أخبار المركز
  • مركز "المستقبل" يشارك في "الشارقة الدولي للكتاب" بـ16 إصداراً جديداً
  • صدور دراسة جديدة بعنوان: (تأمين المصالح الاستراتيجية: تحولات وأبعاد السياسة الخارجية الألمانية تجاه جمهوريات آسيا الوسطى)
  • مركز "المستقبل" يستضيف الدكتور محمود محيي الدين في حلقة نقاشية

اتجاهات مختلفة:

هل تتراجع مكاسب المضاربين في أسواق العملات بالإقليم؟

25 يناير، 2017


تسبب التراجع الاقتصادي بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا طيلة الأعوام الماضية في تقلبات شديدة للعملات المحلية لكثير من دول المنطقة أمام الدولار واليورو وغيرها من العملات الصعبة العالمية الأخرى. وبرغم ما اتخذته بعض هذه الدول من تدابير نقدية ومالية لدعم استقرار أسواق الصرف بها، إلا أن الظروف الاقتصادية والسياسية غير المواتية لم تنجح في كبح اضطراب أسواق الصرف.

وعلى ما يبدو، فإن تقلبات أسواق العملات المحلية كانت سببًا في نشوء ظاهرتين نقديتين رئيسيتين في المنطقة: أولاهما، تتعلق باكتناز الأفراد والمستثمرين العملات الصعبة بغرض التحوط  من تدهور العملات المحلية. وثانيتهما، تنصرف إلى مضاربة شرائح أخرى على العملات المحلية بغرض ربحي بالأساس.

 ومن دون شك، فإن التيارين السابقين شكلا معًا رافدًا رئيسيًا لاتساع حجم السوق السوداء أو الموازية في أنحاء مختلفة بالمنطقة.

ومن المؤكد أن عوامل الضعف الاقتصادي بالمنطقة جراء ارتفاع المخاطر الجيوسياسية والاقتصادية سترجِّح من استمرار نشاط المضاربين، والاتجاه نحو "دولرة" الأصول في دول مثل إيران وتركيا. بينما في المقابل، يبدو أن التطورات الإيجابية التي تشهدها بعض الدول الأخرى، مثل تخفيف العقوبات الاقتصادية على السودان مؤخرًا، وتصحيح سعر الصرف في مصر، سوف تُسهم، جزئيًّا، في تقليص المضاربة على العملات في كلٍّ منهما.

ولكن في النهاية، يبدو أن استعادة أسواق الصرف بالمنطقة لتوازنها الكامل أمر أكثر صعوبةً في ظل تصاعد حالة عدم اليقين بالمنطقة، وهو ما قد يبقي مكاسب عديدة للمضاربين بالأسواق.

مكاسب كبيرة:

أدى ضعف الثقة في اقتصادات المنطقة في الأعوام الماضية، بالتزامن مع هبوط مصادر النقد الأجنبي بمعظم دول المنطقة، إلى تقلبات شديدة بأسواق الصرف في دول مثل مصر والسودان وإيران وتركيا، بما ساهم -في الوقت نفسه- في اتساع حجم السوق السوداء أو الموازية بها. وواقع الأمر، إن دول المنطقة تُعاني من فجوة تمويل أجنبي متزايدة في الأعوام الماضية، ومن المرجّح أن تزيد وتيرتها في الأعوام المقبلة.

وفي هذا السياق المضطرب، اتجه الأفراد والشركات ببعض دول المنطقة -على حد سواء- إلى دولرة أصولهم، أى تحويل مدخراتهم بالعملة المحلية إلى الدولار تحوطًا من تدهور العملات المحلية التي تراجعت بشدة منذ الشهور الأولى لعام 2016، كما شهدت العملات المحلية مضاربات واسعة من قبل شرائح عديدة من المجتمع، وبما جعلها مصدرًا رئيسيًّا لأرباح واسعة في ظل التقلبات الشديدة لها في الفترة الماضية. وشكل الاتجاهان معًا رافدًا لاتساع حجم السوق الموازية.

وكنتيجة للممارسات السابقة، اتسعت الفجوة بين السوقين الرسمية والموازية (السوداء) في معظم دول المنطقة إلى مستويات قياسية في الشهور الماضية، بما تسبب في ارتفاع المستويات العامة للأسعار بها، بجانب نقص بعض السلع بالأسواق. ففي السودان، وصلت الفجوة بين السوقين إلى ذروتها في منتصف عام 2016 عند مستوى 122%. بينما في مصر، وصلت الفجوة إلى حدودها القصوى في أكتوبر 2016 لتتخطى نسبة 100%.

بينما كان الوضع في دول الصراعات أكثر سوءًا. ففي السوق الموازية الليبية، وصل سعر صرف الدينار الليبي أمام الدولار إلى أربعة أضعاف سعره في السوق الرسمية، وذلك بنهاية عام 2016. فيما بدول أخرى مثل الجزائر والمغرب والأردن، بدت أزمة سوق الصرف أقل حدةً في ظل نجاح حكومات هذه الدول في سد فجوة التمويل الأجنبي عبر استخدام احتياطياتها الدولية، وإجراء ترتيبات تمويلية مختلفة. وبطبيعة الحال، يمكن القول -إذن- إنه كلما اشتد اضطراب أسواق الصرف بدول معينة ارتفعت حظوظ المضاربين في تحقيق مكاسب وأرباح إضافية.

قوى التأثير:

شهدت المنطقة عددًا من التطورات السلبية والإيجابية على مدار الأشهر الماضية، والتي من شأنها أن تؤثر على أوضاع أسواق الصرف في المستقبل القريب. وتتمثل التطورات السلبية في:

1- ارتفاع المخاطر الجيوسياسية: لا يزال تصاعد حدة التوترات الأمنية في دول الصراعات بالمنطقة يمثل عاملا رئيسيًّا في استمرار تراجع الثقة في الاقتصادات الإقليمية. وبشكل مباشر، تسببت سلسلة الحوادث الإرهابية التي تتعرض لها تركيا بداية من عام 2016، إلى جانب الأوضاع السياسية غير المستقرة عقب محاولة الانقلاب الفاشلة في البلاد في يوليو 2016؛ في استمرار الضغوط على الليرة التركية. ومنذ بداية عام 2017، تعرضت الليرة لخسائر أكبر، متراجعة أمام الدولار في السوق الرسمية إلى أكثر من 10% لتصل إلى 3.81.

ولظروف جيوسياسية أخرى، هبط الريال الإيراني أمام الدولار إلى مستويات قياسية في السوق السوداء ليصل إلى 41.300 ألفًا أمام الدولار في 25 ديسمبر 2016، أى بتراجع عن المستوى السابق (34.600 ألفًا للدولار)، بما يوسع الفجوة مع السعر الرسمي الذي لا يزال مثبتًا عند مستوى يتجاوز 32 ألف ريال قليلا. 

ويتعلق أحد الأسباب الرئيسية لهذا التراجع -حسب بعض التوجهات- بقيام الشركات بدولرة أصولها بسبب الشكوك حول دعوة الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة دونالد ترامب إلى إعادة التفاوض حول الاتفاق النووي النهائي الذي توصلت إليه إيران ومجموعة "5+1" في يوليو 2015.

2- قوة الدولار الأمريكي: يواصل الدولار الأمريكي ارتفاعه أمام العملات الرئيسية العالمية، وذلك عقب قرار مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، في 14 ديسمبر 2016، برفع أسعار الفائدة الأمريكية بمقدار ربع نقطة مئوية من 0.50% إلى 0.75%. بل ومن المتوقع أن يصل اليورو إلى سعر التعادل مع الدولار بحلول الربع الثالث من 2017 بحسب بنك باركليز. 

وكان ارتفاع الدولار الأمريكي أيضًا سببًا في هبوط عددٍ من عملات الأسواق الناشئة بما فيها الليرة التركية بحسب صندوق النقد الدولي، حيث أدت قوة الدولار إلى نزوح الاستثمارات من الأسواق الناشئة للاستفادة من أسعار الفائدة المرتفعة على الأصول الأمريكية.

أما التطورات الإيجابية فتنصرف إلى:

1- رفع العقوبات: من دون شك، فإن تخفيف المجتمع الدولي بعض العقوبات الاقتصادية على بعض دول المنطقة -مثل إيران والسودان- سوف يُسهم في إنعاش مصادر النقد الأجنبي بهذه الدول؛ حيث من المتوقع أن تندمج الدولتان السابقتان -تدريجيًّا- مجددًا في النظام الاقتصادي الدولي. ففي 13 يناير 2017، اتخذت إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته باراك أوباما قرارًا برفع بعض العقوبات الاقتصادية على السودان، وهو ما سيسمح للبنوك السودانية بالتعامل مجددًا مع البنوك العالمية، لا سيما الأمريكية.

هذا التحول من شأنه أن يُخفف الضغوط القائمة على سوق الصرف بالسودان، وأن يسهم مؤقتًا في استقرار أوضاع سعر الصرف الجنيه السوداني أمام العملات الصعبة. وحتى الآن، تراجع سعر صرف الدولار في السوق الموازية في المتوسط ليبلغ 17 جنيهًا سودانيًّا مقابل 19 جنيهًا في السابق.

2- إجراء إصلاحات نقدية: تُعيد بعض دول المنطقة حاليًّا النظر مجددًا في نظم أسعار صرفها المثبتة أمام الدولار، في محاولة لتجنب تآكل الاحتياطيات الدولية، ورغبةً في توحيد سوق الصرف في الوقت ذاته. ومن أبرز الدول التي بادرت باتخاذ هذه الخطوة، مصر، التي أعلن بنكها المركزي، في 3 نوفمبر 2016، تحرير سعر الصرف أمام العملات الصعبة.

وهذه الخطوة، التي تأتي بالتزامن مع ضغوط لكبح الواردات، ساعدت حتى الآن في تقليص حركة التداول بالسوق الموازية. ويُضاف إلى ذلك أن البنوك المصرية تمكنت، في نهاية ديسمبر 2016، أى خلال شهرين من تحرير سعر الصرف، من جذب حصيلة دولارية بنحو 6.9 مليارات دولار، حسبما أشار محافظ البنك المركزي طارق عامر.

3- الحصول على قروض دولية: وذلك بهدف سد جزء من فجوة التمويل الأجنبي، حيث عقدت دول المنطقة ترتيبات تمويلية ثنائية أو متعددة الأطراف مع مؤسسات التمويل الدولية خلال العام الماضي. وعلى صعيد الترتيبات الثنائية، تلقى السودان وديعة إماراتية بقيمة نصف مليار دولار. وأما بالنسبة للترتيبات الأخرى، فقد وقّعت العراق، في يوليو 2016، اتفاقًا بقيمة 5.4 مليارات دولار لدعم الاستقرار الاقتصادي، ومواجهة نقص الإيرادات النفطية. 

بينما وقعت كلٌّ من مصر والأردن اتفاقية تسهيل الصندوق الممدد بقيمة 12 مليار دولار و723 مليون دولار على التوالي. وفي الوقت ذاته، ترتبط الترتييات التمويلية السابقة بتنفيذ برامج للإصلاح الاقتصادي بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يُعيد الثقة تدريجيًّا إلى أسواق الدول السابقة.

سيناريوهات محتملة:

بناءً على التطورات السابقة، يمكن القول إن مراكز المضاربين بأسواق العملات في منطقة الشرق الأوسط حتمًا ستتعرض في الفترة المقبلة لمظاهر تغير ملحوظة، وذلك في إطار سيناريوهين رئيسيين: الأول، يتصل بانحسار مؤقت للمضاربة على العملات المحلية أو الدولرة في دول مثل مصر والسودان في ظل استمرار تحسن الأوضاع الاقتصادية والسياسية، إلى جانب استمرار تنفيذها برامج الإصلاح الاقتصادي. بيد أن إعادة توازن السوق نهائيًّا سيتوقف على مدى الاستقرار الاقتصادي والسياسي بكل منهما مستقبلا. 

أما الثاني، فينصرف إلى أن مكاسب المضاربين تتجه نحو الاتساع في دول مثل تركيا وإيران بسبب استمرار الضغوط الاقتصادية والسياسية المحتملة في الشهور المقبلة، وبما يوسع حجم المضاربة على العملات في الأسواق الموازية، بشكل قد يضطر إيران مستقبلا إلى تحرير سعر صرفها أمام الدولار على غرار مصر كمحاولة لتوحيد سوق الصرف. 

وختامًا، يمكن القول إن المضاربين على العملات المحلية هم الفائزون الوحيدون من تقلبات أسواق العملات بالمنطقة في الشهور الماضية. وعلى ما يبدو فإن انحسار مكاسبهم سيبقى رهنًا بإعادة التوازن الكامل إلى سوق الصرف الذي يرتبط من دون شك بتخطي دول المنطقة لأزماتها الاقتصادية والسياسية المتلاحقة.