أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

آراء المستقبل:

إزالة الكربون من صناعة النفط.. حلول بيئية مستدامة

30 نوفمبر، 2023


تؤثر قطاعات النفط المختلفة، من محطات الإنتاج ومعامل التكرير وعمليات نقل المنتجات النفطية المختلفة، بشكل كبير في البيئة المحيطة، وفي تحقيق الاستدامة بمفهومها الكلي، والاستدامة البيئية على وجه الخصوص. وفي ظل الاهتمام المتنامي بالبيئة وعلاقتها باستدامة العمليات المختلفة داخل المجتمعات في جميع الأنشطة المتشابكة في إطار العمل على تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، فإن تقليل معدلات الكربون داخل القطاعات النفطية المختلفة أصبح أمراً حتمياً. وربما يأتي ذلك في ظل عدم وجود بدائل ناجعة ومجدية اقتصادياً للطاقات الجديدة والمتجددة من تقنيات استخدام الطاقة الشمسية والرياح وطاقة طبقات الأرض والهيدروجين كي تحقق المنافسة أمام القطاع النفطي في مجالات الطاقة المختلفة على المدى القريب، وخاصة في ظل ارتفاع أسعارها مقارنة بالنفط، بالإضافة إلى التعثر في وضع سياسات استخدام الطاقات الجديدة والمتجددة طبقاً للشرائح الاجتماعية والاستخدامات المختلفة. 

وعليه، فإن تناول التأثيرات السلبية للقطاع النفطي من إنتاج الانبعاثات الكربونية التي تؤثر في البيئة الطبيعية والكائنات الحية واستدامة العمليات على الكوكب، ومحاولة تقليلها وإزالتها؛ سيساعد بشكل كبير على زيادة كفاءة القطاع النفطي في تحقيق الاكتفاء من الطاقة حتى يحين وقت تكون فيه البدائل الأخرى ناجعة ومجدية اقتصادياً، ومستدامة مجتمعياً.

الانبعاثات الكربونية:

تمثل الانبعاثات الكربونية نسبة كبيرة من غازات الاحتباس الحراري التي تستقر في الغلاف الجوي وتشكل ستاراً من الغازات التي تعمل على ارتداد الحرارة إلى داخل الغلاف الجوي وتمنع تسربها إلى خارجه، مما يؤدى إلى ما يُسمى بـ"الاحتباس الحراري". وأكثر هذه الانبعاثات الكربونية خطورة هي غازات ثاني أكسيد الكربون، والميثان. ويمثل الميثان خطورة؛ لكونه غازاً ساماً، لكنه سريع التسرب ولا يستقر داخل الغلاف الجوي مدة زمنية كبيرة. على العكس، فإن غاز ثاني أكسيد الكربون ليس بدرجة السمية الخاصة بالميثان، لكنه يستقر في الغلاف الجوي - قبل أن يتسرب إلى خارجه – مدة تتراوح بين 300 إلى 1000 عام. 

لذا، فإن تقليل معدلات الانبعاثات الكربونية سيؤدي إلى تقليل نسب الغازات السامة وطويلة الأمد التي من شأنها التأثير في زيادة معدلات الاحتباس الحراري داخل الغلاف الجوي للكرة الأرضية، وبالتالي استحالة حياة العديد من الكائنات الحية على كوكبنا.

وفي القطاع النفطي، توجد أشكال أخرى من انبعاثات الكربون، ليست فقط على الصورة الغازية التي تصدر من المولدات المختلفة التي تعمل على توليد الطاقة لماكينات الحفر وعمليات التكرير، وإنما يمكن أيضاً أن تتمثل في التسربات النفطية داخل البحار والأنهار والأراضي، خاصة عند مرور أنابيب نقل المنتجات النفطية من مكان إلى آخر. 

إزالة الكربون:

تتمثل عمليات إزالة الكربون فيما يلي:

1- إزالة الملوثات الكربونية الغازية: تتمثل إزالة غازات الاحتباس الحراري التي تحتوي على كربون في عمليات تركيب الفلاتر والمرشحات، لكن هذا هو الحل البسيط الذي دائماً ما تصعب صيانته. أما الحل المستدام فيتمثل في عمليات اصطياد الكربون، وذلك من خلال زراعة الأشجار بشكل كثيف حول محطات الإنتاج ومعامل التكرير، حتى تتم عملية اصطياد الكربون من داخل المحطات والمعامل إلى الوسط المحيط. ويؤدى ذلك إلى تحسين جودة الهواء أيضاً لجميع العاملين في هذه المحطات. وتُسمى الأشجار دائماً بـ"مصارف الكربون"، إذ يتم استخدام الكربون في عمليات البناء الضوئي لزيادة معدلات الخضرة، وبالتالي تقليل نسب ثاني أكسيد الكربون وزيادة معدلات إنتاج الأكسجين. 

وبالطبع، فإن عملية اختيار الأشجار المستخدمة لاصطياد الكربون تعتمد على عدة عوامل لها علاقة بكفاءة استهلاك النبات لثاني أكسيد الكربون، وتحقيق الظلال المطلوبة، ومعدلات إنتاج الأكسجين، فضلاً عن ضرورة أن تكون معدلات استهلاك هذه الأشجار للمياه منخفضة.  

وأصبحت تقنيات اصطياد الكربون (carbon catching and carbon capture) قيد التجربة والاختبار من أجل زيادة معدلات الكربون الذي يتم اصطياده لتقليل نسب الانبعاثات الكربونية في الغلاف الجوي. وإحدى هذه الطرق هي "الحبس الجيولوجي"؛ الذي يُعد طريقة لتخزين ثاني أكسيد الكربون تحت الأرض، إذ يتم حقن ثاني أكسيد الكربون في أعماق الأرض في التكوينات الصخرية العميقة للتخزين على المدى الطويل. ومن خلال احتجاز ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في هذه الخزانات، يمكن منع إطلاقه في الغلاف الجوي، مما يؤدي إلى حماية المناخ والكوكب والأجيال القادمة. وتم استخدام "العزل/ الحبس الجيولوجي" منذ عقود، كما تم إجراء العديد من الأبحاث والدراسات في مجالات الجيولوجيا وعلم الزلازل وتوصيف السوائل وهندسة الآبار ونمذجة الخزانات، من أجل التأكد من أن هذه الطريقة تمثل أداة قوية ومثبتة لاصطياد وتخزين ثاني أكسيد الكربون على نطاق واسع. 

وبمجرد اصطياد ثاني أكسيد الكربون، تتم تنقيته وضغطه في مرحلة تجمع بين خصائص الغاز والسائل، ليتم حقن الغاز في خزان عميق تحت الأرض، غالباً ما يزيد عمقه عن 5 آلاف قدم. وبمجرد وصول ثاني أكسيد الكربون إلى الخزان، يتم عزله بشكل آمن من خلال آليات محاصرة لعزل الغاز الذي يتم حقنه، إذ يذوب في المحاليل الملحية التي توجد بشكل طبيعي داخل الخزان. ويتفاعل ثاني أكسيد الكربون مع المعادن الموجودة في التكوين الصخري على المستوى الجزيئي عبر سلسلة من التفاعلات الجيوكيميائية. وتؤدي هذه التفاعلات إلى تكوين معادن كربونات جديدة وصلبة ومستقرة، ويصبح ثاني أكسيد الكربون في الواقع جزءاً من الصخر. وتتطلب هذه الطريقة آليات مراقبة عديدة للتأكد من سلامة العمليات، وعدم وجود مخاطر بمستويات غير عادية، بالإضافة إلى التكلفة الاقتصادية المرتفعة.

2- إزالة الملوثات الكربونية من البحار والمحيطات والتربة المشبعة بالملوثات النفطية: في حالة التسربات النفطية إلى البحار والمحيطات والأراضي عند نقلها، أو في حال وجود تشبع بالمواد النفطية في التربة؛ يتم استخدام الإزالة والمعالجة العضوية (bioremediation) لهذه المواد النفطية باستخدام أنواع مختلفة من البكتيريا التي تتغذى على المواد الهيدروكربونية النفطية. وتختلف البكتيريا من منتج نفطي لآخر، ومن منطقة لأخرى. وبعض أنواع البكتيريا يمكنها إنتاج مواد نانوية (Nanomaterial) كمخرجات تساعد على عملية التحلل العضوي للملوثات النفطية (biodegradation). وثمة عوامل أخرى تؤثر في عملية المعالجة العضوية مثل ملوحة المياه والتربة، وطريقة عمل البكتيريا، بشكل هوائي أو لا هوائي. وتُعد هذه الطريقة هي المُثلى من الناحية المستدامة، لأنها تعتمد على استخدام الكائنات الدقيقة في التعامل مع المواد النفطية الهيدروكربونية. 

عوائد متوقعة:

علاوة على الفائدة البيئية التي يمكن أن تعود على الكوكب من عمليات تقليل وإزالة الكربون، فإن الاستثمارات المتعلقة بالبحث والتطوير والأبحاث الأكاديمية والتطبيقات ستتزايد، وبالتالي ستصبح أكثر كفاءة وجدوى من الناحيتين التطبيقية والاقتصادية، وهنا يأتي دور "شهادات الكربون". فعند إجراء مقارنة بسيطة بين إنتاج الكربون ومنتجاته المختلفة قبل التقليل والإزالة، وبعد التقليل؛ يمكن حساب الخفض في البصمة الكربونية لمحطات الإنتاج ومعامل التكرير وعمليات النقل. ويتم حساب الخفض في البصمة الكربونية بالطن المكافئ لثاني أكسيد الكربون. وعند حدوث ذلك، يمكن إصدار شهادة من الجهات المعتمدة بالخفض الذي حدث في البصمة الكربونية للمحطة أو معمل التكرير أو شركة نقل المواد النفطية. 

وفي هذه الحالة، يمكن تداول "شهادات الكربون" في الأسواق الرسمية أو الطوعية لبيعها للعديد من المستثمرين الراغبين في الاستثمارات الخضراء للمساهمة في تخفيض الآثار السلبية على البيئة والمجتمعات، خاصة المستثمرين في قطاعات كثيفة الإنتاج للكربون. وقد يتم استخدام المبالغ الواردة من بيع مثل تلك الشهادات في تنفيذ استثمارات ومشروعات جديدة، والتوسع في خفض البصمة الكربونية، وإصدار شهادات جديدة. ويضمن ذلك وجود مصلحة مشتركة للجميع في ظل وجود تنسيق بين المستثمرين والقطاعات كثيفة الإنتاج للكربون، إلى جانب القطاعات المستثمرة في خفض وإزالة الكربون.

ختاماً، تتلخص عوائق إزالة الكربون من القطاعات النفطية المختلفة، في غياب التنسيق الكافي بين القطاعات البحثية والتطبيقية والاستثمارية من أجل تخفيض التكلفة الاقتصادية للبدائل المختلفة التي يمكن أن تسهم بشكل كبير في إزالة وتقليل الكربون.