أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

الناس نيوز:

دراسة: كيف تغيّر التهديدات الصينية السياسات الدفاعية للبلدان المحيطة؟

29 مايو، 2023


نشر مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة مقالا للكاتبة آية بدر، انطلاقا من إعلان ريتشارد مارليس، وزير الدفاع الأسترالي، في 24 أبريل المنصرم، “مراجعة وتحديث استراتيجية الأمن القومي الأسترالية، بعدما كانت الاستراتيجية قائمة منذ عقود على حماية الأراضي؛ في حين باتت أستراليا تركز على ردع الأعداء قبل أن يصلوا إلى حدودها، سواء في البحر أو الجو أو الفضاء الإلكتروني، في إشارة محتملة إلى الصين”.

وسلط المقال، الذي يحمل عنوان “كيف يغير التهديد الصيني السياسات الدفاعية في آسيا؟”، الضوء على مجموعة من الجوانب المرتبطة بالموضوع؛ من بينها “المخاطر والتهديدات”، و”محاور الإستراتيجية”، و”ردود الفعل المتمثلة في الانتقاد الصيني، والترحيب الأمريكي والياباني، والقلق الماليزي والإندونيسي.

هذا نص المقال:

تشهد القدرات العسكرية الصينية تناميا واضحا، وهو ما أقلق الولايات المتحدة الأمريكية، وكذلك حلفاءها في المحيطين الهادئ والهندي. ويقدر حجم الجيش الصيني بحوالي مليونيْ فرد؛ في حين أن الجيش الأمريكي يقدر بحوالي 1.4 ملايين فرد فقط. كما أظهرت الصين، أخيرا، تفوقا في بعض المجالات العسكرية، حتى على الدول الغربية، كما في إنتاجها لصواريخ فرط صوتية. وتطور بكين أسرابا من الطائرات المسيرة، سيتم توجيهها لتدمير نظم اتصالات الجيوش المعادية. أما على الجانب البحري، فيتفوق الأسطول الصيني على نظيره الأمريكي من حيث العدد؛ في حين تمكنت الصين من تصميم وبناء ثالث حاملة طائرات لها، في مؤشر على تنامي القدرات العسكرية الصينية بوتيرة كبيرة.

وفي هذا الإطار، أعلن ريتشارد مارليس، وزير الدفاع الأسترالي، في 24 إبريل 2023، مراجعة وتحديث استراتيجية الأمن القومي الأسترالية، مشيرا إلى أن الاستراتيجية التي كانت قائمة منذ عقود على حماية الأراضي لم تُعد تفي بالمطلوب، مضيفا أن أستراليا باتت تركز على ردع الأعداء؛ وذلك قبل أن يصلوا إلى حدودها، سواء في البحر أو الجو أو الفضاء الإلكتروني، في إشارة محتملة إلى الصين.

ويأتي تحديث الاستراتيجية في تقرير مكون من أكثر من 100 صفحة، وتُعد المراجعة الدفاعية الأبرز منذ الحرب العالمية الثانية، حيث تعكس العديد من التحولات النوعية في أنماط التسلح والقدرات العسكرية والذخائر والصواريخ بما يتماشى مع التحولات التي طرأت على البيئة الأمنية الإقليمية والدولية.

المخاطر والتهديدات

تأتي مراجعة وتحديث الاستراتيجية في إطار رؤية كانبرا للمخاطر والتهديدات التي تواجهها، والتي يتمثل أبرزها في التالي:

1ـ التهديد الصيني: ذكرت المراجعة التي قامت بها وزارة الدفاع الأسترالية كلمة “الصين” تسع مرات، دون أن تصفها بأنها خصم. ومع ذلك فقد أشارت المراجعة إلى أن النمو العسكري لبكين هو الآن الأكبر والأكثر طموحا مقارنة بأية دولة أخرى منذ الحرب العالمية الثانية. وأوردت أن هذا النمو يحدث من دون شفافية أو طمأنة لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ بشأن النيات الاستراتيجية للصين. وأضافت أن تأكيد الصين لسيادتها على بحر الصين الجنوبي يهدد النظام القائم على القواعد الدولية في المحيطيْن الهندي والهادئ بطريقة تؤثر سلبا في مصالح أستراليا الوطنية، خاصة في ظل تراجع هيمنة الحليف الأول لأستراليا، الولايات المتحدة، إذ لم تعد القطب الأوحد في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، بفعل عودة المنافسة الاستراتيجية بين القوى الكبرى.

2ـ الاستعداد للحرب: تؤكد الاستراتيجية المُحدثة على الترابط بين الأمن القومي الأسترالي والتهديدات الإقليمية، خصوصا في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، مع تغير توازنات القوى بها، وتزايد فرص وقوع مواجهة عسكرية بتلك المنطقة؛ مما يجعل الاستراتيجية تركز بالأساس على تعزيز الجبهة الشمالية والشمالية الشرقية.

وفي هذا الإطار، أكد وزير الدفاع الأسترالي أن كانبرا يجب أن تكون قادرة على الدفاع عن أراضيها والمنطقة المجاورة لها، وردع أية محاولة للخصوم لإبراز قوتهم، مع العمل على حماية طرق التجارة والاتصالات.

محاور الاستراتيجية

تضمنت الاستراتيجية المُحدثة نحو 14 محورا رئيسيا تتناول بالتفصيل الأبعاد والتوجهات التي ترى أستراليا أنها تحقق الأمن القومي، ويمكن استعراض أبرزها على النحو التالي:

1ـ زيادة الإنفاق العسكري: تستهدف الاستراتيجية الارتقاء بالقدرات والصناعات العسكرية المحلية، وتحسين قدرة القوات المُسلحة بكافة أسلحتها وفي مختلف المجالات؛ إدراكا لنقاط الضعف وأوجه القصور الراهنة، والتي تحول دون القدرة على مواجهة التهديدات والتحديات المُتسارعة، بما يجعل الاستراتيجية تستهدف تعزيز القدرات العسكرية عبر زيادة الإنفاق العسكري وزيادة أنشطة البحوث والتطوير ومواكبة التطورات التكنولوجية.

وفي هذا الإطار، فإن الاستراتيجية تستهدف زيادة مُخصصات الإنفاق العسكري على مدار العقد المُقبل واستمرار ثباته خلال السنوات الأربع المُقبلة، مع توجه الحكومة نحو توفير الموارد والتمويل اللازم لذلك.

2ـ تطوير أنماط التسليح: تركز الاستراتيجية بشكل رئيس على تعزيز القدرات العسكرية للجيش الأسترالي بمختلف أسلحته، عبر التطوير الكمي والنوعي للتسليح، بما يواكب التهديدات الأكثر تعقيدا، وبما يعزز القدرة على الردع.

ومن أمثلة تلك الطفرات التسليحية الارتقاء بقدرات الأسلحة البحرية؛ من خلال الحصول على السفن الصغيرة المزودة بأسلحة هجومية بعيدة المدى، والتركيز على تطوير غواصات “شبح” بعيدة المدى تعمل بالطاقة النووية، بالإضافة إلى ترقية مقاتلات “أف – 35″، و”أف 18 آي أف”.

هذا في مقابل خفض أعداد مركبات المشاة المستهدف شراؤها من 450 إلى 129 فقط وإلغاء الدفعة الثانية من مدافع “الهاوتزر” ذاتية الدفع، وتوجيه التمويل الذي تم توفيره لصالح شراء مزيد من أنظمة صواريخ المدفعية الأمريكية من طراز “هيمارس” ومراكب إنزال برمائية.

هذا إلى جانب رفع المدى الأقصى لأسلحة الجيش من 40 كيلومترا (25 ميلا) إلى أكثر من 300 كيلومتر (185 ميلا)، واقتناء صواريخ دقيقة لها مدى يزيد عن 500 كيلومتر (310 أميال).

3ـ توطين الصناعات العسكرية: تسعى الاستراتيجية إلى تعزيز القدرات العسكرية الذاتية وتوطين تلك الصناعات، من خلال تطوير قدرات العنصر البشري والارتقاء بمهاراته في هذه الصناعة، مع تخصيص المزيد من الاستثمارات في مجال البحوث والتطوير والتصنيع وتعزيز سلاسل الإمداد لتلك الصناعة الاستراتيجية.

4ـ تبني النهج الدفاعي الاستباقي: تتبلور الاستراتيجية العسكرية الأسترالية الراهنة حول ما يُسمى بـ”عقيدة الإنكار والحرمان”، والتي تستند إلى تبني النهج الدفاعي الاستباقي لمنع الأعداء والخصوم من ممارسات الإكراه والتلويح باستخدام القوة لتحقيق الهيمنة؛ وذلك من خلال تحقيق توازن القوى والردع في مواجهة الأعداء وللتصدي للمخاطر المُحتملة، وتمكين الجيش الأسترالي ومنحه حرية حركة لمواجهة كل ما قد يحتاج لمواجهته.

ويُعد ذلك النهج بديلا عن السياسة الدفاعية، التي تم تبنيها في الماضي، والتي كانت تستهدف ردع التهديدات المُحتملة منخفضة المستوى من دول الجوار والرد عليها.

5ـ تعزيز شبكة التحالفات: تعكس الاستراتيجية إدراكا أستراليا للتعقيدات الأمنية والعسكرية على الصعيدين الإقليمي والدولي للحد الذي يستلزم ضرورة التنسيق مع الشركاء الإقليميين مثل اليابان والهند، إلى جانب العمل على تعزيز التحالفات الإقليمية والدولية؛ وفي مقدمتها تحالف “أوكوس” وتحالف “الآسيان” ومنتدى جزر الأطلسي، من أجل تحقيق توازن القوى الإقليمي وحماية المصالح والأمن القومي.

6ـ الاهتمام بالأبعاد غير التقليدية: تولي الاستراتيجية اهتماما بالأبعاد غير التقليدية للأمن القومي؛ ومنها التغير المناخي والذي وصفته باعتباره تهديدا محوريا للأمن القومي الأسترالي. ويُعد كذلك بمثابة عبء يلقي بالمزيد من الأدوار على الجيش لمواجهته، سواء داخل أستراليا أو إقليميا من خلال أدوار الإغاثة والتدخل الإنساني وأعمال مواجهة المخاطر والكوارث. هذا بالإضافة لاستهداف مواكبة جهود التخضير وخفض الانبعاثات الكربونية داخل صفوف الجيش وأسلحته، إلى جانب تأكيد تعزيز القدرات في مجال الأمن السيبراني وكذلك في مجال الفضاء الخارجي، في ظل اشتداد وتيرة التهديدات غير التقليدية بكل منهما.

7ـ تحديد المحيط الإقليمي: أوضحت الاستراتيجية أن منطقة المحيطين الهندي والهادئ تُعد النطاق الإقليمي الأهم باعتبارها امتدادا للأمن القومي الأسترالي؛ بل أكدت الاستراتيجية أنها باتت المنطقة ذات الأهمية الجيوستراتيجية الكبرى عالميا بفعل ما تشهده من سباق للهيمنة، وتنامي سباقات التسلح التقليدية وغير التقليدية والنووية؛ وهو ما يؤكد أهمية مواجهة أي تهديدات مُحتملة من خلال تعزيز التمركز بها بالتنسيق مع دول الجوار والحلفاء.

ردود الفعل

بعد الإعلان عن تلك الاستراتيجية، توالت ردود الأفعال وكذلك التقديرات للتداعيات المُحتملة لتلك الخطوة، ولعل أبرزها:

1ـ انتقاد صيني: اتهمت وزارة الخارجية الصينية الحكومة الأسترالية باستخدام بكين ذريعة لتعزيز قدراتها العسكرية، ونفت كل ما يُثار بشأن سياسة الحشد العسكري التي تنتهجها. وأكد ماو نينج، المتحدث باسم الخارجية الصينية، أن تلك السياسة دفاعية بطبيعتها، وشدد على أن بلاده ملتزمة بالعمل على حفظ السلم والأمن الإقليميين، ودعا الدول الغربية إلى التوقف عن المبالغة في سردية التهديد الصيني.

كما انتقدت المنصات الإعلامية الصينية تلك الاستراتيجية ووصفتها بالهجومية لا الدفاعية بما يجعلها مهددة للأمن والسلم الإقليميين بفضل التطلع إلى امتلاك أسلحة بعيدة المدى بما يُهدد سيادة وسلامة الدول الأخرى، وقد يجعل المنطقة ساحة للحرب بالوكالة تُوظف فيها أستراليا للقتال نيابة عن الغرب.

2ـ ترحيب أمريكي وياباني: رحبت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، في بيان رسمي، بالاستراتيجية، باعتبارها تبرز الدور الأسترالي في حفظ السلم والأمن وتحقيق التوازن الاستراتيجي بالإقليم؛ للحفاظ على منطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة، مضيفة أنها تُسهم في الحفاظ على قيم وقواعد النظام العالمي. كما أصدرت وزارة الدفاع اليابانية بيانا رحبت فيه بالاستراتيجية باعتبارها ستسهم في تعزيز السلام والاستقرار في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، من خلال تعزيز قدرات الردع الأسترالية.

كما أن تلك الاستراتيجية الأسترالية من شأنها أن تعزز أواصر الشراكة والتحالف بين أستراليا والعديد من القوى الإقليمية الأخرى، سواء في إطار التحالفات مثل “أوكوس”، أو عبر الشراكات الثنائية مع بعض القوى في منطقة المحيطين الهندي والهادئ على غرار اليابان.

3ـ قلق ماليزي وإندونيسي: يمكن استشفاف بعض ردود الفعل الأخرى، من خلال سابقة الإعلان عن انضمام أستراليا إلى تحالف “أوكوس”؛ فحينها حذرت ماليزيا من أن أستراليا تخاطر بتأجيج سباق تسلح إقليمي وتقوض الاستقرار وأبدت إندونيسيا انزعاجها كذلك.

وفي الختام، يمكن القول إن تلك الاستراتيجية تعكس الأهمية المحورية لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ، وتؤكد كذلك ما ذهبت إليه الكثير من التقديرات التي تشير إلى أن تلك المنطقة باتت مسرح الأحداث الأهم عالميا، والتي يتُوقع أن تشهد تصاعدا واضحا في التنافس الدولي؛ وهو ما تؤكده الاستعدادات التي يبذلها الجيش الأسترالي للتمكن من التصدي للتهديدات الصينية، عبر الاعتماد على القدرات الذاتية والطفرة النوعية والكمية في أنماط التسليح جنبا إلى جنب مع تعزيز الأمن الجماعي بالتعاون مع الحلفاء.

*لينك المقال في الناس نيوز*