أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

"إعلان الجزائر".. بين العمومية وحدود الفاعلية

08 نوفمبر، 2022


انعقدت القمة العربية في دورتها الـ 31 بالجزائر يومي 1 و2 نوفمبر 2022، بعد توقف تجاوز 3 سنوات، حيث عُقدت آخر قمة بتونس في مارس 2019، وكان المفروض أن تنعقد القمة التالية لها في مارس 2020 وفقاً لبروتوكول دورية القمة، غير أنها أُجلت بسبب ظروف جائحة كورونا، وإن كان كثير من الاجتماعات الدولية المهمة قد عُقِد آنذاك افتراضياً. كما أن التأجيل تكرر لعامي 2021 و2022، بما أشار إلى وجود ظروف موضوعية تعرقل انعقاد القمة، وهدد بسقوط "مبدأ دورية القمة" الذي أقرته قمة القاهرة عام 2000، وطُبق دون انقطاع من حينها وحتى تعثر قمة 2020، باستثناء قمة 2011 التي لم تُعقد لظروف الفوضى التي صاحبت الانتفاضات الشعبية العربية في تلك السنة.

ولذلك يُعد انعقاد قمة الجزائر في حد ذاته أمراً إيجابياً، بقدر ما يشير إلى بقاء الإطار المؤسسي للنظام العربي، خاصةً أن القمة اُنعقدت، بالإضافة إلى الظروف العربية المعقدة المألوفة، في ظروف توتر دولي غير مسبوق منذ نهاية الحرب الباردة. وقد بذلت الجزائر جهوداً مضنية لتصل بانعقاد القمة إلى بر الأمان، ويبقى إمعان النظر في نتائجها لمعرفة موقعها من القمم العربية، وهل مثلت استمراراً لنموذجها المألوف أم خروجاً عليه؟ ويمكن الافتراض بأنها سارت بصفة عامة وفق المألوف وإن أتت بجديد مهم فيما يتعلق بالموقف من المتغيرات الدولية الراهنة. 

وسوف يعتمد التحليل التالي على نص "إعلان الجزائر" الصادر عن القمة، وعلى قراراتها التفصيلية التي تناهز المائة صفحة. وعلى الرغم من أن هذه القرارات تكون عادة تفصيلاً لمواقف إعلان القمة أو إشارة إلى موضوعات ثانوية لم يتسع لها إعلان القمة، فإن الاطلاع عليها يساعد على دقة التقييم.

مضمون الإعلان:

ركز "إعلان الجزائر" على القضية الفلسطينية، فأكد مركزيتها والدعم المطلق لحقوق الشعب الفلسطيني وتجسيد دولة فلسطين المستقلة كاملة السيادة على خطوط 4 يونيو 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وحق العودة والتعويض للاجئين الفلسطينيين وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 لعام 1948، والتمسك بمبادرة السلام العربية 2002 بعناصرها وأولوياتها كافة، وحماية القدس في وجه محاولات تغيير ديموغرافيتها وهويتها العربية، والمطالبة برفع الحصار عن غزة، ودعم توجه فلسطين للحصول على العضوية الكاملة للأمم المتحدة، ومحاسبة إسرائيل على ما اقترفته في حق الشعب الفلسطيني، والإشادة بجهود الجزائر لتحقيق المصالحة الفلسطينية.

كما أكد الإعلان على تعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل وإنهاء الأزمات التي يمر بها بعض الدول العربية، بما يحفظ وحدة الدول الأعضاء وسلامة أراضيها. وفي هذا السياق، أكد على الحل الليبي لإنهاء الأزمة في البلاد بما يحفظ وحدتها وسيادتها وأمنها وأمن جوارها، وتنظيم الانتخابات في أسرع وقت ممكن لتحقيق الاستقرار السياسي الدائم، فضلاً عن دعم الحكومة الشرعية في اليمن وجهود التوصل لحل سياسي للأزمة اليمنية وفق المرجعيات المعتمدة، وضرورة تجديد الهدنة الإنسانية كخطوة أساسية نحو التسوية السياسية التي تضمن وحدة اليمن واستقراره وسلامة أراضيه وأمن دول الخليج العربي. 

أما سوريا، فقد نص الإعلان على قيام الدول العربية بدور جماعي قيادي للمساهمة في جهود التوصل لحل سياسي لأزمتها بما يضمن وحدتها وسيادتها ويخلصها من الإرهاب ويفضي إلى خروج القوات الأجنبية، ويهيئ الظروف للعودة الطوعية الآمنة للاجئين. وأكد الإعلان رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية، والتمسك بمبدأ الحلول العربية للمشاكل العربية عبر تقوية دور الجامعة وتعزيز العلاقات العربية - العربية.

ومن اللافت أن "إعلان الجزائر" قد أولى اهتماماً خاصاً للتطورات الدولية الراهنة، وبلور بشأنها رؤية متكاملة يمكن أن يُبنى عليها لاحقاً دور عربي فاعل في إعادة تشكيل النظام الدولي، فقد رأى الإعلان أن التوترات الدولية المتصاعدة تسلط الضوء على الاختلالات الهيكلية في آليات الحوكمة العالمية وعلى الحاجة المُلحة لمعالجتها ضمن مقاربة تكفل التكافؤ والمساواة بين جميع الدول، وتضع حداً لتهميش الدول النامية. وأكد ضرورة مشاركة الدول العربية في صياغة معالم المنظومة الدولية الجديدة كمجموعة منسجمة وموحدة، وكطرف فاعل لا تعوزه الإرادة والإمكانيات والكفاءات لتقديم مساهمة فعلية إيجابية في هذا المجال. 

كما شدد الإعلان على الالتزام بمبادئ عدم الانحياز كأساس للموقف العربي من الحرب في أوكرانيا، والذي يقوم على نبذ استعمال القوة والسعي لتفضيل خيار السلام عبر الانخراط الفعلي لمجموعة الاتصال الوزارية العربية في الجهود الدولية الرامية لبلورة حل سياسي للأزمة يتوافق مع مبادئ ميثاق الأمم المتحدة، ويراعي الشواغل الأمنية للأطراف كافة. وفي هذا السياق، جاء تثمين الإعلان لقرارات "أوبك+" الأخيرة التي لعبت فيها كبريات الدول العربية المصدرة للنفط دوراً رائداً باعتبارها قرارات ضامنة لاستقرار الأسواق العالمية للطاقة، وأحسب أن هذا الموقف للقمة من التطورات الدولية الراهنة باعث للأمل في إمكان بلورة دور عربي موحد تجاه هذه التطورات وعملية إعادة تشكيل النظام الدولي، بما يعزز مكانة الدول العربية في هذا النظام. وقد يستخف البعض بمردود هذا الدور وتأثيره، غير أن الأهم هو استقلالية الموقف العربي واسترشاده ببوصلة المصالح الوطنية والعربية وليس بحسابات الآخرين.

سمتان أساسيتان:

يتضح مما سبق أن "إعلان الجزائر" قد تبنى مواقف واضحة تجاه معظم القضايا العربية، كما أن موقفه من التطورات الدولية الراهنة أكد النزوع الاستقلالي للدول العربية في هذا الصدد، غير أن إمعان النظر في الإعلان وقرارات القمة التفصيلية يشير إلى أنها بصفة عامة لم تخرج من إطار السمات التي ميزت قرارات القمة وفقاً للخبرة الماضية، وأُركز من هذه السمات على اثنتين، الأولى "العمومية"، والثانية "الافتقار إلى الآليات الفاعلة"، كالتالي:

1- العمومية: أتخير بصددها المثال الذي يتعلق بإدانة التدخل الخارجي في الشؤون الداخلية للدول العربية، وهو أمر إيجابي بطبيعة الحال، غير أنه لا يتناسب مع فداحة هذا التدخل التي تحتاج مواقف محددة، لأن الأمر أخطر من الاكتفاء فيه بهذه الإدانة العامة. فالواقع أن ما يجري في عدد من الدول العربية من أفعال تهدف لطمس الهوية العربية بالغ الخطورة، وكان بحاجة إلى تفصيل وتحديد وخطط للمواجهة، بيد أن اختلاف علاقات الدول العربية بالقوى الإقليمية ربما حال دون التوصل لمواقف موحدة فاعلة.

2- الافتقار إلى الآليات الفاعلة: الأمثلة في هذا الصدد عديدة، فقد دعمت القمة توجه فلسطين للحصول على العضوية الكاملة للأمم المتحدة، من دون أدنى إشارة لآلية هذا الدعم ولو بدعوة المجموعة العربية في الأمم المتحدة لوضع تصور في هذا الصدد. وتحدث "إعلان الجزائر" عن "مرافقة الأشقاء الفلسطينيين" نحو تجسيد خطوات المصالحة التي اتُفق عليها بوساطة جزائرية قبل القمة، وتحدث عن تقوية دور الجامعة وتعزيز العلاقات العربية – العربية، دون إشارة إلى أي آلية في هذا الخصوص، ناهيك عن التجاهل المتوقع لأزمة العلاقات المغربية – الجزائرية. بل أن قرار القمة بشأن المقترحات التي قدمها الرئيس الجزائري، عبدالمجيد تبون، لتعزيز العمل العربي المشترك، بالغ الدلالة، وهو يكرر حرفياً موقف القمم السابقة من محاولات التطوير، وهو إما إخمادها عبر الزمن في اللجان، والمثال الأشهر في هذا الصدد هو مشروع إنشاء محكمة العدل العربية، وإما إخراجها إلى حيز الوجود ثم وأد فاعليتها بتجاهلها أو عدم توفير الإمكانات اللازمة لعملها كما حدث لمجلس السلم والأمن العربي.

فقد رحبت القمة الأخيرة بمقترحات الرئيس تبون وكلفت المجلس الوزاري بدراستها وإعداد تقرير بشأنها "بما في ذلك تبعاتها المالية"، وعرضه على دورة قادمة (وليس الدورة القادمة) لمجلس الجامعة الوزاري ليتسنى له رفع تقرير بذلك لـ "قمة قادمة" (وليس القمة القادمة)، وهو ما يفتح الباب لأوسع تمديد ممكن لأمد النظر في هذه المقترحات. ومن يألف قرارات القمم العربية عبر العقود يعلم أن هذه الصياغات تمثل آلية فاعلة لوأد محاولات التطوير. كذلك يُلاحظ عبارة "بما في ذلك تبعاتها المالية"، حيث إن هناك حساسية فائقة تجاه أي زيادة في الأعباء المالية المترتبة على الانخراط في العمل العربي المشترك، إلى الدرجة التي تُفقد بعض القرارات معناها، كما في اعتماد القمة الخطة التنفيذية لإعلان القاهرة الصادر عن المجلس الوزاري العربي للمياه والزراعة "دون أن تتحمل الدول الأعضاء أية أعباء مالية".