أخبار المركز
  • أسماء الخولي تكتب: (حمائية ترامب: لماذا تتحول الصين نحو سياسة نقدية "متساهلة" في 2025؟)
  • بهاء محمود يكتب: (ضغوط ترامب: كيف يُعمق عدم استقرار حكومتي ألمانيا وفرنسا المأزق الأوروبي؟)
  • د. أحمد أمل يكتب: (تهدئة مؤقتة أم ممتدة؟ فرص وتحديات نجاح اتفاق إنهاء الخلاف الصومالي الإثيوبي برعاية تركيا)
  • سعيد عكاشة يكتب: (كوابح التصعيد: هل يصمد اتفاق وقف النار بين إسرائيل ولبنان بعد رحيل الأسد؟)
  • نشوى عبد النبي تكتب: (السفن التجارية "النووية": الجهود الصينية والكورية الجنوبية لتطوير سفن حاويات صديقة للبيئة)

انتكاسة مستمرة:

خيارات التنسيقي بعد تأكيد صحة انعقاد البرلمان العراقي

27 يناير، 2022


لاتزال بغداد تشهد تطورات سياسية متلاحقة تتعلق بجهود تشكيل الحكومة العراقية، والتي كان أبرزها قرار المحكمة الاتحادية العليا في العراق، في 25 يناير 2021، بشرعية الجلسة الأولى للبرلمان التي شهدت انتخاب محمد الحلبوسي، رئيساً للبرلمان العراقي. وشهد اليوم نفسه تطورين متزامنين، وهما مهاجمة بيت الحلبوسي بالصواريخ، فضلاً عن زيارة إسماعيل قاآني السرية للعراق، وهي الرابعة له منذ الانتخابات العراقية في أكتوبر الماضي. 

تطورات متزامنة: 

شهد العراق ثلاثة تطورات متلاحقة، في 25 يناير، ترتبط بجهود تشكيل الحكومة العراقية، والتي يمكن توضيحها على النحو التالي: 

1- تعزيز التحالف الثلاثي بزعامة الصدر: أصدرت المحكمة الاتحادية العليا قرارها، في 25 يناير، بصحة انعقاد ودستورية الجلسة الأولى للبرلمان العراقي ومخرجاتها، والتي انتهت بتعيين الحلبوسي رئيساً للبرلمان العراقي، ونائبين ينتميان إلى التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني. 

ويعزز ما سبق موقف الكتلة الصدرية واتفاقها مع تحالف تقدم – عزم والحزب الديمقراطي الكردستاني لتشكيل حكومة أغلبية وطنية. وعلى الرغم من تأجيل المحكمة البت في دعوى أخرى بشأن "الكتلة الأكبر" إلى الشهر المقبل، فإنها لا يتوقع لها أن تحدث أي تغيير في أحقية الصدر في تشكيل الحكومة المقبلة، نظراً لأنه يمتلك الأغلبية، سواء بشكل منفرد، أو من خلال التحالف مع تقدم – عزم والكردستاني. 

وفي المقابل، فإن القرار يضعف موقف الإطار التنسيقي، والذي يسعى لتوظيف مختلف الوسائل لإعاقة جهود الصدر لتشكيل حكومة أغلبية.

2- استهداف منزل الحلبوسي: تعرض منزل رئيس البرلمان العراقي، محمد الحلبوسي، بمدينة الكرمة شرق محافظة الأنبار، للاستهداف بصواريخ كاتيوشا، في 25 يناير الجاري، وهو الهجوم الذي يعتقد أن فصائل موالية لطهران تقف خلفه.

فقد أكد مسؤولون أمنيون في محافظة الأنبار أن الهجوم نفذ من منطقة ذراع دجلة الواقعة على الحدود الإدارية بين الأنبار ومدينة سامراء، وهي خاضعة لنفوذ كتائب حزب الله العراقي، وتعد من ضمن المناطق منزوعة السكان.

وجاء الهجوم عقب صدور قرار المحكمة الاتحادية سالف الذكر، وهي كلها تطورات تحمل رسائل مفادها تهديد الأطراف السياسية المتحالفة مع الصدر، والمتوافقة مع الصدر على تشكيل حكومة أغلبية، وهو ما يعني أن الهجوم يهدف إلى الضغط على هذه القوى لتغيير مواقفها.

3- استمرار الخلافات الكردية: تواصل الخلاف بين الحزبين الكردين الرئيسيين، الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود بارزاني (31 مقعداً)، والاتحاد الوطني الكردستاني (18 مقعداً) في ظل تمسك الديمقراطي بمرشحه هوشيار زيباري الذي سبق أن شغل حقيبتي الخارجية والمالية لعدة سنوات مرشحاً وحيداً لمنصب رئاسة الجمهورية. 

وفي المقابل، تمسك الاتحاد بترشيح الرئيس العراقي الحالي، برهم صالح، لولاية ثانية، حيث ينذر هذا الخلاف بين الحزبين على منصب رئاسة الجمهورية بعودة سيناريو انتخابات 2018 الرئاسية، أي الاحتكام إلى البرلمان لتحديد أي من المرشحين سيصبح رئيساً للجمهورية. 

انعكاسات محتملة:

يلاحظ أن التطورات السابقة قد يترتب عليها بعض الانعكاسات على المشهد السياسي العراقي، وذلك على النحو التالي: 

1- تنازلات محتملة من التنسيقي: وصل مقتدى الصدر إلى بغداد، في 26 يناير للقاء بعض قادة قوى الإطار التنسيقي لبحث جهود تشكيل الحكومة العراقية. وكان الصدر قد قال، في 25 يناير، في تغريدة على تويتر: "أبلغت العامري والفياض برفضي التحالف مع المالكي"، في إشارة إلى هادي العامري، زعيم تحالف الفتح، وفالح الفياض، رئيس هيئة ميليشيات الحشد.

ويعني ما سبق أن اجتماع الصدر بالتنسيقي يهدف إلى استطلاع موقف العامري والفياض، ومدى قبولهما التخلي عن المالكي، والانضمام إلى حكومة الأغلبية، والتي بات الصدر قادراً على تشكيلها من دون الحاجة إلى التحالف معهما. 

ولا شك أن قبولهما الانضمام إلى حكومة الصدر سوف يعني عملياً تراجع قدرتهما على التأثير على القرارات الرئيسية، مثل اختيار رئيس الوزراء، أو التدخل في القرارات الأمنية، مثل قضية نزع سلاح الميليشيات المنفلتة، التي يصر الصدر على تطبيقها، أي أن قبولهما بالتحالف مع الصدر لن يمثل اعترافهما بتراجع شعبيتيهما سياسياً (حوالي 20 مقعداً) وحسب، ولكن كذلك إمكانية إضعافهما عسكرياً، عبر نزع سلاح الميليشيات المرتبطة بهما. 

2- زعم قاآني بالتوسط في زيارته الرابعة: وصل قائد فيلق القدس، إسماعيل قاآني، إلى العراق في 25 يناير، وذلك في زيارة غير معلنة، والتي تمثل استمراراً لمحاولة إيران للوساطة بين الصدر والتنسيقي، في محاولة لتجنب تراجع نفوذها في العراق. 

وفشلت زيارة قاآني الثالثة (15 – 17 يناير) في الضغط على الصدر، وهي الزيارة التي شهدت مصاحبة قاآني ممثل حزب الله اللبناني في العراق، محمد كوثراني، نظراً لما يمتلكه من نفوذ سابق على الميليشيات العراقية، وذلك قبل أن يتم طرده من العراق مطلع عام 2021 من قبل زعماء سياسيين شيعة، لتجاوزه ومحاولته فرض شخصيات تابعة له داخل مفاصل الدولة العراقية.

وتشير تسريبات عن هذه الزيارة الأخيرة لقاآني إلى أنه ألمح إلى التنسيقي بضرورة التخلي عن المالكي، والانضمام إلى الصدر، وذلك مقابل تقديم ضمانات للمالكي بعدم محاسبته عن قضايا الفساد التي ارتكبها، فضلاً عن حصول التنسيقي على وزارة الداخلية، إلى جانب عدد من الوزارات الأخرى، والموافقة على شخصية رئيس الوزراء الجديد، إذ يصر الإطار على رفض مصطفى الكاظمي، رئيس الوزراء العراقي الحالي بسبب جهوده في ملاحقة عناصر ميليشيات إيران المتورطة في عمليات إرهابية. 

ويجب التعامل مع مثل هذه التسريبات بحذر شديد، إذ إنها تسعى إلى تجميل صورة طهران، وتسعى للتهدئة والوساطة، فضلاً عن تبرئها من الهجمات التي يشنّها وكلاؤها المسلحون ضد خصومها السياسيين، وهو ما يمكن توضيحه في النقطة التالية. 

3- التلويح بالتصفية والانفلات الأمني: يكشف استمرار الهجمات التي تستهدف قيادات ومقرات أحزاب سياسية عراقية متحالفة مع الصدر منذ يناير الجاري أن خيار إثارة الاضطرابات الأمنية يعد خياراً قائماً من جانب إيران، خاصة أن زيارة قاآني للعراق في 17 و25 يناير قد رافقتها هجمات على مقار الأحزاب السنية والكردية، أو إحداهما، أي أنها محاولة لترويع هذه الكتل للتراجع عن تحالفها مع الصدر. 

وأكد هذا المعنى اتهامات رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، إلى تقدم وعزم، والديمقراطي الكردستاني، بتمزيق البيت الشيعي، وذلك على خلفية تحالفهم مع مقتدى الصدر بهدف تشكيل حكومة أغلبية وطنية، كما أنه وجه تحذيراً يحمل في طياته العديد من الرسائل السياسية والأمنية بأن الأيام المقبلة يمكن أن تشهد تصعيداً بأساليب مختلفة.

كما هدد أبو علي العسكري، المتحدث باسم ميليشيا كتائب حزب الله العراقي، في 12 يناير،بأن "أياما عصيبة" ستمر على العراق إثر ما وصفه بـ"مصادرة حق الأغلبية" في إشارة إلى الإطار التنسيقي، وهو ما يحمل تهديداً بتصعيد الهجمات في العراق. ويلاحظ أن هذه التهديدات رد عليها الصدر عبر التأكيد على أنه "لن يسمح بتهديد الشركاء أو السلم الأهلي".

4- محاولة تفعيل الثلث المعطل: يمكن أن يسعى التنسيقي إلى عرقلة عملية اختيار رئيس الدولة، إذ إن النصاب القانوني لانعقاد الجلسة يتطلب حضور ثلثي عدد أعضاء البرلمان (حوالي 220 نائب)، وفي حالة اتجه أكثر من ثلث أعضاء البرلمان لمقاطعة الجلسة (110 نواب على الأقل)، فإن النصاب لن يكتمل، وهو ما قد يتيح مزيداً من الوقت للتنسيقي للضغط على الصدر. 

ولا يعد هذا الخيار رهاناً مضموناً للتنسيقي، خاصة أن عدد أعضائه يقل كثيراً عن النصاب القانوني المطلوب لعرقلة انعقاد المجلس (حوالي 52 مقعداً)، كما أن أغلب الكتل السياسية العراقية، وأغلب المستقلين يتبنون توجهات مناوئة لطهران، أي أنه سوف يكون من العسير عليه تجميع الأصوات الباقية لعرقلة اجتماع مجلس النواب العراقي. 

وقد أكد على ذلك التنسيقي بشكل غير مباشر، عبر التأكيد، في بيان في 27 يناير، على أنه في حالة فشل مفاوضاته مع الصدر، فإنه سوف يتجه إلى المعارضة، أو مقاطعة العملية السياسية، وهو ما يعني أنه لا يمتلك عدد المقاعد الكافي لعرقلة انعقاد مجلس النواب.

وفي التقدير، تكشف التطورات السابقة عن استمرار الجهود الإيرانية من خلف الستار لمواصلة الضغط على الصدر لقبول الإطار التنسيقي بكافة مكوناته، على الرغم من محاولتها تسريب معلومات تفيد بأنها تحض باقي مكونات التنسيقي للتخلي عن المالكي، وهو ما يتضح من الهجمات الإرهابية التي تنفذها ميليشيات الحشد الشعبي ضد القوى السياسية العراقية المتحالفة مع الصدر، والتي باتت متزامنة مع زيارات قاآني إلى العراق.