أخبار المركز
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)
  • د. أيمن سمير يكتب: (بين التوحد والتفكك: المسارات المُحتملة للانتقال السوري في مرحلة ما بعد الأسد)
  • د. رشا مصطفى عوض تكتب: (صعود قياسي: التأثيرات الاقتصادية لأجندة ترامب للعملات المشفرة في آسيا)

"أشبال الخلافة":

لماذا يركز داعش على الأطفال الانتحاريين؟

02 سبتمبر، 2016


لا يتوقف "داعش" عن إنتاج ما يبرهن على أنه تنظيم أشد وأعتى في تطرفه عن سابقيه من التنظيمات والجماعات الإرهابية. وآخر ما أنتجه "داعش" هو إنشاء ما يسميهم "أشبال الخلافة"، وهم مقاتلون وانتحاريون من الأطفال، في سابقة تاريخية، إذ لم تستغل منظمة إرهابية أو متطرفة من قبل الأطفال على هذا النطاق الواسع، وفي مثل هذه الأعمال، التي تودي بحياتهم.

فوفق تقرير صادر عن مركز مكافحة الإرهاب التابع للجيش الأمريكي في ويست بوينت، في فبراير 2016، فإن 89 صبياً تتراوح أعمارهم بين 8 و18 عاماً لقوا حتفهم في مواقع قتالية لتنظيم "داعش" بين يناير 2015 ويناير 2016. وأكثر من نصف القتلى سقطوا على أرض العراق، ولكن أغلبهم من السوريين، أما الآخرون فمن اليمن وتونس وليبيا، وهناك عدد قليل من بريطانيا وفرنسا وأستراليا ونيجيريا.

وبينما تضاعف عدد أطفال "داعش" الذي شاركوا في معارك عام 2015 ثلاث مرات مقارنةً بعددهم عام 2014، فإنه بين يناير 2015 ويناير 2016، لقي39 % منهم حتفهم في تفجيرات بسيارات ملغومة، و33% في معارك. وكان 60% منهم تتراوح أعمارهم بين 12 و16 عاماً، بينما 6% تتراوح أعمارهم بين 8 و12 عاماً. ونحو 18% من الصبية لقوا حتفهم في هجمات كان موتهم فيها محققاً.

دوافع التجنيد

تعكس التفجيرات التي نفذها "داعش" في الشهور الأخيرة تركيزه على "الأطفال الانتحاريين"، حيث شهدت العديد من المدن العراقية في الأسابيع الماضية تفجيرات نفذها صبية أو مراهقون نجح "داعش" في تجنيدهم، وهو ما حدث أيضاً في التفجير الذي ضرب مدينة غازي عنتاب التركية، في شهر أغسطس الماضي، وراح ضحيته 50 شخصاً على الأقل، حيث رجح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تنفيذ انتحاري "داعشي" يتراوح عمره بين 12 و14 عاماً لهذا الهجوم.

ومن ثم السؤال الذي يفرض نفسه في هذا الصدد هو: لماذا يلجأ "داعش" إلى تجنيد الأطفال وبات يركز على استغلالهم في عملياته الإرهابية؟ وتتوزع الإجابة على عناصر عدة، يمكن ذكرها على النحو التالي:

1- تعويض نقص المقاتلين في ظل امتداد خطوط المواجهة بين التنظيم وبين مناوئيه، أو الراغبين في استئصاله، لمساحات شاسعة، وعلى جبهات مختلفة. وقد زادت هذه الحاجة مع تصاعد التنسيق الدولي لمواجهة "داعش"، بعد أن استفحل خطره وطال الجميع. لكن يبدو أن هناك ما هو أبعد من التعويض في هذا الخصوص، إذ تشي التدريبات التي تُجرى لهؤلاء الأطفال أنهم يُعَّدون بالطريقة نفسها التي يعمل بها المقاتلون من الكبار، الأمر الذي يشكك، ولو قليلاً، في أن "داعش" قد لجأ إلى الصغار كحل أخير بعد مقتل أغلب محاربيه من الرجال في المعارك الضارية المتتالية.

2- ربط أجيال جديدة بالتنظيم، ويراهن "داعش" على الأطفال الذين جندهم في أن يكونوا مقاتلين مدربين على مستوى رفيع في المستقبل، لاسيما أن حداثة سنهم تعطي قادة التنظيم فرصة قوية لتنشئتهم على أفكاره ومعتقداته الدينية والقتالية وتصوراته ومدركاته.

ويبدو أن عملية الربط تلك تدور بشكل ممنهج، وفي أماكن عدة، سواء داخل المناطق التي يهمين عليها التنظيم، أو حتى خارجها، والدليل مداهمة قوات الأمن التركية، في نهاية أغسطس الماضي، خلال حملة ضد تنظيم "داعش" في حي أولوجانلار بالعاصمة أنقرة لمبنى مؤلف من خمسة طوابق، يعرفه الناس على أنه مكتبة، ويستخدمه التنظيم الإرهابي في تدريب الأطفال. وتبين أن نحو 30 طفلاً، من بينهم 25 فتاة تتراوح أعمارهم بين 9 و17عاماً، يبيتون في شقق هذا المبنى لتلقي التدريبات على يد عناصر من "داعش".

3- يتيح الأطفال للقادة الميدانيين في التنظيم فرصة للتمويه على أعدائهم، وخداعهم، إذ يسهل استخدام الصغار في بعض العمليات الانتحارية النوعية من دون أن يلفتوا الانتباه، ويثيروا الشكوك. وقد لا يستمر هذا التمويه طويلاً، فأحياناً يجد الطفل الانتحاري نفسه في حاجة إلى أن يظهر تماماً لأعداء "داعش"، وهي مسألة تجسدها ظاهرة "الانغماسيون"، حيث ينخرط الأطفال أو الصبية بكل كيانهم في عملية قتالية خلف خطوط العدو، ويفتحون النار بلا حذر ولا تحسب، فتكون النتيجة أن يلقوا مصرعهم في النهاية.

4- ربط أسر الأطفال بتنظيم "داعش"، فقد انتقل بعض المنتمين له إلى الأرض التي يسيطر عليها التنظيم مع زوجاتهم وأطفالهم، وهناك من تزوجوا بعد وصولهم وأنجبوا أطفالاً. وبعض هؤلاء الأطفال لا يؤخذون إلى التدريب العسكري عنوة، إنما يتم الاتفاق مع أسرهم على مقابل مادي لقاء انضمامهم إلى ميليشيات "داعش"، وبذلك فهم في نظر التنظيم وإدراك ذويهم مرتزقة، وهذا مسلك انتهجته التنظيمات المتطرفة من قِبل في ميادين قتال عديدة. وبعض الأسر ترسل أطفالها راضية لأنها تعتقد في أن هذا جهاد في سبيل الله.

وفي حال إجبار بعض الأطفال على الانضمام لـ"داعش"، فإن التنظيم يربط ذويهم عنوة به، ويخضعهم له، الأمر الذي يعيد إلى الأذهان ما كان يفعله العثمانيون في أواخر القرن الرابع عشر الميلادي، حين كان يتم خطف الأطفال، وضمهم إجبارياً إلى صفوف "الإنكشارية"، حيث يتلقون مناهج تجعل ولاءهم للدولة، وتدريبات عسكرية على مختلف فنون القتال.

5- يُعطي توظيف صغار السن في العمليات الميدانية فرصة لتنظيم "داعش"، كي يسوق بعض صور ضحايا حروبه من الأطفال في دعايته الرامية إلى تشويه خصومه. وأحياناً يقدم هؤلاء إلى الرأي العام الدولي بوصفهم من المدنيين الذي أسقطهم أعداء "داعش". لا يعني هذا بالطبع أن الضحايا المدنيين بالفعل ليس من بينهم أطفال، لكن يتم خلط الأمور على النحو الذي يخدم الدعاية "الداعشية"، التي ثبتت احترافيتها وفاعليتها على مدار السنوات الفائتة.

6- على خُطى الدعاية أيضاً، يساعد توظيف "داعش" للأطفال في عمليات التنظيم في حصده نقاطاً إضافية في الحرب النفسية التي يشنها ضد مناوئيه، إذ يقول لهم عبر الصور الملتقطة والمبثوثة لهؤلاء الصغار، وهم يحملون أسلحة من مختلف الأنواع، ويتدربون على عمليات انتحارية، أو حتى يحضرون دروس تلقينهم بعض تصورات التنظيم وأفكاره، بأن "داعش" متجذرة في الأرض التي يسيطر عليها، وأن مقاتليها يتلاحقون جيلاً وراء جيل.

وأقوى مثل يُضرب في هذا الصدد هو الشريط المصور الذي صدر في 27 أغسطس 2016 عن المكتب الإعلامي التابع لـ"داعش" بمدينة الرقة السورية، والذي أظهر خمسة أطفال بزي عسكري كامل يقومون بإطلاق النار على رؤوس خمسة أشخاص قال التنظيم إنهم من الأكراد، في إشارة لوحدات حماية الشعب، التي تقاتل التنظيم في عدد من الجبهات.

وقد حرص التنظيم على أن يقول بشأن المعدمين إن الولايات المتحدة قد أوعزت إليهم بالتحرك ضد "داعش"، تحت وعود بإقامة دولة كردية، لكن التنظيم "تصدى لهم واستنزف قواهم وقوى التحالف التي ساندتهم" حسب تعبيره.

جيل جديد من الإرهابيين

إذا كان ما سبق يُفسر الدوافع التي تجعل "داعش" يوظف الأطفال في عملياته القتالية، بلا ورع ولا رحمة، فماذا عن النتائج المترتبة على استفحال هذه الظاهرة؟ يمكن ذكر بعض هذه النتائج فيما يلي:

1- الخطر العام المرتبط بتعرض الأطفال لمحن قاسية من هذا النوع، وهي مسألة أُعدت بشأنها دراسات متعددة في مجال التأثير النفسي للحروب على الأطفال.

وثمة ما يبين قسوة التجربة التي يمر بها أطفال "داعش"، فهناك الطفل السوري أسيد برهو، الذي سلم نفسه للشرطة قبل تنفيذ عملية انتحارية في أواخر عام 2014، وكذلك فعل طفل آخر في الفلوجة، فيما هرب طفل أيزيدي من معسكر تدريب لـ"داعش" في الموصل، وراح يقول في خوف: "دربونا على أن الذبح يجب أن يتم من أسفل الحنجرة".

وربما لهذه المخاوف، فإن نسبة فشل العمليات التي كُلف أطفال بتنفيذها أكبر من مثيلتها التي نفذها بالغون.

2- غسل دماغ صغار بالفكر "الداعشي"، مما يجعلهم يتبنونه كباراً. ففي فصول تعليمية يتلقى أطفال "داعش" دروساً حول أنواع الأسلحة، وأصناف الفقه والفكر المتشدد التي يتبناها التنظيم. ويتم تجميعهم ليروا مشاهد قطع رؤوس وإعدامات ينفذها جلادون لا تزيد أعمارهم على 12 عاماً.

في هذه المدارس يُعزل الأطفال عن ذويهم، وتُطلق عليهم كُنى معينة يحملها الكبار عادة على غرار (أبوبكر البغدادي، أبو حمزة المصري، وأبو محمد المقدسي)، ثم يتم توزيعهم على ثلاثة مستويات من التعليم والتدريب: ديني ينصب بالأساس على عملية الطاعة والجهاد، وعملي وهو بدني قاسي، وفيه يتعرفون على أنواع مختلفة من الأسلحة ويتدربون عليها، ثم نفسي، سواء برفقة "المحتسبين" في الأسواق والشوارع والأماكن العامة، أو من يقيمون الحدود في الساحات.

ويترتب على هذا خلق جيل يحمل أفكار الإرهاب وتدابيره، بما يجعله يشكل خطراً محتملاً على مختلف الدول، لاسيما إن عادوا إلى بلدانهم الأصلية، مثلما سبق أن جرى مع "الأفغان العرب" قبل ربع قرن.