أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

السيناريو القادم:

انعكاسات الضربة الأمريكية للنظام السوري على الأزمة اليمنية

11 أبريل، 2017


ثمة تغير ملحوظ في توجهات الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة دونالد ترامب إزاء الأزمة اليمنية، على عكس سلفه باراك أوباما، حيث يبدو الرئيس الأمريكي الحالي عازماً على اتخاذ مواقف أكثر تشدداً ضد تحالف "الحوثي – صالح" الانقلابي، وتكثيف الغارات الجوية باستخدام "الطائرات بدون طيار" ضد تنظيم "القاعدة" في اليمن. 

وبعد أن شنت القوات الأمريكية هجوماً بصواريخ "توماهوك" على مطار الشعيرات السوري رداً على الهجوم الكيماوي الذي يُتهم النظام السوري بتنفيذه في بلدة خان شيخون، تُثار تساؤلات حول تداعيات هذه الضربة العسكرية الأمريكية على الأزمة اليمنية؟ وهل يمكن أن يتكرر هجوم عسكري مماثل ضد ميليشيا الحوثي، خاصةً في ظل الاتهامات الأمريكية لإيران وأذرعها في اليمن بتهديد الملاحة البحرية الدولية في البحر الأحمر؟

قلق حوثي

تضمنت الضربة العسكرية الأمريكية التي استهدفت مطار الشعيرات السوري، عدة رسائل؛ كانت إحداها موجهة لإيران وحلفائها في دول المنطقة، ومن بينهم ميليشيا الحوثي، ومفادها أن إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب جادة في مواجهتهم عسكرياً، لتهديدهم مصالح واشنطن على غرار ما حدث مع نظام الأسد مؤخراً.

وبالفعل أثارت الضربة الأمريكية لمواقع النظام السوري مخاوف ميليشيا الحوثي، التي سارعت إلى إدانتها، ووصف ما يُسمى بـ "المجلس السياسي للحوثيين، في بيانٍ صادر يوم 7 أبريل الجاري، استهداف قاعدة الشعيرات العسكرية في حمص بأنه "عدوان سافر يعد انعكاساً عملياً لحقيقة التوجه الأمريكي - الإسرائيلي التدميري في المنطقة".

ووفقاً لتقارير إعلامية، عقدت قيادات من الصف الأول من ميليشيا الحوثي اجتماعاً عاجلاً برئاسة محمد علي الحوثي، رئيس ما يُسمى بـ "اللجنة الثورية العليا"، لبحث تداعيات الضربة الأمريكية في سوريا على الوضع في اليمن، واتخاذ ما يلزم في حالة قيام الولايات المتحدة بعمل مماثل ضد الحوثيين.

مؤشرات تغير أمريكي

هناك مؤشرات عديدة تؤكد أن الإدارة الأمريكية الحالية، وعلى عكس أوباما، تتبنى سياسات أكثر دعماً للحكومة الشرعية والتحالف العربي المساند لها في اليمن، ومناوئة لإيران وحليفها الحوثي. وتتمثل أبرز هذه المؤشرات فيما يلي:

1- وصف مستشار الأمن القومي الأمريكي "مايكل فلين"، قبل استقالته في منتصف شهر فبراير الماضي، الحوثيين بأنهم أحد التنظيمات الإرهابية الوكيلة لإيران، وذلك على الرغم من أن الولايات المتحدة لم تُصنِّف الميليشيا رسمياً كتنظيم إرهابي. وقد أصدر فلين هذا التصريح بعد فترة قصيرة من هجوم الحوثيين وإضرارهم بفرقاطة سعودية في البحر الأحمر في أواخر شهر يناير 2017.

2- نشرت الولايات المتحدة، في 3 فبراير 2017، مدمرة تابعة للبحرية قبالة اليمن لحماية الممرات المائية من المسلحين الحوثيين الذين تدعمهم إيران. وكشف حينها تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأمريكية عن أن واشنطن تدرس خطوات أكثر صرامة ضد المتمردين الحوثيين، بما في ذلك هجمات الطائرات بدون طيار ونشر مستشارين عسكريين لمساعدة القوات اليمنية الشرعية.

3- زيارة ولي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى واشنطن في مارس 2017، حيث أجرى مباحثات مع الإدارة الأمريكية، وصفت بالناجحة وفقاً لتقارير إعلامية، وأنه بدا واضحاً التوافق بين الجانبين في التعامل مع العديد من الملفات، وأبرزها التصدي للأنشطة الإيرانية الإقليمية المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وما تقدمه طهران من دعم لأذرعها في اليمن وسوريا والعراق، وهو ما يهدد أمن دول الخليج العربية والملاحة الدولية في البحر الأحمر. وربما كان من نتائج هذه المباحثات إعطاء ضوء أخضر أمريكي لقوات التحالف في اليمن من أجل تحرير ميناء الحديدة الاستراتيجي.

4- تقدم وزير الدفاع الأمريكي "جيمس ماتيس" بطلب إلى البيت الأبيض، في 27 مارس الماضي، من أجل رفع القيود المفروضة في عهد أوباما على الدعم العسكري الأمريكي لدول التحالف العربي التي تشن حرباً ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران في اليمن، وذلك وفقاً لما نشرته صحيفة "واشنطن بوست". 

وفي إشارة واضحة إلى نية واشنطن التحرك بقوة أكبر ضد إيران، ذكر "ماتيس"، في مذكرته لمستشار الأمن القومي هربرت ماكماستر، الذي تم تعيينه في هذا المنصب في فبرير الماضي خلفاً لمايكل فلين، أن دعم العمليات التي تنفذها قوات التحالف بقيادة المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة سيساعد على محاربة تهديد مشترك للجانبين الخليجي والأمريكي، ويقصد به الخطر الذي تمثله إيران ووكلاؤها من الحوثيين في اليمن.

5- تشير تقارير إعلامية أمريكية إلى إمكانية مشاركة القوات الأمريكية في معركة تحرير الحديدة، ليس فقط من خلال الدعم اللوجستي والاستخباراتي، بل بدعم قوات التحالف العربي عسكرياً، وذلك بهدف تأمين خطوط الملاحة الدولية، خاصةً بعد أن شهدت الفترة الأخيرة تعرض سفينة إغاثة إماراتية وبعدها حاملة طائرات أمريكية ثم فرقاطة حربية سعودية لهجمات من قِبل ميليشيا الحوثي، مما اعتبره كثير من الدول تهديداً لحركة الملاحة في البحر الأحمر.

6- إقرار الجنرال جوزيف فوتيل، قائد القيادة المركزية الأمريكية، في إفادة أمام مجلس الشيوخ أواخر شهر مارس الماضي، بأن الحوثيين نشروا، بدعم من إيران، في الساحل الغربي لليمن، صواريخ ومنظومة رادارات وألغاماً وقوارب مفخخة. وأكد القائد الأمريكي أن هذه الأسلحة تهدد التجارة والسفن والعمليات العسكرية الأمريكية في المنطقة.

دوافع متعددة

تمتلك الولايات المتحدة مصالح في اليمن وباب المندب، مثلما الوضع في سوريا، تدفعها إلى تقديم مزيد من الدعم العسكري لقوات التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن. وثمة توقعات بأن يظهر هذا الدعم العسكري في العملية العسكرية المقررة لاستعادة ميناء الحديدة الاستراتيجي من الانقلابيين. وما يعزز هذه التوقعات ما يلي:

1- وجود قناعة لدى الإدارة الأمريكية الحالية بأن إيران تمثل تهديداً حقيقياً لأمن دول الخليج العربية، ولها أطماع واضحة في بسط نفوذها في اليمن ودول أخرى في المنطقة. ومن ثم فإن إدارة ترامب تعد أكثر تفهماً للخطوات التي تتخذها دول الخليج لمواجهة الخطر الإيراني.

2- تركيز الولايات المتحدة على محاربة حلفاء إيران وتحجيمهم، وذلك ليس بالوسائل العسكرية فحسب، بل ستتبع كل السُبل بما في ذلك اعتبار الميليشيات التابعة لطهران جماعات إرهابية، وفرض حظر عليها.

3- تدرك الولايات المتحدة أن الحد من أذرع إيران في المنطقة، وعلى رأسها جماعة الحوثي، هو هدف أولي ومتاح، نظراً لوجود إجماع دولي على أن هذه الجماعة هي ميليشيا انقلابية سيطرت على السلطة في اليمن بطريقة غير شرعية، وأنه يتعين على المجتمع الدولي مواجهتها بكل السُبل بما في ذلك استخدام القوة العسكرية.

كما يرغب ترامب في استعراض عضلاته في مواجهة إيران، وتعد الأزمة اليمنية هي الأنسب لفعل ذلك مقارنةً ببؤر الصراعات الأخرى الأكثر تعقيداً وتشابكاً في المنطقة مثل الصراع السوري، والذي تتعد القوى الفاعلة والمنخرطة فيه.

4- إن المساندة الأمريكية لقوات الشرعية اليمنية ودول التحالف العربي في معركة تحرير الحديدة والشريط الساحلي الغربي لليمن، هدفها إبعاد الخطر الذي تمثله ميليشيا الحوثي على أمن البحر الأحمر والملاحة الدولية، والحد من التهديد الإيراني في هذه المنطقة.

وما يزيد من أهمية معركة استعادة ميناء الحديدة كونه يُمثل منفذاً رئيسياً لتهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين، فضلاً عن أن تحريره سيساهم في تأمين وصول المساعدات الإنسانية الدولية لليمنيين.

5- التهديدات التي أطلقها الحوثيون بأنهم سيستخدمون كل الوسائل للدفاع عن ميناء الحديدة بما فيها إغلاق مضيق باب المندب في وجه الحركة الملاحية الدولية، وهو ما يمثل دافعاً قوياً لدى الإدارة الأمريكية للمشاركة في معركة تحرير هذا الميناء الاستراتيجي، وإبعاد خطر مثل تلك التهديدات مستقبلاً.

خلاصة القول، بات واضحاً اختلاف التوجهات الحالية للولايات المتحدة إزاء أزمات المنطقة عما كانت عليه في عهد إدارة أوباما، وظهر ذلك بشكل جلي مؤخراً في الضربة العسكرية لقاعدة الشعيرات الجوية التابعة لنظام الأسد، وهي الضربة التي ربما تشجع إدارة ترامب على اتخاذ خطوات مماثلة في مناطق صراعات أخرى تمثل تهديداً لمصالح واشنطن وحلفائها في الإقليم.

وتأتي الأزمة اليمنية وتأمين الملاحة الدولية في البحر الأحمر ضمن اهتمامات الإدارة الأمريكية حالياً، حيث ظهرت مؤشرات بعد تولي ترامب تعكس تبني واشنطن موقفاً أكثر حزماً ضد ميليشيا الحوثيين في اليمن، وهو ما يعزز من احتمالات تقديم الولايات المتحدة مزيد من الدعم العسكري لقوات التحالف العربي في اليمن ضد تحالف "الحوثي – صالح" الذي بدأ يعاني انشقاقات في الفترة الأخيرة، وربما تكون البداية في معركة استعادة ميناء الحديدة الاستراتيجي، نظراً لما يمثله هذا الميناء من أهمية لتأمين الملاحة الدولية.