أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

صِدامات نيودلهي:

لماذا تصاعدت الاحتجاجات ضد قانون المواطنة في الهند؟

05 مارس، 2020


تزامن انشغال العالم بمظاهر الاحتفاء البالغ والمراسم الاحتفالية لزيارة الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" إلى الهند، مع تفجر أعمال العنف والاشتباكات الدامية في العاصمة الهندية نيودلهي نتيجةً لتصاعد الاحتجاجات ضد قانون المواطنة، ونشوب صدامات بين مؤيدي حزب بهارتيا جاناتا الحاكم والمحتجين من معارضي القانون الذي يُعد تعبيرًا عن مدى عمق الانقسامات المجتمعية والاستقطاب السياسي والاجتماعي الحاد في الهند، والمخاوف من تبني سياسات تستهدف الأقليات الدينية والطائفية ضمن عمليات "إعادة الهندسة الاجتماعية" للمجتمع الهندي من جانب النخبة المهيمنة على صنع القرار في نيودلهي وفقًا لاتهامات المعارضين للحزب الحاكم.

الصراع على المواطنة:

"إنهم يريدون أن تحترق دلهي.. أنا أقول هذا نيابة عن الحشد، سنكون سلميين حتى رحيل ترامب، بمجرد مغادرته لن نستمع حتى إليكم إذا لم يتم إخلاء الطرقات". جاء هذا التصريح المهدد بالعنف على لسان أحد قياديي الحزب الحاكم بهاراتيا جاناتا "كابيل ميشرا" مندداً بالمحتجين ضد قانون المواطنة الجديد. ولم تمضِ بضع ساعات حتى تصاعدت أعمال العنف والشغب في دلهي، حيث عمد بعض الهندوس المتطرفين إلى حرق بيوت ومتاجر المسلمين. من جانب آخر، أشارت بعض الصحف الهندية إلى قيام بعض المسلمين المتطرفين بحرق منازل الهندوس ليسقط ما يزيد عن 38 قتيلًا جراء هذه الاشتباكات، بالإضافة إلى مئات المصابين. واتهم المسلمون المحليون الشرطةَ بالتواطؤ، لا سيما وأن القيادي بحزب بهاراتيا جاناتا "أميت شاه" الذي كانت له تصريحات سابقة معادية للمسلمين، يشغل منصب وزير الداخلية.

وتشهد نيودلهي العديد من الاحتجاجات عقب إعلان "بهاراتيا جاناتا" منذ يناير 2019 تمرير تعديلات على قانون المواطنة في مجلس النواب "لوك سابها". وتسمح هذه التعديلات بمنح الجنسية للمهاجرين الذين هربوا من الاضطهاد من أفغانستان وبنجلاديش وباكستان، والذين ينتمون إلى الديانات: الهندوسية، والسيخ، والبوذية، والزرادشتية، بالإضافة إلى المسيحيين، على أن يكونوا قد أمضوا 6 سنوات في الهند.

وعلى الرغم من إمكانية تمرير القانون قبل الانتخابات البرلمانية لعام 2019، إلا أن قادة بهاراتيا جاناتا فضلوا تأجيل تمريره ليكون ورقة انتخابية يستطيعون بها اجتذاب أصوات المواطنين المهددين بالحذف من سجل المواطنة ومعظمهم من البنغال الهندوس. حيث طالب قادة الحزب في عام 2018 بمراجعة سجلات المواطنين في ولايات مثل آسام للإبقاء على الأفراد الذين جاءت عائلاتهم إلى الهند قبل عام 1971 في السجل القومي للمواطنين، مع اعتبار الباقين مهاجرين غير شرعيين حتى في حال قضائهم سنوات طويلة في الهند دون تحديد واضح للإجراءات التي ستُتخذ ضدهم، ليضعوا عددًا كبيرًا من البنغال الهندوس أمام خيارين لا ثالث لهما؛ التصويت لصالحهم لتمرير قانون المواطنة بعد فوزهم، أو المصير المجهول.

يُضاف إلى هذا أن إصرار حزب "بهاراتيا جاناتا" على تمرير هذا القانون يأتي في إطار وفائه بوعوده الانتخابية، حيث أعلن في برنامجه قبيل الانتخابات البرلمانية في عام 2014 أن "الهند وطن طبيعي للهندوس المضطهدين يحق لهم طلب اللجوء فيه". كما قام بالتفرقة بين وضع اللاجئين الهندوس ونظرائهم المسلمين القادمين من بنجلاديش، مؤكدًا أن "الهندوس القادمين من بنجلاديش مُرحب بهم في الهند، حتى وإن لم يدخلوا بوثائق رسمية.. لدينا واجبات تجاه الهندوس الذين يعيشون ظروفًا صعبة ويعانون في دول أخرى، فالهند هي المكان الوحيد المتاح أمامهم، وعلينا توفير المأوى لهم".

موجة معارضة "الهندوتفا":

تواجه تعديلات قانون المواطنة معارضة من العديد من الأحزاب والتيارات السياسية في الهند، ولا تقتصر على المسلمين وحدهم على الرغم من تصدرهم المشهد الاحتجاجي في مواجهة مؤيدي حزب "بهاراتيا جاناتا" من الهندوس في ظل هيمنة منظور الاستقطاب الطائفي على أغلب التغطيات الإعلامية للاحتجاجات. وفي واقع الأمر فإن الاحتجاجات ترتبط بتشكل تيار معارض للحزب الحاكم يضم العديد من المكونات السياسية والاجتماعية، ويتجاوز مجرد الاستقطاب الطائفي ليشمل عدة دوافع، يتمثل أهمها فيما يلي: 

1- تهديد "العلمانية الهندية": تعارض الأحزاب السياسية قانون المواطنة نظرًا لأنه يستثني المنتمين لبعض الديانات الأخرى مثل المسلمين، وهو ما يتعارض مع الطابع العلماني للهند، كما أن هذا القانون يتناقض مع الدستور الهندي الذي ينص على عدم منح الجنسية على أساس الدين، ويرى حزب المؤتمر أن هذا القانون سيؤدي إلى تصاعد الاستقطاب والعنف في الهند بأكملها. فعلى سبيل المثال، صرح "راهول غاندي" في تغريدةٍ له على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، في 25 يناير 2019 قائلًا: "إنني أشعر بالانزعاج بسبب تنامي العنف وعدم الاستقرار بسبب استخدام الدين والعرق من قبل الحزب الحاكم لتحقيق مكاسب سياسية. هذا النوع من السياسة الذي يدفع الأخ لكراهية أخيه يجب أن يتوقف". 

2- حماية "التوازن الديمغرافي": يعارض العديد من مواطني الولايات الشمالية الشرقية التي تقع بالقرب من الحدود مع بنجلاديش هذا القانون، مثل المواطنين الأصليين في ولاية آسام، في ظل تزايد عدد المهاجرين إليهم من بنجلاديش ومنافستهم على فرص العمل، خاصةً أن تاريخ هذه الولاية يحفل بعدد من النزاعات العرقية المُسلحة بين السكان الأصليين والمهاجرين، وتتخوف بعض الولايات الهندية من حدوث تحولات ديمغرافية في التوازن بين المسلمين والهندوس، خاصةً أن المسلمين المهددين بالإزالة من سجلات المواطنة في ولاية مثل آسام يقدر عددهم بحوالي 4 ملايين مسلم، مع عدم وجود أي إمكانية لحصولهم على الجنسية أو الإقامة الدائمة.

3- تصاعد الاستقطاب الديني: جاءت الاحتجاجات الأخيرة على تعديلات قانون المواطنة بعد حالة من الاحتقان المتزايد لدى المسلمين بعد تحويل "جامو وكشمير" إلى إقليم اتحادي بدلًا من ولاية في أغسطس 2019، وحكم المحكمة العليا الهندية في نوفمبر 2019 بأحقية الهندوس في مسجد "بابري"، حيث يقع هذا المسجد المتنازع عليه في مدينة "أيوديا" بولاية "أوتار براديش". ويرى بعض الهندوس أنه معبد وُلد فيه إلههم "راما"، وقد قام مؤسس الإمبراطورية المغولية الهندية "ظهير الدين بابر" بهدمه وبناء المسجد بدلًا منه. وشهد هذا المسجد صدامات سابقة عديدة بين الهندوس والمسلمين، لتحسم المحكمة العليا الهندية هذا الصراع بالحكم بأحقية الهندوس فيه، مع إعطاء المسلمين قطعة أرض لبناء مسجد لهم.

4- التصدي لهيمنة "بهاراتيا جاناتا": تأتي موجة الاحتجاجات مدفوعةً بمحاولة التصدي للهيمنة السياسية للحزب الحاكم، وهو ما يرتبط بخسارة حزب "بهاراتيا جاناتا" في فبراير 2020 انتخابات الجمعية التشريعية في نيودلهي، في مقابل تقدم حزب "حزب "آم آدمي" الإقليمي وحصوله على 62 من أصل 70 مقعدًا، بزعامة رئيس وزراء نيودلهي "آرفيند كيجريوال".

وتنظر الأحزاب والتيارات المعارِضة للحزب بتوجس، وحذروا من تبني "بهاراتيا جاناتا" مبادئ "الهندوتفا" _(Hindutva)، أي زيادة دور الهندوس في السياسة الهندية بعد أن أدت المبادئ العلمانية إلى تهميش دورهم واضطهادهم وفقًا لرؤيتهم، والتي يتم الإشارة إليها باعتبارها أيديولوجيا متشددة تسعى إلى فرض نمط ثقافي موحد. وارتبط ذلك بتأسيس أكثر من 45 ألف فرع لمنظمة "راشتريا سوايامسيفيك سانج" Rashtriya Swayamsevak Sangh اليمينية الهندوسية التي انتشرت في مختلف الولايات الهندية، مما زاد من حدة الشعور بالتهديد لدى الأقليات الدينية. 

ختامًا، يُتوقع أن يتواصل الاحتقان السياسي والديني حول قانون المواطنة في ظل المخاوف من وجود مخطط لإعادة هيكلة المواطنة، واستبعاد وتهميش الأقليات، وتسييس الانتماء الديني في الهند بسبب حالة الشحن الطائفي، خاصةً من جانب القيادات القومية الشعبوية بحزب "بهاراتيا جاناتا" التي تسعى لحشد تأييد الهندوس للحفاظ على الهيمنة السياسية للحزب في مواجهة الأحزاب المعارضة، وتوظيف التوترات في العلاقات مع باكستان والصدام حول كشمير لتعزيز شعبية رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي"، وتهميش الجدل حول تردي الأوضاع الاقتصادية.