أخبار المركز
  • شريف هريدي يكتب: (الرد المنضبط: حسابات الهجمات الإيرانية "المباشرة" على إسرائيل)
  • أ. د. حمدي عبدالرحمن يكتب: (عام على حرب السودان.. ترابط المسارين الإنساني والسياسي)
  • د. أحمد أمل يكتب: (إرث فاغنر: هل قاد "التضليل المعلوماتي" النيجر للقطيعة مع واشنطن؟)
  • عادل علي يكتب: (موازنة الصين: دوافع تزايد الانتشار الخارجي للقوة البحرية الهندية)
  • إبراهيم فوزي يكتب: (معاقبة أردوغان: لماذا خسر حزب العدالة والتنمية الانتخابات البلدية التركية 2024؟)

رؤية أمريكية:

الاتفاق النووي.. اغتنام الفرص وإدارة المخاطر

16 يوليو، 2015


إعداد: ناهد شعلان


 شهدت الشهور الماضية مفاوضات بين ممثلي إيران ومجموعة 5+1 (الولايات المتحدة، وروسيا، والصين، وفرنسا، وبريطانيا، وألمانيا) بهدف التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني. وقد احتدم النقاش في واشنطن وعواصم أخرى معنية حول فحوى هذا الاتفاق، ومدى إمكانية نجاحه من عدمه، وما سيترتب عليه من نتائج إقليمية ودولية.

وفي هذا السياق، تأتي الدراسة التي أعدها "إيلان جولدنبرج" Ilan Goldenberg –  زميل أول ومدير برنامج أمن الشرق الأوسط في مركز الأمن الأمريكي الجديد- تحت عنوان: "الاستراتيجية الأمريكية بعد الاتفاق مع إيران.. اغتنام الفرص وإدارة المخاطر"، لتُقدم تقييماً للاتفاق النووي المحتمل وتصوراً للنتائج التي قد تترتب عليه.

ويركز الباحث في الجزء الأول من الدراسة على عرض الفرص والمخاطر المترتبة على إبرام الاتفاق، من خلال الإجابة على خمسة تساؤلات محورية، ثم ينتقل في الجزء الثاني من الدراسة إلى عرض ست توصيات رئيسية تهدف إلى زيادة فرص نجاح الاتفاق في تحقيق النتائج المرغوبة منه.

أولاً: الاتفاق النووي الإيراني.. الفرص والمخاطر

يؤكد الكاتب على عدم تغير الاستراتيجية الأمريكية بعد إبرام الاتفاق، حيث ستظل أهدافها الإقليمية تتمثل في منع إيران من الحصول على أسلحة نووية، والرغبة في تحقيق الاستقرار، ومحاربة الإرهاب، والدفاع عن الحلفاء في المنطقة، والحفاظ على إمدادات الطاقة، فضلاً عن تقوية نظام منع الانتشار النووي، والحفاظ على مكانة الولايات المتحدة ووضعها العالمي.

ويناقش "جولدنبرج" في هذا الجزء من الدراسة، الفرص والمخاطر المتعلقة بخمسة تساؤلات محورية قد تؤثر على تحقيق الأهداف المذكورة أعلاه، وذلك كالتالي:

التساؤل الأول: هل سينجح الاتفاق في منع إيران من الحصول على السلاح النووي؟

إن المقياس الحقيقي لمدى فعالية أي اتفاق هو قدرته على الحيلولة دون نجاح إيران في الحصول على السلاح النووي.

الفرص:

1 ـ الاتفاق سوف يحول دون أي تحرك علني: فأحد الطرق التي قد تلجأ إليها إيران للحصول على سلاح نووي هو استخدام كافة الوسائل والمرافق المتاحة لديها بعيداً عن المُراقبة جيداً من قِبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك لإنتاج يورانيوم مخصب بنسبة 90% لصنع القنبلة النووية، والتي يحتاج إنتاج الواحدة منها مدة زمنية تتراوح من شهرين إلى ثلاثة أشهر وفقاً للدراسات المتخصصة. ولكن الإدارة الأمريكية أكدت موافقة طهران على تمديد هذه الفترة إلى عام كامل خلال العشر سنوات القادمة من الاتفاق، مما قد يتيح الفرصة للولايات المتحدة لرصد أي اختراقات من جانب إيران وتكوين حشد دولي يسمح بالتدخل العسكري.

2 ـ الاتفاق سوف يُثني إيران عن أي تسلل خفي: فالمعايير التي تم الاتفاق عليها في "لوزان" تقضي بوجود نظام مراقبة وتفتيش قوي ودائم، ما قد يجعل من الصعب على طهران تطوير أي مرافق نووية أو إنشاء مرافق بديلة لاستكمال برنامجها في الخفاء.

المخاطر:

1 ـ انهيار التطبيق وحصول إيران على السلاح النووي: إن أخطر تهديد لنجاح الاتفاق النووي هو سوء التنفيذ وغياب الاهتمام بالقضية الإيرانية بين النخبة السياسية، والذي قد ينتج عن تغير الإدارة الأمريكية والأفراد القائمين على الملف النووي، ويترتب عليه عدم الوعي الكافي بهذا الملف، أو فتور الاهتمام به؛ ما قد يسمح لطهران بخرق الاتفاق على المدى الطويل، وهو ما يمثل مصدر تهديد ليس فقط للولايات المتحدة ولكن لبقية الدول أعضاء الاتفاق.

2 ـ الثغرات في الاتفاق التي قد تسمح لإيران بالحصول على السلاح النووي: يسمح الاتفاق بتخفيف القيود على البرنامج النووي الإيراني خلال 10 إلى 15 سنة، ما قد يعطي لطهران الفرصة لانتظار الوقت المناسب لإطلاق برنامجها النووي الجديد. وتكمن المعضلة فيما إذا كان المجتمع الدولي سيكون لدية الآلية اللازمة لإعادة فرض العقوبات على إيران لردعها عن امتلاك السلاح النووي.

التساؤل الثاني: هل ستتجه إيران إلى الاعتدال أم مزيد من التشدد؟

بمعنى هل سينجح الاتفاق في تغيير الاتجاه الاستراتيجي للنظام الإيراني، والتأثير ليس فقط على قدراته المادية، بل على نواياه وأهدافه؟

الفرص:

ـ سوف يستخدم البراجماتيون الاتفاق لتوسيع نطاق نفوذهم: سيدعم الاتفاق مكانة الرئيس الإصلاحي "حسن روحاني" لدى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، لنجاحه في رفع العقوبات الاقتصادية، والذي قد يترتب عليه زيادة نفوذه داخلياً وإقليمياً، والاتجاه نحو قضايا أكثر أهمية مثل الشؤون الاقتصادية، والشرعية الدولية والانفتاح على العالم، لتعزيز النفوذ الإيراني.

المخاطر:

ـ إحكام المتشددين لنفوذهم: من المرجح أن يقوم المتشددون بقيادة المرشد الأعلى بإقصاء "روحاني" عن الحكم، خشيةً من أن التقارب مع الغرب الذي قد ينتج عن عقد الاتفاق قد يؤدي إلى الإطاحة بالنظام الإيراني، ولكن سيظل الصراع الإيراني الداخلي غير محسوم لفترة طويلة حتى وفاة المرشد الأعلى الحالي، ليتضح بعدها التوجه الجديد للنظام.

التساؤل الثالث: هل سيؤدي الاتفاق إلى استقرار الأوضاع في الشرق الأوسط أم إلى تأجيج المنافسة؟

قد يكون للاتفاق آثار إيجابية إذا زاد من فرص التعاون بين الولايات المتحدة وإيران إزاء بعض القضايا الإقليمية، وقد يكون ذات تأثيرات سلبية إذا زاد من حدة التنافس بين إيران وبعض الفاعلين الإقليميين الأخرين.

الفرص:

ـ تحقيق مزيد من التعاون بين الولايات المتحدة وإيران في أفغانستان والعراق: بالنسبة لأفغانستان، فقد لعبت إيران دوراً واضحاً في محاربة "طالبان"، واشتركت في العمليات التكتيكية مع الولايات المتحدة. أما بالنسبة للعراق، فللدولتين مصلحة مشتركة في محاربة تنظيم "داعش".

المخاطر:

1 ـ تأجيج المنافسة في العراق وسوريا واليمن: ثمة مؤشرات ضئيلة من جانب إيران على أنها سوف تتخلى عن سياساتها الطائفية في العراق التي تقضي بمساندة الشيعة، ويبدو الوضع في سوريا أكثر تأزماً، حيث ما زالت طهران تدعم الرئيس "بشار الأسد" وتساعد على تأجيج الحرب الطائفية التي أدت إلى ظهور "داعش".

2 ـ اتجاه الحلفاء العرب للتصرف وفقاً لمنظورهم: تخشى معظم دول الخليج، وعلى وجه التحديد المملكة العربية السعودية، من أن إبرام الولايات المتحدة للاتفاق النووي مع إيران سيجعل واشنطن تتخلى عن التزاماتها تجاه الحفاظ على أمن حلفاءها في المنطقة، وتجاهل تزايد النفوذ الإيراني، مما سيدفع الحلفاء العرب للتصرف وفقاً لرؤيتهم للحد من المد الإيراني.

3 ـ تصدع العلاقات الودية مع إسرائيل: فالسياسات الإيرانية الإقليمية وخطابها المعادي للدولة اليهودية يعد مصدر قلق لإسرائيل، ولكن القلق الأكبر يتمثل في انتهاز طهران أية فرصة بعد مُضي عدة سنوات لخرق الاتفاق دون أن يقابل ذلك عقوبات من المجتمع الدولي الذي قد يكون وجه اهتماماته لقضايا أخرى.

التساؤل الرابع: هل سيؤدي الاتفاق إلى تقوية أم إضعاف نظام منع الانتشار النووي؟

الفرص:

ـ وضع قواعد جديدة للتعامل مع الدول النووية غير الشرعية: قد يكون الاتفاق بمثابة نموذج ناجح لكيفية التعامل مع الدول التي تخرق قواعد النظام الدولي لمنع الانتشار النووي، وتصبح بنوده قواعد عامة للتعامل معها.

المخاطر:

1 ـ إضعاف قواعد نظام منع الانتشار النووي: إذا فشل الاتفاق النووي مع إيران، فقد يضر ذلك بنظام منع الانتشار، ويدمر فكرة أن الضغط الدولي والدبلوماسية يمكن أن يقودان الدول التي ترغب في امتلاك أسلحة نووية إلى وضع قيود على برامجها.

2 ـ الانتشار الإقليمي لبرامج التخصيب المحلية: إن عقد الاتفاق النووي قد يدفع بعض الدول الإقليمية المجاورة لإيران، وعلى وجه الخصوص السعودية، إلى الحصول على برامجها النووية الخاصة الموازية لموازنة طهران في الحجم والقوة.

التساؤل الخامس: هل سيوفر الاتفاق مساحة استراتيجية للولايات المتحدة للتركيز على تحديات أخرى في آسيا وأوروبا؟

الفرص:

1 ـ إتاحة المزيد من الوقت والمرونة للتركيز على تحديات مهمة في آسيا وأوروبا: سيعطي إبرام الاتفاق مع إيران فرصة للولايات المتحدة لإعادة التركيز على مجموعة من القضايا التي لم تحظَ بالاهتمام الكافي مثل الاستفزازات الصينية في بحر الصين الجنوبي، وإعادة التوازن بشكل عام في آسيا، ومواجهة السلوك العدائي لروسيا في شرق أوروبا.

2 ـ تقليص النفوذ الصيني في العلاقات الصينية - الأمريكية: فعلى الولايات المتحدة أن تُبقي قضية السلاح النووي الإيراني على قمة أجندة التعاون مع الصين، حتى تُقلل من نفوذها في مناطق وقضايا أخرى ذات أهمية لواشنطن.

3 ـ نفوذ اقتصادي أقوى في مواجهة روسيا: سينتج عن الاتفاق النووي رفع العقوبات الاقتصادية على إيران، وعودتها مرة أخرى إلى سوق النفط، مما سيؤدي إلى زيادة الإنتاج العالمي وخفض الأسعار، وهو ما يؤثر سلباً على الاقتصاد الروسي الذي يعتمد بالأساس على عوائد النفط والغاز.

المخاطر:

1 ـ تحسن وضع الصين في الشرق الأوسط: ستبقى بكين المستفيد الأول اقتصادياً من عودة طهران إلى سوق النفط، حيث إن إيران تغطي 52% من احتياجات الصين النفطية. ولكن ستظل المعضلة الأساسية أمام الصين هي موازنة علاقاتها الجيدة بين إيران ودول الخليج.

2 ـ زيادة التوتر بين الولايات المتحدة وروسيا: سيتيح عقد الاتفاق فرصة لموسكو لزيادة التعاون مع طهران بشأن بعض القضايا الإقليمية، مثل الوضع في سوريا، والذي يمثل نقاط خلاف بين الولايات المتحدة وروسيا لاختلاف مصالحهما.

ثانياً: أبرز التوصيات لتعزيز المكاسب الأمريكية

أوردت الدراسة عدداً من التوصيات التي تهدف إلى وضع استراتيجية تُعظم من المكاسب التي قد تحصل عليها الولايات المتحدة من إبرام الاتفاق النووي مع إيران، وتتمثل هذه التوصيات في الآتي:

1 ـ تقوية الاتفاق باتخاذ مجموعة من الإجراءات خارج نطاق مفاوضات (مجموعة 5+1) لوضع شروط لتنفيذ وتطبيق الاتفاق على المدى الطويل، ويكون ذلك عن طريق استصدار قانون يمنح الرئيس الأمريكي الصلاحيات اللازمة لفرض العقوبات على طهران في حال خرقها للاتفاق، وزيادة الميزانية المخصصة للوكالة الدولية للطاقة الذرية، وإجراء مجموعة من الاتفاقات مع حلفاء واشنطن تسمح باستصدار العقوبات ضد إيران دون الحاجة للرجوع إلى مجلس الأمن.

2 ـ التعاون مع إيران في القضايا ذات الاهتمام المشترك لاستقرار الشرق الأوسط وحث طهران على أن تصبح أكثر تعاوناً واعتدالاً، فعلى الولايات المتحدة أن تنظر إلى السنوات الأولى من إبرام الاتفاق بإعتبارها مرحلة انتقالية في العلاقات الإيرانية – الأمريكية، وتحولها من الصراع الدائم إلى المنافسة المقبولة.

3 ـ المواجهة الحاسمة للتحركات الإيرانية التي تتعارض مع المصالح الأمريكية خاصةً مساندتها لمجموعة من الوكلاء في الشرق الأوسط، بمعنى أن تضع الولايات المتحدة خطة استراتيجية مع حلفاءها في المنطقة حول كيفية تطويق نفوذ إيران وردع وكلائها بالمنطقة، واتباع سياسة أكثر تشدداً تجاه طهران في حال دعمها لأي من الأعمال الإرهابية.

4 ـ تعميق التزامات الولايات المتحدة تجاه شركاءها في المنطقة لردع العدوان الإيراني ومنع حلفاء واشنطن من اتخاذ إجراءات تزعزع الإستقرار، إذ يتعين على الولايات المتحدة أن تحافظ على التوازن في علاقاتها مع كل من إيران وشركاءها في المنطقة، وأن تبرهن باستمرار على التزامها بالحفاظ على أمن هذه الدول، وليكن ذلك مثلاً بإنشاء قاعدة صواريخ جوية، ولكن دون المبالغة حتى لا تفقد إيران الثقة في الاتفاق.

5 ـ الاستفادة من الاتفاق لتحسين نظام منع الانتشار النووي، فعلى الولايات المتحدة أن تحول العناصر الأكثر إيجابية في الاتفاق مع إيران إلى قواعد عامة يُعمل بها، والمزج بين الطمأنينة والردع، لمنع أي دولة في المستقبل من الحصول على السلاح النووي بشكل غير مشروع.

6 ـ إعادة التركيز على آسيا وأوروبا وزيادة الضغط الأمريكي على روسيا والصين، إذ يجب أن تقلل الولايات المتحدة من الأهمية النسبية للقضية الإيرانية على أجندة التعاون الثنائي مع الصين لتجبرها أن تركز على مجموعة من القضايا الأخرى مثل بحر الصين الجنوبي، وكذلك أن تدفع إيران لتنويع شركاءها الاقتصاديين بجانب الصين حتى يسهل فرض عقوبات عليها في المستقبل إذا انتهكت الاتفاق.

وفي المقابل، يتعين على واشنطن أن تُبقي قضية السلاح النووي الإيراني على قمة الأجندة مع روسيا حتى تخلق فرصاً أكبر للتعاون فيما بينهما، وتقلل من حدة التوتر، إلى جانب استغلالها لانخفاض أسعار البترول للضغط على موسكو اقتصادياً لتغيير موقفها في أوكرانيا.

خلاصة ذلك، يرى الكاتب أن الاتفاق النووي مع إيران يمثل فرصة تاريخية للولايات المتحدة لتحقيق مكاسب إقليمية وجيوبوليتيكية وعلى مستوى منع الانتشار النووي أيضاً، ولكن سلوك واشنطن وطهران والمجتمع الدولي على مدى العشر إلى الخمسة عشر سنة القادمة هو الذي سيحدد مدى نجاح هذا الاتفاق. وبالرغم من وجود مجموعة من التحديات، فإن تبني الولايات المتحدة لاستراتيجية تُعظم من الفوائد وتقلل من المخاطر قد يؤدي إلى تحقيق نتائج إيجابية.


* عرض مُوجز لدراسة تحت عنوان: "الاستراتيجية الأمريكية بعد الاتفاق مع إيران.. اغتنام الفرص وإدارة المخاطر"، والصادرة في يونيو 2015 عن المركز الأمريكي للأمن الجديد.

المصدر:

Ilan Goldenberg, U.S. Strategy after the Iran Deal: Seizing Opportunities and Managing Risks (Washington, Center for a New American Security, June 2015).