أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

أنماط متنوعة:

كيف تُوظف "جثث القتلى" في بؤر الصراعات بالإقليم؟

07 نوفمبر، 2017


توظف الجيوش النظامية والميلشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية وجماعات المعارضة الداخلية والقوى الدولية والمنظمات الحقوقية العالمية، جثث القتلى، المتعلقة بالمدنيين أو أفراد الشرطة أو الجنود، في بؤر الصراعات المسلحة بدول الإقليم، وخاصة في سوريا والعراق واليمن وليبيا ومالي، نتيجة لفوضى الأمن، بما يشير إلى أن تحديد هويات القتلى يمثل معضلة تواجهها دول الصراعات، لا سيما أن البنية التحتية الصحية مدمرة. كما يستند العدد الرسمي للقتلى إلى عدد الجثث التي تصل إلى المستشفيات فقط، حيث يرغب كل طرف من أطراف الصراع في التقليل من شأن مقتل المدنيين أو المحاربين الداعمين له.

 ويلجأ الفاعلون إلى توظيف الجثث في بؤر الصراعات المسلحة بما يحقق عدة أهداف رئيسية تتمثل في إثارة الجدل السياسي بين أطراف الصراعات الداخلية، وتأكيد انهيار التنظيمات الإرهابية، والانتقام من المدنيين لمؤازرة الجيوش النظامية في مواجهة تلك التنظيمات، واستعادة الذكريات التاريخية السابقة، واحتواء توجهات الرأى العام الغاضب تجاه انتهاكات المقاتلين، والمقايضة بين الميلشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، وتأسيس قنوات اتصال بين الحكومات في بؤر الصراعات ودول المقاتلين الأجانب، والتنبيه لمخاطر استمرار تدفقات الهجرة غير الشرعية في المياه الإقليمية، وتعزيز مهام قوات حفظ السلام في بؤر الصراعات المسلحة، وتفادي الاتهامات الدولية المتعلقة بالإعدامات الجماعية، والتسييس في الاستحقاقات الانتخابية، ومشروطية تدفقات الاستثمارات الأجنبية.

 وتشير التفاعلات في دول الشرق الأوسط إلى أن ثمة توظيفًا لجثث القتلى من جانب الفاعلين، بما يخدم الدوافع المُحرِّكة لكل منها، على نحو ما توضحه الأبعاد التالية:

جثث الأبيار:

1- إثارة الجدل السياسي بين أطراف الصراعات الداخلية: ساهمت واقعة العثور على 36 جثة مجهولة، في 28 أكتوبر الماضي، في منطقة الأبيار قرب بنغازي بشرق ليبيا، في تصاعد حدة الجدل بين قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر وحكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة. فقد طالب حفتر المدعي العام العسكري بفتح تحقيق في الواقعة بناءً على عدة بلاغات واردة من الأجهزة الأمنية، لتحديد هوية القتلة والضحايا، لا سيما أن الجيش يسيطر على بنغازي منذ يوليو الماضي.

 على جانب آخر، أعلن المجلس الرئاسي بقيادة فايز السراج عن فتح تحقيق عاجل بالتنسيق مع النيابة العامة للكشف عن ملابسات هذه الجريمة واعتقال مرتكبيها وتقديمهم للعدالة. وأشار المجلس، في بيان له، إلى أن "ما وصفه بالعمل الإجرامي البشع لا يقوم به إلا من تجرد من إنسانيته، ومن كل التعاليم الدينية والقيم الاجتماعية، ويتناقض تمامًا مع ما يتطلع إليه الشعب الليبي من بناء الدولة المدنية الديمقراطية التي تحافظ على حقوق الإنسان وتحرم القتل خارج نطاق القانون".

 وانخرط حزب العدالة والبناء (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين)، في هذا الجدل إذ زعم في بيان له أن "العثور على عشرات الجثث في منطقة الأبيار شرقى بنغازي، بمثابة جرائم حرب وانتهاك لميثاق الأمم المتحدة، والقانون الدولي الإنساني، ومبادئ حقوق الإنسان". وطالب الحزب المجلس الرئاسي لحكومة السراج بـ"اتخاذ إجراءات عاجلة لفتح تحقيقات رسمية في هذه الانتهاكات ومعاقبة منفذيها، وضرورة تفعيل ودعم وزارة الداخلية في بنغازي، لضبط الأمن في المدينة".

انهيار التنظيم: 

2- تأكيد انهيار أهداف تنظيم "داعش": تسعى عدة أطراف دولية ومحلية (التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة- روسيا- قوات الجيش النظامي السوري- قوات سوريا الديمقراطية- الجيش العراقي- الميلشيات الشيعية) إلى استهداف تنظيم "داعش" في مناطق نفوذه الرئيسية في العراق وسوريا والقضاء عليه بشكل كبير، على نحو أدى إلى ظهور مقابر جماعية وجثث ملقاة في الطرقات داخل المناطق التي كان يسيطر عليها التنظيم في السابق.

 وقد عبر عن ذلك جليًا أحد المسئولين العسكريين السوريين قائلاً: "نحن مهتمون بما هو فوق الأرض أكثر من هؤلاء الذين تحتها". ووفقًا لتقديرات صادرة عن التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة لاستهداف "داعش"، فإن نحو 80 ألف مقاتل من تنظيم "داعش" قتلوا منذ تأسيسه في منتصف 2014 وحتى منتصف أكتوبر 2017، بخلاف ما قتل في غارات الطيران السوري وهجمات الجيش النظامي.

 كما عثرت القوات العراقية، في 29 سبتمبر الماضي، على مقبرة جماعية غرب الموصل تضم جثثًا لكوادر "داعش" يرجح أنهم قتلوا بقصف جوي قبل أشهر.

 وامتدت جهود القوى الدولية والمحلية إلى تقليص نفوذ "داعش" إلى ليبيا، حيث أعلن مكتب المدعي العام في ليبيا، في 6 أكتوبر الماضي، أن الأجهزة المعنية انتشلت الجثث الـ21 بعد كشف مكان دفن الأقباط المصريين الذين قتلهم تنظيم "داعش" في فبراير 2015، وهو ما تم التوصل إليه بعد أن كشف أحد قياديي التنظيم المحتجزين عن هذا المكان، وهو نفس موقع تصوير الضحايا بالملابس البرتقالية أثناء قتلهم بمدينة سرت.

ثأر إرهابي:

3- الانتقام من المدنيين لمؤازرة الجيوش النظامية في مواجهة التنظيمات الإرهابية: على نحو ما فعله بقايا تنظيم "داعش" تجاه المدنيين في مدينة القريتين في ريف حمص وسط سوريا خلال 20 يومًا من سيطرته عليها قبل أن تطرده قوات الجيش النظامي السوري في 20 أكتوبر الماضي، إذ كان ذلك التصرف بدافع الانتقام من عناصر مدنية تتهم بالعمالة لنظام الأسد. ووفقًا لروايات شهود العيان على عمليات الإعدام، فإن السكان وجدوا الجثث في منازل وشوارع المدينة ومناطق أخرى فيها بعد سيطرة قوات النظام عليها، حيث تم إعدامهم بالسكاكين أو بإطلاق الرصاص عليهم.

 وهنا تجدر الإشارة إلى أن معظم عناصر تنظيم "داعش" الذين شنوا هذا الهجوم المباغت كانوا خلايا نائمة في المدينة، ويعرفون أهلها والموالين للنظام منها. فضلاً عن استهداف بعضهم بالألغام التي يتم زراعتها في مناطق متفرقة سواء في تلك المدينة أو الرقة أو دير الزور بحيث تزايدت أعداد الجثث تحت ركام الأبنية.

سيلفي الجثث:

4- احتواء توجهات الرأى العام الغاضب تجاه انتهاكات المقاتلين: تعهدت القيادة العامة للجيش الوطني الليبي بالتحقيق في انتهاكات منسوبة لبعض عناصرها، في الثلث الأخير من مارس 2017، بعد ظهور صور لجثث على مركبة تم عرضها علنًا في مدينة بنغازي بعد تحريرها من التنظيمات الإرهابية. كما سبق أن أثارت صور سيلفي التقطتها مراسلة التلفزيون السوري كنانة علوش ونشرتها على موقع "فيس بوك"، في 28 إبريل 2016، ويقع خلفها جثامين قتلى نتيجة المواجهات الميدانية بين قوات الجيش النظامي وقوى المعارضة في شمال البلاد، فيما يطلق عليه البعض "سيلفي الجثث"، غضب قطاعات من الرأى العام.

جروح الماضي:

5- استعادة الذكريات التاريخية السابقة: قام التلفزيون الجزائري العام ببث فيلم وثائقي مدته نصف ساعة بعنوان "حتى لا ننسى" لمشاهد الحرب الأهلية في تسعينات القرن الماضي، ومن بينها مشاهد جثث الأطفال وجثث ممزقة. وقد تم بث هذه المشاهد في 29 سبتمبر الماضي بمناسبة الذكرى الثانية عشر لاعتماد "ميثاق السلم والمصالحة الوطنية"، بهدف توظيف جروح المأساة الوطنية.

 ويعد توقيع هذا الميثاق نهاية "العشرية السوداء" بين قوات الأمن والجيش من جانب والإرهابيين من جانب آخر على خلفية إلغاء نتيجة الدورة الأولى من الانتخابات التشريعية لعام 1992 حينما كان الإسلاميون يتجهون للفوز بها. ويمكن تفسير توظيف الحكومة الجزائرية لهذه المشاهد بأنها تهدف إلى إضفاء أهمية وزخم خاص على السياسة التي تتبناها في التعامل مع تهديدات التنظيمات الإرهابية، في حين لم تستبعد اتجاهات عديدة أن يكون ذلك مرتبطًا بتزايد الجدل حول صحة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة، والتحضير للانتخابات الرئاسية الجديدة، حيث يشير إلى رسالة محددة مفادها ضرورة دعم من جلبوا السلم الأهلي.

مساومات متبادلة:

6- المقايضة بين الميلشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية: وهو ما قام به "حزب الله" و"جبهة فتح الشام" من خلال عملية تبادل جثث المقاتلين في المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في منطقة الحدود اللبنانية- السورية في نهاية يوليو الماضي. فبعد تبادل الجثث، تم إطلاق سراح أسرى "حزب الله" ومغادرة مقاتلي "جبهة النصرة" إلى شمال سوريا مع مدنيين راغبين في الرحيل معهم، وهو ما جاء في أعقاب تصاعد المواجهات الميدانية بين الحزب والجبهة، سواء على الحدود السورية أو من داخل الأراضي اللبنانية.

 كما تسلمت ميلشيا "حزب الله"، في 31 أغسطس الماضي، جثث عناصر الحرس الثوري الذين قتلوا خلال مواجهات مع "داعش" في سوريا، بحيث تم نقلهم من لبنان إلى دمشق ولاحقًا إلى إيران، مع الأخذ في الاعتبار أنه لم يتم الكشف عن طبيعة العملية، وعدد الجثث والأسرى التي تم مبادلتها بين الجانبين.

حلقة وصل: 

7- تأسيس قنوات اتصال بين الحكومات في بؤر الصراعات ودول المقاتلين الأجانب: أعلنت ميلشيا "البنيان المرصوص" الموالية لحكومة فايز السراج في ليبيا، في 26 يوليو الماضي، في أعقاب تحرير مدينة سرت من "داعش" بمعاونة سلاح الجو الأمريكي، أن "الجهات الأمنية لا تزال تتحفظ على مئات الجثث لعناصر داعش، في وقت ترفض فيه دول استلامها، حتى الآن، وتعود هذه الجثث إلى حوالي 24 جنسية عربية وأجنبية".

 وقد جاء بيان "البنيان المرصوص" ردًا على شكاوي ونداءات تقدم بها مواطنو سرت العائدين، حديثًا، لبيوتهم بسبب انتشار الجثث تحت ركام المباني، التي هدمت أثناء المعارك. وأشار البيان إلى "وجود جثث محفوظة، منذ قرابة العام، في حاويات مبردة، بعد أخذ عينات الحمض النووي، وقد تعطلت بعض الحاويات، بسبب الانقطاعات المتكررة للتيار الكهربائي". ولم يقدم البيان رقمًا محددًا لعدد الجثث، خلاف كونها بـ"المئات"، ولا هوية الدول التي رفضت استلامها، ولا تقديرات حول الجثث التي لم تنتشل بعد.

 كما وجه وزير خارجية العراق إبراهيم الجعفري الدعوة بصفة رسمية لنظيره الجزائري عبدالقادر مساهل لزيارة بغداد في 20 يوليو الماضي، وذلك لإجراء محادثات حول ملفات متعددة من بينها الأطفال الجزائريين "الدواعش"، وهم الذين ولدوا لآباء جزائريين من أعضاء تنظيم "داعش"، إذ تتحفظ عليهم الأجهزة الأمنية العراقية بعد طرد التنظيم من الموصل، ويتراوح عدد الجزائريين بين 50 و120 من ضمنهم أطفال لا يتجاوز عمرهم سنتين فقط. ويتواجد في مراكز حفظ جثث الإرهابيين العراقيين عدد من جثث الجزائريين الذين كانوا يقاتلون ضمن صفوف تنظيم "داعش" من ضمنهم أمراء وقياديين بارزين، لكن الحكومة الجزائرية أبدت رفضها لذلك. 

قوارب الموت:

8- التنبيه لمخاطر استمرار تدفقات الهجرة غير الشرعية في المياه الإقليمية: عادت مرة أخرى ظاهرة جثامين المهاجرين الذين يقضون في المياه التونسية قرب الحدود الليبية أثناء رحلاتهم نحو دول أوروبا، إذ تشكل الرويس في جنوب تونس نقطة انطلاق لمراكب كثيرة محملة بمهاجرين. وثمة صعوبات تواجه انتشال جثثهم الملقاة في البحر.

 وطبقًا لما تشير إليه إحدى الدراسات، فقد تم إنقاذ 126 شخصًا من مختلف الجنسيات وانتشال 44 جثة من المياه مقابل سواحل الرويس منذ مطلع عام 2017، وهو معدل طفيف مقارنة بأكثر من 2000 شخصًا لقوا مصرعهم هذا العام أثناء عبور البحر المتوسط من ليبيا إلى إيطاليا، وهو عدد أقل من 3700 و5000 شخص لقوا حتفهم خلال عامى 2015 و2016 وفقًا للإحصاءات الصادرة عن المنظمة الدولية للهجرة.

 ويمثل تهريب المهاجرين بحرًا ثالث أكبر الأنشطة الإجرامية المنظمة بعد تهريب الأسلحة والمخدرات. وتبعًا لرئيس المنظمة الدولية للهجرة وليام لاسي سوينج، في 31 مايو الماضي، فإن المكاسب التي يجنيها سنويًا مهربو البشر تبلغ 35 مليار دولار. ويعود انتشار جثث المهاجرين في تلك المنطقة إلى نقص الموارد لجهاز خفر السواحل التونسي بما يساعده على دفن الجثث. كما أن وحدات الحرس الوطني البحرية ليست وحدات إنقاذ، ولا يندرج دفن الجثث ضمن مهامها. فضلاً عن رفض قاطني تلك المناطق دفن مجهولين في مدافن العائلة. وفي هذا السياق، تتصاعد مطالبات البعض بتخصيص مقبرة للمهاجرين.

هشاشة السلم:

9- تعزيز مهام قوات حفظ السلام في بؤر الصراعات المسلحة: عثرت بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام على مقابر جماعية في إحدى المناطق بشمال مالي تعاني الصراع بين جماعات متناحرة في الأسابيع الأخيرة من يوليو 2017 على نحو يهدد بتعطيل اتفاق السلام الموقع في عام 2015.

 ووفقًا لبيان صادر عن بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام في مالي، في 5 أغسطس 2017، فإنها "أُبلغت بمعلومات عن تجاوزات وانتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان تنسب إلى الحركات الموقعة لاتفاق السلام الذي أبرم في مايو-يونيو 2015 بين المجموعات المسلحة القريبة من الحكومة ومجموعة تنسيقية حركات أزواد (حركة التمرد السابق التي يهيمن عليها الطوارق)". وأضاف: "رغم توصل فرق الإنقاذ إلى وجود مقابر فردية وجماعية لكنها لم تتمكن في هذه المرحلة من تحديد عدد الجثث المدفونة أو سبب وفاتها".

محرقة الجثث:

10- تفادي الاتهامات الدولية المتعلقة بالإعدامات الجماعية: وهو ما يقوم به نظام الأسد عبر "محرقة للجثث" في أحد السجون العسكرية للتخلص من رفات آلاف المعتقلين الذين تمت تصفيتهم، والتغطية على حجم عمليات القتل الجماعي التي تجري في صيدنايا. وطبقًا لتقديرات صادرة عن منظمة العفو الدولية، فإن ما بين خمسة آلاف إلى 11 ألف شخص قتلوا بين عامى 2011 و2015 في سجن صيدنايا وحده، لدرجة تصل إلى حد جرائم الحرب، وطالبت بتحقيق من جانب الأمم المتحدة.

 وقد اتهمت منظمة العفو الدولية، في فبراير الماضي، الحكومة السورية بأنها أعدمت آلاف السجناء شنقًا ومارست تعذيبًا ممنهجًا في سجن عسكري قرب دمشق. كما اتهمت واشنطن الحكومة السورية، في منتصف مايو الماضي، بإقامة محرقة للجثث قرب سجن صيدنايا. ويعد هؤلاء معارضين مدنيين للحكومة أو عسكريين سابقين منشقين عن الجيش النظامي، ودفنوا في مقابر جماعية خارج العاصمة دون إبلاغ أسرهم بمصيرهم، وفقًا لعدد من الكتابات، وهو ما نفته الحكومة السورية.

توظيف انتخابي: 

11- التسييس في الاستحقاقات الانتخابية: عبر تجنب إثارة غضب الرأى العام الداخلي، إذ تشير إحدى الوثائق الرسمية، وهى شهادات وفاة صادرة عن القنصلية الروسية في دمشق في 4 أكتوبر الماضي، إلى حجم الخسائر الروسية في سوريا، وهو ما تخشاه موسكو، حيث تتكتم وزارة الدفاع الروسية على عدد القتلى الروس باعتبار أن ذلك يمكن أن يؤثر على شعبية الرئيس فيلاديمير بوتين قبل خمسة أشهر على الانتخابات الرئاسية التي من المتوقع أن يخوض غمارها. فالوثيقة السابق الحديث عنها توضح أن الأشهر التسعة الأولى من عام 2017 شهدت مقتل 136 مدنيًا روسيًا، ويشمل هذا العدد متعاقدين عسكريين.

 في حين يكشف أحد التقديرات عن أن العدد الرسمي للقتلى العسكريين الروس خلال هذا العام هو 16، بينما ترفعها تقديرات أخرى إلى 26. وترد وزارة الدفاع الروسية بأن هناك محاولات غربية لتشويه دور موسكو في سوريا. ورغم أنه يتعين تسجيل وفاة أى مواطن روسي في القنصلية بدمشق من أجل إعادة جثته ومتعلقاته إلى روسيا عبر القنوات الرسمية، إلا أن روسيا لا تعلن وفيات العسكريين. كما أن جثث المواطنين الروس الذين يقاتلون في صفوف المعارضة المسلحة أو التنظيمات الإرهابية لا تعود إلى البلاد.

متغيرات مترابطة:

12- مشروطية تدفقات الاستثمارات الأجنبية: إذ أن تدفق الأخيرة مرهون باستقرار الأوضاع الداخلية تجنبًا لخسائر محتملة، على الرغم من أن قطاعًا من المستثمرين قد يفضل الاستثمار في بلاد المخاطر. وفي هذا السياق، سخر وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون، في 3 أكتوبر 2017، من الأوضاع في ليبيا وخاصة سرت قائلاً: "يمكن أن تكون سرت دبى جديدة، بمساعدة بلدية سرت على يد مستثمرين بريطانيين إذا ما تمكنت من إزالة الجثث منها.. وبعدها سنكون هناك".

تسييس متصاعد:

 خلاصة القول، يشير انتشار الجثث التي سقطت في ساحات المعارك أو دفنت في رمال الصحراء الكبرى أو غرقت في البحر المتوسط، إلى تزايد ظاهرة الجثث بلا هوية، لا سيما أن بعض المقاتلين الأجانب كان لديهم أسماء مستعارة، على نحو يفسر عدم توثيق العدد الحقيقي لقتلى بؤر الصراعات المشتعلة في الإقليم. علاوة على شح الموارد وضيق الوقت ونزعات الثأر والقيود الأمنية بما يعيق جهود منظمات الإغاثة لإحصاء عدد الضحايا بل يمكن استخدام قتلى الصراعات المسلحة لأغراض سياسية، في كثير من الأحيان، بحيث تصبح هذه الأعداد عرضة للتلاعب أو سوء الاستخدام.