية وسط العاصمة تونس، في 11 من الشهر ذاته، للمطالبة بحرية المجاهرة بالإفطار، على نحو ما أطلقته حركة "موش بالسيف" أى ليس بالقوة، والتي رفعت شعارات عدة من بينها "ما الذي يضيرك إذا صمت أنت وأكلت أنا" و"لا لاعتقال المفطرين" و"اعتقلوا الإرهابيين ودعوا المفطرين وشأنهم"، إذ يرى المحتجون أن الحكم يؤدي إلى الاعتداء على الحريات الشخصية بدلا من توفير الحماية لها، ويتعارض مع الدستور، حيث ينص الفصل "49" منه على أن "يحدد القانون الضوابط المتعلقة بالحقوق والحريات المضمونة بهذا الدستور وممارساتها بما لا ينال من جوهرها. ولا توضع هذه الضوابط إلا لضرورة تقتضيها دولة مدنية ديمقراطية وبهدف حماية حقوق الغير".

ملاحقة أمنية:

4- ملاحقة الأجهزة الأمنية المجاهرين بالإفطار: فقد شهدت الجزائر في السنوات الأخيرة ظاهرة ملاحقة المفطرين في شهر رمضان، وتعرض البعض للاعتقال في حالات عديدة، على نحو ما تجسده عبارة شهيرة هى "انتهاك حرمة رمضان". كما قامت الأجهزة الأمنية في مصر بتعقب المفطرين خلال السنوات الماضية، ووجهت لهم تهم "الإفطار العلني" على نحو أثار معارضة بعض القطاعات داخل المجتمع بدعوى انتهاك الحرية الشخصية. فضلا عن ذلك، هدد محافظ عمّان سعد شهاب في تصريحات صحفية، في 25 مايو 2017، بـ"إيقاف منتهكي حرمة شهر رمضان وإتخاذ إجراء إداري وقانوني بحقهم".

وفي هذا السياق، أطلق ناشطون أردنيون عبر موقع "فيسبوك" حملة "غزوة_ناعور"، بعد مداهمة الأجهزة الأمنية لمطعم سياحي في بلدة ناعور، في 3 يونيو 2017، حيث قدم طعامًا إلى طلاب الجامعة الألمانية خلال شهر رمضان. وقد تم طرد أصحاب المطعم والطلاب، وأثار تصوير تلك الحادثة بالهاتف النقال من جانب أحد رجال الأمن جدلا حول حرية الإفطار في الأردن، خاصة بعد أن قام ناشطون في عام 2014 بإطلاق حملة على الموقع نفسه تدعو للحق بالمجاهرة بالإفطار، وتحمل اسم "كما لك الحق أن تصوم.. احترم حقي بأن أعيش حياة طبيعية".

فتاوي رسمية:

5- إطلاق المؤسسات الدينية الرسمية فتاوى تتعلق بالمجاهرة بالإفطار: حيث صدرت فتوى عن دار الإفتاء المصرية خلال شهر رمضان في عام 2016 مفادها أن المجاهرة بالإفطار في نهار رمضان لا تعد من قبيل الحرية الشخصية بل هى اعتداء على قدسية الإسلام ومجاهرة بالمعصية وانتهاك صريح لحرمة المجتمع وحقه في احترام مقدساته، إلى جانب كونها تخالف الذوق العام في بلاد المسلمين. وقد أثارت هذه الفتوى جدلا واسعًا، بعد تعالي الأصوات التي رأت فيها تحريضًا على المجاهرين بالإفطار، وهو ما دعا دار الإفتاء إلى سحب الفتوى من موقعها على "فيسبوك".

تهديدات إرهابية:

6- تفكيك الأجهزة الأمنية خلايا إرهابية تؤدي دور الشرطة الدينية: على نحو ما برز خلال الفترة الماضية في تفكيك خلايا في طنجة في شمال المغرب، إذ يتم الاعتداء على المواطنين بحجة فرض احترام الشريعة الإسلامية ومنع تناول الخمور وهو ما يتم تنفيذه بالقوة بواسطة الأسلحة البيضاء والعصى من أشخاص ملثمين. وهنا تجدر الإشارة إلى تخوف أجهزة الأمن المغربية من حملات التجنيد لأنشطة الجماعات الإرهابية المسلحة، لا سيما في ظل التحاق مواطنين مغاربة بتلك الجماعات في سوريا والعراق.

عقوبات "داعشية":

7- إصدار التنظيمات الإرهابية فتاوى مثيرة للجدل في مناطق نفوذها: وهو ما يبدو جليًا في المناطق التي سيطر عليها تنظيم "داعش" في سوريا والعراق، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، وخاصة خلال شهر رمضان، إذ أصدر فتاوي ببطلان صيام من يكره التنظيم أو من لا يصلي، وأشار إلى أن "من لديه هذه الخصال فلا يكلف نفسه عناء الصوم، فليس له من الصيام إلا الجوع والعطش"، وفي حال ضبط المفطرين يتعرض هؤلاء للجلد بعد العرض على الجميع، على نحو ما حدث في مدينة الرقة، حيث وضع عناصر التنظيم على صدور المفطرين لافتة "مفطر دخان"، وتم جلد المجاهرين بالإفطار 50 جلدة أو صلبهم على أعمدة الإنارة في الشارع، وإن تغير الوضع بشكل كبير بسبب تراجع التنظيم عن سيطرته على مناطق واسعة في البلدين. 

وقد حذر كوادر "داعش" المواطنين من الإفطار المتعمد في مناطق سيطرته بالعراق وسوريا، خلال شهر رمضان قبل الماضي (عام 2015) متوعدين إياهم بعقوبات "تضاهي حياة القردة في الأقفاص"، وهو ما حدث مع مدخني السجائر في سوق باب الطوب وسط مدينة الموصل عبر إلقاء الموز إليهم بسخرية، ومعاملتهم على أنهم قردة في حديقة للحيوانات، لمدة 15 يومًا، حيث يكون إفطار المعاقب بهذا القفص عددًا من حبات التمر، وهو الطعام نفسه الذي يتناوله في السحور.

سياقات متنوعة:

 خلاصة القول، إن الجدل السائد في الدول العربية بشأن التعامل مع المجاهرين بالإفطار لا يرتبط بالجوانب الشرعية وإنما يتعلق بالأبعاد الاجتماعية، خاصة أن قوانين الدول تختلف فيما بينها في هذا الصدد، حيث ينص بعضها على معاقبة من يفطرون علنًا في رمضان، في حين لا يتضمن البعض الآخر أية عقوبات ضد المفطرين.

غير أن الجدل الحالي ارتبط بمحاولات التيارات السلفية المتشددة مأسسة دعواتها لمواجهة المفطرين، على نحو ما هو قائم، في بعض الأحيان، في حالتى تونس ومصر، وتزايد المخاوف من اندماج محتمل بين الجماعات المتشددة والتنظيمات الإرهابية والعناصر الإجرامية، الأمر الذي تكشفه الحالة المغربية، فضلا عن تغول تنظيم "داعش" في مناطق نفوذه في سوريا والعراق قبل انكماشه في إطار حرب التحالف الدولي ضده، وكذلك الحال بالنسبة لفتوى المؤسسات الدينية الرسمية التي تناهض المجاهرة بالإفطار.