أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

العام الأول:

هل مازالت تداعيات مقتل البغدادي قائمة داخل تنظيم "داعش"؟

28 أكتوبر، 2020


تعرض تنظيم "داعش" لضربة قوية في 27 أكتوبر 2019، عندما شنت الولايات المتحدة الأمريكية عملية عسكرية في محافظة إدلب السورية أسفرت عن مقتل زعيمه أبو بكر البغدادي. ورغم أن التنظيم سارع إلى تعيين خليفة للأخير، هو إبو إبراهيم الهاشمي القرشي، إلا أن ذلك لا ينفي أن تداعيات تلك الضربة ما زالت قائمة حتى الآن ولم يستطع التنظيم احتواءها بشكل كبير.

تراجع مستمر:

قبل مقتل البغدادي بشهور عديدة، كان واضحاً أن نشاط تنظيم "داعش" داخل كل من سوريا والعراق يتراجع تدريجياً، بفعل انخراطه في مواجهات عسكرية قوية على أكثر من جبهة في وقت واحد وتعرضه لضربات قوية أسفرت عن استنزاف قدراته العسكرية والبشرية، وبدا ذلك جلياً في الإعلان عن سقوط الباغوز شرق سوريا في مارس 2019، والقبض على أعداد كبيرة من عناصر التنظيم، حيث لم يتبقى له سوى عدد قليل من المجموعات الصغيرة، التي تقوم بشن هجمات خاطفة في مناطق مختلفة.

 ولذا، فإن وضع التنظيم بات أكثر سوءاً خلال الفترة التي أعقبت مقتل البغدادي، حيث تراجعت موارده المالية والبشرية إلى حد كبير، وهو ما أثر بشكل واضح على قدرته على شن هجمات إرهابية نوعية. 

تأثيرات مباشرة:

في رؤية اتجاهات عديدة، لا يمكن تحديد تداعيات مقتل البغدادي على تنظيم "داعش"، دون التمييز بين "التنظيم الرئيسي" في سوريا والعراق، وفروعه الخارجية في مناطق مختلفة من العالم، والتي تمثل حالياً الثقل الحقيقي له.

 فبالنسبة للتنظيم الرئيسي، فان مقتل البغدادي أثر بشكل مباشر على معنويات قياداته وكوادره وقدرتهم على الاستمرار في نشاطهم الإرهابي بالإمكانيات السابقة نفسها. في حين تصاعد دور المجموعات الفرعية، أو ما يعرف بـ"الولايات الخارجية"، التي بدأت في إدارة شئونها بشكل أكثر استقلالاً خاصة على صعيد تنفيذ العمليات الإرهابية ضد الأهداف التي تحددها ووفقاً للظروف الأمنية التي تواجهها. 

وقد ساعد على ذلك أن الارتباط بالتنظيم الرئيسي كان في الأساس فكرياً أكثر منه تنظيمياً، خاصة بعد أن تحولت بعض تلك المجموعات إلى تنظيمات عابرة للحدود، مثل "ولاية غرب أفريقيا" (بوكو حرام سابقاً) أو "ولاية الصحراء الكبرى" التي تعرف باسم "مجموعة أبو الوليد الصحراوي".

وتتمثل أبرز المؤشرات التي تكشف عن استمرار تداعيات مقتل البغدادي على تنظيم "داعش" في:

1- اهتزاز الثقة في القيادة: رغم أن "داعش" حرص عبر الإعلان عن تولي أبو إبراهيم الهاشمي القرشي قيادة التنظيم بعد مقتل البغدادي، على توجيه رسالة تفيد قدرته على ملء الفراغ الناتج عن غياب القيادة الرئيسية للتنظيم وتعزيز تماسكه مجدداً، إلا أن ذلك لا ينفي أن القيادة الجديدة لم تنجح في تحقيق ذلك، خاصة أنها لم تملك القدرات التي كان يمتلكها البغدادي. وقد بدا ذلك جلياً في تأخر بعض المجموعات الفرعية في إعلان البيعة لها.

وقد ساهم في ذلك أيضاً نجاح الولايات المتحدة الأمريكية في الكشف بسرعة عن هوية القيادة الجديدة، رغم حرص التنظيم على إضفاء طابع غامض عليها. وفي هذا السياق، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية، في 25 يونيو الماضي، عرض مكافأة قيمتها 10 ملايين دولار بدلاً من 5 ملايين دولار، لمن يدلي بمعلومات تؤدي إلى القبض على زعيم تنظيم "داعش" الجديد، وجددت الوزارة العرض مرة أخرى في 25 سبتمبر الفائت، على نحو فرض حالة من عدم الثقة لدى المجموعات الخارجية في مدى قدرة القرشي على الاستمرار في قيادة التنظيم وإدارة شئونه خلال المرحلة القادمة.

2- تصاعد الاختراقات الأمنية: كشف القبض على مجموعة بارزة من قيادات تنظيم "داعش" بعد مقتل البغدادي عن تعرض التنظيم لعملية اختراق واسعة كان لها دور في تراجع نشاطه واستنزاف قدراته العسكرية والبشرية بشكل كبير خلال المرحلة الماضية، على غرار ما حدث عندما أعلنت وكالة الاستخبارات العراقية، في 4 أكتوبر الجاري، القبض على أبو سالم المولى مسئول ما يسمى بـ"جهاز استخبارات داعش" وشقيقه الذي يعمل مساعداً له، من خلال عملية استخباراتية مشتركة بين مديريتى استخبارات بغداد واستخبارات الشرطة الاتحادية. وربما تتواصل مثل تلك الضربات الأمنية خلال المرحلة القادمة على نحو سوف يتسبب في إضعاف التنظيم وفرض ضغوط أكبر على قيادته التي سوف تواجه خيارات محدودة في هذا السياق.

3- الدفع بقيادات ثانوية: اتجه التنظيم في الفترة التي تلت مقتل البغدادي وسقوط بعض القيادات الرئيسية إلى تكليف عدد من القيادات الثانوية بمهام جديدة، تضم مجموعة من الشباب الذين انخرطوا في سن مبكرة داخل التنظيم، بشكل أدى إلى اكتسابهم قدرات تنظيمية وعسكرية نوعية، ربما تدفعهم إلى تعزيز دورهم داخل التنظيم على نحو قد يخصم من نفوذ القيادة الرئيسية. واللافت هنا، أن هذه القيادات البديلة قد لا تكون معروفة على نطاق واسع لدى الأجهزة الأمنية، وهو ما يمكن أن يزيد من تطلعهم إلى إدارة شئون التنظيم في الفترة القادمة.

4- تكريس الاستقلال التنظيمي: يمكن القول إن مقتل البغدادي ساهم في تعزيز الاستقلال التنظيمي للمجموعات الخارجية، التي بدأت في تحديد نطاق نفوذها والأطراف المستهدفة دون الرجوع للقيادة الرئيسية للتنظيم. ومن دون شك، فإن سعى بعض تلك المجموعات إلى الحلول محل التنظيم الرئيسي أو تصدر خريطة التنظيمات "الداعشية" يدعم من هذا المسار خلال المرحلة القادمة.

وعلى ضوء ما سبق، يبدو أن نشاط تنظيم "داعش" يتجه نحو مزيد من التراجع خلال المرحلة القادمة، على ضوء تصاعد حدة الضغوط التي يتعرض لها على الصعيدين الإقليمي والدولي، وهو ما يعزز من استمرار انقسام التنظيم إلى تنظيمات مناطقية أصغر تنتشر في الدول والمناطق التي تشهد حالات من عدم الاستقرار على المستويين السياسي والأمني.