أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

تحديات مركبة:

الأبعاد السياسية لأزمات الأطباء في الإقليم

24 فبراير، 2021


على الرغم من أن المشكلات التي يعاني منها العاملون في القطاع الصحي تتماثل مع ما يواجه العاملون في قطاعات أخرى، إلا أنه من الملاحظ تزايد الأبعاد السياسية لأزمات الأطباء في دول الإقليم، لاسيما في ظل تعرضهم للاختطاف في بعض بؤر الصراعات العربية المسلحة حتى يساهموا في علاج بعض العناصر المنتمية للميلشيات، والانخراط غير المباشر في المواجهات العسكرية وهو ما تفعله تركيا باصطحاب الأطباء خلال عملياتها العسكرية في شمال شرق سوريا، والفجوة بين نقابة الأطباء والسلطات السياسية فيما يخص الإعلان عن حجم الإصابات بكوفيد-19 وهو ما برز جلياً في حالة تركيا.

وكذلك يعاني الأطباء في بعض دول الإقليم من تأخر صرف رواتبهم نتيجة تراجع أسعار النفط وتراجع الموازنات المالية لدولهم مما يدفعهم للهجرة إلى الخارج فيما يعرف بـ"نزيف العقول"، وكذلك الإصابة بالأمراض الصحية مثل كوفيد-19 نظراً لوجودهم في المواقع الأمامية للتصدي للوباء في الوقت الذي يوجد نقص في المستلزمات الطبية، ويتعرض الأطباء في دول أخرى للاعتداءات المتكررة من قبل القوى المجتمعية المترددة على المستشفيات والمراكز الطبية في حال حدوث ضرر لها نتيجة غياب التأمين الكافي لتلك المقرات، الأمر الذي يسهل عملية اقتحامها ويعرض حياة الأطباء للخطر. 

لم تكن أزمات الأطباء في الإقليم ظاهرة حديثة بل تعود إلى عقود، وتتغير ملامحها باختلاف السياقات الداخلية وتغير الظروف الإقليمية وظهور الأمراض الوبائية العابرة للحدود الوطنية، وتشير تفاعلات الشرق الأوسط إلى تعدد الأزمات التي يتعرض لها الأطباء وبصفة خاصة في بؤر التوتر، وذلك على النحو التالي:

استهداف الميلشيات 

1- تداعيات الفوضى المستدامة: يعد الأطباء إحدى الفئات التي يتم استهدافها في بعض بؤر الصراعات المسلحة. فعلى سبيل المثال، أشارت عدد من وسائل الإعلام في الثلث الأول من ديسمبر 2020 إلى استمرار خطف الأطباء في العاصمة الليبية طرابلس، وكانت الحالة البارزة في هذا السياق د.الصديق بن دلة، استشاري جراحة العظام والمدير المساعد لمستشفى الخضراء، والذي رجحت بعض التحليلات أن الخطف قد يكون مرتبطاً بحاجة أحد قادة الميلشيات المسلحة لعلاج سري، إذ لا يمكن نقلهم للمستشفيات العامة نظراً لصلتهم بأنشطة إجرامية.

ولم تكن هذه حالة الاختطاف الوحيدة التي تعرض لها دلة، بل إنه تعرض لمحاولة سبقتها بأسبوعين. كما تعرض بعض الأطباء العاملين في نفس المستشفى لعملية اختطاف في فترات زمنية مختلفة. وفي هذا السياق، استنكرت النقابة العامة لأطباء ليبيا واقعة الاختطاف، وطالبت الجهات الرسمية بالتحقيق في الحادثة وتكثيف جهودها لفك أسره والقبض على من ارتكب هذه الجريمة ووضع حد لما وصفته بـ"المهازل" التي تحدث في حق الأطباء. كما تؤثر حالات الاعتداء على الكوادر الصحية والعناصر التابعة لها في الآونة الأخيرة بشكل سلبي على تقديم الخدمات الصحية للمواطنين الليبيين.

وقد أثارت حالات اختطاف الأطباء في ليبيا اهتمام مكتب منظمة الصحة العالمية، خلال الفترة (2018-2020)، لاسيما أنه في كل حادثة غالباً ما يكون الجناة من المسلحين الملثمين، الذين يقودون سيارات دفع رباعي معتمة الزجاج، ويستهدفون الضحايا من الأطباء خلال مدى زمني قصير للغاية بما يشير إلى عملية مراقبة دقيقة لهم تسبق عملية الاختطاف، والتي غالباً ما تقيد ضد مجهول. وكذلك يعد الأطباء أبرز الفئات المستهدفة في عدد من المناطق السورية في سياق الهجمات على المنشآت الطبية أو المعاناة من نقص المستلزمات الدوائية نتيجة فرض العقوبات الغربية على النظام السوري.

اشتباك عسكري

2- الانخراط غير المباشر في المواجهات العسكرية: أشارت بعض الكتابات إلى قيام تركيا في نهاية سبتمبر 2019، بإرسال بعض الأطباء من مدن كبرى إلى إقليمي شانلي أورفة وماردين خلال العملية العسكرية التي شنت على شمال شرق سوريا بهدف تقليص نفوذ وحدات حماية الشعب الكردية السورية، التي تمثل مصدراً لتهديد تركيا، وفقاً لتصورات نظام أردوغان، وتم تعليق إجازات الأطباء في تلك الفترة حتى يشاركوا مع العناصر المسلحة في علاجهم في حال تعرضهم لإصابات في الجبهات، وهو ما يعرض حياة الأطباء للخطر. 

أزمات الاقتصاد

3- تأزم الأوضاع الاقتصادية الداخلية: تعاني بعض دول الإقليم مثل إيران والعراق من هجرة الكوادر الصحية، إذ يفضلون العمل في دول أخرى بالإقليم والعالم، وهو ما تزايد بعد انتشار كوفيد-19. ولم يعد قاصراً على الأطباء بل طال الممرضين. ففي سياق احتفال إيران بيوم الممرض بتاريخ 20 ديسمبر 2020، أشارت إحدى الإحصائيات الإيرانية إلى ارتفاع هجرة الممرضين بنسبة 300% لاسيما في ظل فقدان الأمن الوظيفي والخوف على الأرواح.

ولعل تأزم الوضع الاقتصادي دفع الكوادر الطبية إلى تنظيم احتجاجات فئوية، على نحو ما جرى في تونس والعراق. فعلى سبيل المثال، في منتصف عام 2020، أضرب العديد من الكوادر الصحية في محافظة السليمانية العراقية بسبب تأخر صرف رواتبهم إذ واجهت العراق في تلك الفترة أزمة اقتصادية حادة نتيجة انخفاض أسعار النفط وتراجع موازنتها الاتحادية بما أثر سلبياً على العاملين في مختلف القطاعات.

وتقود تلك الأوضاع الاقتصادية المتردية إلى هجرة الأطباء إلى بلاد أفضل، بل إلى حالة أفضل في بلد منهار، وهو ما ينطبق على حال الأطباء السوريين الذين يسافرون إلى دول تدفع رواتب مجزية للأطباء، إذ تردد اسم الصومال كمقصد للأطباء السوريين لتوافر فرص العمل هناك برواتب مرتفعة، وهو ما أشار إليه نقيب الأطباء في سوريا كمال عامر في حواره مع قناة "سما" الفضائية في 25 نوفمبر 2020، غير أنه نفاه في حواره مع صحيفة "الوطن" المحلية بتاريخ 9 فبراير 2021، تخوفاً من رد فعل السلطات الرسمية السورية.

معضلة الشفافية

4- الفجوة بين نقابة الأطباء والسلطات السياسية: وهو ما ينطبق جلياً على الحالة التركية، بعد تصاعد الجدل في البلاد في سبتمبر 2020 حول إصابات فيروس كورونا، إذ ترى نقابة الأطباء أن الأعداد التي تعلن عنها البيانات الرسمية هي أقل بكثير من حجم تفشي المرض، في حين يرى السياسيون وخاصة المنتمين لحزب العدالة والتنمية الحاكم أن نقابة الأطباء تحاول تقويض جهود احتواء الوباء في البلاد، بل إن دولت بهجلي زعيم حزب الحركة القومية الحليف الرئيسي للعدالة والتنمية في البرلمان صرح لإحدى وسائل الإعلام بقوله: "خطر نقابة الأطباء التركية يوازي خطر فيروس كورونا. إنها تنشر التهديدات"، وفقاً لما نقلته وكالة رويترز في 19 سبتمبر الماضي. 

مخاطر كورونا   

5- الإصابة بالأمراض الصحية: نظراً لأن الأطباء يقعون في الخطوط الأمامية للتصدي لوباء كوفيد-19، فيصبحوا أكثر الفئات تعرضاً للإصابة به، وربما الوفاة في بعض الأحيان، وهو ما عبرت عنه حالات عربية عديدة. وقد يكون ذلك مرتبطاً بضعف النظم الصحية، وسوء الرعاية الطبية، وقلة الموارد المالية المخصصة للقطاع الطبي في الموازنة العامة للدولة. وتزداد الأزمة في المناطق الحدودية المهمشة في بعض الدول.

عنف المجتمع

6- التعرض للاعتداءات المتكررة: شهدت بعض دول الإقليم اعتداءات على الكوادر الطبية نظراً لعدم التأمين الفعال للمستشفيات وعدم تقليل الزحام على أقسام الاستقبال في المستشفيات بسبب حالة الهلع التي تصيب بعض القطاعات المجتمعية، الأمر الذي يضع الأطباء في بعض الأحيان في مواجهة مع المرضى، خلال تعاملهم مع الحالات المصابة أو المشتبه بإصابتها بكوفيد-19، وهو ما حدث في حالتي العراق والسودان، وفقاً لما ذكرته وسائل الإعلام الوطنية. لذا، أقرت الحكومة الانتقالية بالسودان في 31 مايو 2020 تشريعاً يشدد العقوبات على العنف المرتكب في مواجهة الطواقم الطبية. 

وقد رحبت نقابة الأطباء الشرعية بقانون حماية الكوادر الصحية الذي يهدف إلى وقف الاعتداءات المتكررة التي طالت بعض الأطباء في عدد من المستشفيات و"نقاط التفتيش"، مما أثر سلباً على جهود مكافحة كوفيد-19. وتجدر الإشارة إلى أن القانون الجديد يتضمن عقوبات بالسجن على المعتدين. وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء السوداني عبدالله حمدوك في تغريدة له: "إن قرار إجازة حماية الكوادر الطبية يهدف لحماية عناصر الجيش الأبيض من الاعتداءات المتكررة، وتحديد العقاب القانوني الرادع لها، وضمان التقدير اللازم لها". 

حزمة مترابطة:

من العرض السابق، يتضح أن هناك حزمة من الأزمات تواجه الأطباء في عدد من دول الإقليم، ولاسيما في عصر ما بعد كوفيد-19، في ظل بيئة صحية هشة في بؤر الصراعات، علاوة على تعرض قطاع منهم للقصف الجوي أو نيران الأسلحة الصغيرة، سواء بصورة متعمدة أو عشوائية، وخاصة في مناطق مختلفة بسوريا، بخلاف تزايد الضغط على الأطباء المقيمين في البلاد بسبب كثافة هجرة أعداد كبيرة منهم، على نحو ما جرى بالنسبة للأطباء اللبنانيين والتونسيين، في ظل تزايد الطلب عليهم من بعض دول الخليج وشرق أوروبا وأمريكا الشمالية ومناطق أخرى نظراً لعوامل الجذب التي يتم توفيرها لهم. 

يضاف إلى ذلك تعرض الأطباء للاستهداف من قبل الأحزاب الحاكمة بعد التشكيك في البيانات الرسمية المعبرة عن حجم تفشي المرض وهو ما يؤثر على المصداقية أمام الرأي العام. في حين تتعرض حياة أطباء آخرين للخطر بسبب وجودهم في الصفوف الأمامية لمواجهة وباء كوفيد-19، بما يعني أن هناك أزمات مزمنة لازالت تواجه الأطباء وأخرى مستحدثة تؤثر عليهم بشكل ضاغط.